Tuesday, March 2, 2010
الأشعرية، النشأة والمنهج
الأشعرية، النشأة والمنهج
الدكتور/ كمال الدين نور الدين مرجوني
تعريف الأشعرية
هي فرقة كلامية إسلامية، تنسب لأبي الحسن الأشعري الذي خرج على المعتزلة. والانتساب إلى هذا المذهب هو ما عليه أكثر الناس في البلدان المسلمين، وقد اتخذت الأشاعرة البراهين والدلائل العقلية والكلامية وسيلة في محاجة خصومها من المعتزلة والفلاسفة وغيرهم، لإثبات حقائق الدين والعقيدة الإسلامية. وهي تنتهج أسلوب أهل الكلام في تقرير العقائد والرد على المخالفين.
ولد الإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري بالبصرة سنة 260هـ ( ) ، ويذكر ابن خلكان أن مولده كان عام 270هـ وليس 260هـ . وأن شهرته تغني عن الإطالة في تعريفه ، وقد صنف الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في مناقبه مجلدا، وسكن – رحمه الله – بغداد وتوفي بها سنة 324هـ. وعاش – رحمه الله - ملازما لزوج أمه شيخ المعتزلة في زمنه أبي علي الجبائي، فعنه أخذ الاعتزال حتى تبحر فيه وصار من أئمته ودعاته. إلا أنه تحول عن الاعتزال، حيث أجمع المؤرخون لحياة أبي الحسن على التحول الأول في حياته، وهو خروجه من مذهب الاعتزال ونبذه له ( ) .
ويذكر ابن عساكر وغيره أن أبا الحسن الأشعري اعتزل الناس مدة خمسة عشر يوما، وتفرغ في بيته للبحث والمطالعة، ثم خرج إلى الناس في المسجد الجامع، وأخبرهم أنه انخلع مما كان يعتقده، كما ينخلع من ثوبه، ثم خلع ثوبا كان عليه ورمى بكتبه الجديدة للناس.
ومع اتفاق الباحثين على رجوعه عن مذهب الاعتزال، إلا أنهم اختلفوا في تحديد سبب ذلك الرجوع، فاختلفوا إلى ثلاثة آراء :
الرأي الأول :
ذهبوا إلى أن سبب رجوعه ما رآه في مذهب المعتزلة من عجز ظاهر في بعض جوانبه ، فقد كان الإمام الأشعري دائم السؤال لأساتذته عما أشكل عليه من مذهبهم، ومما يروى في ذلك أن رجلا دخل على أبي علي الجبائي وفي حضرته أبو الحسن الأشعري، فقال الرجل لأبي علي: هل يجـوز أن يسمى الله عاقلا ؟ فقال: الجبائي: لا، لأن العقل مشتق من العقال، وهو المنع، والمنع في حق الله محال، فامتنع الإطلاق، فاعترض أبو الحسن على جواب أبي علي قائلا: لو كان قياسك المذكور صحيحا، لامتنع إطلاق اسم الحكيم على الله، لأنه مشتق من حَكَمَةِ اللجام، وهي حديدة تمنع الدابة من الخروج، وذكر شواهد من الشعر على ذلك، فلم يحر أبو علي الجبائي جوابا، إلا أنه قال لأبي الحسن، فَلِمَ منعت أنت أن يسمى الله عاقلا، وأجزت أن يسمى حكيما ؟ فقال: لأن طريقي في مأخذ أسماء الله الإذن الشرعي دون القياس اللغوي، فأطلقت حكيما لأن الشرع أطلقه، ومنعت عاقلا لأن الشرع منعه، ولو أطلقه الشرع لأطلقته، وهكذا سار بينهما الجدل حتى انفصل الأشعري عنه" ( ) .
الرأي الثاني :
ذهبوا إلى أن سبب رجوعه عن مذهب الاعتزال - مع ما سبق - رؤيا رأى فيها النبي ، وهذا ما ذهب إليه ابن عساكر وأورد روايات هذا الرؤيا فقال : "إن الشيخ أبا الحسن رحمه الله لما تبحر في كلام الاعتزال، وبلغ غاية كان يورد الأسئلة على أستاذه في الدرس، ولا يجد فيها جوابا شافيا فتحير في ذلك فحكى عنه أنه قال: وقع في صدري في بعض الليالي شيء مما كنت فيه من العقائد ، فقمت وصليت ركعتين، وسألت الله أن يهديني الصراط المستقيم، ونمت فرأيت النبي ، فشكوت إليه بعض ما بي من الأمر ، فقال (عليك بسنتي)، قال: فانتبهت وعارضت مسائل الكلام بما وجدت من القرآن والأخبار، فأثبته ونبذت ما سواه ورائي ظهريا "( ) .
ولو صحت هذه القصة لكانت نصا في بيان سبب رجوعه، إلا أنه من الملاحظ من خلال مناظرات أبي الحسن للمعتزلة أنه بدأت تتشكل عنده رؤية خاصة به في بعض المسائل وهو ما زال منضويا في عباءة المعتزلة، ولعل الرؤيا التي رآها هي التي وضعت حدا لإنهاء تلك الحيرة، ورسمت له طريق التخلص كليا من مذهب الاعتزال. وليس المذهب معدّلا كما يراه الأستاذ أحمد أمين، إذ قال: "نحن إذا أنصفنا ، قلنا: إن مذهبه هو مذهب المعتزلة معدلا في بعض مسائله، ولكنه استطاع أن يحول كثيرا من الناس من الاعتزال إلى مذهبه الجديد ، ونجح في ذلك إلى حد كبير"( ) .
الرأي الثالث :
ذهبوا إلى أن الأشعري أراد الإصلاح والتوسط بين الفرق والمذاهب، ذلك أنه في الكثير من آرائه يتوسط بين العقل والنقل، ومن هنا فإنه يكون وسيطا بين الفقهاء والمتكلمين ، ووسيطا بين المعتزلة والحنابلة والحشوية، وممن ذهب إلى هذا الرأي الإمام الكوثري، حيث قال : "فسعى أولا للإصلاح بين الفريقين من الأمة بإرجاعهما عن تطرفهما إلى الوسط العدل" ( ) . وفي نفس الرأي يقول الدكتور غرابة: "لأنه رأى أن طريقة المعتزلة ستؤدي بالإسلام إلى الدمار، كما أن طريقة المحدثين والمشبهة ستؤدي إلى الجمود والانهيار مع في ذلك من تفرقة كلمة الأمة، وغرس بذور الشقاق بينها، وأنه من الخير لهذه الجماعة أن يلتقي العقليون والنصيون على مذهب وسط يوحد القلوب ويعيد الوحدة إلى الصفوف مع احترام النص والعقل معا" ( ) . ذلك لأن الاقتصار على قضايا الفقهاء والمحدثين يجعل الدين قضايا جامدة، والاقتصار على آراء المعتزلة الكلامية يجعل الدين قضايا عقلية وبراهين منطقية. ولما كان الدين يخاطب العامة والخاصة لزمه منهج وسط وشخص وسط يجمع بين الطريقتين، فكان أبو الحسن الأشعري هو هذا الشخص ( ) . ومن هنا، على الرغم من أن الإمام الأشعري احتفظ ببعض مباديء الاعتزال إلا أنه كان حريصا على إظهار تمسكه الشديد بمذهب السلف، ويذكر ابن عساكر أنه ليس له في مذهب السنة أكثر من بسطه وشرحه وتأليفه في نصرته ( ). فرفض أن يكون له مذهبه مذهبا جديدا يضاف إلى المذاهب الفقهية الأربعة، فهو يرى أن هذه المذاهب جميعا على حق لاختلافها في الفروع دون الأصول ، ولهذا فقد جهد في أن يظهر مذهبه في صورة تندرج تحتها هذه المذاهب الأربعة، فهو مع مالك ومع الشافعي رغم تنكر الشافعية له، وكذلك فقد حاول استمالة الحنابلة زاعما أنه إنما يبطق بالسانهم، ولكن فريقا منهم تعصبوا ضده ورفضوا انتسابه إليهم متهمين إياه بأنه ما زال على عقيدة المعتزلة الباطلة، وقد جاءت ثورة الحنابلة ضد الأشاعرة في بغداد عام 469هـ لكى تشجب أي محاولة لتسلل الأشاعرة إلى صفوفهم، وقد اعتبر ابن تيمية قيما بعد عن هذا الموقف الحنبلي المعارض للأشعرية في ردوده الحاسمة عليهم ( ) .
