مراجع البحث:
Saturday, September 14, 2013
البعث الجسماني في القرآن والحقائق العلمية
البعث
الجسماني في القرآن والحقائق العلمية
أ.د/
كمال الدين نور الدين مرجوني
أستاذ مشارك ورئيس قسم العقيدة
والأديان
جامعة العلوم الإسلامية الماليزية
تمهيد:
إن عقيدة البعث من
أمهات العقائد الإسلامية. وظلت هذه العقيدة عبر التاريخ الطويل كامنة في ضمير
الانسان، فلم تغب عن فكرة ووعيه طوال سنى حياته على هذه الأرض. ولقد كانت تختلط
أحيانا بالأوهام والخيال، ومع ذلك فقد بقي جوهرها الأصيل يتنقل بين شعوب الأرض جميعا.
إذ ابتدأت في فكر الإنسان وحيا نزل إلى آدم عليه السلام، ثم تنقلت بين الأجيال حتى
سجل التاريخ ظهورها بوضوح لدى المصريين القدمـاء في العقيدة المصرية، ثم في الديانات
البابلية، ثم الفارسية، ثم الإغريق، ثم الهندية القديمة، ثم اليهودية، ثم المسيحية،
ثم الإسلام فقد آمن بها قدماء المصريين والفرس والهنود في الشرق، كما
اعتقد بها اليونانيون الأقدمون في الغرب. ولئن كان هؤلاء جميعا -فيما عدى المصريين-
قد قصروا المعاد على الروح أو النفس فقط، فإن المصريين قد زادوا عليهم بالاعتقاد
بالمعاد الجسماني أيضا بحيث يقع الثواب والعقاب على الإنسان روحا وجسدا.
وإذا كان قدماء الفرس
من المجوس والثنوية على اختلاف فرقهم من زرادشتية ومانوية ومزدكية وغيرها، قد
آمنوا بخلود النفس عامة والنفوس الخيرة بوجه خاص اتساقا مع إيمانهم بإلهين هما
النور والظلمة، وأن الصراع الدائر بينهما سينتهي إلى انتصار الأول وأتباعه الخيرين
فيكتب لهم الخلود واندحار الثاني وأتباعه، فيترددوا في هاوية العدم والفناء. فإن
قدماء الهنود قد رأوا خلود النفس ونعيمها في الحياة الأخرى موقوفا على تخلصها من
الشرور والآثام وتطهرها من أدران البدن وشهواته وتجردها تماما، بحيث تلحق بالروح
الأعظم وتفنى فيه على حين تبقى النفوس التي عجزت عن ذلك، في هذه الدنيا تتناسخ في
الأبدان مدى الأزمان فيكون عذابها وشقاؤها في ذلك. وكان أصحاب الديانة اليونانية
القديمة أقرب إلى عقيدة الهنود في خلود الروح وتناسخها.
وقد ظهرت محاولات في
العلم الحديث لتفسير نظرية المعاد الجسماني، إذ اقتربت تلك المحاولات في تحليلها
للمعاد الجسماني حسب ما جاء في القرآن الكريم والأحاديث النبوية، ومن هنا تم تقسيم
هذا البحث إلى محورين:
- المحور الأول: يتحدث عن قضية البعث
الجسماني في الإسلام من خلال ما عرضه القرآن والسنة.
- المحور الثاني: يتحدث عن الحقائق
العلمية أي ما توصل إليه العلم الحديث في إظهار الإعجاز العلمي للقرآن الكريم في هذه
القضية من خلال تحليل نظرية المعاد الأخروي. من حيث التركيب الكيمائي لتراب الأرض،
وعلم الأجنة وخلايا جسم الإنسان، والحامض النووي (D-N-A) وما إلى ذلك من اكتشافات علمية
تحدث عنها القرآن الكريم قبل أن يتكتشفها العلماء حديثا. وكل هذا يثبت للبشرية
جمعاء وإلى المنكرين للبعث خاصة بأن هناك بعثا بعد الموت لا محالة.
المحور الأول
البعث الجسماني في الإسلام
مما سبق من آراء
الأديان القديمة يتضح لنا أن فكرة البعث والمعاد وما يتصل بها من ثواب وعقاب في
الحياة الآخرة كانت تمثل اعتقادا مشتركا بين أصحاب الديانات القديمة شرقيها
وغربيها. ولكن يبقى السؤال هنا، هو ما هي الآراء أو الاتجاهات التي تبرز بعد هذه
الديانات ؟ .
اختلفت
أقوال العلماء حول هذا الموضوع إلى عدة أقوال، ويمكن تحديدها في خمسة آراء :
الرأى الأول :
يذهب إلى القول بإثبات المعاد الجسماني فقط . وهو قول أكثر المتكلمين النافين
للنفس الناطقة ([1])،
واستدلوا على ذلك بأن البدن وحده هو الحيوان، وهو الإنسان بحياة و إنسانية خلقتا
فيه، وهما عرضان، والموت هو عدمهما فيه أو ضد لهما، وفي النشأة الثانية يخلق في
هذا البدن حياة إنسانية بعد تفتت هذا الجسم، ويصير ذلك الإنسان بعينه حيا ([2]) .
الرأى الثاني :
يذهب إلى القول بإثبات المعاد الروحاني فقط. وهو قول بعض الفلاسفة الإلهيين ([3])،
ومن هؤلاء الفلاسفة (الفارابي) ([4]) .
وأما الكندي فإنه لم
ينكر البعث الجسماني ([5]) .
وأما ابن سينا فله موقفان في المسألة ، ففي كتابه (النجاة)، يقرر أن المعاد
للأبدان و للأنفس ([6]) .
وفي (رسالة أضحوية في أمر المعاد) ، يقرر أن المعاد إنما هو للنفس فقط ([7]) .
ويرى أن ما ورد في الشريعة من صـور حسّية لمصير الإنسان عند البعث ، فهو عنده
أمثلة مضروبة لتفهيم الجمهور ([8]).
الرأى الثالث :
يذهب إلى القول بإثبات المعادين الروحاني والجسماني، فالإنسان إذا مات يكون في
نعيم أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه ولبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البـدن منعمة
أو معذبة، وأنها تتصل بالأبدان أحيانا، فيحصل له معاده النعيم والعذاب، وهو قول
أهل السنة وأكثر الأشعرية ([9]) .
الرأى الرابع :
يذهب إلى القول بعدم
ثبوت المعادين الروحاني والجسماني، وهو قول قدماء الفلاسفة الطبيعيين. فالنفس
عنـدهم هي المزاج، وإذا مات الإنسان فقد عدمت النفس ، وإعادة المعدوم محال ([10]) .
الرأى الخامس :
التوقف، فلا يقطع
بأحد أقوال السابق ذكرها، وهو المنقول عن جالينوس حيث قال: "لم يتبين لي أن
النفس هل هي المزاج فينعدم عند الموت فيستحيل إعادتها، أو هي جوهر باق بعد فساد
البنية فيمكن المعاد" ([11]) .
