Monday, January 25, 2010
أثرالمذاهب الفلسفية على العقيدة الباطنية
أثرالمذاهب الفلسفية على العقيدة الباطنية
الدكتور/كمال الدين نور الدين مرجوني
اطلع المسلمون ومفكروهم على فلسفة اليونان أو جزء منها على الأقل منذ العصر الأموي. فتأثروا بها لأخذهم معظم آراء أرسطو ، وأعجبوا بأفلوطين كثيرا وتابعوه في نواح عدة . وكانت الأفلاطونية المحدثة أكبر المذاهب أثرا في العالم الإسلامي ( ). وقد بلغ تأثر جمهور فلاسفة الإسلام بمذاهب فلاسفة اليونان حدا جعلهم متابعين لهم في كثير مما انتهوا إليه في مباحثهم المنطقية والطبيعية والإلهية، وكانت مسألة وجود العالم من بين المسائل التي انتظمتها اليونان ، وانتهوا فيها إلى القول بقدم العالم ، وأن وجوده محايث لوجود الله تعالى، غير متأخر عنه بزمان أو مدة ، وممن تأثروا بهذا القول من فلاسفة الإسلام : الفارابي وابن سينا وابن طفيل وابن رشد ( ). وقد جعل الإمام الغزالي مسألة قدم العالم وحدوثه على رأس المسائل الثلاث التي كفر بها الفلاسفة، كما يتضح في كتابه "تهافت الفلاسفة". ولم يقتصر تأثر فلاسفة الإسلام بمسألة قدم العالم وحدوثه، بل تأثروا كذلك بمسائل أخرى كمسألة النبوة ، والمعاد .
وإذا كانت الفلسفة الإسلامية تعدّ من أكثر المذاهب الإسلامية تأثرا بالفلسفة اليونانية. فإن الإسماعيلية الباطنية من الشيعة لم تكن أقل تأثرا بها ، حيث لجأوا كثيرا مثل فلاسفة الإسلام إلى الفكر اليوناني، وخاصة الفلسفة الأفلاطونية الحديثة ( ) . يقول الشهرستاني مشيرا إلى تأثر الإسماعيلية الباطنية بالفلسفة: " إن الإسماعيلية الباطنية القديمة قد خلطوا كلامه ببعض كلام الفلاسفة، وصنفوا كتبهم على هذا المنهاج، فقالوا في الباري تعالى: انا لا نقول هو موجود ، ولا لا موجود ، ولا عالم، ولا جاهل، ولا قادر، ولا عاجز، وكذلك في جميع الصفات " ( ). وقد أكد بذلك الدكتور إبراهيم مدكور، فقال: " لا شك في أن الإسماعيلية من أكثر الشيعة درسا وبحثا، شاءوا أن يفلسفوا تعاليمهم، ففلسفوا معها العقيدة الإسلامية كلها، وأدخلوا عليها كلّ ما وقفوا عليه من أفكار أجنبية، بين شرقية وغربية ، وبخاصة الأفلاطونية المحدثة " ( ) .
أورد الدكتور فرهاد دفتري (Farhad Daftary) ( ) في كتاب حرّره بعنوان " الإسماعيليون في العصر الوسيط " ( ) أن دخول الأفكار الفلسفية اليونانية إلى العقائد الإسماعيلية الباطنية تتم على أيدي دعاتهم من أمثال: الداعي أبو حاتم الرازي ( تـ322هـ)، والداعي محمد بن أحمد النسفي (تـ332هـ)، فقد قام هذان الداعيان وخلفاؤهما، وهم الذين بدأوا مع أبي يعقوب السجستاني (تـ353هـ) بالدعوة باسم الأئمة - الخلفاء الفاطميين - بدمج لاهوتهم الإسماعيلي، بطريقة أصيلة عالية المستوى بصيغة من الفلسفة الأفلاطونية المحدثة كانت سائدة آنئذ في إيران وما وراء النهر " ( ) . وعلى هذا الأساس، فيؤكد لنا الدكتور هاينز (Heinz Halm) ( ) . على تأثر الإسماعيلية الباطنية بالفلسفة اليونانية، ومدعما رأيه بأن ستانيسلاس غوريار (S. Guyard) قد توصل في كتابه حول عقائد الإسماعيليين ( ) إلى الاستنتاج بأن عقائد الإسماعيليين كانت مبنية على الفلسفة اليونانية ( ) .
ويتضح مدى تأثر الإسماعيلية الباطنية بالفلسفة اليونانية استخدمهم للمصطلاحات الفلسفية، كتعبيرهم عن الله بالمحرك الأول، وتعبيرهم عن الوجود والموجود بـ (أيس)، وتعبيرهم عن العدم والمعدوم بـ (ليس)، وتعبيرهم عن الأنا الشخصية بـ (الإنية)، فكل هذه التعبيرات الفلسفية استخدمها واصطلح عليها الدعاة الإسماعيليون ( ) . ومن العناصر الأفلاطونية الحديثة التي اقتبسها الإسماعيلية هي فلسفة الفيوضات وترتيبها، ومن ثم، فمن يقرأ كتب الإسماعيلية الباطنية يجد نفسه أمام الفلسفة الأفلاطونية الحديثة ( ) .
وأخذت الإسماعيلية عن أفلاطون نظرية المثل التي تقول: بأن ما في العالم الحسي أشباح لمثل في العالم العلوي. فقال الإسماعيلية: إن ما في عالم الدين مُثُل لممثولات في العالم الروحاني ( ) . وهذا بعينه نظرية الأفلاطونية نقلها الإسماعيلية إلى مذهبهم، فما من مثل إلا وله ممثول، حتى طبقوها على أئمتهم فقالوا: إن الإمام الباقر محمد بن علي وهو الرابع من الأتماء ، مثل المضقة في الروحانية مقابلا لموسى كليم الله، ومقابل للشمس في الفلك الرابع، ولما كان الرابع من الأتماء كان الحسن بن علي ممثول الطالع، والباقر ممثول الرابع ( ) .
وكذلك أخذ الإسماعيلية رأى الأفلاطونية الحديثة في الإبداع وظهور النفس الكلية عن العقل الكلي، وأن العالم خلق بواسطة اللوجوس (الكلمة) فجاء الإسماعيلية وقالوا: إن الكلمة التي خلق عنها العـالم هي كلمة (كن) التي وردت في الآية القرآنية : إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ( ) . وأن كلمة (كن) مكونة من الكاف والنون، فالكاف رمز على القلم أو العقل الكلي، والنون رمز على اللوح أي النفس الكلية، وبهذا فسر الإسماعيلية قوله تعالى : ن وَالْقَلَمِ ( ) . أن الله يقسم بأعز مخلوقين عنده وهما اللوح والقلم ( ) .
ومن ناحية أخرى، يلاحظ هودكسون أنه قد أضفى الإسماعيلية على التأويل مشربا واحدا، وذلك في استخدامه في أغراض ثلاثة كبيرة مترابطة، فهو يمثل تصورا للكون مشتقا من مصادر أفلاطونية حديثة، وهو يفسر الآخرة تفسيرا تاريخيا يقوم على الدين، والدورات، وأحيانا بالتناسخ( ). وأخيرا فهو يبرز طبقات المشايخ للفرقة الذين تقابل درجاتهم على تفاوت الدرجات العديدة للتصور الأفلاطوني المحدث للكون ( ). والواقع أن فلسفتهم الطبيعية بما فيها من أفكار عن العالم العضوي والعالم غير العضوي ، وعلم النفس ، وعلم الحياة وما إلى ذلك، فإنها تستند إلى فلسفة أرسطو ، ولا تختلف عنها في جوهرها ( ). كما يعتمد الإسماعيلية الباطنية جزءا من آرائها على الفيثاغورية ( ) فكان لفكرة الأعداد والحروف مكان واضح في أفكارهم ولدى طوائفهم المختلفة ، والتي تعتبر الحروف رموزا ترمز إلى أعداد، والأعداد ترمز إلى حروف ، كما اعتبرت أن للحروف خصائص خاصة ( ). و يتجلى ذلك بوضوح في عدة المؤلفات الإسماعيلية الباطنية كـ "كتاب الافتخار" للداعي أبي يعقوب السجستاني (تـ353هـ) ( ). وكتاب "إثبات الإمامة" للداعي أحمد النيسابوري ( ). وكتاب "راحة العقل" للداعي حميد الدين الكرماني (تـ411هـ) وهو تلميذا للأول ( ). ويذكر الدكتور مصطفى غالب أهمية فكرة الأعداد لدى الإسماعيلية الباطنية أنها مطابقة لصور الموجودات وأنها أول ما أيدت به النفس من المعلومات، وأنها الطريق الحقيقي إلى التوحيد، فسائر العلوم موجودة في علم العدد، لأن العلوم تابعة للعدد، وهو أصل لها كلها ، وهي فروع له، وهو القول الذي تفرعت عنه المقولات، وشجرة اليقين ، ومبدأ الشرع والدين، وعليه بنيت الصلوات، وبه عرفت العبادات، وبه يعرف الزمان ( ) .
وانطلاقا من أهمية هذه الفكرة –الأعداد والحروف– فيمكن القول إن النزعة الإسماعيلية الباطنية التي تميزت بها الفلسفة الفيثاغورية انسجمت مع ميول الإسماعيلية، ولذا وجدت استجابة لها لدى الكثيرين من مفكري الشيعة الإسماعيلية ( ) . وفي ذلك يرى الدكتور علي سامي النشار أن الفيثاغورية المحدثة من أهم المصادر الإسماعيلية في مختلف صورها، وبالإضافة إلى الأفلاطونية " ( ) .
والسؤال المطروح بنفسه –ونحن بصدد الحديث عن أثر الفلسفة في العقائد الإسماعيلية الباطنية–، هو ما الدافع إلى اهتمام الإسماعيلية الباطنية بالفلسفة ؟ .