وخير مثال على وسطية منهج الأشعري واضح في مقولته المعروفة بنظرية "الكسب"، فتوسط الأشعري بين الجبرية والقدرية، وسيأتي الحديث عنها فيما بعد. وحاولت المعتزلة أن تقف موقفا وسطا بين المغالين في التمسك بظواهر النصوص كالمشبهة والمجسمة أو في التمسك بالعقل كالمعتزلة، وذكر ابن عساكر وغيره أمثلة كثيرة لمنهج الأشعري الوسطي في إثبات المسائل الاعتقادية، فرأيه في الصفات الإلهية أنه وسط بين المعتزلة الذين نفوا صفات المعاني التي وردت في القرآن الكريم وبين المشبهة الذين شبهوا ذاته تعالى في أوصافها بصفات الحوادث، وجاء الأشعري فأثبات الصفات التي وردت كلها في القرآن الكريم والسنة، وقرر أنها صفات ليست كصفات الحوادث، بل هي صفات تليق بذاته تعالى. أما رؤية الله تعالى فأنكر المعتزلة رؤيته سبحانه وتعالى يوم القيامة، وقال المشبهة إن الله يرى يوم القيامة مكيفا محدودا، وذهب الأشعري إلى التوسط فقال إنه تعالى يرى من غير حلول ولا حدود.
واختلف الباحثون كذلك حول المذهب الذي تحول إليه أبو الحسن الأشعري إلى أقوال:
- القول الأول: قالوا بأن الإمام الأشعري تحول إلى مذهب الكلابية، وعنه إلى مذهب السلف، وهذا قول جمع من العلماء .
- القول الثاني: قالوا بأنه تحول إلى مذهب الكلابية وبقي عليه، وكانت له آراء مستقلة توسط فيها بين المعتزلة والمثبتة نشأ عنها المذهب الأشعري وهو قول الأشعرية .
ويعتمد أصحاب القول الأول - القائلين بتحوله إلى الكلابية ومنها إلى مذهب السلف - على ما كتبه الأشعري في الإبانة، ويقولون : إنها من آخر كتبه ، وفيها نصَّ على أنه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل. إلا أن مقارنة دقيقة بين ما كتبه - رحمه الله - في الإبانة ومذهب الكلابية لا تظهر كبير فرق بين المذهبين، فما قال به الكلابية قال به الأشعري، كإثبات الصفات الخبرية كالوجه واليدين وغيرهما، وما نفاه الكلابية نفاه الأشعري كنفيه قيام الأفعال الاختيارية بالله سبحانه، حيث ذهب إلى أن صفة الإرادة صفة أزلية قديمة، لا تتجدد لفعل فعل ولا لإنشائه. وكذلك قال - في غير الإبانة - إن الكلام صفة ذات، وأنكر على من قال: إن الله تكلم بالقرآن.
أما انتسابه لمذهب الإمام أحمد فلا يمكن أن ينسب إليه بمجرد الانتساب، مع أن أقواله وأرائه تخالف ما قال به أحمد، فالإمام أحمد لم يقل بنفي اتصاف الله بالأفعال الاختيارية كالنزول والمجيء.
أما قوله بإثبات الاستواء والعلو فهو أيضا مذهب ابن كلاب، وعليه فلا ينقض هذا الاستشهاد قول من قال: بأنه تحول عن الاعتزال إلى الكلابية وبقي عليها.
وعلى كل حال بإمكان نقول بأن حياة الإمام الأشعري الفكرية قد مرت بثلاث مراحل:
- المرحلة الأولى :
إن الإمام الأشعري عاش في هذه المرحلة في كنف أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة في عصره وتلقى علومه حتى صار نائبه وموضع ثقته. ولم يزل أبو الحسن يتزعم المعتزلة أربعين سنة.
- المرحلة الثانية :
إن الإمام الأشعري ثار في هذه المرحلة على مذهب الاعتزال الذي كان ينافح عنه، بعد أن اعتكف في بيته خمسة عشر يوماً، يفكر ويدرس ويستخير الله تعالى حتى اطمأنت نفسه، وأعلن البراءة من الاعتزال، وخط لنفسه منهجاً جديداً يلجأ فيه إلى تأويل النصوص بما ظن أنه يتفق مع أحكام العقل، وفيها اتبع طريقة عبد الله بن سعيد بن كلاب في إثبات الصفات السبع عن طريق العقل: الحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام، أما الصفات الخبرية كالوجه واليدين والقدم والساق فتأولها على ما ظن أنها تتفق مع أحكام العقل وهذه هي المرحلة التي ما زال الأشاعرة عليها. فأثبت الإمام الأشعري في هذه المرحلة الصفات العقلية السبع، وهى: الحياة- والعلم- والقدرة- والإرادة- والسمع- والبصر- والكلام، وتأول الصفات الخبرية كالوجه واليدين والقدم والساق ونحو ذلك.
- المرحلة الثالثة :
إن الإمام الأشعري في هذه المرحلة أثبت الصفات جميعها لله تعالى من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تحريف ولا تبديل ولا تمثيل، وفي هذه المرحلة كتب كتاب الإبانة عن أصول الديانة الذي عبر فيه عن تفضيله لعقيدة السلف ومنهجهم والذي كان حامل لوائه الإمام أحمد بن حنبل. وبهذا مدحه صاحب كتاب تبيين كذب المفترى قائلا:
لـو لم يصنف عمـره
لكفـى فكيف وقـد
مجموعة تربى على المئين
لم يـأل فى تصنيفهـا
فهـدى بها المسترشـد
تتلـى معـانى كتبـه
ويخـاف من إفحامـه
فهو الشجا فى حلق من غيـر الإبانة واللمـع
تفنن فى العلوم بما جمع
ممـا قــد صنــع
أخذاً بأحسن ما استمع
ين ومن تصفحها انتفع
فوق المنابر فى الجمـع
أهل الكنائس والبيـع
ترك المحجة وابتـدع( )
ولم يقتصر على ذلك بل خلف مكتبة كبيرة في الدفاع عن السنة وشرح العقيدة تقدر بثمانية وستين مؤلفاً، توفي سنة 324هـ ودفن ببغداد ونودي على جنازته: " اليوم مات ناصر السنة ".
ويلاحظ أن بعد وفاة الإمام الأشعري، وعلى يد أئمة المذهب وواضعي أصوله وأركانه، أخذ المذهب الأشعري أكثر من طور، تعددت فيها اجتهاداتهم ومناهجهم في أصول المذهب وعقائده ، ومن أبرز مظاهر ذلك التطور:
- القرب من أهل الكلام والاعتزال .
- الدخول في التصوف، والتصاق المذهب الأشعري به .
- الدخول في الفلسفة وجعلها جزء من المذهب ( ) .