فهذه
هي الآراء والمذاهب الرئيسية في قضية البعث أو المعاد. وقد جاء هذا التقسيم عند
الإمام الرازي، حيث قال: "... فاعلم أن الأقوال الممكنة في هذه المسألة لا
تزيد على خمسة: وذلك لأن الحق: إما أن يكون المعاد هو المعاد الجسماني فقط، وهو
قول أكثر المتكلمين. أو المعاد الروحاني فقط، وهو قول أكثر الفلاسفة الإلهيين. أو
كل واحد منها حق وصدق، وهو قول أكثر المحققين. أو الحق هو بطلانهما معا، وهو قول
القدماء من الفلاسفة الطبيعيين. أو الحق هو التوقف في كل هذه الأقسامز وهو المنقول
عن جاليونس"([12]) .
ومن
الملاحظ أن هذا التقسيم تابعه كثيرون من علماء الكلام، وعلى سبيل المثال، سعد
الدين التفتازاني في كتابه "شرح المقاصد"، والجرجاني في كتابه "شرح
المواقف". وخواجه زاده في كتابه "تهافة الفلاسفة". وتابعه أيضا
علماء الشيعة من أمثال: صدر الدين الشيرازي في كتابه "المبدأ والمعاد"،
والطوسي في كتابه "الذخيرة".
وقبل
الحديث عن البعث الجسماني في القرآن وموقف المتكلمين منه، يجدر بي الحديث عن نظريات
في تفسير البعث ومعناه وحقيقته، كي يمكن تصوره ولو بالجملة.
معنى البعث لغة واصطلاحا:
للبعث
معان متعددة في اللغة العربية، منها: (الإرسال)، كارسال الرسل، و(الايقاظ) كايقاظ
النائم، و(الإثارة) كإثارة الناقة، والحمل على فصل الشيء، و (الإحياء) كإحياء
الموتى([13])
.
وأما
الإصطلاح فهو عند المتكلمين: "إحياء الله الموتى وإخراجهم من القبور"،
وفي ذلك يقول سعد الدين التفتازاني: "البعث هو أن يبعث الله الموتى من القبور
بأن يجمع أجزائهم الأصلية ويعد الأرواح إليها([14]) ،
وعالم البعث وهو يوم القيامة،
وهو عالم الحساب، وأنه لا يبعث الموتى إلا يوم البعث
([15]) .
واليوم الآخر عالم
آخر فيه أمور عظيمة، وأهوال جسيمة، ولهذا كثرت أسماؤه وتعددت في القرآن الكريم،
فمنها: يوم البعث، ويوم الجمع، ويوم الفزع الأكبر، ويوم التناد، ويوم الدين، ويوم
الحسرة، يوم الفصل، الواقعة، والحاقة، والطامة وغيرها، وجاء في قاموس (الشوارفية
للمترادفات، عربي-إندونيسي) أن "يوم البعث" يراد به يوم القيامة،
والآخرة، والجزاء، والحساب، والساعة، والحشر، والمعاد([16]) .
ولهذا عبر أكثر المتكلمين عن البعث بالمعاد، وعبر بعضهم عنه بالحشر والنشر.
والجدير بالذكر أن الصلة
بين هذه الكلمات -كما ذهب إليه علماء الكلام- بأن البعث والمعاد بمعنى واحد، لأن
بعث الموتى إحياؤهم، بمعنى العود الذي اشتق المعاد منه، وهو الرجوع. أي: رجوع
الشيء إلى ما كان عليه، والموتى كانوا أحياء من قبل. فارجاعهم إلى ماكان ليه هو
إحياؤهم. ولذلك نرى الكثير من آى الذكر الحكيم تعبر الإحياء مرة بالبعث وأخرى
بالرجوع والعودة، وأما الصلة بين الحشر والنشر وبين البعث والمعاد فواضحة لأن
الحشر كثيرا ما يأتي بمعنى المعاد، ومن هنا أن هذه الكلمات ترد على لسان الشرع
بمعنى واحد، ويعبر بها عن معنى واحد، فإن كانت مفهوماتها مختلفة، لكن ما صدقاتها
واحدة([17])
.
البعث في القرآن والسنة
يعد البعث بعد الموت،
وحشر الخلائق إلى بارئها لنيل جزائها يوم القيامة، وهو من العقائد الأساسية في
القرآن الكريم، ولذلك فإن القرآن أعطى عقيدة البعث واليوم الآخر أهمية كبيرة حتى
أنه ألحقه في كثير من المواقع بالإيمان بالله مباشرة، إضافة إلى أن للبعث حكمة
عظيمة تتمثل في أن كل إنسان يأخذ حسابه إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
وهنا ننقل كيف عرض
القرآن والسنة البعث والمعاد وما يتعلق به، حيث وردت آيات وأحاديث كثيرة تشير إلى
البعث منها:
إثبات القرآن للبعث:
تحدث القرآن عن تقرير
عقيدة البعث والمعاد في عدة آيات، منها:
- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي
رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ
فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ
نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ
مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى
أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ
وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ
لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً
فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ
كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) -الحج:5.
- وقوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ
لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ
وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) -الروم: 56-.
- وقوله تعالى: (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ) -المؤمنون:
16-
- وقوله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ
ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ
هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) -المؤمنون:
99، 100-.
- وقوله تعالى: (وَأَقْسَمُوا
بِاللَّهِ جَهْــــــدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُـــوتُ بَلَى
وَعْدًا عَلَيْـــــهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)
-النحل: 38-.
- وقوله تعالى: (زَعَمَ
الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ
لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) -التغابن: 7-.
-وقوله تعالى: (وَمَا مِنْ
دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ
أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ
يُحْشَرُونَ) –الأنعام: 38-.
- وقوله تعالى: (وَهُوَ
الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) –المؤمنون: 79-.
- وقوله تعالى: (قُلْ هُوَ
الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) -الملك: 24-.
- وقوله تعالى: (كَيْفَ
تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ
ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) -البقرة: 28-.
- وقوله تعالى: (وَهُوَ
الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ
لَكَفُورٌ) -الحج: 66-.
- وقوله تعالى: (اللَّهُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ
مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) -الروم: 40-.
- وقوله تعالى: (قُلِ اللَّهُ
يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا
رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) -الجاثية: 26.
فهذه الآيات وغيرها
تدل على أن الأموات يحييهم الله جميعاً يوم القيامة فيبعثهم من قبورهم، ويحشرهم
إليه سبحانه، فيجازى المحسن على إحسانه والمسيء على إساءته.
إثبات السنة للبعث:
وردت أحاديث كثيرة عن قضية البعث في السنة النبوية، منها:
- عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: (قَالَ اللَّهُ كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ
ذَلِكَ وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ
فَقَوْلُهُ لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ
بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ
اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا وَأَنَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ
وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفْئًا أَحَدٌ) –صحيح البخاري، رقم: 4592-.
- وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: (يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُرَاةً غُرْلًا
وَأَوَّلُ الْخَلَائِقِ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَّ قَرَأَ:
كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) -سننة النسائي، رقم: 2054-.