اختلف الباحثون في الإجابة على هذا السؤال، فيرى إيفانوف ( W. Ivanov ) أن الأسباب التي دفعت الإسماعيلية الباطنية إلى اهتمامهم بالفلسفة ترجع إلى رغبتهم في حلّ إشكالية التوفيق بين فكرة التوحيد والثنائية الموجودة في العالم بين الخير والشر، حيث إن أبرز عناصر المذهب الإسماعيلي هي الفلسفة الأفلاطونية الجديدة المستقاة على نحو مباشر من تاسوعات أفلوطين، أو من شراحه المتقـدمين، ولكن من بعض النسخ المتأخرة التي زيفت إلى حدّ كبير واختلطت بمسائل مختلفة الأجناس، وقد حاولت الإسماعيلية أن تجد في الفلسفة الأفلاطونية حلاّ يوفق بين فكرة التوحيد وأثنينية العالم الظاهر ( ) . ويرى الدكتور محمد إقبال أنهم يلجأون إلى الفلسفة لمحاولتهم تفسير التعاليم الدينية من جديد ( ) . ومن هنا، اقتبسوا الفكر الفلسفي من فلاسفة الإغريق، وأدخلوها على نظامهم الفكري الإسلامي " ( ) . ولذلك إذا استقرأنا مؤلفات الإسماعيلية نجد أنها تزخر بنظرات فلسفية إلى الكون والوجود.
وقد رجع أستاذي الدكتور محمد الجليند اهتمام الإسماعيلية الباطنية بالفلسفة إلى اتفاقهم في قضية التأويل الرمزي ، فقال: " وكان معظم اهتمام الإسماعيلية الباطنية بالفلاسفة يرجع إلى اتفاقهم وإياهم على ردّ نصوص الأنبياء وتأويلها إلى رموز مغلقة ، لا معنى لها لدى السامع العربي " ( ) .
ويمكن القول، إن ما سبق ذكره من آراء العلماء المحدثين في محاولتهم لتفسير اهتمام الإسماعيلية الباطنية بالفلسفة، كلها صحيحة، وذلك لأن الإسماعيلية الباطنية مذهب توفيقي، فحاولوا أن يوفقوا بين عقائد الأديان، بطريق التأويل، ليتوصلوا في النهاية إلى إنشاء دين جديد على راية أو علم باسم (الإسماعيلية الباطنية) .
وأما الباطنيون أنفسهم – كما يرى الدكتور مصطفى غالب – فرأوا أنهم دعموا معتقداتهم الدينية بنظريات فلسفية وتأويلات باطنية، اكتسابا أو استنباطا، فأصبحت الفلسفة بنظرهم وسيلة لتقييم العقيدة ( ) . واستنادا إلى هذا الرأي ، فهم يعتبرون الفلسفة فوق الشريعة، حيث أعرضوا القضايا الدينية على ميزان الفلسفة، إذن فالدين في نظر الإسماعيلية الباطنية محل اعتبار من قبل الفلسفة، فما ترى الفلسفة من الدين صحيح فهو صحيحا، وما تراه باطلا فهو باطل. ومن جانب آخر يذكر الدكتور عارف تامر أن علماء الإسماعيلية استعملوا الفلسفة للتعبير عن الدين، إذ يقول: "نهلوا من ينابيع المدرسة اليونانية الفلسفية، والمشائية، وما خلفه أرسطو، وأفلاطون، وأفلوطين، وفيتاغوريس، وحكماء الإسكندرية ... واستخدموها في التعبير عن تعاليمهم الدينية" ( ) .
ويفهم من هذا النص أن الدين لا يستطيع أن يعبر عن نفسه. وإنما يحتاج إلى تعبير فلسفي. وهذا في الحقيقة بعيد عن الصواب، فلا يحتاج الدين إلى المساعدة في التعبير عنه، فقد عبر نفسه بأدلة عقلية والبراهين اليقينية، يقول الإمام ابن تيمية: " والقرآن مملوء من الأدلة العقلية، والبراهين اليقينية على المعارف الالهية، والمطالب الدينية " ( ) .
ومن هنا، لا وجه للمقارنة بين أدلة القرآن وبين أدلة الفلاسفة والمتكلمين، لا سيما الاستعانة بأدلتهم في التعبير عن الدين.
والحقيقة –كما يرى القاضي ابن العربي– أنهم يعتقدون رأى الفلاسفة للنيل من الإسلام ( ). ثم تظاهروا بالعقلانية اقتداء بالمعتزلة. مع أن هناك فارقا كبيرا بينهم وبين المعتزلة في استخدامهم العقل، فالمعتزلة يلجأون إلى العقل للدفاع عن الدين، بينما هم يستخدمونه لتقويض أسس جميع الأديان ( ). وفي ذلك يقول دوزي عن ابن ميمون القداح في جعلهم رجال الفلاسفة في المقام الأول كالمؤيدين للدعوة الإسماعيلية الباطنية: "لم يبحث ابن ميمون عن أنصاره الحقيقيين بين الشيعة الخلص، ولكن بين الثنوية والوثنيين وطلاب الفلسفة اليونانية، ولم يكن يعتمد إلا على الطائفة الأخيرة، وإليهم وحدهم استطاع أن يفضي بسره، وخفي عقيدته" ( ) . فعلماء الإسماعيلية عولوا على طلاب الفلسفة في تفهم دعوتهم، لأنهم تحرروا عل الأقل من محبة الشريعة، والتعصب لها، وصار عندهم بعض الاستعداد للتنكر لها، فبعض الآراء الفلسفية التي اعتقدوها لم تكن توافق العقيدة ( ) .
وتعد قضية الخلق أي خلق العالم من أبرز القضايا الفلسفية التي تأثر بها الإسماعيلية الباطنية، حيث إن الإسماعيلية يستخدمون لفظ (انبعث) بدلا من (خلق) أو (فاض) أو (صدر) ، ووجود العقل الأول عن الله يسمونه "إبداعا"؛ ووجود العقل الثاني عن العقل الأول يسمونه "انبعاثا" ( ) . إذن، فإن الإبداع والإنبعاث استعاضة عن نظرية الفيض ( ) .
إن كلمة "إبداع" وهو الإبداع الخلاق المباشر هو وقف على الفعل الأزلي الذي يأمر عالم الإبداع بقوله "كن" فالله أبدع الكلمة ... وهي "كن" من قوله تعالى : إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ( ) . وكلمة "كن" حرفان : كاف ونون ... فالكاف رمز للعقل الأول "القلم" وهو أقرب الحدود إلى الله . ونظرا لأنه أقرب العقول إلى الله وأسبقهم إلى توحيده سمي "السابق". أما النون فهي رمز للنفس الكلية ، وهي التي رمز إليها في القرآن الكريم باللوح وسميت بالتالي عند الإسماعيلية ( ) . ففي العرفان الإسماعيلي "كن" هي الكلمة القدسية التي أبدع الله تعالى فيها كافة الحدود، وقالوا: إن "الكاف" منها دليلا على السابق و "النون" إشارة إلى تاليه، أى إلى التالي. ويقال لهما الأصلان العلويان يقابلهما في عالم الدين الناطق والأساس ( ) .
وتتلخص نظرية الإبداع عند الإسماعيلية الباطنية في أن وجود الموجودات عن الله تعالى يتم عن طريق الإبداع فيبتدئ انطلاقا من العقل الأول، وهو العقل الشامل أو العقل الكلي، ولم يقف الانبعاث إلا بعد أن وجد عن العقل الأول، والمنبعث الأول عقول سبعة وجد كل منها عن الآخر صاعدا إلى المنبعث الأول، وأصبح كل منها ساطعا ساريا فيما وجد عن الأول من الهيولي، والصورة التي منها وجود السموات والأرض وحركتها، والطبائع ومواليدها ... حتى توقف عند انهائه إلى العاشر من العقول ( ) . فبواسطة الأصلين السابق والتالي، أو العقل والنفس، وجدت المخلوقات كلها العلوية الروحانية والسفلية الجسمانية ( ) .
إذن ، فهناك أصلان للموجودات الإبداعية –في رأي الباطنية– هما: العقل والنفس، وهذه النفس الكلية هي المؤثرة في العالم الجسماني، وبها تبدأ الصلة بين العالم العلوي والعالم الجسماني.
وفي موطن آخر يحدثنا الداعي إبراهيم بن الحسين الحامدي (تـ557هـ) أن وجود عالم الإبداع قد ظهر دفعة واحدة عن المبدِع الحق تعالى، لا من شيء، أى لا من مادة تقدمت عليه؛ ولا بشيء، أى لا بآلة استعان بها عليه؛ ولا في شيء، أى لا في مكان طبيعي فيكون لها مستقرا؛ ولا مع شيء، أى لا مع غيره يشاكله ويساويه؛ ولا مثل شيء، أى لا مثل معلوم كان له نظير فيه ولا لشيء، أى لا لحاجة في زيادة ولا نقصان في ملكه ومشيئته؛ فكان وجود الكل كما رمز به الحكماء، ولوح عنه تعالى بحرف الكاف والنون ( ) . وفي نفس المعنى يقول الداعي شهاب الدين بن نصر الديلمي (تـ883هـ) موضّحا نظرية الإبداع عند الباطنية : " إن العالم محدَث كائن بعد أن لم يكن، وأن موجِده أوجده إبداعا لا من شيء ، وأنه قال له: كن ! فكان فيضا واحدا، فهو العقل الفعال الأول، والموجود الأكمل، والحجاب المفضّل. وظهر عنه التالي مخترعا من نوره، ثم ظهرت جميع الموجودات منهما وبهما. فالفيض الأول هو أصل الإيجاد، وهو المبدأ وإليه المعاد، وهو السابق صاحب التمام والكمال " ( ) . وتستمر عملية الصدور في شكل فيوضات فورية إشراقية غير مقيدة بزمان ومكان بل دفعة واحدة مثل وجود إشراق بسيط في الهواء عن ضوء الشمس لا بزمان، وإضاءة البيت المظلم دفعة واحدة لا بزمان ( ) .