ومن هنا ، فيمكننا أن نفرق بين متقدمي الأشاعرة ومتأخريهم، حيث يتضح لدى دارسي المذهب الأشعري أن ثمة تباين ظاهر بين ما كان عليه متقدموا الأشاعرة في بعض المسائل، وبين ما استقر عليه الرأي عند المتأخرين منهم في تلك المسائل، وهو ما يؤدي بنا إلى القول بأن الأشاعرة المتأخرين لم يكونوا متبعين تماما لأبي الحسن الأشعري - رحمه الله - وإنما خالفوه في مسائل من الأهمية بمكان، حتى قال بعضهم : لو حدث الأشعري عمن له إلى رأيه انتماء لقال: أخبرهم بأني مما يقولونه براء.
ويمكننا التمثيل لهذه المسائل بمثالين:
- المثال الأول:
القول في الصفات الخبرية كصفة الوجه واليدين والعينين، فقد كان رأي الإمام أبي الحسن في هذه الصفات موافقا لرأي الكلابية الذين يثبتون هذه الصفات لله عز وجل، وقد نص أبو الحسن الأشعري على إثباتها في الإبانة ( ). وفي رسالته لأهل الثغر ( ) .
في حين ذهب متأخروا الأشعرية إلى تأويل تلك الصفات، فعلى سبيل المثال يقول الإيجي في صفة اليد: " الخامسة اليد: قال تعالى : إِنّ الّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنّمَا يُبَايِعُونَ اللّهَ يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نّكَثَ فَإِنّمَا يَنكُثُ عَلَىَ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىَ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً - الفتح:10 - قَالَ يَإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ - ص : 75 – ، فأثبت الشيخ صفتين ثبوتيتين زائدتين وعليه السلف وإليه ميل القاضي في بعض كتبه ، وقال الأكثر إنها مجاز عن القدرة فإنه شائع، وخلقته بيدي أي بقدرة كاملة " ( ). وفي موضع آخر يقول الإمام الجويني: "ذهب بعض أئمتنا إلى أن اليدين والعينين والوجه صفات ثابتة للرب تعالى، والسبيل إلى إثباتها السمع دون قضية العقل، والذي يصح عندنا حمل اليدين على القدرة، وحمل العينين على الصبر، وحمل الوجه على الوجود" ( ).
وقرر الرازي أنه إذا كان لفظ الآية والخبر ظاهرا في معنى، فإنم يجوز لنا ترك الظاهر بدليل منفصل، وإلا لخرج الكلام عن أن يكون مقيدا ولخرج القرآن من أن يكون حجة، ومن قول الرازي نلاحظ جواز التأويل لكنه لا يفتح باب التأويل على مصراعيه، فلا يجب أن نترك الأخذ بالظاهر إن لم يقم دليل يقضي بتركه ( ).
- المثال الثاني :
صفة العلو والاستواء، حيث أثبت الإمام أبو الحسن الأشعري صفة علو الله واستوائه على عرشه، فقال: " إن قيل : ما تقولون في الاستواء ؟ قيل له : نقول : إن الله عز وجل يستوي على عرشه استواء يليق به ... كما قال: اَلرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى - طه : 5 – ( ). وفي موضع آخر يقول: " جملة ما عليه أهل الحديث والسنة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله ... وأن الله سبحانه على عرشه، كما قال : اَلرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى - طه : 5 – ( ) .
بل إن الإمام الأشعري رد على من أوّل استواءه سبحانه بالقهر، حيث قال: " وقد قال قائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية إن معنى قول الله تعالى: اَلرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى - طه : 5 ، أنه استولى وملك وقهر وأن الله تعالى في كل مكان وجحدوا أن يكون الله عز وجل مستو على عرشه كما قال أهل الحق وذهبوا في الاستواء إلى القدرة، ولو كان هذا كما ذكروه، كان لا فرق بين العرش والأرض السابعة لأن الله تعالى قادر على كل شيء"( ).
فهذا كان رأي الإمام الأشعري، أما متأخروا الأشاعرة ، فرأيهم غير رأي الإمام الأشعري، حيث يقول الإيجي: " الصفة الثالثة: الاستواء لما وصف تعالى بالاستواء في قوله تعالى : اَلرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى - طه : 5 - اختلف الأصحاب فيه، فقال الأكثرون: هو الاستيلاء ويعود الاستواء حينئذ إلى صفة القدرة، قال الشاعر :
قد استوى عمرو على العراق من غير سيف ودم مهراق
أي استولى ... وقيل هو أي الاستواء ههنا القصد فيعود إلى صفة الإرادة نحو قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ - البقرة : 29 ، فصلت : 11 – أي قصد إليها وهو بعيد " ( ).
فهذان مثالان يوضحان الفرق بين ما كان عليه الأشعري نفسه، وبين ما استقر عليه الرأي عند متأخري الأشاعرة، إذن فمتأخروا الأشاعرة كالجويني، والرازي، والإيجي وغيرهم قد ابتعدوا عن منهج الأشعري، ولم يقفوا عند الأخذ بما جاء به الكتاب والسنة بدون تأويل، واقتربوا من مذهب المعتزلة، فتأولوا النصوص الواردة في صفات الله تعالى على وجوه تليق بذات الله سبحانه، وبما ينبغي له من التنزه عن مشابهة الحوادث ( ) .
ويزخر المذهب الأشعري بأئمة أعلام ، هم الذي رسخوا المذهب وقووا دعائمه، وقعَّدوا له القواعد، ووضعوا له المقدمات، ونشروا آراءه، ودافعوا عنه ضد خصومه، إلا أن كثيرا منهم - لسعة علمه - تبين له ضعف مسلك أهل الكلام، فرجع في آخر عمره إلى مذهب السلف، وعلم أن مذهبهم هو الأسلم والأعلم والأحكم، ونحن نذكر بعض أشهر علماء الأشاعرة، ونبين رجوع من رجع منهم إلى مذهب السلف، فمن علمائهم:
1) أبو الحسن الطبري، توفي بحدود سنة 380هـ، وكان من تلامذة أبي الحسن الأشعري - رحمه الله - ذكر الأسنوي عن أبي عبدا لله الأسدي أنه قال في كتاب مناقب الشافعي: "كان شيخنا وأستاذنا أبو الحسن بن مهدي - الطبري - حافظا للفقه والكلام والتفاسير والمعاني وأيام العرب، فصيحا مبارزا في النظر ما شوهد في أيامه مثله، مصنفا للكتب في أنواع العلم، صحب أبا الحسن الأشعري في البصرة مدة " ( ).
2) أبو بكر الباقلاني، توفي 403هـ، وكان الباقلاني في الفقه مالكي المذهب، قال الإمام الذهبي في ترجمته: " وانتصر لطريقة أبي الحسن الأشعري، وقد يخالفه في مضائق فإنه من نظرائه، وقد أخذ علم النظر عن أصحابه " ( ). ويعده الباحثون المؤسس الثاني للمذهب الأشعري، فهو الذي قعد له القواعد ، ووضع له المقدمات الكلامية، وقد تتلمذ على تلامذة الأشعري، وفاقهم علما ومعرفة. وعلى الرغم من هجومه الشديد على الفلسفة، إلا أنه تأثر بالمنهج العقلي لدى الفلاسفة، بل وتأثر بالمصطلحات الفلسفية أيضا واستخدمها( ).
3) محمد بن الحسن بن فورك، توفي 406هـ، درس المذهب الأشعري على أبي الحسن الباهلي تلميذ أبي الحسن الأشعري، وكان من كبار أئمة الأشعرية .