- وعن
عَبْدِ اللَّهِ بْن عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: (يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أُمَّتِي فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ لَا
أَدْرِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ شَهْرًا أَوْ أَرْبَعِينَ عَامًا
فَيَبْعَثُ اللَّهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْن مَسْعُودٍ
فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ لَيْسَ بَيْنَ
اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ رِيحًا بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ
الشَّأْمِ فَلَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ
ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ حَتَّى لَوْ أَنَّ
أَحَدَكُمْ دَخَلَ فِي كَبَدِ جَبَلٍ لَدَخَلَتْهُ عَلَيْهِ حَتَّى تَقْبِضَهُ
قَالَ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِي خِفَّةِ الطَّيْرِ وَأَحْلَامِ السِّبَاعِ لَا
يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا فَيَتَمَثَّلُ لَهُمْ
الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ أَلَا تَسْتَجِيبُونَ فَيَقُولُونَ فَمَا تَأْمُرُنَا
فَيَأْمُرُهُمْ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَهُمْ فِي ذَلِكَ دَارٌّ رِزْقُهُمْ حَسَنٌ عَيْشُهُمْ ثُمَّ يُنْفَخُ فِي
الصُّورِ فَلَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلَّا أَصْغَى لِيتًا
وَرَفَعَ لِيتًا قَالَ وَأَوَّلُ مَنْ يَسْمَعُهُ رَجُلٌ يَلُوطُ حَوْضَ إِبِلِهِ
قَالَ فَيَصْعَقُ وَيَصْعَقُ النَّاسُ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ أَوْ قَالَ يُنْزِلُ
اللَّهُ مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّلُّ أَوْ الظِّلُّ نُعْمَانُ الشَّاكُّ فَتَنْبُتُ
مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ
يَنْظُرُونَ ثُمَّ يُقَالُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ) -صحيح مسلم،
رقم: 5233.
- وعن
سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: (يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ
كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ لِأَحَدٍ) -صحيح مسلم، رقم: 4998-. وعن عَبْدِ اللَّهِ سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ
-صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا هَمَّ
الْمَعَادِ كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ
فِى أَحْوَالِ الدُّنْيَا لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِى أَىِّ أَوْدِيَتِهِ هَلَكَ)
-سنن ابن ماجه، رقم: 4245-.
فهذه الأحاديث
النبوية تشير إلى أحداث البعث والمعاد يوم القيامة.
آراء المتكلمين في البعث والمعاد
وقد تحدثنا في
التمهيد عن آراء الديانات والمذاهب في هذه القضية إجمالا، وأما الآن فسنعرض تفصيل آراء
المتكلمين فيها، حيث إنهم انقسموا في هذه القضية إلى رأيين:
الرأي الأول: البعث الجسماني فقط.
أصحاب
هذا المذهب هم معظم المتكلمين الذين يقولون بجسمية النفس الإنسانية وينفون تجردها([18]) .
وهذا على اعتبار أن النفس والجسد شيء واحد، وأن الموت يحدث لكل من النفس والبدن
معا، ومن هنا يقولون بالمعاد الجسماني فقط، لأن حقيقة الإنسان في نظرهم يتكون من
جسمين مختلفين بالماهية والشخص:
- جسم كثيف: وهو البدن أو الجسم: أي ذلك
الهيكل المشاهد المحسوس المركب من الأعضاء الإنسانية الخارجية والداخلية المعروفة.
- جسم لطيف: وهو سار في البدن سريان
النار في الفحم، والماء في الورد، والزيت في الزيتون. وهو الروح أو النفس. وهي جسم
خفيف، حي لذاته، مخالف بالماهية للجسم الذي تتولد منه الأعضاء. فبقاؤها في البدن
سبب للحياة، وانتقالها عنه سبب للموت.
وعلى ذلك فالمعاد من
الإنسان هو بدنه المركب من هذين النوعين من الجسم، ولذلك قالوا بأن المعاد هو عين
المبتدأ وليس مثله أي أن المعاد هو جسماني فقط. وفي هذا يقول أبو بكر بن الأصم
المعتزلي: "الإنسان هو الذي يرى، وهو شيئ واحد لا روح له، وهو جوهر واحد،
ونفى إلا ماكان محسوسا"([19]) .
ويقول القاضي عبد الجبار: "لابد في إعادة الحي المخصوص بأجزائه، لأن الحى هو
الجسم المبني نبية مخصوصة([20]).
إلا أن القاضي عبد الجبار يرى أنه ليس من الضروري إعادة كل أجزاء الإنسان، بل هي
أقل الأجزاء بشرط أن يكون الإنسان بها حيا، وما عدا ذلك، فالقديم تعالى مخير، إن
شاء أعاد نفس الأجزاء التي اختص بها من قبل، وإن شاء ما يقوم مقامها[21]).
وهذا يدل على نفي وجود النفس، وإثباته لوجود الجسد فقط.
وهناك فريق آخر من المتكلمين
ذهب إلى أن الإنسان مكون من أجزاء أصلية وأجزاء عارضة. والمبعوث هو الأجزاء الأصلية
وهي النفس، وهي باقية من أول عمر –الإنسان- إلى آخره من غير أن يتطرق إليها التغير
والإنحلال، والزيادة والنقصان. وأما الأجزاء العارضة للبدن فهي تزيد وتنقص، والنفس
والشيء المشار إليه لكل واحد منا يقوله "أنا"، إنما هو القسم الأول من
الأجزاء، وعلى ذلك فالأجزاء الأصلية بالنسبة إلى زيد يكون فرعية بالنسبة إلى عمرو
وبالعكس([22])
. وهؤلاء من أصحاب "نظرية الجوهر الفرد"([23]) .
وقد وظفوا تلك النظرية لإثبات المعاد الجسماني. فقالوا بأن المعاد مثله وليس عينه.
وهذا ما يؤكده أبو علي الجبائي قائلا: "الإعادة غير المعاد"([24]) .
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تغليب جانب الجسد على الروح.
وعلى كلا الرأيين من
أصحاب هذا المذاهب فالإنسان مكون من جسمين: إما من جسم كثيف وجسم لطيف، وإما من
الأجزاء الأصلية والأجزاء العرضية للبدن. إذن فماهية النفس على اتفاقهم بأنها جسم
وليست بجوهر مجرد. ولكن الأول الذي هو للأغلبية منهم أكثر شهرة فيرجحون المعنى
الأول للنفس أي بجسمية النفس، ولا يشيرون إلى المعنى الثاني في مقام البعث،
ويكتفون بالإشارة إلى المعنى الثاني أثناء كلامهم في حقيقة النفس. وهو صنيع الرازي
في كتابه (الأربعين) والتفتازاني في كتابه (شرح المقاصد).
الأدلة السمعية على جسمية النفس:
وقد
استدل أصحاب هذا المذهب على جسمية النفس وعدم تجردها بأدلة منها:
- قوله تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي
لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ
وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ) –الزمر، 42-
- قوله تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى
رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي) –الفجر، 27-30.
- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ
قَالَتْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي
سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ الرُّوحَ إِذَا
قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ) -صحيح مسلم، رقم: 1528-. فوصف الروح في أنه قبض،
والإخبار بأن البصر يراه دليل على جسمية النفس([26]) .
- عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدَ اللهِ عَنْ
أَرْوَاحِ الشُّهَدَاءِ وَلَوْلاَ عَبْدُ اللهِ مَا وَجَدْنَا أَحَدًا
يُحَدِّثُنَا فَقَالَ: (إِنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللهِ فِي حَوَاصِلِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَسْرَحُ فِي أَنْهَارِ
الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ ثُمَّ تَأْوِي إِلَى
قَنَادِيلَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَيَقُولُ لَهُمْ عَزَّ وَجَلَّ: مَا تُرِيدُونَ ؟
فَيَقُولُونَ : مَا نُرِيدُ شَيْئًا ، وَيَقُولُهَا ثَلاَثًا ، إِلاَّ أَنْ نُرَدَّ
إِلَى الدُّنْيَا فَنُقْتَلَ) –مسند الطيالسي، رقم: 289-. فيه عدة شواهد على
المطلوب: أولا: كونها مودعة في جوف الطيور. ثانيا: إنها تسرح في الجنة. ثالثا: إن
الرب تعالى خاطبها واستنطقها فأجابته وخاطبته([27]) .
- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (الْأَرْوَاحُ
جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا
اخْتَلَفَ) -صحيح البخاري، رقم: 3154-. والظاهر أن وصفها بأنها جنود مجندة، وصفها
بالتعارف والتناكر، ولا شك أن هذه الأوصاف صفات للأجسام والذوات، فتكون الموصوف
بها جسما([28]) .
- ورد في حديث الإسراء عن رؤية النبي صلى الله عليه
وسلم لأرواح الناس عن يمين آدم ويساره([29]) ،
فرآها متحيزة في مكان معين. ولو كانت مجردة لما أمكن رؤيتها متحزية بمكان([30]) .
- رؤية النبي صلى الله عليه
وسلم أرواح الأنبياء في السموات وسلامهم عليه وترحيبهم به كما أخبر به عليه
السلام، وأما أبدانهم ففي الأرض. فرؤية الأرواح وسلامها عليه، وترحيبها به كل ذلك
يدل على جسمية الأرواح([31]) .
فهذه هي النصوص الواضحة من الكتاب
والسنة تدل على أن النفس تبقى بعد خراب الجسد ويتصف بما هو من خواص الإجسام.
كيفية إعادة الجسم إلى الحياة
وبعد اتفاق القائلين بالبعث الجسماني اختلفوا في كيفية إعادة
الجسم إلى الحياة مرة أخرى، ويبدو أنهم انقسموا إلى ثلاثة أقوال:
- القول الأول: الأكثرية
-هم الأشاعرة وبعض المعتزلة-.
قالوا ببعث الأجساد عن اعدام، أي أنه تعالى يعدم الذوات
والأجزاء كليا، بحيث تفنى ثم يعيدها يوم البعث إلى الوجود والحياة مرة أخرى بإيجاد
بعد الفناء والعدم. لأن إعادة المعدوم جائزة عندهم.
واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ)
-الحديد، 3-. وقوله تعالى: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) -القصص، 88-.
وقوله تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) –الرحمن، 26-. وقوله تعالى: (كَمَا
بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) –الأنبياء، 104-. وقوله تعالى: (كَمَا
بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) -الأعراف، 29-
ويستدل الإيجي من الأشاعرة على أن المعاد هي الأجزاء الأصلية، وليست سائر
الأجزاء، حيث يرى بأن هذه الأجزاء الأصلية التي كانت للإنسان المأكول تعد فضلا في
الآكل، إذ إن الأنسان باق مدة عمره، وأجزاء الغذاء تتوارد عليه وتزول عنه([32]) . وذلك دلالة على أن المعاد بعينه الذي كان من قبل، بناء على
بقاء الأجزاء الأصلية التي من خلالها يقوم عليها المعاد الجسماني.
- القول الثاني: بعض الكرامية
وبعض المعتزلة.
ذهب إلى عن تفريق. أي أنه تعالى لايعدم الأجزاء اعداما. بل يفرقها ويزيل
التأليف عنها، ثم ركبها يوم البعث بجمع تلك الأجزاء وإعادة التأليف إليها وخلق
الحياة فيها مرة أخرى. وإنما قالوا ذلك لأنهم يرون امتناع إعادة المعدوم بعينه،
هذا ماقال به الحسن البصري ومحمود الخورزمي من المعتزلة([33]) .
- القول الثالث: التوقف أي
عدم الجزم.
وقد نقل التفتازاني عن الجويني نصا يفيد أنه اختار التوقف وعدم
الجزم في هذه القضية أي كيفية إعادة الروح إلى الجسم([34]) .
الرأي الثاني: البعث الجسماني والروحاني.
هم
الذين أقروا بالمعادين، الجسماني والروحاني معا، ويمثل هذا الرأي الأشاعرة([35]) وبعض
المعتزلة، الذين يعتقدون بخلود النفس وبقائها بعد الموت، باعتبار أن قضية البقاء
بعد الموت قد وردت في الشرع، وأنها تبعث مع البدن يوم القيام، وأنهم وفقوا موقف
الوسط بين القائلين بالمعاد الروحاني فقط -كما عند الفلاسفة- وبين القائلين
بالمعاد الجسماني فقط، فقد جمعوا بين الرأيين، وهؤلاء قد استندوا على الأدلة السمعية.
وقد ذهب إلى هذا عدد من المتكلمين كالإمام الغزالي، القاضي أبي زيد الدبوسي، أبي
القاسم الراغب الأصفهاني، ومعمر بن عباس العلمي -من قدماء المعتزلة- والإمام صدر
الدين الشيرازي -من متأخري الإمامية-. واختار أيضا هذا الرأي سعد الدين التفتازاني
في شرحه للعقائد النسفية([36]) .
ويرى الرازي أن الدافع إلى هذا الرأي هو الجمع بين الحكمة والشريعة([37]) .
ومن
الآيات التي تدل على المعاد الجسماني قوله تعالى: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ
يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا
الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) -يس:
78، 79-. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (لَيْسَ مِنْ
الْإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلَّا يَبْلَى إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا وَهُوَ عَجْبُ
الذَّنَبِ وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) –صحيح البخاري، رقم:
4554). وبهذا نجد بعضا من المعتزلة والأشاعرة
يرون أن الله تعالى يبعث الروح مع البدن، فتحيا الأبدان بعد موتها. وبناء على ذلك
يكون المعاد روحانيا من جهة، وجسمانيا من جهة أخرى، إلا أنهم اختلفوا فيما بينهم
حول كيفية هذه الإعادة، هل تكون الإعاندة لبدن بعينه أو لمثله؟
وموجز
القول بعد عرضنا لكل الآراء والمذاهب فيتضح أن أهم ما في هذا المذهب أو القول
الثاني هو رأيهم في النفس الناطقة بأنها ليست جسما ولا عرضا، بل جوهرا روحانيا
مجردا. وهو الفارق القوي بين هذا المذهب ومذهب القائلين بالبعث الجسماني فقط، لأن
أصحاب هذا المذهب يقولون مثلهم بالبعث الجسماني ويشتركون معهم في الأدلة على هذه
الدعوى ويقفون معهم أمام خصومهم -الفلاسفة القائلون بالبعث الروحاني فقط-.
إضافة
إلى أن كلا من المعتزلة والأشاعرة أقروا بالمعاد الجسماني، لأن الشرع قد أشار
إليه، إلا أنهم اختلفوا في الآراء حول كيفية هذا المعاد، فمنهم القائلون بأن
المعاد عين المعاد، وآخرون قائلون بأن المعاد هو مثله، إلى جانب إقرارهم بالمعاد
الروحاني، وبذلك قد أقروا بالمعادين معا، عدا بعض من المعتزلة المنكرين للمعاد
الروحاني والقائلين بالمعاد الجسماني فقط.