ومن الواضح أن نظرية الإبداع التي تقول بها الإسماعيلية الباطنية تتفق مع الفلسفة الأفلاطونية الحديثة، وبالذات مع نظرية الفيض (emanation ) ( ) . وقد حاول الإسماعيلية الباطنية أن يدخلوا القول بالعقول في قالب من التوحيد حتى يبدو فيه شيء من القبول. فذهب الإسماعيلية – اعتمادا على نظرية الفيوض السبعية – إلى القول بأن العقول سبعة، وذلك حتى يتناسب هذا مع قولهم بأن الأئمة سبعة في العالم السفلي، وهم لا يتقيدون فتارة يقولون سبعة، وتارة أخرى يقولون عشرة كما هي عقول المشائين المعروفة، وتستمر عملية الصدور في شكل فيوضات فورية إشراقية غير مقيدة بزمان ومكان، بل دفعة واحدة مثل وجود إشراق بيسط في الهواء عن ضوء الشمس لا بزمان، وإضاءة البيت المظلم دفعة واحدة لا بزمان.
والحقيقة أن الإسماعيلية جمعوا قولهم بعالم الإبداع بين عقل أرسطو وإشراقية أفلوطين، وجعلوا من ذلك فكرة واحدة يمكن أن نطلق عليها بالعقول الإشراقية، فإذا كانت عقول الإسلاميين تخرج إلى الوجود عن طريق التفكير الذاتي، فإن عقول الإسماعيلية تأتي بطريق الفيض كشعاع السراج على المساحة المظلمة. ولا يختلف الصدور أو الفيوض الإسماعيلي عن فكرة الأفلاطونية الحديثة، حيث إن كل عقل يفكر في ذاته وفي معلوله الأول، فيفيض أو يتولد عنه عقل ثاني، وهكذا داوليك حتى العقل العاشر، إلا أنه قبل هذا الصدور والفيض، فإن العالم أو الوجود لدى الإسماعيلية وهو نفس الرؤية لدى الأفلاطونية الجديدة كان عبارة عن أشباح وظلمات مهولة، ومع ذلك فلم يفسروا وجود تلك الأشباح البرازخ التي تحيط بعالم الإشراق، وهذا يؤدي بدوره إلى قدم المادة والله ( ) .
وإضافة إلى ذلك ، فإن الإسماعيلية الباطنية يربطون بين عملية الخلق وبين دور الكواكب في تكوينها، فهذه الكواكب المعروفة: الشمس، وزحل، والمشتري، والزهرة، والمريخ، وعطارد ما عدا الأرض التي اعتبرها الإسماعيلية عبارة عن تكوينات الأشباح – الكون والفساد – فكل كوكب من الكواكب الآنفة كان له دور في عالم الانتخاب الطبيعي بشكل أو نوع معين من المخلوقات ( ) .
والواقع أن نظرية الفيض أو الصدور، أو العقول العشرة ، نظرية متهافتة وهي في أساسها فلكية طبيعية، وقد ازداد تهافتها باستخدامها في الإلهيات. وقد انقضى الزمن الذي كانت تفسر فيه حركات الأفلاك تفسيرا غيبيا أسطوريا بعد أن كشف نيوتن قانون الجذب العام ( ). وأهم من ذلك فإنها تتعارض مع الإسلام، وذلك كما يبدو أن هذه النظرية تؤدي إلى القول بأن العالم مثل المبدِع، لأن ما يصدر عن المبدِع صدورا ضروريا فهو مثله في الذات، فالعالم إذن مظهر للمبدِع ، وهما ليسا في حقيقتهما إلا شيئا واحدا، وهذا هو مذهب وحدة الوجود. وأن العقل الأول قبل أن يفيض من المبدِع، فإنه لا يخلو من أن يكون إما مستكنا في ذات المبدِع مع مغايرته لها، وإما كان جزءا منها. وكلا الإحتمالين يؤدي إلى نفي البساطة المبدِع. وبالإضافة إلى ذلك، فإن القول بهذه النظرية تؤدي إلى القول بقدم العالم من ناحية، لأنه فائض من القديم، وإلى نفي الإرادة والإختيار عن المبدِع، مادام العلم قد وجد عن طريق اللزوم من ناحية أخرى.
ومما هو جدير بالذكر، أن بعض فلاسفة الإسماعيلية الباطنية كالداعي حميد الدين الكرماني (تـ411هـ) وغيره يحلو لهم أن يبدّلوا كلمة الفيض بكلة الإبداع، حيث يؤكد – الكرماني – على كون وجود الموجودات ونشوئها عن المتعالي سبحانه لا عن طريق الفيض كما يقول الفلاسفة، بل على طريق الإبداع وأن طلب الإحاطة بكيفية وجوده محال. استنادا إلى بعض تعليلات فلسفية لا تغير في جوهر المعنى .
ويمكن إرجاع رفض الكرماني لنظرية الفيض إلى وجهين:
الوجه الأول: أن القول بالفيض يؤدي إلى الاعتراف بوجود المشاركة بين الفيض وبين الذي فاض منه في الجنس؛ لأن الفيض ليس في حقيقته سوى عين ما يفيض منه، شأنه شأن الضوء الصادر عن الشمس، وليس هذا الضوء يغاير الشمس في الجنس، بل يشاركه فيه. ولذلك فلا تشابه بين الله تعالى وبين الموجودات، ومن ثم لا يجوز القول بالفيض، لأنه يستلزم وجود تشابه واشتراك بين طبيعة الله و طبيعة الموجودات، وعلى هذا الأساس فيرفض الكرماني هذه النظرية. ويتبين ذلك حين يحدثنا عن وجود الموجودات ونشوئها، إذ يقول: " في كون وجوده عن المتعالي سبحانه لا على طريق الفيض كما يقول الفلاسفة، بل على طريق الإبداع " ( ) .
واضح من هذا النص رفضه لنظرية الفيض الأفلوطونية. ثم يقول عن سبب رفضه لها: "إن من شأن الفيض أن يكون من جنس ما منه يفيض ومشاركا له ومناسبا، ويكون الفيض من جهة ما هو فيض كعين ما يفيض منه الفيض بكونه كذات الفيض ، إذ ما يفيض منه الفيض فيه من طبيعة الفيض مثل ما في الفيض من طبيعته، ولا فرق بينهما من هذه الجهة، كما أن الضوء الذي هو فيض من عين الشمس من جهة ما هو ضوء كعين الشمس التي منها فاض الضوء بكونها كذات الفيض، إذ ذات الشمس يوجد فيها من الضوء مثل ما فاض عنها ، ولا فرق بينهما من هذه الجهة" ( ) .
والوجه الثاني : وهناك سبب آخر جعل الكرماني يذهب إلى رفض نظرية الفيض، هو أنه قد أبطل تلك النظرية بناء على أساس التأويل الباطني القائم على التقابل والتوازي بين العالم العلوي وعالم الدين (المثل والممثول)، فإذا كان العقل الأول قد وجد بالفيض فقد أدرك المبدع، وأخبر عنه من يقوم مقامه في عالم الدين، لأن الناطق والأساس والإمام يشاركونه في الجنس والكمال، غير أن هؤلاء عاجزون عن معرفة المبدع؛ وذلك لأن العقل قد خلق لا عن طريق الفيض، وإنما عن طريق الابداع.
ولكنه يمكن القول بأن الكرماني – في هذه المسألة – على وفاق مع الفارابي وابن سينا في أن أول كائن صدر عن الله تعالى (المبدَع) هو العقل الأول، غير أن صدوره عنه قد تم عنده –أى الكرماني – بالإبداع لا بالفيض. على أن المراد بالابداع عند الكرماني هو الخلق المباشر، بمعنى الخلق من: " لا شيء، ولا على شيء، ولا في شيء، ولا بشيء، ولا لشيء، ولا مع شيء الذي هو الشيء الأول " ( ). ويقول في موطن آخر: "الابداع هو الموجود الأول، لا من شيء تقدمه من جنسه" ( ). ولهذا رفض الكرماني أن يكون العقل الأول قد خلق من مادة سابقة أو بالفيض ( ) .
وعلى أي حال، فإن الكرماني هنا يرفض نظرية الفيض عند أفلوطين، كما يرفض نظرية الخلق من مادة أولى التي يقول بها بعض الفلاسفة اليونان ( ) .
وكما يرفض أيضا نظرية الخلق من عدم كما جاءت عند أهل السنة – وهي الحق – حيث يقولون بخلق الله للكون من عدم، والقرآن نفسه يقول بأن الله خلق الكون من عدم، وقد وردت في القرآن آيات كثيرة تدل على أن الله قد خلق كل شيء، فهو الخلاّق العظيم، وهو الخالق البارئ المصور، والمبدِع كقوله تعالى : هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( ) . وقوله تعالى : هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَـــــامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيــمُ ( ) . وقوله : بَدِيعُ السَّمَـــــاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( ) . يقول البغـدادي في كتابـه (الفـرق بين الفـرق) : " ان كل ما هو غير الله تعالى وغير صفاته الازلية ، مخلوق مصنوع " ( ) .