4) أبو المعالي إمام الحرمين عبدا لملك بن عبدا لله الجويني، ولد سنة 419هـ وتتلمذ على يدي والده، وكان أحد أعلام الشافعية والأشاعرة، ويعد من المجددين داخل المذهب، وقد انتقد على الأشاعرة مسائل وردها عليهم، وتبحر في علم الكلام حتى بلغ الغاية فيه، إلا أنه رجع عنه أخيرا، كما حكاه عنه غير واحد منهم أبو الفتح الطبري الفقيه، قال: دخلت على أبي المعالي في مرضه، فقال: اشهدوا علي أني قد رجعت عن كل مقالة تخالف السنة، وأني أموت على ما يموت عليه عجائز نيسابور" ( ). وقد أوصى الإمام الجويني بالتزام مذهب السلف فهو المذهب الحق قبل نبوغ الأهواء وزيغان الآراء، وذكر من حال السلف في الحرص على الطاعة والاجتهاد في أعمال البر، والابتعاد عن التعرض للغوامض والتعمق في المشكلات، ما يُلزم المرء باتباع منهجهم، والسير على طريقتهم ( ) .
وأورد شارح الطحاوية وصية الإمام الجويني : "يا أصحابنا، لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بن إلى ما بلغ ، ما اشتغلت به، وقال عند موته: لقد حضت البحر الخضم، وخليت أهل الإسلام وعلومهم، ودخلت في الذي نهوني عنه، والآن فإن لم يتداركني ربي برحمته، فالويل لابن الجويني، وهأنذا أموت على عقيدة أمي، أو قال: على عقيدة عجائز نيسابور" ( ).
5) أبو حامد محمد بن محمد الغزالي توفي 505هـ ، وقد ناظر مذهب الشيعة الباطنية وألف كتابا للرد عليهم سماه :"فضائح الباطنية" ، وقال الإمام الذهبي : " وكان خاتمة أمره إقباله على حديث المصطفى ومجالسة أهله، ومطالعة الصحيحين - البخاري ومسلم - اللذين هما حجة الإسلام ولو عاش لسبق الكل في ذلك الفن " ( ). وأورد شارح الطحاوية أن الإمام الغزالي انتهى آخر أمره إلى الوقف والحيرة في المسائل الكلامية، ثم أعرض عن تلك الطرق، وأقبل على أحاديث الرسول ، فمات والبخاري على صدره ( ).
6) أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أحمد الشهرستاني ، ولد في بيئة فارسية ومن أبوين فارسيين، وتوفي سنة 548هـ، وله ألقاب كثيرة منها: "الإمام، والعلامة، والأفضل، وتاج الملة والدين، كما لقب بـ "الشهرستاني" ( ). وله مناظرات جرت بينه وبين بعض الشيعة الباطنية ( ). – كما حدث للإمام الغزالي قبله – ، وقام بترجمة كتاب فارسي – أربعة فصول – لـ "الحسن بن الصباح" إلى اللغة العربية وضمنها إلى كتابه "الملل والنحل" وقد رجع عن المذاهب الكلامية إلى دين الفطرة، حيث قال : " عليكم بدين العجائز فإنه من أسنى الجوائز " ( ).
7) أبو عبدا لله محمد بن عمر بن الحسين الرازي، ويعرف بابن خطيب الري توفي سنة 606هـ ، جاء في لسان الميزان: " وكان مع تبحره في الأصول يقول : " من التزم دين العجائز فهو الفائز " ( ). وقال ابن الصلاح " أخبرني القطب الطوعاني مرتين أنه سمع فخر الدين الرازي يقول: " يا ليتني لم أشتغل بعلم الكلام وبكى، وروى عنه أنه قال: " لقد اختبرت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فلم أجدها تروي غليلا ولا تشفي عليلا، ورأيت أصح الطرق طريقة القرآن". وأكد الفخر الرازي أن مذهبه لا يخرج عن مذهب أهل السنة والجماعة، فقال : "ومع هذا فإن الأعداء والحساد يطعنون فينا وفي ديننا ، مع ما بذلنا من الجد والاجتهاد في نصرة اعتقاد أهل السنة والجماعة ، ويعتقدون أني لست على مذهب أهل السنة والجماعة، وقد علم العالمون أنه ليس مذهبي ولا مذهب أسلافي إلى مذهب أهل السنة والجماعة، ولم تزل تلامذتي ولا تلامذة والدي في سائر أطراف العالم يدعون الخلق إلى الدين الحق والمذهب الحق، وقد أبطلوا جميع البدع ... "( ).
منهج الأشعرية
ويهمنا هنا عرض مناهج الأشاعرة المتأخرين، لأنهم كانوا أقرب إلى مذهب المعتزلة وطريقهم في البحث. فخلطوا عقيدة شيخهم بكثير من العناصر الكلامية والصوفية والفلسفة، حتى ذابت على أيدي الأشعرية المتأخرين الفروق بين الفلسفة وعلم الكلام، وامتزج كل منهم بالآخر امتزاجا كاملا، فضلا عن تداخل منهج الأشاعرة وعقائدهم بمنهج المعتزلة وعقائدهم ( ).
وأما الإمام الأشعري نفسه ومن تبعه من المتقدمين كالباقلاين والجويني، فإنهم ساروا على منهج السلف، فلم يقل بتقديم العقل، فيرى الجويني ضرورة الاعتماد على النص والعقل في المسائل الاعتقادية، فلكي يصل المرء إلى اليقين ينبغي عليه أن ينظر في الشرع، وهذا ما يعده الجويني واجبا شرعيا، أما في غير مسائل الاعتقاد فيمكن للعقل أن يصل إلى مرتبة اليقين فيها بنفسه، وهذه الرؤية من قبل الجويني لعلاقة النص والعقل، هي التي جعلته يستفيد منها في دراسته لقضايا كلامية، وكذلك فقد أكد الاسفراييني هذه العلاقة بين النص والعقل في وجوب التكليف بعد ورود الشرع لا قبل بلوغه ( ). إلا أن الكوثري يرى أن الإمام الأشعري لم يلتزم هذا المنهج في بعض المسائل، وإنما كان يميل إلى طرف من الطرفين أكثر من الآخر كقوله في التحسين والتقبيح والتعليل ( ).وقد عرض لنا الشيخ أبو زهرة منهاج الإمام الأشعري في مسائل الاعتقاد، فقال: "قد سلك في الاستدلال على العقائد مسلك النقل والعقل، فهو يثبت ما جاء به القرآن والسنة من أوصاف الله ورسوله واليوم الآخر والملائكة والحساب والعقاب والثواب ، ويتجه إلى الأدلة العقلية والبراهين المنطقية يستدل بها على صفات الله، وقد استعان في ذلك بقضايا فلسفية ومسائل عقلية خاض فيها الفلاسفة وسلكها المناطقة" ( ). فذكر – رحمه تعالى – النقل أولا، فهذا دليل واضح على أن النص عند الأشعري يتقدم على العقل، والسبب الذي دعى الأشعري إلى اتخاذ هذا الموقف الوسط بين المعتزلة والحشوية كما يراه الشيخ أبو زهرة أنه تصدى للمعتزلة والحشوية والروافض والباطنية وسائر فرق الإلحاد، وهؤلاء لا يقطعهم إلا دليل العقل ( ).
ويتضح هنا، أن منهح الإمام الأشعري في العقيدة وسط لا هو مغرق في العقل وفي التأويل إغراق المعتزلة، ولا هو واقف عند حدود النص وحروفه عازف عن علم الكلام جملة عزوف الحشوية، ولذا نقد المعتزلة ونقد الحنابلة ووقف بمنهجه ومذهبه وسطا بين هؤلاء وهؤلاء.