كما أن المعتزلة
والأشاعرة وظفوا نظرية الجوهر الفرد في إظهار دور القدرة الإلهية في إعادة الأجسام
بعد الموت، وذلك بأن الأجساد إذا كانت هي مركبة ومؤلفة من هذه الأجزاء التي لا
تتجزأ، إذ أنها لا تنفصل ولا تجتمع لذاتها، بل هنا يكمن دور الخالق البارئ في
انفصالها وافتراقها عن بعض، ومن ثم اجتماع هذه الأجسام وتركيبها وتأليف أجزائها
بعضها بعضا، بعد أن كانت متفرقة، وذلك بقدرة الله تعالى([38]) .
المحور الثاني
البعث الجسماني والحقائق العلمية
مبحث
البعث هو أصعب وأكثر إعضالا من أي مبحث ديني آخر، لأنه يرجع لشيء لا مثيل له ولا
شبيه، وكما أن المعاد الذي يمكن قبوله عقلا، هو البعث الروحاني فقط، أما البعث
الجسماني فلا يمكن تصوره وتفسيره على ضوء العقل والعلم، ولذلك ذهبت طائفة إلى
القول بضرورة الإيمان به تعبدا مطلقا. وذهبت طائفة لا يريدون القول بالاستحالة
فقط، بل قالوا بنفيه نفيا مطلقا، وفي هذا الاتجاه يأتي الكلام المعروف لابن سينا
وآخرون من الفلاسفة.
وبفضل العلم الحديث
وما توصل إليه من الحقائق العلمية، فيظهر دوره الكبير في إبراز الإعجاز العلمي
للقرآن الكريم، حيث أثبت أن بعد تحليل رميم الإنسان المتوفى أنه مشابه تماما في
شكله وتركيبه الكيميائي لتراب الأرض([39]) ،
وتلك حقيقة علمية تؤكد مدى الإعجاز العلمي
لتلك الآيات القرآنية، ولتصبح تلك الحقيقة من علم الشهادة بعد أن كانت من
علم الغيب.
ومن أهم الاشارات
العلمية في بيان وإثبات هذه الحقيقة العلمية هو ماورد عن الرسول صلى الله عليه
وسلم عن عجب الذنب الذي هو آخر عظمة في العامود الفقري،
وقد جاء
ذكره في الأحاديث النبوية أنه أصل الإنسان والبذرة التى يبعث منها يوم القيامة وأن
هذا الجزء لا يبلي ولا تأكله الأرض، وهذه الأحاديث هي:
- عن أبي هريرة (ليس
شيء من الإنسان إلا يبلى إلا عظم واحد وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم
القيامة) -سنن ابن ماجه، رقم: 4266-.
- عن أبي هريرة (كل ابن
آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب) –صحيح مسلم، رقم: 5254.
- عن أبي هريرة ( وإن في الإنسان عظماً
لا تأكله الأرض أبداً فيه يركب يوم القيامة قالوا أي عظم يا رسول الله؟، قال عجب
الذنب) –صحيح مسلم، رقم: 5255-.
ومعنى الأحاديث أن كل
خلايا جسم الإنسان تبلى أى تموت وتتحلل إلاّ عجب الذنب منه خلقنا ومنها سنبعث. وهذه
الأحاديث تفيد على ثلاثة أمور:
- الأول: إن عجب الذنب عنصر أساس يتخلق ويتكون منه
الجنين، أي أنه مركز التخليق.
- الثاني: إن عجب الذنب أو قسما منه لا نعرف مقداره) لايبلى).
- الثالث: ومن هذا القسم أو البذرة يركب
الخلق يوم القيامة، أي أنه إعادة التركيب([40]).
ومن هنا يذهب العلماء إلى أن جسم الإنسان
بعد موته يتحلل ويصير ترابا، وفي بعض الظروف قد يتوقف تحلله، ولا ينتهي إلى تراب،
ولكن تستبدل المواد العضوية في الجسم بمواد أخرى موجودة في التربة، كأملاح
السليكون (Silicon-Latinsilicium)
([41]) .
فيصير الجسم بعد مرور الآف من السنين أحفورة صخرية أو معدنية، وذلك بسبب استبدال
المواد العضوية بالأملاح المعدنية الموجودة في التربة، ولذا تسمى بقايا أجسام
للكائنات الحية بالأحافير([42]).
(وهي تحويل المواد العضوية في الأجسام الميتة المطمورة تحت التربة إلى مواد صخرية
أو معدنية) ([43]).
وقد
تحدث القرآن الكريم عن هذه الأحافير قبل أن يكتشفها العلماء حديثا، وهذا خير دليل
على الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، وتحدى الله سبحانه وتعالى للمنكرين بعث ما في
القبور، حيث أشار إلى تلك التحولات التي سوف تحدث للأجسام الميتة في التراب، إن
الله قادر على إعادتها مرة أخرى على الرغم من تلك التحولات التي تحدث لها، فسوف
تعاد يوم البعث، إذ يقول الله تعالى: (وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ
خَلْقًا جَدِيدًا قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِمَّا
يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ
أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ
عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا) -الإسراء، 49، 50، 51-. وهنا
في الآية الكريمة كأنهم تعجبوا من ثلاثة أمور:
الأمر
الأول: التعجب من أنها بعد أن تصير عظاما مرضوضة مكسورة محطومة تجتمع وتكون إنسانا
سويا.
الأمر
الثاني: التعجب من البعث في ذاته.
ويقول ابن عاشور في تفسير الآية: "إن الذي خلق
السماوات والأرض لا يعجزه إعادة الأجساد بعد الموت والفناء"([45]).
وهذا دليل واضح على أن الأجسام التي في القبور هي نفسها التي تعاد يوم البعث،
وليسا أجساما أخرى، لا أجسام صورية ولا مثلها، بل هي عينها، وهذا ما تؤكده الآيات السابقة
الذكر، وتفسره الأحاديث النبوية التي سبق ذكرها، والتي تشير إلى أن الإعادة تقوم
على الجزء المتبقى في القبور من جسم المقبور.
لقد أوضح علم الأجنة في العقود المتأخرة من القرن العشرين أن
خلق الجنين يبدأ بالنطفة الأمشاج([46])، ومن ثم يبدأ في الانقسامات والتكوين إلى أن يأتي اليوم
الخامس عشر من عمر الجنين ويظهر في أحد أطراف الطبقة العلوية خيط دقيق يحدد مؤخرة
الجنين من مقدمته، وهذا الخيط يعرف باسم الخيط البدائي أو الأولى (Hypoblast) ([47])، ومنذ لحظة ظهوره يبدأ الشريط الأولى في الإنقسام والتكاثر
بسرعة فائقة، ومنه يتكون الجهاز العصبي للجنين على هيئة بدايات للحبل الظهري (Thenotochord)([48])، وسالفه العمود الفقري (Vertebral
Column) ([49]). ومن ثم يبدأ الجنين في تكوين جميع أعضاء جسمه بالتدريج،
من طبقات الثلاث: الخارجية والوسطى والداخلية، ومن كل واحدة منها عدد من أعضاء
الجسم بخلاياه وأنسجته المتخصصة في عملية تعرف باسم عملية تكون المعيدات، وأول هذه
الأجهزة تكونا هو "محور الرأس وهو العصعص (Coccyx) الذي يتكون فيه بدايات الجهاز العصبي المركزي بما في ذلك من
بدايات المخ والجمجمة، والحبل العصبي الظهري والعمود الفقري، وبذلك تتكون جميع
أجهزة جسم الجنين من الخيط والعقدة البدائيين، وذلك مصداقا لقول النبي صلى الله
عليه وسلم عن عجب الذنب (منه خلق) وبعد تمام تكون جميع أجهزة الجنين يتارجع الخيط
والعقدة البدائيان بالتدريج إلى مؤخرة جسم الجنين الكامل، حتى يستقر في نهاية
العمودي الفقري في منطقة العصعص، حيث يبقيان على هيئة جنين كامن، ويعاد تركيب جسم
الإنسان منه يوم البعث([50]).
