Thursday, June 3, 2010
أسباب نشأة علم الكلام
أسباب نشأة علم الكلام
الدكتور/ كمال الدين نور الدين مرجوني
يُعد علم الكلام أحد العلوم الإسلامية الذي يهتم بمباحث العقيدة الإسلامية ويدافع عنها، وتتركز مباحث هذا العلم على ثلاثة محاور، وهي:
1) الأول: الألوهية.
2) الثاني: النبوة.
3) الثالث: السمعيات.
إلا أن الشيعة أضافوا محورا سياسيا الموسوم بـ "الإمامة"، مع أن هذه المسألة عند السلف تعدّ إحدى المسائل الفقهية، بمعنى أنها لا تدخل في مسائل العقيدة، ومن هنا اضطر علماء الكلام جعلها إحدى القضايا في علم الكلام. ويمكن معالجة هذه القضية في آخر مباحث أصول الدين كتتمة لها، كما يمكن معالجتها عقب الكلام عن النبوة( ).
ويلاحظ أن علم الكلام نشأ لأسباب عدّة، منها: أسباب داخلية وأخرى خارجية. أما الأسباب الداخلية فتبدو من ثلاثة أوجه وهي:
1) تعرض القرآن بجانب دعوته إلى التوحيد لأهم الفرق والمذاهب والديانات والمعتقدات التي كانت شائعة ومنتشرة في عهد النبي فرد عليهم وفند أقوالهم، فكان طبيعياً أن ينتهج علماء المسلمين منهج القرآن في الرد على المخالفين للإسلام.
2) كان المسلمون في العصر الأول في إيمان كامل وخالص من الجدل، ولما فرغ المسلمون من الفتوحات، واستقروا أخذوا ينظرون ويبحثون، فاستتبع هذا اختلاف وجهة نظرهم فاختلفت الآراء والمذاهب. وقد أشار الإمام الغزالي إلى هذا قائلا: "لما نشأت صنعة الكلام وكثر الخوض فيه ... تشوق المتكلمون إلى مجاوزة الذب عن السنة بالبحث عن حقائق الأمور، وخاضوا في البحث عن الجواهر والأعراض وأحكامها ... " ( ).
3) خلافهم في المسائل السياسية كان سبباً في الخلاف الديني، وأصبحت الأحزاب فرقاً وأحزابا دينية لها رأيها: فحزب "علي " تكوّن منه الشيعة، ومن لم يرض بعلي تكوَّن منهم الخوارج، ومن كره خلاف المسلمين كوّن فرقة المرجئة وهكذا .
وأما الأسباب الخارجية فيمكن حصرها إلى ثلاثة أوجه وهي:
1) دخلت أناس إلى الإسلام وكانوا من ديانات مختلفة كاليهود والنصارى والمجوس والصائبة والبراهمة وغيرها وقد أظهروا أحكام شرائعهم في لباس دينهم الجديد.
2) جعلت الفرق الإسلامية الأولى وخاصة المعتزلة همها الأول الدفاع عن الدين، والرد على المخالفين ، وكانت البلاد الإسلامية معرضةً لكل الآراء والديانات المختلفة والمتباينة ، يحاول كل فريق تصحيح رأيه وإبطال رأي غيره، وقد تسلحت اليهودية والنصرانية بالفلسفة فدرسها المعتزلة ليستطيعوا الدفاع بسلاح يماثل سلاح الهاج.
3) حاجة المتكلمين إلى الفلسفة اضطرتهم إلى قراءة الفلسفة اليونانية والنطق والتكلم في شأنها والرد عليها.
إذن، فإن الاحتكاك الثقافي واللقاء الحضاري بين المسلمين وغيرهم من الفرس والروم والهند، وكذلك الاتجاهات الحزبية والتعصبات القبلية كلها تعد من دوافع نشأة علم الكلام. ولقد خاض المتكلمون في أمرين أساسيين هما: الإلهيات والطبيعيات. ففي الإلهيات بحثوا في صفات الباري وأفعاله وقدرته وعلمه وإرادته، إلى جانب البحث في مسائل القضاء والقدر والبعث والمعاد والنشور. وهذه المباحث سميت بـ "جليل الكلام". ثم تطور هذا العلم ببحث في أشياء العالم كلها: المادة، وصفاتها، وتحولاتها، وتفاعلاتها، والحركة، والسكون، والمكان، والزمان، والثقل، والممانعة، والوجود، والعدم وغير ذلك من الصفات الطبيعية والظاهرية، فخرجوا برؤية شاملة قامت على جملة مبادئ وأُسس عقلية. وقد سميت هذه المباحث في ما يُعرف بالأمور الطبيعية بـ
،"دقيق الكلام"( ).
واختصار القول أن علم الكلام لم ينشأ في الإسلام نتيجة سبب بعينه، وإنما هو نتاج أسباب متضامنة، وعوامل متضافرة اقتضت وجوده على الصورة التي نراه عليها في تاريخ الفكر الإسلامي، فهناك عوامل منبعثة من داخل الجماعة الإسلامية ذاتها كالخلاف حول بعض النصوص الدينية، مما أدى إلى اختلاف وجهات النظر في تفسير العقائد، والخوض في مشكلات عقائدية نظرية لم يعرفها الجيل الأول من المسلمين، وكالخلاف السياسي الحادث حول مسألة الإمامة، وهو الخلاف الذي أدى إلى ظهور الفرق، وهو وإن كان سياسيا في منشئه إلا أنه تطور فأصبح متعلقا بالعقائد، وهناك عوامل وافدة من خارج إلى الجماعة الإسلامية، أعانت وجود علم الكلام وازدهارها وذلك مثل التقاء بحضارات وديانات وعقائد أخرى ( ) .
وعلى أية حال، فإن علم الكلام نشأ أول ما نشأ للدفاع عن العقيدة والدين، ثم ما لبث أن تحول إلى أداة تستخدمه الفرق والطوائف والتيارات للدفاع عن آرائها واتجاهاتها. وبعد أن كانت أدلته العقلية في خدمة عقائد القرآن وآياته أصبح القرآن وآياته أداة في يد تلك التيارات والفرق والطوائف تطوعه لنصرة آرائها واتجاهاتها. الأمر الذي جعل طائفة غير قليل من العلماء ترفضه وتشك في جدواه وتطعن فيه –كما يتضح فيما بعد- في الحديث عن موقف العلماء من علم الكلام.
_________________________________
المراجع:
( ) عبد الفتاح فؤاد، 1997، الفرق الإسلامية وأصولها الإيمانية، 1/122، الإسكندرية، دار الدعوة.
( ) الغزالي، المنقذ من الضلال ، ص 13 .
( ) لمزيد من التفصيل راجع كتاب "تبسيط العقائد الإسلامية" للشيخ حسن أيوب، صفحة: 72 وما بعدها.
( ) انظر: د. أبو الوفا التفتازاني، علم الكلام وبعض مشكلاته، ص 6-7، مكتبة القاهرة الحديثة، بدون تاريخ.
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
0 komentar:
Post a Comment