إذن فالخلق من الصفات الإلهية التي تتعلق بالاختراع والتصوير والإبداع . ذلك –على حدّ قول الباقلاني– : " إن الموجودات لا يجوز أن تكون فاعلة لنفسها، إنا وجدنا منها الموات والأعراض، أعنى الجمادات التي لا حياة فيها. لا يجوز أن تكون فاعلة لنفسها ولا لغيرها، لأن من شرط الفاعل أن يكون حيّا قادرا. فبطل كونها محدِثة لنفسها، بل أن محدِثا أحدثها " ( ) . فالله هو الذي يخلق الكون وما فيه خلقا مباشرا، دون أن يحتاج إلى خالقين يخلقون معه.
ومما سبق يتضح أن الإسماعيلية الباطنية وأصحاب نظرية الفيض متفقون على أن سبب الفيض يرجع إلى تعقل الذات وتأملها، إلا أن الإسماعيلية الباطنية يخالفونهم في الصدر الذي يفيض منه الفيض أو الانبعاث، لأن العقل الأول –عندهم– هو المبدأ الأول للموجوات. وقد جعلوه تبعا لذلك مصدرا تنبعث منه عقول وأفلاك وأجراهما، في حين أن أصحاب نظرية الفيض رأوا عكس ذلك، فقالوا: إن الله (الواحد) هو المصدر الذي يفيض منه العقل الأول، أى أن العقل الأول يفيض عن الله لتعلقه لذاته، وعلى الرغم من اختلافهم في ذلك، فإن الإسماعيلية أخذوا فكرتهم في الانبعاث عن أصحاب نظرية الفيض. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تأثر الباطنية بالفلسفة تأثيرا واضحا لا يختلف فيها اثنان. وفي ذلك يقول الدكتور مصطفى غالب: "اعتقاد ابن سينا حول الفيض الإلهي وخلق العالم لا يختلف كثيرا عن اعتقاد الفارابي وغيره من حكماء الإسماعيلية" ( ) .
ومن الجدير الإشارة هنا إلى قول الإسماعيلية الباطنية بالطبائع الأربعة، إذ يحدثنا الداعي علي ابن الوليد (تـ612هـ) عنها بقوله: " أصول تستخرج منها المواليد الخلقية، وعناصر تستنتج منها النتائج الكونية ( ) . وفي موضع آخر يبين الداعي حسن المعدل ( ) كيفية امتزاج هذه الاسطقسات والعناصر: " امتزجت العناصر والاسطقسات، فاختلطت الحرارة والبرودة، واعتدلت القواعد والامتزاجات، وحسنت التراكيب والاختلاطات، فسرت فيها قوى روحانيات الكائنات وأشرقت السعود والقرانات، فأمطرت السماء مطرا نظير المني، فتلقت الأرض ذلك الفيض، فظهرت من باطنها أجسام سائر الحيوانات، والنباتات ، والإنسان. فكانت صورة الإنسان آخر المطبوعات " ( ) .
ويرى الباطنية أن تركيب جسد الإنسان يشابه الأركان الأربعة التي بها قوام الأشياء المولدات التي هي الحيوان والنبات والمعاد، وكذلك وجد في بنية الجسد أربعة أعضاء هي تمام جملة الجسد، وأولها الرأس، ثم الصدر، ثم البطن، ثم الجوف إلى آخر قدميه. فهذه الأربعة موازية لتلك، وذلك أن الرأس مواز لركن النار من جهة شعاعات بصره وحركات حواسه ، والصدر مواز لركن الهواء من جهة نفسه واستنشاقه الهواء ، والبطن مواز لركن الماء من جهة الرطوبات التي فيه، والجوف إلى آخر الأقدام مواز لركن الأرض من قبل أنه مستقر عليه كاستقرار الثلاثة الباقية فوق الأرض وحولها. وكما أن هذه الأركان الأربعة تتحلل البخارات، فمنها تتكون الرياح والسحب والأمطار والحيوانات، والنبات والمعادن، وكذلك بهذه الأعضاء الأربعة تحلل البخارات في بدن الإنسان مثل ما يخرج المخاط من المنخرين، والدموع من العين، والبصاق من الفم، والرياح التي تتولد في الجوف، والرطوبات التي تخرج مثل البول وغيره.
ففي نهاية تحليل الباطنية لتفاعلات الأركان الأربعة يخلصون إلى القول بأن هذه الأركان الأربعة يستحيل بعضها إلى بعض، فيصير الماء تارة هواء، وتارة أرضا، وهكذا حكم الهواء، فإنه يصير تارة ماء وتارة نارا، وكذلك النار، إذا أطفئت وخمدت صارت هواء، والهواء إذا غلظ صار ماء، والماء إذا ذاب صار هواء، والهواء إذا حمي صار نارا، وليس للنار أن تلطف فتصير شيئا آخر، ولا للأرض أن تغلظ فتصير شيئا آخر ( ) .
ولكن إذا اختلطت أجزاء هذه الأركان بعضها ببعض، كان منها المتولدات الكائنات الفاسدات التي هي المعادن والنبات والحيوان. وذلك عندما يستحيل الأركان الأربعة إلى البخار والعصارات، فيكون منهما هيولي ومادة لسائر الكائنات الفاسدات التي تحت فلك القمر. وهذه الأركان الأربعة باقية في ذواتها، ومحفوظة في كميتها، وإنها مستحيلة في أطرافها بعضها إلى بعض ( ) . وفي ذلك يقول الداعي حميد الدين الكرماني (تـ411هـ): " إن كل ما كان بقاؤه يتعلق بشيء هو غيره ما دام ذلك الشيء باقيا فهو باق ... وكانت الأركان وإن كانت صورها متباينة أجساما، فهي ببقاء ما يتعلق وجودها به باقية، وإذا كانت باقية، وهي بذواتها وكيفياتها فاعلة في ذواتها بتواتر زيادات من العنصرين اللذين هما الحرارة والبرودة، وبحسب العلل الموجبة لهما حتى تكون إحداهما ببعض أجزائها غالبة وبعضها مغلوبة، كان منه العلم بأن الاستحالة في أطرافها موجودة ( ) .
وبناء على فكرة الخلق أو الإبداع والانبعاث كما يسميه الإسماعيلية الباطنية، فالسؤال، ما رأيهم في العالم، هل هو قديم أم حادث ؟ .
ينقل لنا البغدادي قول الباطنية بأنهم يقولون بقدم العالم، إذ يقول: " الذي يصح عندي من دين الباطنية أنهم دهرية زنادقة، يقولون بقدم العالم " ( ) . وتابعه في ذلك الغزالي، فقال إن الباطنية : " قالوا: العالم قديم، أى وجوده ليس مسبوقا بعدم زماني" ( ) . وكذلك أكد الدكتور محمد أحمد الخطيب في كتابه "الحركات الباطنية في العالم الإسلامي" على أن الإسماعيلية الباطنية قالوا بقدم العالم( ) .
ولكن، إذا اطلعنا على نصوصهم في هذه المسألة، فلم نجد أي نص تفيد أنهم يذهبون مذهب الفلاسفة في القول بقدم العالم . بل على عكس ذلك ، فنجد أنهم قد صرّحوا بحدوث العالم.
ومن أقوالهم ونصوصهم الدالة على حدوث العالم: يقول الداعي شهاب الدين بن نصر الديلمي (تـ883هـ) موضّحا حدوث العالم مع مناقشة القائلين بقدمه: " إن هذا العالم محدَث كائن مبدَع غير قديم ، فإنه لو كان قديما لاستحال تعلق حدوثه بالقدم ، ووجوده بالعدم، ولو كان العالم قديما لكان الفاعل معدوما ... وإن العالم لوكان موجودا في القدم لاقتضى موجدا أوجده، فإن كان عند موجده هذا موجودا على الحال تقدم، اقتضى موجدا آخر، وتسلسل الحال إلى ما ليس له نهاية. وإذا تسلسل إلى غير نهاية استحال، وإذا استحال القول بالقدم ثبت الحدث. وهذا برهان على أن العالم محدَث كائن بعد أن لم يكن، وأن موجده أوجده إبداعا لا من شيء ( ) .
واضح من هذا النص أن الباطنية يذهبون إلى القول بحدوث العالم، فيرون أن الله قد خلق هذا العالم من سمائه وأرضه وما فيهما، فخلق العالم يدل على حدوثه.
ويدلّل الداعي حميد الدين الكرماني (تـ411هـ) وجود الله على حدوث العالم، فيرى أن الحدوث يستلزم محدِثا، وهذا المحدِث هو الصانع ، مثلما أن باب المنزل حادث، ويقتضي فاعلا هو محدِث وصانع له، وفي ذلك يقول: " لما كان العالم بكليته جسما ذا أجزاء وأبعاض معدودة متغايرة بالأشكال والصور مثل ما نعاين أن صورة الأفلاك والكواكب التي هي أبعاض المعالم غير صورة الماء وصورة النار، وشكلها غير صورة الأرض والهواء، وصورة أشخاص المواليد غير صورة الهواء والأفلاك، وكل ذلك على تباين صورة منتضد، والبعض بالبعض متصل، كالباب الذي كله خشب وهو ذو أبعاض وأجزاء، وصورة بعض أجزائه التي هي الألواح مخالفة لصورة الأجزاء الأخرى التي هي الأعمدة وغيرها، فكل ذلك تباين صورته متصل، والبعض بالبعض منتضد"( ). ثم ينص قوله بحدوث العالم: " إن العالم محدَث كائن بعد أن لم يكن، ودليل الافتقار فيه يدلّنا على احتياجه والمحتاج في وجوده إلى غيره يتعلق بالدليل على حدثه، ذلك أنا شاهدناه تارة يجتمع، وتارة يفترق، وكونه لا يبقى على حالة واحدة، بل توجد فاسدة بعد الكون، وقد كانت بعد الفساد فهي بهذه الأحوال تدل على حدثها" ( ) . وفي موضع آخر ينتقد الداعي ناصر خسرو (تـ نحو470هـ) قول الدهريين بقدم العالم، فيرى أنهم من أهل التعطيل، لاعتقادهم بأن العالم قديم لا صانع له ( ) .