وكان هذا الوصف العلمي لمراحل
الجنين قد أعلن به الإسلام منذ الوقت
المبكر أي منذ خمسة عشر قرنا كما جاء في ذكره في القرآن الكريم: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ
ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ
عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا
فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ
اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ
إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ) -المؤمنون، 12-16-. وهذا إن دل على
شيء فإنما يدل الدليل العلمي وعالمية الرسالة المحمدية وصدقها.
حقيقة عجب الذنب
اختلف المفسرون والعلماء في المراد بـفناء عجب الذنب وعدمه إلى رأيين:
- الرأي الأول: يرون
بأن عجب الذنب هو آخر جزء في العمود الفقري ويسمى "العصعص"([51])،
والمصطلح العلمي كما في اللغة الإنجليزية يقال بـ " Coccyx ". يقول الألوسي: "وهو العظم الذي في أسفل الصلب عند العجز"([52])،
وهذا الجزء من الإنسان هو الذي يبقى بعد وفاته، وفناء جسده، ومنه يعاد خلقه مرة
أخرى. وأوضح الشيخ رشيد
رضا أن عجب الذنب هو: "أصل الذنب المسمى بالعصعص أو رأس العصعص فهو كنواة
النخلة تبقى فيه الحياة كامنة بعد فناء الجسم"([53]) .
ولقد قام
الدكتور عثمان الجيلاني بالتعاون مع الشيخ عبد المجيد الزنداني في رمضان 1424هــ
في منزل الشيح عبد المجيد الزنداني في صنعاء بتجربة على العصعص حيث قاموا وتحت تصوير
تلفزيوني بأخذ أحد فقرتين لخمس عصاعص للأغنام وقاموا بإحراقها بمسدس غاز فوق أحجار
ولمدة عشرة دقائق (حتى احمرت وتأكدوا من احراقها التام بحيث أصبحت حمراء وبعد ذلك
أصبحت سوداء متفحمة فوضعوا القطع في علب معقمة وأعطوها لأشهر مختبر في صنعاء (مختبر
العولقي) وقام الدكتور / صالح العولقى أستاذ علم الانسجة والامراض في جامعة
صنعاء بفحصها نسيجيا وكانت النتيجة مبهرة حيث وجد خلايا عظمة العصعص لم تتأثر ولازالت
حية وكأنها لم تحرق (فقط احترقت العضلات والأنسجة الدهنية وخلايا نخاع العظم
المصنعة للدم. أما خلايا عظمة العصعص فلم تتأثر)
([54]).
إذن، فإن هذه التجربة العلمية أشرف عليها الدكتور عثمان
الجيلاني باليمن أبرز دليل علمي معاصر يبين أن خلايا عظمة العصعص لم تتأثر
بالإحراق، وبقيت حية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على صدق الإسلام كما جاء به
النبي صلى الله عليه.
- الرأي الثاني: يرون بأنه عَظْمٌ كالخَرْدَلَةِ، فمِنْهُ يُرَكَّبُ ابن آدم([55]).وهذا الجزء من
الإنسان يفني أي أنه لا يبقى بعد وفاته.
أورد الألوسي في
تفسيره "روح المعاني" قول الإمام المزني (تلميذ الإمام الشافعي) بأن عجب
الذنب يفنى أيضاً، حيث تأول الحديث بأن المراد منه أن كل الإنسان يبلى بالتراب،
ويكون سبب فنائه إلا عجب الذنب، فإن الله تعالى يفنيه بلا تراب كما يميت ملك الموت
بلا ملك موت، والخلق منه والتركيب يمكن أي يكون بعد إعادته فليس ما ذكر نصاً في
بقائه، ووافقه على ذلك ابن قتيبة ... ثم ناقش الألوسي هذا الرأي بأن ظواهر الأخبار
تدل على عدم فنائه مطلقا([56]). ويحلل الطاهر بن عاشور قائلا بأن: "للأجساد درجات من
الاضمحلال تدخل تحت حقيقة النقص فقد يفنى بعض أجزاء الجسد ويبقى بعضه، وقد يأتي
الفناء على جميع أجزائه، على أنه إذا صح أن عجب الذنب لا يفني كان فناء الأجساد
نقصا لا انعداما([57]).
وقد وافق الدكتور أحمد شوقي إبراهيم على القائلين بفناء عذب الذنب وأكد بأنه
يبلى مثله مثل كل عظام الجسم، لأنه مكون من نفس الخلايا العظيمة، وما يحد من
تغيرات على عظام الجسم يحدث عليه أيضا([58]).
حيث أشار إلى أن (كل عظمة في جسم لها عمر بيولوجي، وما أن ينتهي حتى تتجدد خلايا([59])
العظيمة بخلايا جديدة أخرى طبق الأصل من الخلايا التي ماتت وبليت([60]).
كما يرى (أن خلايا جسم الإنسان بعد الموت تبلى وتتحول إلى تراب ... ولا يبقى منها
موجود لا يبلى إلا الذرات ... والأجسام تبنى وتركب من الذرات([61]).
ويستشهد بحديث عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «يَأْكُلُ التُّرَابُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الْإِنْسَانِ إِلَّا عَجْبَ
ذَنَبِهِ»، قِيلَ: وَمِثْلُ مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مِثْلُ حَبَّةِ
الْخَرْدَلِ مِنْهُ يَنْبُتُونَ» -مسند أبي يعلى، رقم: 1382-. حيث
اعتبر عذب الذنب مثل حبة الخردل، ولقد جاءت أحاديث كثيرة تقارن حبة الخردل بالذرة،
ولهذا ذهب الدكتور أحمد شوقي إلى أن عجب الذنب معناه الذرة، هو التفسير الصحيح
للحديث الشريف([62]).
ونخالف
هذا الرأي -أي فناء عذب الذهب- لظاهر الأخبار على بقائه، لأن عجب الذنب هو ما يبقى
منه شيء صغير جدا بحجم الذرة التي لا ترى بالعين، هي التي لا تموت وتبقى، ومن ثم
يتم عليها إعادة خلق الإنسان مرة ثانية يوم القيامة. بالإضافة إلى أن الحديث
السابق رواه حسين
سليم أسد وإسناده ضعيف.
والجدير
بالذكر العلم الحديث قد أثبت (أن المادة الوراثية بالخلايا لا يصيبها التلف بعد
الوفاة) ([63]).