وعلى أية حال يمكننا القول بأن منهج الأشاعرة في الصفات قائم على اتجاهين :
- الأول: يخص المؤسسين للمذهب وتلاميذهم ومريديهم، كالأشعري أوضح في الإبانة أنه رفض التأويل وأثبت الصفات كلها حسب ما تنطق به النصوص دون التعرض لها بالتفسير أو التأويل بحجة أن الله أثبتها ونحن نثبتها، ولكن تحت كلمة التوحيد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
- الثاني: الأشاعرة المتأخرون، فإنهم أثبتوا الصفات السبع التي يطلقون عليها صفات المعاني من دون تأويل لكنهم في مسألة صفات الأفعال لا يستطيعون أن يمروا بسلام، فقد خاضوا غمار التأويل وأثبتوا أن الله لا يمكن أن نصفه بهذه الصفات على ما هي عليه في ظاهرها ونتيجة لهذا ازدادت حدة الصراع بينهم وبين المذهب السلفي من جانب والمعتزلة من جانب آخر إلى يومنا هذا ( ).
والسؤال المطروح بنفسه، لماذا لم يقبل أهل الحديث أبا الحسن الأشعري حين ظهر بمنهجه هذا الذي يزاوج بين العقل والنقل، وقد كان لنصرة أهل السنة، ويبدو أن السبب في ذلك راجع أصلا إلى كراهية أهل الحديث لعلم الكلام والمتكلمين، وقد كان الأشعري متبحرا في علم الكلام، وقد يكون ذلك راجعا إلى نشأة الأشعري في أحضان المعتزلة وأخذه عنهم طرق الجدال والنقاش( ).
والآن نعرض أهم منهج الأشاعرة (المتأخرون) في تناول القضايا العقدية :
الأول: تقديم العقل على النقل عند التعارض بينهما.
وهو منهج يقوم على افتراض التعارض بين الأدلة النقلية والعقلية، ما يستدعي ضرورة تقديم أحدهما، فصاغ الأشاعرة للتعامل مع هذا التعارض الموهوم قانونا قدموا بموجبه العقل، وجعلوه الحكم على أدلة الشرع، بدعوى أن العقل شاهد للشرع بالتصديق، فإذا قدمنا النقل عليه فقد طعنا في صدق وصحة شهادة العقل، مما يعود على عموم الشرع بالنقض والإبطال. وفي هذا يتساءل الرازي: " إن البراهين العقلية إذا صارت معارضة بالظواهر النقلية ، فكيف يكون الحال فيها ؟، ثم يناقش الاحتمالات أو الأمور الأربعة التي لا يخلو الحال من أحدها:
1) إما تصديق العقل والنقل معا، فيلزم تصديق النقيضين، وهذا محال.
2) وإما تكذيبهما معا، وهذا محال أيضا.
3) وإما تصديق الظواهر النقلية ، وتكذيب الظواهر العقلية، وهذا باطل، لأن معرفة صحة الظواهر النقلية لا تتم إلا بالأدلة العقلية، ومن ثم فإن القدح في العقل لتصحيح النقل، يفضي إلى القدح فيهما معا.
4) ولما بطلت الأقسام الثلاثة، لم يبق إلا أن يقطع بمقتضى الدلائل العقلية القاطعة، بأن هذه الدلائل النقلية، إما أن يقال: إنها غير صحيحة، أو يقال: إنها صحيحة. إلا أن المراد منها غير ظواهرها. ولكن ما السبيل إلى معرفة المراد منها ؟ وهنا يوضح لنا الرازي بأن أمامنا أحد خيارين: التأويل أو التفويض، فإن جوزنا التأويل اشتغلنا بالبحث عن التأويلات المحتملة، وإن لم نجوز التأويل فوضنا العلم بها إلى الله. ثم يقول الرازي: " فهذا هو القانون الكلي المرجوع إليه في جميع المتشابهات " ( ).
ومن هنا يرى فخر الدين الرازي أن الأدلة النقلية، وهي نصوص الوحي أدلة لفظية لا تفيد اليقين أو القطع، قوله في ذلك: " الدلائل اللفظية لا تكون قطيعة " ( ). ويؤكد في موضع آخر: "إن الاستدلال بالأدلة اللفظية مبني على مقدمات ظنية، والمبني على المقدمات الظنية ظني " ( ).
ويوضح الرازي أن الأدلة النقلية لا تفيد اليقين وإنما تفيد الظن لعدة أسباب، منها أن الدلائل اللفظية (أي النقلية) موقوفة على نقل اللغات، أي ما يفهم من ألفاظ القرآن والسنة، وهي ألفاظ حمالة أوجه، وقد يشكل على كثير من الناس فهم معاني هذه الألفاظ، فالمرجع في ذلك إلى روايات أئمة اللغة وعلماء النحو والصرف، وهم غير معصومين من الخطأ، فما ينقل عنهم لا يفيد إلا الظن، كما أن عدم اليقين قد يحصل بسبب الاشتراك في الألفاظ (كلفظ العين له معاني عدة)، فيجوز أن يكون مراد الله تعالى من آية ما معنى غير المعنى الذي عرفناه من اللغة. وقد تكون ألفاظ نصوص الوحي نقلت من معانيها اللغوية إلى معان شرعية .
وهذا ما ذهب إليه الإيجي من الأشاعرة المتأخرين، حيث قال متسائلا: " الدلائل النقلية: هل تفيد اليقين ؟ قيل: لا أن دلالتها تتوقف على أمور ظنية فتكون ظنية، لأن الفرع لا يزيد على الأصل في القوة ( ).
ويرى الإمام ابن تيمية أن فخر الدين الرازي أول من وضع هذا الأصل المنهجي، حيث يقول عنه: " الرازي ... من أعظم الناس طعنا في الأدلة السمعية، حتى ابتدع قولا ما عرف به قائل مشهور غيره، وهو أنها لا تفيد اليقين "( ).
والحقيقة أن قول الأشاعرة وكذلك المعتزلة بتقديم العقل على النقل فإن المسألة مصادرة من أساسها، فأهل السنة يقولون على وجه القطع: إنه لا يمكن أن يتعارض عقل صريح مع نقل صحيح، فالمسألة غير واقعة أساساً، ذلك أن العقل قد شهد بصدق الرسول وصحة نبوته، فالواجب بناء على هذه الشهادة الحقة تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، فإذا أخبر أن الله في السماء وجب تصديق خبره، وكان تقديم العقل على النقل طعن في شهادة العقل، وفي ذلك إبطال لشهادته بصدق الرسول، ونقض للدين.
الثاني : التأويل العقلي.
إن حقيقة التأويل وجوهره حمل النص على معناه المجازي لا الحقيقي، وإقرار النص على ظاهره اعتقادا أو عملا كما يتنافى مع تأويله يتنافى كذلك مع حمله على المجاز، ومن هنا فإن القانون الكلي الذي وضعه الرازي يقتضي أن يكون التأويل أصلا منهجيا ضروريا، حيث أشار إلى أن: "المصير إلى التأويل أمر لا بد منه لكل عاقل" ( ).
وأوضح الرازي أن التأويل لا يقتصر على الآيات القرآنية فقط، بل يشمل أيضا الأحاديث، إذا كانت متونها مما يجوز في العقل، وفي ذلك يقول: " فإن روي الراوي ما يحيله العقل، ولم يحتمل تأويلا صحيحا فخبره مردود ... وإن كان ما رواه الراوي الثقة يروع ظاهره في العقول ، ولكنه يحتمل تأويلا يوافق قضايا العقول ، قبلنا روايته، وتأولناه على موافقة العقول " ( ) .
الثالث : تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز ( ) .
وعلاقة المجاز بالتأويل علاقة وثيقة يقول الغزالي: "ويشبه أن يكون كل تأويل صرفا للفط عن الحقيقة إلى المجاز" ( ) . ويزعم الجرجاني أن المجاز وسيلة للسلام من الشبهات قائلا: "ولوم لم يجب البحث عن حقيقة المجاز، والعناية به، حتى تحصل ضروبه، وتضبط أقسامه، إلا للسلامة من هذه المقالة، والخلاص مما نحا نحو هذه الشبهة ( ) .