وأكتفي بهذه النصوص خوفا للإطالة، فالنصوص الباطنية – على حسب المصادر المتوفرة لدينا – كلها تفيد على أن العالم محدَث، ومن ثم فإنهم في هذه المسألة لا يختلف عن آراء المتكلمين بحدوث العالم، لأنه خاضع في مبدأ وجوده للعلّة والمعلول، والتغيير من الكون إلى الفساد.
ولعل نصّا من هذه النصوص وقع عليه الإمام محمد بن الحسن الديلمي الزيدي (تـ711هـ) ، فاضطرب في الحكم على رأي الباطنية في هذه المسألة، لأنه لم يجد نصا صريحا مؤكدا على أن الباطنية يقولون بقدم العالم، إذ يقول: " فاعتقادهم في العالم أنه قديم عندهم ، بمعنى أنه لا ابتداء لوجوده، وإن كانوا يطلقون عليه الحدوث على قريب من مذهب الفلاسفة في أنه محدَث بمعنى أنه موجود من غيره، لا بمعنى أنه موجود بعد العدم، وإذا صحّ أنهم يقولون بما يقوله الفلاسفة من قدم العالم، فلا شبهة أن الإسلام كله باطل عندهم كما عند الفلاسف " ( ) .
فقوله في النص الأخير (وإذا صحّ أنهم يقولون بما يقوله الفلاسفة إلخ) يدلنا على أنه ليس على يقين من قول الباطنية بقدم العالم، فيتردد هل كانوا يعتقدون بقدم العالم أو حدوثه. ولكن أقول، على الرغم من عدم صراحة الباطنيين في هذه المسألة –من خلال نصوصهم–، فالواقع أنهم يعتقدون بقدم العالم، ويتضح ذلك في قول أكثرهم – ماعدا الكرماني – بنظرية الفيض الأفلاطونية الحديثة، حيث إن هذه النظرية تؤدي إلى القول بقدم العالم، لأنه فائض من القديم.
ومن ناحية أخرى، صرّح الداعي ناصر خسرو (تـ نحو470هـ) بتدبير الكواكب على العالم، وذلك حين سأله أحد: لماذا حين تذكر الكواكب يذكر زحل في البداية، ثم تذكر بقية الكواكب، فأجاب: " لأن زحل هو أعلى الكواكب من بين هذه الكواكب السبعة المدبّرة للعالم بتقدير المقدّر الحكيم العليم ، وهو على الفلك السبع " ( ) . ويقول باطني مجهول الاسم في كتاب (مسائل مجموعة من الحقائق العالية): "صار أول ما يتولى من الكواكب زحل، لأن روحانيات الكواكب هو تدبيرها بعناية مدّبر عالم الطبيعة، فزحل والمرّيخ آلة لتدبير ما يراد أبعاده وإقصاؤه. والمشتري والزهرة آلة لتدبير ما يراد تقريبه وإدناؤه، والكل من الكواكب في ذواتها سعود لا نحس فيها" ( ) . وعلى أية حال، فإن لكل دورا من هذه الكواكب حكم وتدبير وتقدير، من ظهور وبطون، وكشف وستر، وفعل وانفعال، والأمهات تستحيل بجزئياتها، والمواليد بكلياتها ( ) .
مما سبق يتبين لنا أن نظرية الخلق عند الإسماعيلية الباطنية أو كما يسمونها بـ ( نظرية الإبداع والانبعاث ) تتعارض مع الإسلام تعارضا جوهريا، لأنهم سلبوا الإرادة عن الله ، وجعلهم صدور العقل الأول عنه ضروريا، كما ينتقدونهم في الزعم أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد. وكما سبق القول أن هذه النظرية في حقيقتها استعاضة عن نظرية الفيض الأفلاطونية الحديثة، لأنهم ظنوا أن الكثرة في الموجودات لا يمكن أن تصدر مباشرة عن الوحدة أى عن الله ، بل الواحد تعالى لا يصدر عنه إلا واحد، لأن صدور الكثرة عنه تعالى تؤدي إلى تكثر في ذاته. وقد قام علماء الإسلام –ومنهم الجويني، والغزالي، وابن رشد، وابن تيمية، وابن القيم– بالرد على هذه النظرية وهدمها.
والغريب كل الغرابة ما يحدثنا الدكتور مصطفى غالب عن انكار الباطنيين عملية خلق الإنسان بطريق التناسل، يقول في ذلك: " إن الإسماعيلية يخالفون كل النظريات التي تقول بأن البشر خلقوا على التناسل، أى أن الله تعالى خلق أولا إنسانا واحدا، وخلق منه البشر على التناسل، لأن هذا القول يجعل منزلة الباري تعالى كمنزلة بعض الرعاة، الذي يعمد إلى شراء بقرة أو ناقة أو شاة فيبقيها عنده مدّة من الزمن لتتوالد وتتكاثر، فالله حسب رأيهم – الإسماعيلية – له قدرة على إبداع خلق كثير دفعة واحدة، كما خلق السماوات والأرض، والكواكب، والأمهات دفعة واحدة"( ) .
فهذا القول لا مجال للشك في أنه بعيد عن تعاليم ديننا الحنيف، فقد تحدث القرآن عن خلق الإنسان ونشأتها، فالله هو الذي أنشأنا وخلقنا من نفس واحدة ، هو أبونا آدم ، وأنه خلق منه زوجه حواء عليها السلام، ثم تناسل الناس وانتشروا. وقد ورد ذكر "نفس واحدة" أربع مرات في القرآن: يقول الله : يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ( ) . ويقول الله : وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ( ) . ويقول الله : هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ( ) . ويقول الله : خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ( ) . وكل هذه الآيات دالة على قدرة الله .
إذن، فقد تناسلنا من أصل واحد، وذات واحدة، حتى اجتمعت كثرة هذه الأمة من هذا الجنس في كل جيل. ولسيت كما يزعم الباطنية من أن الله كمنزلة بعض الرعاة.
وخلاصة القول، قد اتضح من خلال هذا العرض ، مدى تأثير المذاهب الفلسفية اليونانية على الإسماعيلية الباطنية، ولذلك نستطيع القول بأن أصولها الفكرية ليست من الإسلام في شيء، وإنما عبارة عن مجموعة من التصورات الفلسفية وعقائد الأديان المغايرة له، ففكرهم فكر وافد، وفلسفة طارئة على الدين. إذن فلا تعدو أفكارهم عن الفكر اليوناني بمذاهبها المختلفة، فأخذوا عن أرسطو، وأفلاطون، وأفلوطين ، وفيثاغوري .
***
Friday, January 15, 2010
KONSEP TA'WIL SYI'AH BATHINIYAH & PENGARUHNYA TERHADAP HERMENEUTIKA
DR. Kamaluddin Nurdin Marjuni
Masalah ta’wil adalah masalah penting dalam studi keislaman. Ta’wil merupakan salah satu metode penafsiran teks untuk memahami kandungan al-Qur’an dan Sunnah, sehingga ia mendapatkan tempat, posisi dan perhatian khusus para ulama. Oleh karena itu tidak sedikit ulama yang membahas masalah ini. Bahkan karya-karya mereka banyak diberi judul dengan kata-kata ta’wil, seperti ulama tafsir terkenal imam at-Thabari yang menulis tafsirnya dengan judul “Jaami’ al-Bayaan ‘An Ta’wil Ayaat al-Qur’an”, juga Imam al-Maturidi (pendiri mazhab teoligi Maturidiyah) yang menulis tafsirnya dengan judul “Ta’wiilaat Ahli Sunnah”, serta Imam al-Ghazali dan Imam Ibnu al-Arabi yang memiliki buku yang mempunyai judul yang sama yaitu: “Qanun at-Ta’wil”. Mereka semua ini adalah para ulama klasik.
Pada masa kontemporer sekarang inipun tidak ketinggalan para sarjana-sarjana islam dari berbagai disiplin ilmu keislaman melahirkan karya-karya yang membahas masalah ta’wil, seperti DR. Husain Shaleh yang mengarang buku dalam masalah kebahasaan yang diberi judul “at-Ta’wil al-Lughawi fi al-Qur’an”, dan DR. Muhammad as-Sayyid al-Jalayand yang membahas tentang metodologi ta’wil Imam Ibnu Taimiyah dan mengkomparasikannya dengan pandangan ulama lainnya dalam masalah dan seluk beluk ta’wil dalam bukunya yang berjudul “Imam Ibnu Taimiyah Wa Qadhiyyah at-Ta’wil”.
Saat ini ta’wil sedang digemari dan digandrungi oleh para intelektual Arab dan orientalis, dengan menggunakan berbagai propaganda terminologi baru, yaitu: “Hermeneutika”, yang dibangun atas spekulasi logika, dan diekspos besar-besaran oleh beberapa pemikir islam modernis, seperti: Fazlur Rahman, Hasan Hanafi, Muhammad Arkoun, Nasr Hamid Abu Zaid, Muhammad Abid al-Jabiri, Abdullah al-‘Arawi, Husain Marwah, Muhammad Sa’id al-‘Isymawi, Jabir ‘Ashfur, Ahmad Sa’id Adunis dan lain-lain. Namun, sangat disayangkan mereka menyelewengkan artian, makna dan tujuan daripada ta’wil, sehingga banyak menimbulkan penyimpangan-penyimpangan interpretasi agama yang sangat tidak relevan dengan ajaran-ajaran Islam. Mereka berdalih bahwa proses interprestasi yang dilakukannya hanya semata-mata untuk mengkaji ulang agama, memperbaharui pemikiran agama dan menyegarkan pemahaman. Sebagian mereka berasumsi bahwa al-Qur’an itu diturunkan untuk satu kaum dan generasi tertentu saja yang pada akhirnya memerlukan interpretasi yang baru dan segar.