وهذه المادة تعرف بالحامض النووي (D-N-A) ([64])
وأن هذا الحامض موجود في كل الخلايا التي يحتويها جسم الإنسان، فقد تكون إحدى هذه
الخلايا التي تحفظ في العظمة التي تعرف بعجب الذنب أو العصعص الذي يكون في نهاية
العمود الفقري، والتي يتم عليها الإعادة يوم البعث. وهذا ما يوكده الدكتور زغلول
النجار حيث يشير إلى التجارب التي قام بها بعض العلماء على عجب الذنب، حيث اعتبره
الخيط والعقدة البدائيين، وهما المسؤلان عن تخلق جميع أجهزة الجنين، ولذلك سموهما
باسم المنظم الأولى أو الأساسي، وللتأكيد على ذلك قاموا بقطع هذا المنظم الأولى،
أي عجب الذنب، من عدد من الزواحف، وزرعه في أجنة أخرى، وجدوه ينمو على هيئة جنين
ثانوي في داخل الجنين المضيف([65]). ومن ثم قام نفس الفريق
بسحق المنظم الأولى، وبغليه في درجات حرارة مرتفعة ولفترات طويلة، ثم زرع كل من
عجب الذنب المسحوق والمغلى في أجنة أخرى فنما، وكون محورا جنينيا ثانويا رغم سحق
وغليه، مما أكد لهم أن خلايا هذا المنظم الأولى، أي عجب الذنب، لا تفنى أبدا لا
بالسحق ولا بالغلي([66]).
ونستنتج من ذلك كله أنه قد يكون هناك خلية أو خلايا تحتوي على
الحامض النووي (D-N-A) في عجب الذنب لا تموت ولا تبلى،
وهي خلية جسدية وليست خلية جنسية، ويمكن من خلالها إعادة الإنسان يوم البعث، لأن
العلماء تمكنوا في الوقت الحاضر عن طريق الاستنساخ من أن يجعلوا الخلية الجسدية
تستطيع أن تعطى جنينا كاملا، حيث يكون الجنين طبق الأصل من صاحب الخلية الذي أخذ
منه. علما بأن كل خلية جسدية يكون بداخلها نواة تحتوي على 46 كروموسوما، ويوجد بها
الحامض النووي، أي الشفرة أو البصمة الوراثية لكل إنسان.
خلاصة
وبهذا يكمن إعادة
الإنسان عن طريق هذه الخلية الجسدية، لتعطي لنا إنسانا طبق الأصل من الإنسان الذي
مات، ولقد ظهرت محاولات لفكرة استنساخ الموتى عن طريق هذه المادة الوراثية، أو من
رميم عظام الميت، كما كان هناك محاولات لاستنساخ كائنات منقرضة كالديناصورات عن
طريق استخدام نخاع عظم لتلك الحيوانات([67])،
فلو قدر توصل العلماء إلى تحقيق تلك الأفكار، فإنهم سوف يثبتون للبشرية جمعاء،
وإلى المنكرين للبعث خاصة، بأن هناك بعثا بعد الموت لا محالة.
وتوصلت من خلال هذا البحث
إلى أن الدليل الشرعي من القرآن والسنة يثبت البعث الجسماني، وأن إلى الدلائل
العلمية كذلك تؤكد لنا هذا البعث الجسماني. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن
المعجزات العلمية التى ذكرها القرآن الكريم أثبتها العلم الحديث حاليا. وأن القرآن
كتاب هداية منزل من عند الله، لذلك القرآن هو الذى يثبت صدق الآيات الكونية.
ونسأل الله تعالي أن
يجعل هذا البحث نوراً يجلي للمنكرين البعث الجسماني بأن هناك معادا جسمانيا لذلك
الجسد المقبور في القبر، كما تدل عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والحقائق
العلمية. وفي هذا يقول الله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ
لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
شَهِيدٌ أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ
بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) –فصلة، 53،54-.
فسبحان الذي خلق
فأبدع، وعلم فعلم، وأوحى على خاتم أنبيائه ورسله بالحق الذي لا يأتيه الباطل من
بين يديه ولا من خلفه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
مراجع البحث:
مراجع البحث:
1)
كتاب المواقف، 1997، الإيجي، بيروت-لبنان.
2)
رسالة أضحوية في أمر
المعاد، 1949، ابن سينا ، تحقيق : د. سليمان
دنيا ، القاهرة.
3)
الرد على المنطقيين،
ابن تيمية، دار المعرفة، بيروت-لبنان، بدون تاريخ .
4)
آراء أهل المدينة
الفاضلة،2001م، القاهرة، مكتبة الأزهرية للتراث.
5)
ابن تيمية و موقفه من
الفكر الفلسفي، 2001م، د. عبد الفتاح أحمد فؤاد، الإسكندرية-مصر، دار الوفاء لدنيا
الطباعة والنشر.
6)
كمية كتب أرسطو،
1950، ضمن مجموعة الرسائل الفلسفية، دار الفكر العربي-القاهرة ، تحقيق : د. محمد
عيد الهادي أبو ريدة.
7)
النجاة، 1908م، ابن
سينا، مصر، مطبعة هندية، ضمن تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات.
8)
أقسام العلوم العقلية،
1908م، ابن سينا، مصر، مطبعة هندية، ضمن تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات.
9)
مذاهب فلاسفة المشرق،
1987م، د. عاطف، القاهرة، دار المعارف.
10)
كتاب أصـول الدين،
1928م، البغدادي، بيروت-لبنان، دار المدينة للطباعة والنشر.
11)
الافحام لأفئدة الباطنية الطغام، 1971م، يحيى بن حمزة العلوي،
الإسكندرية-مصر، منشأة المعارف.
12)
لسان العرب، ابن منظور، بيروت-لبنان.
13)
الفصل في الملل والأهواء والملل، ابن حزم،
القاهرة-مصر، مكتبة الخانجي بدون تاريخ.
14)
قاموس الشوارفية للمترادفات (عربي-إندونيسي)، 2009،
د. كمال الدين نور الدين مرجوني، جكرتا، مطبعة جيفوتات.
15)
البعث والخلود بين المتكلمين والفلاسفة، 1998م، د. علي آرسلان آيدين، استانبول-تركيا،
دار سخا للنشريات.
16)
مقالات الإسلاميين، الأشعري، دار إحياء التراث العربي، بيروت-لبنان،
بدون تاريخ، تحقيق: هلموت ريتر.
17)
المغني في أبواب التوحيد والعدل، 1960م، القاضي
عبد الجبار، الدار المصرية للتأليف والترجمة.
18)
الملل والنحل، 1404هـــ، الشهرستاني، بيروت-لبنان، دار المعرفة، تحقيق:
محمد سيد كيلاني.
19)
نهاية الإقدام، الشهرستاني، القاهرة-مصر، مكتبة
الثقافة الدينية.
20)
الاستنساخ جريمة العصر، 2005م، محمد نبيل النشواتي، دمشق، دار العلم.
21)
الإعجاز العلمي في عجب الذنب، 2004، د.عثمان جيلان، دبى، بحث ألقاه في
المؤتمر السابع للإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
22)
موسوعة الإعجاز العلمي في الحديث النبوي، 2004م، أحمد شوقي إبراهيم،
مصر، شركة نهضة مصر.
23)
زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة، القاهرة، دار الفكر العربي، بدون تاريخ.