ويبدو أن أول من قال بتقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز المعتزلة ومن تبعهم من المتكلمين ، أما الأشاعرة فقد أنكرت طائفة منهم هذه التفرقة كأبي إسحاق الإسفراييني ( ). وانطلاقا من هذا التقسيم، فكان من أهم وسائل التأويل عند الأشاعرة المتأخرين تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز، ومن هؤلاء الفخر الرازي، إذ يرى أن الدلائل اللفظية لا تكون قطيعة، لأنها موقوفة على عدة أمور منها أن اللفظ قد يقال على سبيل المجاز ( ). وقد طبق الرازي هذا الأصل المنهجي في مسألة الصفات الإلهية، كلفظ اليد في كتاب الله تعالى، يقرر الرازي أن لفظ اليد يعني في الحقيقة الجارحة المخصوصة، " إلا أنه يستعمل على سبيل المجاز في أمور غيرها "، إذ يستعمل تارة بمعنى القدرة، وتارة أخرى يراد به النعمة( ).
الثالث : لا يحتج بأخبار الآحاد في العقائد، لأنها ظنية.
قسم البغدادي - وغيره من الأشاعرة - الأخبار الواردة عن الرسول إلى ثلاثة أقسام: تواتر، وآحاد، ومتوسط بينهما مستفيض جار مجرى التواتر في بعض أحكامه، أي أن الأخبار – من حيث أحكامها – تنقسم إلى قسمين :
1) المتواتر: "هو الذي يستحيل التواطىء على وضعه، وهو موجب للعلم الضروري بصحة مخبر".
2) أخبار الآحاد: " متى صح إسنادها، وكانت متونها غير مستحيلة في العقل، كانت موجبة للعمل بها دون العلم، وكانت بمنزلة شهادة العدول عند الحاكم، يلزمه الحكم بها في الظاهر، وإن لم يعلم صدقهم في الشهادة " ( ) .
وقد سبق البغدادي في تقرير هذا الأصل شيخه الباقلاني ( ). وأبو بكر بن فورك ( ). كما قرره من بعده الإمام الحرمين ( ). وكذلك الفخر الرازي الذي يقول: " إن أخبار الآحاد مظنونة، فلم يجز التمسك بها في معرفة الله وصفاته، وإنما قلنا: إنها مظنونة لأنا أجمعنا على أن الرواة ليسوا معصومين ( ).
الرابع : النظر العقلي والاستدلال أول الواجبات ( ).
يرى الأشاعرة المتأخرين أن التعقل أول الواجبات على الإطلاق، وقد أشار إلى ذلك البغدادي:"الصحيح عندنا قول من يقول: إن أول الواجبات على المكلف النظر والاستدلال المؤدي إلى المعرفة بالله تعالى، وبصفاته، وتوحيده، وعدله، وحكمته، ثم النظر والاستدلال المؤدي إلى جواز إرسال الرسل منه، وجواز تكليف العباد ما شاء، ثم النظر المؤدي إلى وجوب الإرسال، والتكليف منه، ثم النظر المؤدي إلى تفضيل أركان الشريعة ..." ( ) .
ومن الآيات التي استدل بها الأشاعرة على وجوب النظر بالشرع، قوله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِيْنَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُوْلاً -الإسراء : 15- . وقوله تعالى: وَتَرَى كُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٍ ، كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا - الجاثية : 28- .
وهناك نصوص أشعرية كثيرة تشير إلى ذلك: فعلى سبيل المثال يقول الإمام الجويني: " النظر والاستدلال المؤديان إلى معرفة الله سبحانه واجبان، ثم الذي اتفق عليه أهل الحق: أنه لا يدرك وجوب واجب في حكم التكليف عقلا، ومدارك موجبات التكليف الشرائع، ولا نتوصل بقضية العقل – قبل استقرار الشريعة – إلى درك واجب، ولا حظر، ولا مباح، ولا ندب " ( ). ويقول الآمدي: " أجمعت الأمة على وجوب معرفة الله تعالى، ومعرفة الله لا تتم إلا بالنظر، إذ هي أمر غير بديهي، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب " ( ) .
وعلى أية حال، فإن للأشعري أتباع جمٌّ عندما أدخل على معتقدات فرقة أهل الحديث تعديلات وإصلاحات بإضافة العنصر العقلي في البرهان والإثبات، ذلك أن أهل الحديث كانوا يحرمون الخوض في العقائد الإسلامية عن طريق تقديم الأدلة العقلية والبراهين الفلسفية، ويكتفون بالمعاني الظاهرية للنصوص حتى لو خالفت المنطق والعقل، وهم بذلك على عكس المنهج الاعتزالي الذي يعطي العقل الوزن الأكبر في إثبات العقائد، وتأويل الآيات والروايات في حال مخالفة معانيها الظاهرية للمنطق العقلي.
وقد لاقت إصلاحات الأشعري قبول عامة الناس والسلطة الحاكمة حتى أصبح مذهب الأشاعرة المذهب الرسمي للدولة العباسية. ومن أمثلة هذه الإصلاحات:
- تنزيه الله سبحانه وتعالى عن كونه جسماً بالصورة التي يعتقدها أهل الحديث، فبالرغم من أن الأشعري لم يؤول الآيات والأحاديث التي يقول ظاهرها بأن لله يداً ورجلاً واستواء على العرش، إلا أنه أضاف كلمة خاصة أخرجته من مغبة التجسيم والتشبيه وهي أن لله سبحانه هذه الصفات لكن بلا تشبيه ولا تكييف، وقال: النزول صفة من صفاته. والاستواء صفة من صفاته، وفعل من أفعاله في العرش يسمى الاستواء، وبشأن رؤية الله قال: يرى من غير حلول ولا حدود ولا تكييف.
- ومن إصلاحاته في فهم القضاء والقدر، فإنه لما كان قول أهل الحديث بأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق لأفعال العباد خيرها وشرها، يعني أن الإنسان مجبور في أفعاله ولا معنى عندئذ للحساب والعقاب، فإن الأشعري حاول أن يعالجه بنظريته المعروفة "الكسب" وهي القول بأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق للفعل، ولكن العبد هو الكاسب له. ويقصد بذلك أن كل فعل صادر من الإنسان يشتمل على جهتين: جهة الخلق وجهة الكسب، فالخلق والإيجاد منه سبحانه وتعالى ، والاكتساب من الإنسان .
_________________________________________________________________
( ) انظر : دائرة المعارف الإسلامية ، مادة الأشعري .
( ) ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، 2/446 ، طبعة القاهرة ، 1320هـ .
( ) انظر : أحمد أمين ، ظهر الإسلام ، 4/68 - 69 .
( ) ابن عساكر ، تبيين كذب المفترى ، ص 38 .
( ) أحمد أمين ، ظهر الإسلام ، 4/65 ، طبعة القاهرة ، سنة 1374هـ .
( ) مقدمة كتاب تبيين كذب المفترى ، ص 15 .
( ) د. غرابة ، الأشعري ، ص 67 .
( ) د. جلال محمد عبد الحميد موسى ، نشأة الأشعرية وتطورها ، ص 187 ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، ط1/1975م .
( ) انظر : ابن عساكر ، تبيين كذب المفترى ، ص 362 .
( ) د. محمد علي أبو ريان ، تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام ، ص 197- 198 ، دار النهضة العربية ، بيروت – لبنان ، ط2/1973م.
( ) ابن عساكر ، تبيين كذب المفترى ، ص 152 .