Mengingat pentingnya masalah ta’wil tersebut, maka artikel ini sengaja ditulis dengan tujuan melacak dan menelusuri pengaruh metode ta’wil Syi’ah Bathiniyah terhadap pemikiran liberal yang akhir-akhir ini semarak di dunia timur tengah atau negara-negara Arab, seperti Mesir, Suria, al-Jazair dan libanon.
Faktor utama yang memotivasi penulis untuk membahas masalah ini adalah melihat adanya fenomena dari kedua gerakan tersebut -Syi’ah Bathiniyah dan Liberal- untuk melakukan penyesatan dan pengrusakan (sabotase) aqidah Islam. Oleh karena itu, tulisan ini merupakan usaha preventif agar tidak terpukau dengan wacana pemikiran liberal atau sekuler yang akhir-akhir ini menyibukkan umat Islam di dunia Arab dan Islam, khususnya di Indonesia. Di samping itu merupakan peringatan (tazkirah) akan hakikat dan bahayanya ta’wil Bathiniyah yang dipopuleritaskan oleh gerakan sekuler yang dikenal di Indonesia dengan sebutan “islam liberal”, dan di negara Arab dikenal dengan sebutan “al-‘Almaniyah”.
Namun sebelum penulis menguraikan pembahasan ini lebih jauh, perlu diindikasikan sebelumnya bahwa tulisan ini bukan bertujuan untuk memojokkan gerakan liberal, apalagi memvonis bahwa gerakan sekuler atau liberal adalah pecahan atau kontinuitas dari gerakan Syi’ah Bathiniyah. Sebab hipotesa demikian mustahil dibuktikan kebenarannya. Karena salah satu prinsip dasar ajaran Syi’ah adalah meyakini adanya Imamah, atau dengan kata lain mempercayai dan mengkultuskan seorang imam, pemimpin atau tokoh tertentu dengan sepenuh hati “sam’atan wa tha’atan”, tunduk dan patuh terhadap doktrin-doktrin yang disodorkan atau ditawarkan oleh imam. Hal ini tidak akan pernah ditemukan sama sekali dalam wacana pemikiran sekuler atau liberal. Bahkan sebaliknya, di mana kaum sekuler sangat anti dengan pengkultusan, apapun bentuk dan rupanya.
Kalau kita mencoba merujuk kembali kepada sejarah aliran-aliran pemikiran Islam klasik, maka akan kita temukan bahwa gerakan Bathiniyah merupakan kelompok atau aliran yang terisolir dan sangat dimusuhi oleh seluruh aliran pemikiran lainnya, baik dari kalangan Ahli Sunah Asy’ariah, Maturidiyah, ataupun dari kalangan Mu’tazilah. Dan bahkan dari kalangan Syi’ah sendiri ikut mengkafirkan mereka, seperti Syi’ah Imamiyah (Itsna ’asyariah), atau golongan Syi’ah Zaidiyah yang merupakan aliran Syi’ah yang memiliki kedekatan dengan Ahli Sunnah . Hal tersebut disebabkan oleh karena ajaran-ajaran Syi’ah Bathiniyah sangat kontroversial dan melenceng dari kemurnian ajaran Islam. Oleh karena itu para ulama dari berbagai kalangan yang disebutkan di atas –golongan Sunni ataupun Syi’ah- sepakat berpendapat bahwa mereka keluar dari Islam alias (kafir). Kenyataan ini dapat dibuktikan melalui gencarnya studi kritik terhadap filsafat dan aqidah Bathiniyyah .
Untuk sekedar memberikan gambaran umum “General Outlines” mengenai Syi’ah Bathiniyah, dalam etimologi bahasa arab lafadz (batin) adalah lawan kata daripada (zahir). Dan (batin) merupakan salah satu nama Allah SWT. yang artinya Allah Maha Tahu tentang segala rahasia. Adapun menurut terminologi, Bathiniyyah adalah salah satu aliran Syi’ah yang dikenal dengan penamaan asal (al-Isma’iliyyah), dan ia merupakan salah satu aliran Syi’ah yang terbesar selain Syi’ah Imamiyah dan Syi’ah Zaidiyah. Oleh karena itu ulama Syi’ah Zaidiyah sendiri secara jelas mendefinisikan Bathiniyah -sebagaimana yang dikatakan oleh salah seorang ulama Syi’ah Zaidiyah, yaitu: Imam Ahmad bin Sulaiman (wafat 566) dalam buku teologinya yang terkenal (Haqaa,iq al-Ma’rifah fi Ilmi al-Kalam)-: “Bathiniyah dinisbahkan kepada Syi’ah Isma’ilyah. Mereka adalah golongan yang lahiriyahnya mengaku diri Islam, namun hakikat batinnya kufur. Dan mereka meyakini bahwa semua teks-teks al-Qur’an tanpa terkecuali mengandung makna lahir dan batin.
Senada dengan definisi diatas, Ibnu al-Jauzi mengatakan dalam bukunya yang berjudul (Talbiis Ibliis): “Bathiniyah adalah suatu kaum yang bertopengkan agama Islam, dan berasumsi bahwa teks-teks agama mengandung makna lahir dan batin. Al-Bathiniyah itu sendiri adalah golongan Syi’ah Isma’ilyah yang penamaannya dinisbahkan kepada imam Muhammad bin Ismail bin Ja’far".
Dari keterangan diatas dapat difahami bahwa Bathiniyah adalah Syi’ah Isma’iliyah. Adapun dalam perkembangannya, Syi’ah Isma’ilyah Bathiniyah sering kali bertukar dan berganti nama, bergantung kepada tempat dimana ia muncul dan menetap. Seperti di Iraq dan di Bahrain dikenal dengan nama “al-Qaramithah”, di Khurasan dikenal dengan nama “at-Ta’limiyah”, di Mesir dikenal dengan nama “al-Fathimiyah”, di Syam (Suria,Yordan, Lebanon dan Palestina) dikenal dengan dua penamaan yaitu “an-Nushairiyah” dan “ad-Duruz”, dan khusus di Palestina terdapat penamaan lain yaitu “al-Baha,iyah”, di India dengan nama “al-Bahra”, di Yaman dengan nama “al-Yamiah” disamping penamaan aslinya “al-Isma’ilyah”, di daerah-daerah Kurdi dengan nama “al’Alawiyah”, di Turki populer dengan nama “al-Bakdasyiah), dan di negara selain Arab dikenal dengan nama “al-Babiyah”. Namun mereka sendiri sebenarnya merasa lebih puas dan senang dengan penamaan aslinya, yaitu “al-Isma’iliyah”, sebagaimana yang ditegaskan oleh tokoh ulama mereka yang bernama Ali bin al-Walid (wafat 612 H) dalam bukunya yang berjudul “Daamighul Bathil wa Hatfu al-Munadhil”.
Perlu di sebutkan juga bahwa Ibnu Taimiyah tatkala menyebutkan perkataan golongan Bathiniyah secara absolut (mutlak) dalam berbagai kitabnya, seperti “Dar Ta’arud al-Aql wa an-Naql”, “Minhaaj as-Sunnah an-Nabawiyah”, ia tidak membatasi artian dan penisbahan Bathiniyah kepada Syi’ah Isma’iliyah saja, melainkan meliputi seluruh golongan yang berkeyakinan bahwa syari’at atau teks-teks al-Qur’an itu mengandung makna lahir dan batin, seperti yang diyakini oleh para Ahli Tasawwuf, Filsafat, dan golongn Jahmiyah. Dengan demikian, dapat dikatakan bahwa standarisasi Ibnu Taimiyah dalam pemakaian istilah Bathiniyah terlihat pada bentuk penafsiran al-Qur’an yang berdasarkan kepada teori lahir batin, yang dalam perkembangannya gaya penafsiran tersebut didukung penuh oleh pemikir-pemikir sekuler atau liberal. Sebagaimana yang akan penulis uraikan dalam tulisan ini.
Sejauh observasi penulis, ada tiga pengaruh atau kesan metodologi ta’wil Bathiniyah terhadap Hermeneutika yang dipropagandakan oleh kaum sekuler dan liberal, yang daripadanya kita dapat melihat sejauh manakah pengaruh tersebut pada pemikiran liberal dalam memahami, menterjemahkan dan memainkan ajaran-ajaran agama melalui interpretasi mereka terhadap teks-teks al-Qur’an dan Sunnah. Yang pertama: melalui teori lahir batinnya al-Qur’an dan Sunnah. Yang kedua: Ta’wil liar yang tidak sesuai dengan gramatikal bahasa Arab. Yang ketiga: Penyesatan aqidah. Untuk lebih jelasnya mari kita mencoba melihat kebenaran hipotesa ini dalam uraian berikut:
A. Teks al-Qur’an dan Sunnah Mengandung Makna lahir (eksplisit) dan Batin (implisit).
Teori lahir dan batin merupakan asas utama bagi pemahaman aqidah syi’ah Ismal’ilyah Bathiniyah dan Syi’ah Imamiyah. Dengan melalui teori tersebut lahirlah konsep Ta’wil yang tidak beraturan dan tidak dilandasi oleh kaedah apapun. Melihat pentingnya teori tersebut dalam syi’ah Isma’iliyah, Paul E. Walker –Guru besar di Universitas MacGill- dalam bukunya “Hamdi ad-Din al-Kirmani”, mengamati bahwa teori lahir dan batin adalah masalah esensial, oleh karena itu sangat ramai diperbincangkan oleh aliran syi’ah, baik syi’ah Isma’Iiyah ataupun syi’ah Imamiyah. Dan teori ini selanjutnya dikenal dengan slebutan lain, yaitu: “al-Mutslu wa al-Mamtsul”. Di mana mereka memposisikan lahir itu sebagai “al-Mutslu”, sedangkan batin diposisikan sebagai “al-Mamtsul”. Teori ini digunakan oleh syi’ah Isma’ilyah untuk memahami segala wujud alam langit dan bumi, dan dijadikan sebagai standar interpretasi dalam menegakkan dan membela kepercayaan yang mereka anut dan yakini sepenuhnya. Di samping itu, mereka juga mengistilahkan teori tersebut dengan dua istilah lain, yaitu: “at-Tanzil wa at-Ta’wil”, juga: “al-Ilmu wa al-‘Amal”.