24)
التحرير والتنوير، 2002م، ابن عاشور، بيروت-لبنان، مؤسسة التاريخ
العربي.
25)
الإعجاز العلمي في السنة النبوية، 2005، د.زغلول النجار، مصر، شركة
نهضة مصر.
26)
جامع البيان في تأويل القرآن، 2000م، الطبري،
بيروت-لبنان، مؤسسة الرسالة.
27)
روح البيان، إسماعيل حقي، بيروت-لبنان، دار إحياء التراث العربى، بدون
تاريخ.
28)
روح المعاني، الألوسي، القاهرة، بيروت-لبنان، دار
إحياء التراث العربي، بدون تاريخ.
29)
تفسير المنار، 1990م، محمد رشيد رضا، مصر،
الهيئة المصرية العامة للكتاب.
30)
لجواهر الحسان في تفسير القرآن، 2010م، الثعالبي، بيروت-لبنان، دار إحياء التراث
العربي.
31)
الاستنساخ بين العلم والدين، 1999م ، عبد الهادي
مصباح، القاهرة، الدار المصرية اللبنانية.
32)
الاستنساخ -القصة كاملة-، 1999م، منير علي الجنزوري، ضمن سلسلة اقرأ،
القاهرة، دار المعارف.
33)
الاستنساخ في ضوء الأصول والقواعد والمقاصد
الشرعية، 2001، نور الدين مختار الخادمي، الرياض، دار الزاحم.
([4]) فقد
عرض ابن تيمية آراء الفارابي في هذا الموضـوع ، وذلك في معرض حديثه عن آراء
الفلاسفة في المعاد ، يقول : " ولهم في معاد النفوس ثلاثة أقوال ، والثلاثة
تذكر عن الفارابي نفسه ، أنه كان يقول تارة هذا ، وتارة هذا ، وتارة هذا ، منهم من
يقر بمعاد الأنفس مطلقا ، ومنهم من يقول : إنما تعاد النفوس العالمة دون الجاهلة ،
فإن العالمة تبقى بالعلم ، فإن النفس تبقى ببقاء معلومها ، والجاهلة التي ليس لها
معلوم باق تفسد ، وهذا قول طائفة من أعيانهم و لهم فيه مصنفات ، ومنهم من ينكر
معاد الأنفس كما ينكر معاد الأبدان ، وهو قول طوائف منهم " . الرد على
المنطقيين له ، 4/283 ، دار المعرفة ، بيروت ، بدون تاريخ . والقول الأول
للفارابي ، فقد ذهب إليه في كتابه (آراء أهل المدينة الفاضلة) ، حيث قرر أن
النفوس جميعا خالدة ، فالنفوس الفاضلة إذا فارقت أجسادها حصلت على السعادة الفصـوى
، أما النفوس الشريرة الجاهلة فإنها تبقى بعد الموت في آلام لا نهاية لها بقاء لا
نهاية له . انظر : ص 121 وما بعدها من الكتاب . و أسرار الحكمة المشرقية ، ابن
طفيل، ص 7 . وأماالقول الثاني له ، فقد صرّح به الفارابي في كتابه السياسة
المدنية ، حيث قرر أن النفوس الشريرة الجاهلة غير مستكملة استكمالا تفارق به
المادة ، حتى إذا بطلت المادة بطلت هذه النفوس و انعدمت ، إذ لا بقـاء إلا للنفوس
الكاملة . انظر : ص 53 من الكتاب . و أسرار الحكمة المشرقية ، ابن طفيل ، ص 7 . وأما
القول الثالث الذي ينسبه ابن تيمية له ، فهو القول بإنكار معاد النفس والبدن
جميعا ، وليس تحت من مصنفات الفارابي ما يثبت أنه ذهب هذا المذهب. انظر : ابن
تيمية و موقفه من الفكر الفلسفي ، د. عبد الفتاح أحمد فؤاد ، ص 214-216 ، دار
الوفاء لدنيا الطباعة والنشر ، الاسكندرية ، مصر ، 2001م .
([46]) النطفة
الأمشاج هي قطرة مختلطة من مائين، وتعرف كلمة أمشاج من الناحية العلمية
الدقيقة هي صفة جمع تصف كلمة نقطة المفردة التي هي عبارة عن كائن واحد يتكون من
أخلاط متعددة تحمل صفات الأسلاف والأحفاد لكل جنين. محاضرة في وصف التخلق البشري
-مرحلة النطفة-، مارشال جونسان، بحوث المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في
القرآن والسنة.
([47]) الخيط
البدائي أو الأولى هي كتلة داخلية التي فيها يتكون الجنين بإذن الله في اليوم
الخامس عشر من الحمل، يظهر في مؤخرة الجنين الطبقة الظهرية خيط يسمى الخيط الأولى
(Primiveistreat) نهايته مذنبة تسمى العقدة الأولية وبمجرد ظهور هذا الخيط يعرف أن
هذه المنطقة هي مؤخرة القرص الجنيني، ومن هذا الخيط الأولى والعقدة الأولية (Primitivenode)، كما نعلم أن بعد تكوين وخلق الجنين من الخيط الأولى والعقدة
الأولى يتراجعان ويستقرا في العصعص وفي آخر فقرة منه، وتبقى موجودة في العصعص
محتفظة بخصائيها ومقدارتها الكلية الشاملة.
هذا يستدل به على إمكانية
إعادة تركيبه يوم القيامة (أي تركيب الإنسان) من عجب الذنب الذي يحتوي خلايا الخيط
الأولى والعقدة الأولية. ملخص بحث ألقاه الدكتور عثمان جيلان في المؤتمر السابع
للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، عقد في دبى، 2004م.
([59]) أثبت
العلم الحديث بأن كافة خلايا جسم الإنسان تتجدد باستمرار قبل أن تموت، وإعادة
خلقها من جديد طبق الأصل من الخلية التي ماتت، إلا أن هذا التجدد المستمر في
خلاياه يكون بسرعات مختلفة، ويدل هذا وجود دورة الحياة والموت في خلايا جسم
الإنسان، مما يؤكد أن الاستنساخ موجود في كل أعضاء وخلايا الجسم على مدى حياته.
الاستنساخ جريمة العصر، محمد نبيل النشواتي، ص 41، 46، دمشق، دار العلم، ط1/2005م.
([64]) يوجد
في جسم الإنسان ما يقرب من 30 تربليون خلية بشرية جسدية، وكل خلية في داخلها نواة
تحتوي على 46 كرومسوما، ويوجد بها الحامض النووي الذي يحتوي على الجينات الوراثية،
وهي الشفرة الوراثية التي تتحكم في عملية تخلق مختلف أعضاء الجسم منذ بدء تكونه
حتى وفاته. وأن كل خلية واحدة تحتوي على 100 ألف جنين وراثي، يعمل منها تقريبا 15%
وتظل باقي الجينات الأخرى في حالة كمون، يمكنها أن تورث إلى الأجيال القادمة.
والخلايا الوحيدة التي تحتوي على 23 كروموسوما هي الخلايا الجنسية، وعند التقائهما
يكتمل العدد ليكون النطفة ومنها العلقة ثم الجنين كاملا. الاستنساخ بين العلم
والدين، عبد الهادي مصباح، ص 34، 62، 63،
القاهرة، الدار المصرية اللبنانية، 1999م.
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
0 komentar:
Post a Comment