( ) ولمزيد من التفاصيل راجع كتابات المتعلقة بطور المذهب الأشعري ، كبحث جامعي لأستاذي المرحوم الأستاذ الدكتور عبد المقصود عبد الغني عبد المقصود بعنوان "تطور المذهب الأشعري على يد الباقلاني" . وهو في الأصل رسالة ماجستير قدمها – رحمه الله – إلى قسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة . وبحث الدكتور جلال موسى بعنوان "نشأة الأشعرية وتطورها" ، رسالة ماجستير قدمها إلى كلية الآداب بجامعة الإسكندرية . وتحدث فيها عن تطور الأشعرية على يد الباقلاني ، والجويني والغزالي .
( ) الأشعري ، الإبانة ، ص 51 – 58 .
( ) الأشعري ، رسالة إلى أهل الثغر ، 72 – 73 .
( ) الإيجي ، كتاب المواقف ، 3/145 .
( ) الجويني ، الإرشاد ، ص 155 .
( ) الرازي ، أساس التقديس ، ص 221 ، مطبعة كردستان ، مصر ، 1328هـ .
( ) الأشعري ، الإبانة ، 1/105 .
( ) الأشعري ، مقالات الإسلاميين ، 1/290 .
( ) الأشعري ، الإبانة ، 1/108 .
( ) الإيجي ، كتاب المواقف ، 1/150-151 .
( ) وأورد الدكتور الأستاذ أحمد محمود صبحي مراحل التي مر بها المذهب الأشعري كما يلي :
الأول : مرحلة النشأة والصياغة . وأهم الشخصيات في هذه المرحلة :
1) أبو الحسن الأشعري . فعلى يده أصبحت أغلبيـة أهل السنة وهم يدورهم يمثلون أكثر المسلمين تدين بمذهبه . ومن جهة أخرى أصبح علم الكلام معترفا به كعلم من علوم الدين منذ أن استحسن أبو الحسن الخوض فيه ، وذلك بعد أن كان المحدثون وأئمة الفقه ينفرون الناس من الاقتراب منه .
2) أبو بكر الباقلاني ، ويعد من أهم شخصيات المذهب الذين أسهموا في تطويره منهجا وموضوعا .
3) عبد القاهر البغدادي ، وقام بصياغة آراء الأشاعرة لا على أنها مجرد فكر لفرقة من فرق المتكلمين ، وإنما على أنها عقيدة لجمهور أهل السنة من المسلمين .
4) أبو المعالي الجويني ، وقد توثقت في شخصه الصلة بين الأشعرية كمذهب كلامي وبين الشافعي كمذهب فقهي
الثاني : مرحلة اكتمال العقيدة . وأهم الشخصيات في هذه المرحلة :
1) أبو حامد الغزالي ، وهو قد أزال الجفوة بين الفقهاء والصوفية ، إذ وزاج بين الفقه والتصوف ، وقدمها كوجهين لحقيقة واحدة ، حيث أرسى قواعد التصوف السني الذي لا يجنح إلى شطحات البسطامي ولا إلى نظريات الحلاج ، وحدد مصير علم الكلام حين أبعده عن العوام وأبعد العوام عنه مطالبا بالاقتصاد في الاعتقاد وبإلجام العوام عن علم الكلام .
2) محمد بن تومرت ، وقد تأثر بآراء ابن حزم في الفقه دون الكلام ، وأنه جمع في مذهبه أفكارا من مصادر مختلفة بين معتزلة وأشاعرة وشيعة وخوارج ، وإذا صرفنا النظر عن أفكاره السياسية في المهدية والإمامة وتكفير أعدائه ، فإن الملامح العامة لمذهبه الكلامي تبقيه آخر الأمر في نطاق مذهب الأشاعرة ، وهذا واضح في انتقاداته للمجسمة والمعتزلة معا .
3) الشهرستاني ، وقد اشتهر كمؤرخ للفرق والديانات بأكثر من شهرته كمتكلم ، وكان شديد المعارضة للفلاسفة، وألف كتابا خاصا في الرد على الفلاسفة بعنوان "مصارعة الفلاسفة" ، وتصـدى له نصير الدين الطوسي في كتابه "مصارع المصارع" ، والجدير بالذكر أن موقف الشهرستاني من الفلاسفة كان أخف من موقف الغزالي من الفلاسفة في كتابه "تهافت الفلاسفة" ، وتصدى له ابن رشد في "تهافت التهافت" .
الثالثة : مرحلة علم الكلام الفلسفي . وأهم الشخصيات في هذه المرحلة :
1) فخر الدين الرازي ، وهو مفسر متكلم فقيه طبيب واعظ أصولي كيمائي ، ولكن شهرته أولا كمفسر وثانيا كمتكلم ، واختط في علم الكلام منهجا وإن لم يكن مستحدثا تماما إلا أنه قد عدل فيه عن منهج سابقيه من متكلمي الأشاعرة ، فتوسع في المقدمات والمصطلحات المقتبسة من كلام الفلاسفة في الطبيعيات والإلهيات كالإشارة إلى تعريف الواجب والممكن ، والاستدلال على وجود الله بدليل الإمكان وضرورة استناد الممكن إلى الواجب . لذلك نجد لديه مضمونا أشعريا في قالب فلسفي .
2) عضد الدين الإيجي ، وهو يمثل الصياغة النهائية لفكر الأشاعرة ، فعلى يده بلغت ذروة علم الكلام عند الأشاعرة بكتابه "المواقف"، وهو يضارع كتاب "المغني" للقاضي عبد الجبار بالنسبة للمعتزلة ، كما يضارع ما بلغه كتاب "الشفاء" لابن سينا بالنسبة للفلاسفة. راجع : د. أحمد محمود صبحي ، في علم الكلام ، 2/43 ، 89 ، 115 ، 147 ، 165 ، 211 ، 239 ، 277 ، 357 ، دار النهضة العربية ، بيروت – لبنان ، ط5/1985م .
( ) الأسنوي ، طبقات الشافعية ، 2/398 .
( ) راجع : الذهبي ، سيرة أعلام النبلاء. يحكى عنه أنه ذهب إلى بلاد الروم من جانب خليفة بغداد بطريق السفارة، ولما وصل إلى دار عظيمهم ، قالوا أنه : إن أهل الإسلام لا يتواضعون ، ولا يعظمون السلاطين بالانحناء والخرور ، فلا بد أن يدعو هذا السفير من باب صغير قصير ، فلما رأى الباقـلاني الباب ، تفطن الحال ، فقعد عنده ، ودخله زاحفا ، ولما لاقاه عظيم الروم ، سأله عن إفك عائشة رضي الله عنها استهانة وتحقيرا ، فأجابه الباقلاني قائلا : "قد افترى على امرأتين يعني مريم وعائشة واتهمتا بالزنا بلسان الأفاكين ، ولكن ولدت إحداهما دون الآخر ، فانخجل العظيم وحضار مجلسه" . انظر : ابن كثير ، البداية والنهاية ، 11/376 .
( ) د . عبد الفتاح أحمد فؤاد ، الفرق الإسلامية وأصولها الإيمانية ، ص 213 .
( ) الذهبي ، سيرة أعلام النبلاء ، 18/474 .
( ) انظر : الجويني ، غياث الأمم ، ص .
( ) ابن أبي العز ، شرح العقيدة الطحاوية ، 1/245 .
( ) الذهبي ، سير أعلام النبلاء 19/323-324 .
( ) ابن أبي العز ، شرح العقيدة الطحاوية ، 1/243 –244 .
( ) انظر : ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، 3/403 . السبكي ، طبقات الشافعية ، 4/78 .
( )ولمزيد عن آراء الباطنية راجع رسالتنا للدكتوراه بعنوان "موقف الزيدية من العقيدة الإسماعيلية الباطنية وفلسفتها" . قدمت بها إلى قسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة سنة 2005م . وقام بالإشراف فضيلة أستاذي الدكتور السيد محمد الجليند . وقام بنشرها دار الكتب العلمية ، بيروت، 2009م .