Untuk mengetahui lebih jauh implementasi teori lahir dan batin yang diagung-agungkan oleh syi’ah Isma’ilyah, penulis menukil perkataan salah satu filosof syi’ah Isma’ilah yang bernama Abu Mu’ayyan al-Marwazi yang populer dengan sebutan akrabnya “Nashir Khasru” (wafat sekitar 470 H): “Sebagaimana halnya alam dunia ini tersusun dari empat unsur, yaitu: panas, dingin, kering dan lembab, maka alam agamapun demikian, ia tersusun dari empat unsur juga, yaitu: Kitab (al-Qur’an), Syari’at, Ta’wil dan Tauhid” . Dengan landasan perumpamaan (analogy) tersebut, syi’ah Isma’Iiyah berasumsi bahwa syari’at itu mengadung dua makna, yaitu: makna lahir dan makna batin.
Di tempat lain, salah satu filosof syi’ah Isma’illiyah moderat yang bernama Ali bin al-Walid (wafat 612 H), yang berasal dari negara Yaman, mendefinisikan hakikat makna lahir dan batin, ia berkata: “Jika penganut aliran syi’ah Isma’ilyah Bathiniyah mengatakan: Qur’an itu mengandung dua makna, yaitu lahir dan batin, maka maksudnya tidak lain adalah makna lahir itu adalah amalan perbuatan manusia yang sifatnya syari’at (furu’iyah), seperti: mengucapkan dua kalimat syahadat, melakukan ritual shalat, menunaikan zakat, puasa dan haji, serta berjihad. Adapun makna batin dalam pengertian mazhab kami, maksudnya adalah pengetahuan batin, seperti: mengetahui eksistensi sesuatu, elemen-elemen dan hakikatnya, dan hal ini tidak dapat dicapai oleh panca indera manusia, serta hanya dapat dicapai melalui ilustrasi dan imajinasi jiwa dan akal manusia, contohnya dalam permasalahan tauhid, kenabian, balasan dan siksaan di hari kemudian. Dan hal itu hanya bisa diketahui oleh sebagian manusia, yaitu para imam-imam syi’ah”.
Dari penuturan filosof syi’ah Isma’Iiyah diatas dapat difahami bahwa yang dimaksud dengan makna lahir adalah segala bentuk perbuatan dan amalan manusia yang berkaitan dengan furu’iyyyah syari’at (fiqh). Sedangkan makna batin merupakan inti atau esensi agama yang tidak nampak oleh pancaindera manusia. Namun hal itu dapat diketahui, dideteksi dan dicapai oleh para imam-imam mereka saja.
Dalam konteks yang sama, Ja’far bin Mansur (wafat 347 H), yang juga merupakan salah satu ulama syi’ah Isma’liyah, bahkan termasuk tokoh terkemukan syi’ah Isma’ilyah di Yaman, mendefinisikan lebih detil definisi makna lahir dan batin, baginya: “Makna batin adalah hakikat agama Allah yang tercatat dan dimiliki oleh para Waliyullah (imam-imam syi’ah). Sedangan makna lahir adalah syari’at-syari’at agama dan semisalnya. Dengan demikian, agama merupakan ruh dan jiwa bagi syari’at. Sedangkan syari’at merupakan jasmani bagi agama. Sebab jasmani tidak dapat hidup tanpa adanya ruh. Dengan sebab keberadaan ruhlah jasmani itu dapat hidup. Begitupun sebaliknya, tanpa adanya jasmani, ruh tidak dapat hidup. Sebab jasmani merupakan tempat hidupnya ruh. Sama halnya dengan lahiriyah syari’at, ia tidak dapat tegak tanpa keberadaan batin, sebab batin itu adalah cahaya dan hakikatnya, dan batin itulah yang menegakkan syari’at” .
Sebagi catatan, teori lahir dan batin dapat ditemui juga dalam konsep ilmu Tasawwuf. Oleh karena itu, secara langsung atau tidak langsung, sebenarnya konsep tersebut merupakan hasil adopsi dari sy’iah. Secara khusus konsep ini akan ditemukan pada tasawwuf yang bercorak filsafat (at-Tasawwuf al-Falsafiy), yang memiliki beberapa orang tokoh seperti Ibnu Arabi, Ibnu Sab’in dll. Begitu juga halnya dengan salah seorang ulama terkemuka tasawwuf at-Tustari yang dalam kitab tafsirnya dengan jelas menekankan adanya makna lahir dan batin bagi teks Qur’an, ia berkata: “Makna batin itu merupakan hasil pemahaman seseorang dalam menela’ah isi kandungan al-Qur’an, dan makna batin itulah yang merupakan makna yang sebenarnya (hakiki) . Dengan demikian, teori lahir dan batin merupakan masalah penting dan utama bagi ahli Tasawwuf dalam merumuskan permasalahan ma’rifat .
Dari beberapa penjelasan ulama Syi'ah Isma’ilyah di atas, dapat disimpulkan bahwa mereka sangat meyakini adanya makna lahir dan batin bagi teks-teks al-Qur’an maupun as-Sunnah. Dan bagi mereka makna lahir bukanlah inti dari al-Qur’an, melainkan intinya terletak pada pemaknaan batinnya. Dan bagi mereka amalan ibadah syari’at seperti mengerjakan shalat, puasa, haji dll, adalah makna lahir bagi agama, adapun makna batinnya terselubung dan hanya diketahui oleh para imam-imam mereka yang maksum (terpelihara dari noda dan dosa). Alasan mereka, karena imam itu adalah pilihan langsung dari Allah swt., jadi pengangkatan mereka pula langsung dari Allah swt.. Oleh karena itu, setiap imam memiliki kemampuan dan keilmuan yang memadai mengenai segala seluk beluk agama, baik yang sifatnya lahiriyah atau bathiniyah. Dan anehnya mereka berasumsi lebih jauh lagi bahwa alam ghaib bisa diilustrasikan oleh para imam-imam mereka, seperti kejadian-kejadian dan peristiwa yang terjadi di alam akhirat.
Oleh karena itu, tidak mengherankan kalau penganut syi’ah Isma’iliyah meremehkan amalan-amalan syari’at. Sehingga mereka mengatakan bahwa pelaksanaan ibadah shalat hanya perlu dilakukan hanya tiga waktu dalam sehari, yaitu, shalat Maghrib, Isya dan Shubuh, bahkan bila perlu ditinggalkan sama sekali. Alasan mereka, amalan shalat tidak ditentukan waktunya secara detail dalam teks-teks al-Qur’an, melainkan ditentukan oleh Nabi saw., maka sepeninggal Nabi Muhammad saw., Imam Syi’alah yang menjadi penerus beliau untuk menentukan perkara-perkara agama. Dengan demikian, seorang imam boleh membuat sendiri amalan atau syari’at, atau merevisi ajaran-ajaran yang telah ada sebelumnya, dengan cara menambahkan atau mengurangi amalan-amalan yang telah ditentukan oleh Nabi sebelumnya. Hal ini berlaku sesuai dengan perkembangan zaman, situasi dan kondisi. Adapun argumentasi mereka mengenai pelaksanaan shalat yang dibatasi hanya tiga waktu dalam sehari adalah, menurut asumsi mereka pelaksanaan shalat asalnya lebih sepuluh kali dalam sehari semalam, kemudian berkurang menjadi lima waktu saja. Di samping itu mereka berargumentasi dengan teks al-Qur’an ayat 78, surah al-Israa`: “Dirikanlah shalat dari sesudah matahari tergelincir sampai gelap malam dan (dirikanlah pula) shalat shubuh. Sesungguhnya shalat shubuh itu disaksikan (oleh Malaikat)” .
Bila kita kontemplasikan fenomena diatas maka akan jelas ide bahwa segala teks agama mengandung makna lahir dan batin yang disuarakan dan dikonsumsikan oleh gerakan sekuler dan liberal, yang dibawa oleh para pemikir kontemporer di Timur Tengah, adalah sebenarnya ide atau metodelogi Syi’ah Isma’iliyah yang diadopsi dan dikembangkan serta dipopulerkan oleh gerakan sekuler dewasa ini, namun mereka menggunakan slogan lain dalam membahasakan makna lahir dan batin. Kalau Nasr Hamid Abu Zaid menggunakan istilah “Lahir” dengan lafadz “Makna”, dan “Batin” dengan lafadz “al-Maghza”, sedangkan Ali Harb memakai istilah “al-Maghza dan Ma’na al-Ma’na” untuk makna “Batin”, sementara al-‘Isymawi memilih penamaan “Batin” dengan “al-Jauhar”, adapun Abid al-Jabiri menyebutnya “al-Maqashid”, dan Arkoun membahasakannya lewat istilah “al-Hadaatshah”.
Aneka terminologi di atas kerapkali kita temukan dalam buku yang bercorak sekuler dan liberal, tapi yang terpenting dari sekian banyak terminologi yang diketengahkan oleh para pemikir sekuler tersebut, intinya hanya satu, yaitu melagukan kembali teori (ad-Dzahri wa al-Batin) yang diprakarsai dan diploklamirkan oleh kalangan Syi’ah khususnya Syi’ah Isma’iliyah Bathiniyah.
