Tuesday, February 23, 2010
موقع الزيدية من الفرق الإسلامية
موقع الزيدية من الفرق الإسلامية
الدكتور/ كمال الدين نور الدين مرجوني
اقتربت الزيدية من أهل السنة ، لذهاب بعض فرقها –كالصالحية والبترية– إلى أن الإمامة تنعقد بالعقد والاختيار ، وقالوا بصحة إمامة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، لأن عليا سلم ذلك لهما ، وسكت عن حقه بمنزلة رجل كان له حق فتركه ( ) . ولذلك نجد الزيدية أقرب فرق الشيعة وأعدلها إلى أهل السنة والجماعة ، لا سيما في بداية ظهورها ، وعصر نشأتها ، فإنها على ما كان عليه السلف الصالح من العمل بأحكام كتاب الله وسنة رسوله ، وفي ذلك يرى الدكتور إبراهيم مدكور في حديثه عن موقف الزيدية من الألوهيـة بأنههم في الحقيقة كانوا في البداية أقرب إلى السلف ، غير أن فكرة الألوهية عند زيدية اليمن المتأخرين معتزلة خالصة ( ) .
ومن هنا ، فيمكن القول بأن الزيدية الأوائل أقرب إلى أهل السنة ، وأما في تطوراتها الفكرية فقد تحول إلى المعتزلة ، وبهذا خالف الزيدية أهل السنة في أمرين :
أحـدهما : نزعتها الاعتزاليـة تبعا لزيد بن علي ، الذي كان قد أخـذ عن واصل بن عطاء ( ) . ولعل لهـذه النزعة الاعتزاليـة جعلت أتباع الإمام زيد إلى عصـر الإمام صالح المقبلي (تـ1108هـ) يتمسكون بمبادئ المعتزلة ، فيرى أن الزيدية باليمن هم معتزلة في كل الموارد إلا في شيء من مسائل الإمامة ، وهي مسألة فقهية ، وإنما عدها المتكلمون من فنهم لشدة الخصام ، كوضع بعض الأشاعرة المسح على الخفين في مسائل الكلام ( ) . وأشار في موضع آخر إلى أن الزيدية يوافقون المعتزلة في العقائد ، وأما في الفروع فأئمتهم يختلفون ، منهم من يغلب عليه مذهب الحنفية ، ومنهم من يغلب عليه مذهب الشافعي موافقة لا تقليدا ، ومنهم من لم يكن كذلك ، بل شأنهم شأن سائر المجتهدين ( ) .
وثمة مظهر آخر أورده نشوان الحميري (تـ573هـ) أن كثيرا من معتزلة بغداد كمحمد بن عبد الله الإسكافي وغيره ، ينسبون إليه في كتبهم ، ويقولون : نحن زيدية ( ) .
ومما سبق من أقوال ونصوص ، إن دل على شيء فإنما يدل على وجود العلاقة الوطيدة التي تربط بين الزيدية والمعتزلة ، فعلى المستوى الشخصي نجد زيد بن عليّ وواصل بن عطاء على علاقة بينهما ، وقد فسر تلك العلاقة الأستاذ سليمان الشواشي في بحثه عن (واصل بن عطاء وآراؤه الكلامية) فيرى أن واصلا يميل إلى التشيع ، ولكن تشيعه ليس من جنس تشيع السبئية أو الكيسانية أو غيرهما من الفرق الشيعية ، وإنما هو مجرد عطف وولاء للبيت العلوي ، وهذا التعاطف نحو آل البيت لم يكن مقصورا على واصل وصحبه ، بل كان سائدا حتى أوساط أهل السنة كالحسن البصري ، وأبو حنيفة ، ومالك بن أنس وغيرهم ، فهؤلاء عرفوا بولائهم للبيت العلوي ومناهضتهم للسلطة الأموية ، ومن هنا ، فمن المرجح أن تشيع واصل وعداءه للسطلة الأموية ، قد وطدا العلاقة بينه وبين أئمة أهل البيت عدا جعفر الصادق الذي أظهر عدم الود له ( ) .
والثاني : الإمامة التي هي مدار اهتمام فرق الشيعة كلها ، ومحور عقائدهم السياسية ، وذلك أن أول بذرة وضعت في بناء الشيعة ، نظرية القول بأفضلية علي بن أبي طالب ، والتمسك بولاية آل بيت الرسول الكريم ، والانحياز إليهم في كل نازلة تنـزل ، وفي كل خطب يلم ( ). غير أن الزيدية كأحد فرق الشيعة بعد كل ما مرّ عليها من الافتراق ، والانقسام ، والحروب ، والثورات ، فلا تزال متبعا نظرية الإمامة ، ولكن تميزت عن غيرها من الشيعة ، فتوحدت أخيرا بالزيدية الحديثة في قولهم بإمامة المفضول مع قيام الأفضل ، واشتراط الاجتهاد في الأئمة ، وهم لا يتبرأون من أبي بكر وعمر ، وإنما يصححون إمامتهما ، ويرفضون القول بالنص ، كما أنكروا عقيدة العصمة ، والقول بالرجعة ، والتقية ، وغيبة الإمام ( ) .
وقد أشار الإمام يحيى بن حمزة (تـ749هـ) إلى أصول المذهب الزيدي ، وأوضح بأن هذه الأصول هي التي جعلت الزيدية تتميز عن غيرها من الفرق والمذاهب الكلامية ، فقال إنه : " من كان عقيدته في الديانة ، والمسائل الإلهية ، والقول بالحكمة ، والاعتراف بالوعد والوعيد ، وحصر الإمامة في الفرق الفاطمية ، والنص في الإمامة على الثلاثة ، الذين هم عليّ وولداه ، وأن طريق الإمامة الدعوة فيمن عداهم ، فمن كان مقرّا بهذه الأصول فهو زيدي ( ) . ثم أوضح الفروق المميزة للمذهب الزيدية عن غيرها من الفرق والمذاهب الإسلامية بأنه : " إذا قال الزيدية بإثبات الصانع فخرجوا بذلك من المعطلة ، والدهرية . وإذا قالوا باختيـار الصانع الحكيم فخرجوا بذلك من الفلاسفة ، وأهل التنجيم وأصحاب الأحكام ، والقائلين بقدم إلهين ، وعبدة الأوثان والأصنام . لأن أقوالهم مسترقة من الفلاسفة ، فإنهم منبع كل ضلال ومنشأ كل جهالة . وإذا قالوا بإسناد الصفات إلى الذت ، فخرجوا بذلك عن المذهب المجبرة ومنها المذهب الأشعري والنجارية ، لقولهم بالمعاني القديمة . وذا قالوا بالحكمة فخرجوا بذلك عن الأشعرية في إسناد القبائح إلى الله عنها وهكذا القول بحدوث القرآن والإرادة . وإذا قالوا بالوعيد والخلود فخرجوا بذلك عن طبقات المرجئة . وإذا قالوا بالنص الخفي على الأئمة الثلاثة ( عليّ بن أبي طالب ، والحسن ، والحسين ) والدعوة والخروج في أولادهما وهو طريق الإمامة ، فخرجوا بذلك عن رأي المعتزلة " ( ) .
__________________________
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
0 komentar:
Post a Comment