( ) الشهرستاني ، نهاية الإقدام ، ص 4 . ولمزيد من التفاصيل عن آراءه الكلامية راجع رسالة دكتوراه بكلية الآداب جامعة القاهرة تحت عنوان "الشهرستاني وآرؤه الكلامية والفلسفية" ، للدكتورة سهير مختار . وكتاب الدكتور محمد حسيني أبو سعده "الشهرستاني ومنهجه النقدي "، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت – لبنان ، ط1/2002م ، وأصله رسالة الدكتوراه للمؤلف قدمها إلى قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة .
( ) ابن حجر العسقلاني ، لسان الميزان، 4/427 .
( ) الرازي ، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين، ص 91 –91 ، تحقيق : د. علي سامي النشار .
( ) د. عبد الفتاح أحمد فؤاد ، الفرق الإسلامية وأصولها الإيمانية ، ص 210 .
( ) انظر : التبصير في الدين، ص 153.
( ) انظر : مقدمة كتاب تبيين كذب المفترى ، ص 19 .
( ) محمد أبو زهرة ، ابن تيمية ، ص 189 .
( ) د. جلال موسى ، نشأة الأشعرية وتطورها ، ص 201 .
( ) د. محمد محمد الحاج حسن الكمالي ، الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى وأثره في الفكر الإسلامي ، دار الحكمة اليمانية ، صنعا – اليمن ، ط1/1991م .
( ) د. جلال موسى ، نشأة الأشعرية وتطورها ، ص 200 .
( ) الرازي ، أساس التقديس ، ص 220 - 221 ، تحقيق : د. أحمد حجازي السقا ، القاهرة ، مكتبة الكليات الأزهرية ، 1986م .
( ) المصدر السابق ، ص 234 .
( ) الرازي ، أصول الفقه ، 1/547 – 548 ، تحقيق : طه جابر العلواني ، الرياض ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، 1979م . .
( ) الرازي ، أساس التقديس ، ص 220 - 221 .
( ) ابن تيمية ، الفرقان بين الحق والباطل ، ص 165 ، تحقيق : حسين يوسف غزال . ولمزيد من التفاصيل راجع كتاب "الفرق الإسلامية وأصولها الإيمانية" للدكتور / عبد الفتاح أحمد فؤاد ، ص 260 وما بعدها ، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر ، الإسكندرية ، 2002م .
( ) الرازي ، أساس التقديس ، ص 109 .
( ) الرازي، أساس التقديس ، ص105 .
( ) والجدير بالذكر هنا اختلاف العلماء في هذا التقسيم :
- فمنهم من أثبت أن المجاز ثابت في اللغة العربية وأسلوب من أساليبها وواقع في الكتاب والسنـة ، وهم المتكلمون من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والمرجئة ، وإليه ذهب الزيدية .
- ومنهم من أنكر وجوده في القرآن دون اللغة العربية ، وممن قال بهذا داود بن عي الأصفهان تـ 270هـ، وابنه أبو بكر تـ 297هـ ، ومنذر بن سعيد البلوطي تـ 355هـ ، وابن عبد البر النمري المالكي تـ 465هـ .
- ومنهم من أنكر هذا التقسيم أصلا ، وقالوا أنه حادث بعد انقضاء القرون الثلاثة الأولى ، وممن ذهب إلى هذا الرأي المتكلم الأشعري أبو إسحاق الإسفراييني تـ 418هـ ، ابن تيميـة ، ابن القيم . راجع : ابن تيمية ، مجموع الفتاوى ، 7/88 . الغزالي ، المستصفى ، ص 84 وما بعدها ، تحقيق : محمد عبد السلام الشافي ، دار الكتب العلمية ، بيروت - لبنان ، ط1/1413هـ .
ويذكر الإمام أحمد الشرفي أن ابن جني صاحب كتاب ( الخصائص ) يقول إن : الأغلب في اللغة وأشعار العرب مجاز ، وكلاهما مشحون به . أحمد الشرفي ، شرح الأساس الكبير ، 1/516 .
والحقيقة أن هذا التقسيم كان من الأصول الأولى التي بنى عليها " المرجئـة " أصول مذهبهم ، في أن الإيمان مجاز في الأعمال حقيقة في التصديق القلبي ، والذين قسموا اللفظ إلى حقيقة ومجاز ، قالوا : الحقيقة : هي اللفظ المستعمل فيما وضع له . والمجاز : هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له. وتعريف الحقيقة والمجاز بما سبق يستلزم أن يكون اللفظ قد وضع أولا ثم بعد ذلك قد يستعمل في موضوعه ، وقد يستعمل في غير موضوعه ، ولهذا كان المشهور عند هؤلاء أن كل مجاز لا بد له من حقيقة ، وليس الأمر بالعكس ، وهذا الفرض يكون صحيحا لو علم أن الألفاظ العربية قد وضعت أولا لمعنى ثم بعد ذلك استعملت فيها ، فيكون لها وضع متقـدم على الاستعمال ، وهذا لا يصح إلا على رأي من يجعل اللغات اصطلاحية ، حيث يقول هؤلاء : إن قوما من العقلاء اجتمعوا واصطلحوا على أن يسموا هذا بكذا، ويجعل هذا عاما في جميع اللغات . د. محمد السيد الجليند ، الإمام ابن تيمية وقضية التأوي ، ص 318، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة ط5/2000م .
( ) الغزالي ، المستصفى ، 1/387 .
( ) الجرجاني ، أسرار البلاغة ، ص 391 .
( ) ابن تيمية ، كتاب الإيمان ، 79 - 80 .
( ) الرازي ، أساس التقديس ، ص 234 - 235 .
( ) المصدر السابق ، ص 162 .
( ) البغدادي ، الفرق بين الفرق ، ص .
( ) انظر : الباقلاني ، التمهيد ، ص 164 ، تحقيق : الخضري وأبو ريدة ، دار الفكر العربي ، 1947م ،
( ) انظر : ابن فورك ، مشكل الحديث وبيانه ، ص 12.
( ) انظر : الجويني ، الإرشاد ، ص 168 وما بعدها . وله كتاب "الشامل" ، ص 100 ، 557 .
( ) الرازي ، أساس التقديس : ص 168 وما بعدها .
( ) اتفق العلماء في جواز التقليد في مسائل الفروع ، وأما في مسائل الأصول فاختلفوا فيها :
الأول : ذهب المعتزلة إلى أن النظر واجب عقلا ، واستدلوا على ذلك بأن معرفة الله واجبة إجمـاعا ، وهي لا تتم إلا بالنظر ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . انظر : شرح الأصول الخمسة ، ص 39 ، 88 . المحيط بالتكليف ، ص 33 .
الثاني : ذهب الأشاعرة إلى القول بوجوب النظر ، لكن الوجوب لا يكون عن طريق العقل استقلالا عن الشرع ، كما رأينا عند المعتزلة . انظر : الإيجي ، كتاب المواقف ، ص 147 وما بعدها .
فالأشاعرة والمعتزلة متفقون على رفض التقليد ، وقالوا : إن التقليد مذموم ، وما لم يكن يعرف باستدلال فإنما هو تقليد لا واسطة بينهما . انظر : ابن حزم ، الفصل في الملل والنحل ، 4/29، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، بدون تاريخ.
( ) البغدادي ، كتاب أصول الدين ، ص 210 .
( ) الجويني ، الشامل في أصول الدين ، ص 115 ، تحقيق : د/ علي سامي النشار ، منشـأة المعارف ، الإسكندرية ، 1969م .
( ) الآمدي ، أبكار الأفكار ، 1/125 ، نقلا عن : د/ حسن الشافعي ، المدخـل إلى دراسة علم الكلام ، ص 141 .
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
0 komentar:
Post a Comment