Untuk melihat lebih dekat unsur pemakaian terminologi ini, Ali Harb dalam bukunya “Naqd an-Nash” berpendapat, bahwa segala teks agama tidak mampu memberikan makna hakiki. oleh karena itu, tidaklah patut bagi seseorang berinteraksi terhadap teks-teks agama melalui makna lahiriyah yang tercantum dan tercatat jelas dalam sebuah lafadz. Dan sebaik-baik cara untuk berinteraksi dengan teks al-Qur’an adalah mencari makna batin yang terselubung dan tersembunyi di balik lafadz yang lahir” .
Senada dengan pendapat ini, Ali Harb dalam bukunya “Naqd an-Nash” menegaskan, bahwa untuk memahami inti dari suatu lafadz hendaknya tidak hanya berhenti pada artian lahiriah lafadz tersebut, melainkan harus menelusuri secara mendalam makna batin yang tersembunyi di balik lafadz tersebut” .
Dalam konteks yang sama, Nasr Hamid Abu Zaid tidak ketingggalan dalam masalah ini, ia ikut memastikan bahwa esensi teks al-Qur’an itu terletak pada maknanya dan bukan pada lafadznya . Dan hal senada juga ditegaskan oleh Muhammad Sai’id al-‘Isymawi, dengan terang-terangan ia mengatakan dalam bukunya “Hishad al-‘Aql”: “Sesungguhnya al-Qur’an itu turun berdasarkan makna dan tujuannya –bukan berdasarkan pada lafadznya-“ .
Inilah sederetan dari beberapa penuturan-penuturan dan penegasan-penegasan yang bercorak sekuler yang dikonsumsikan oleh para pemikir liberal di Timur Tengah, lalu diadopsi oleh sekelompok kajian-kajian liberal di Indonesia.
Dengan demikian, dalam asumsi pemikiran sekuler dan liberal hal yang paling utama dalam memahami teks al-Qur’an bukan bergantung pada makna harfiah sebuah lafadz, melainkan makna batin yang terselubung di balik lafadz tersebut. Dan ini merupakan lagu dan ide lama Syi’ah, khususnya Syi’ah Isma’iliyah Bathiniyah yang telah muncul pada tahun 250 Hijriah.
Di sinilah letak kesamaan metode penafsiran antara Syi’ah Bathiniyah dengan gerakan sekuler dan liberal, yang keduanya berasumsi bahwa lahiriah suatu teks agama tidak dapat dijadikan patokan pemahaman, sebab ia tidak dapat memberikan suatu makna hakiki.
B. Penggunaan Ta’wil Bebas, Liar dan Spekulatif (Interpretation Uncontrolled).
Bila diamati secara seksama, Syi’ah Isma’ilyah Bathiniyah menciptakan gagasan teori lahir dan batin, atau dalam istilah mereka “al-Mutslu wa al-Mamtsul”. Tujuannya adalah, untuk menginterpretasikan teks-teks agama, syariat, baik al-Qur’an ataupun as-Sunnah. Karena dalam mazhab mereka, ta’wil merupakan pilar, asas dan landasan utama dalam proses pengukuhan sebuah aqidah dan penegakan ideology. Dan inilah dasar yang membadakan Syi’ah Isma’iliyah dengan mazhab-mazhab lain. Di mana mereka dengan penuh keberanian menta’wilkan seluruh teks-teks agama tanpa terkecuali, dengan landasan teori lahir dan batin. Dan sebebarnya hal ini mereka lakukan tak lain dan tak bukan karena mereka tidak menemukan solusi yang tepat untuk mendukung ideologi mereka. Oleh karena itu, mereka sengaja menginterpretasikan seluruh teks-teks agama, baik al-Qur’an ataupun as-Sunnah.
Salah satu tokoh Syi’ah Imamiyah yang bernama Syekh Ja’far Subhani, dalam bukunya “Buhuuts fi al-Milal wa an-Nihal” menegaskan tentang peranan dan urgensi ta’wil dalam aliran Syi’ah Isma’iliyah Bathiniyah. Ia mengatakan: “Sesungguhnya masalah penta’wilan secara lahiriyah dari suatu teks-teks syari’at merupakan landasan utama dalam ideologi Syi’ah Isma’iliyah Bathiniyah, sebab ta’wil merupakan asas dalam aliran Syi’ah Isma’iliyah. Sehingga bila ta’wil ditiadakan dalam aliran tersebut dan hanya berhenti pada pengertian lahiriyah suatu teks, maka aliran Syi’ah Isma’iliyah tidak berbeda dengan aliran-aliran lainnya. Oleh karena itu, mereka mengimplementasikan ta’wil dalam seluruh permasalahan aqidah ataupun syari’at, terlebih lagi dalam penafsiran Imamah” .
Namun hemat penulis, syekh Ja’far Subhani sebagai tokoh Syi’ah Imamiyah memaparkan bahwa Syi’ah Isma’iliyah tak dapat dipisahkan dari ta’wil, sebenarnya Syi’ah Imamiyah pun demikian. Dalam artian, ta’wil dalam aliran Syi’ah Imamiyah juga mendapatkan tempat yang tinggi, sebab mereka juga menggunakan ta’wil bebas dan liar. Untuk lebih jelasnya silahkan membaca buku penulis :"Mauqif az-Zaidiyah wa Ahli Sunnah Min al-Aqidah al-Isma'iliyah wa Falsafatuha, Darul Kutub Ilmiyah, Bairut, Lebanon, 2009".
Sebagai pertanyaan, apa yang dimaksud dengan ta’wil dalam perspektif Syi’ah Bathiniyah? Untuk menjawab, penulis menukil definisi ta`wil yang dipaparkan oleh salah satu tokoh kontemporer Syi’ah Isma’iliyah DR. Arif Tamir, ia mengatakan: “Ta’wil adalah makna batin dari suatu lafadz, atau dimaksudkan juga sebagi symbol dan esensi, di mana hikikat makna suatu lafadz terdapat dalam kandungan lafadz itu sendiri, dan lafadz itu tidak mampu untuk menunjukkan suatu hakikat dan kebenaran” .
Dari definisi di atas dapat digaris bawahi bahwa kaedah ta’wil dalam aliran Syi’ah Isma’iliyah merupakan penerapan dari teori lahir dan batin yang telah kita ketengahkan sebelumnya. Sebab menurut asumsi mereka, makna lahir tidak dapat memberikan suatu makna yang hakiki atau kebenaran, oleh karena itu dalam memahami sebuah teks-teks agama seseorang tidak akan mampu memahaminya bila hanya bergantung kepada lahiriyah teks tersebut, melainkan harus menelusuri lebih jauh dan mendalami makna-makan batin yang terkandung dalam setiap lafadz.
Motif inilah yang membuat ulama Syi’ah Isma’iliyah Bathiniyah sangat menekankan pentingnya ta’wil dalam mengartikan permasalahan-permasalahan agama. Sebagaimana yang dikatakan oleh salah satu ulama Syi’ah Isma’iliyah Abu Ya’qub as-Sijistani (wafat 353 H): “Barang siapa yang tidak mengerti ilmu ta’wil serta tidak memahaminya secara mendalam, maka ia akan membohongi dan mendustakan al-Qur’an” . Di lain tempat, filosof Isma’iliyah Bathiniyah Abu Mu’ayyan al-Marwazi alias Nasir Khasru berkata: “Ta’wil adalah sebuah kebenaran yang hakiki” . Senada dengan pendapat diatas Ya’qub bin Killis menegaskan lebih jauh bahwa: “Sesungguhnya al-Qur’an itu tidak akan jelas maksud dan tujuannya kecuali jika diiringi dengan ta’wil” .
Namun perlu diperhatikan disini, sebenarnya masalah ta’wil bukanlah suatu hal yang diperselisihkan eksistensinya dalam kajian agama. Bahkan mayoritas ulama dari berbagai aliran teologi dan pemikiran Islam, khususnya aliran Asy’ariah, Maturidiyah, Mu’tazilah dan Syi’ah Zaidiyah, sangat memberikan perhatian, dan menganggap ta’wil itu penting, oleh karena itu mereka sepakat membolehkan ta’wil dalam berinteraksi dengan teks-teks Qur’an. Namun ada batasan dan syarat-syarat tertentu yang harus dipatuhi oleh siapa saja yang ingin menta’wil teks al-Qur’an ataupun as-Sunnah. Yaitu: penggunaan ta’wil hanya dibenarkan bagi ayat-ayat yang abstrak (Mutasyabihat) saja, dan tidak dibenarkan bagit-ayat yang jelas (Muhkamaat), dan tidak semua ayat-ayat mutasyabihat boleh dita’wilkan atau diinterpretasikan.
Sebagaimana yang dinyatakan dan ditegaskan oleh pakar tafsir dari Andalusia Spanyol Imam al-Qurthubi yang membagi ayat-ayat Mutasyabihat kepada dua kategori, yaitu:
- Pertama, permasalahan-permasalahan yang kandungannya sama sekali tidak dapat diketahui hakikatnya, seperti: fakta-fakta hari kiamat.
- Kedua, perihal yang dapat diketahui oleh orang-orang berilmu saja “ar-Raasikhuuna fi al-‘Ilmi”, seperti permasalahan yang berkaitan dengan sifat-sifat Allah swt.
Dalam pandangan Imam al-Qurthubi, kategori pertama di atas sama sekali tidak dapat diinterpretasikan oleh seseiapapun, sebab berkaitan dengan rahasia alam ghaib. Adapun kategori yang kedua, pemahamannya boleh dibantu dengan ta’wil, asalkan melalui proses penta’wilan yang betul dan diinterpretasikan oleh ulama yang tahu seluk beluk gramatikal bahasa Arab dan ilmu agama lainnya”. Untuk lebih jelasnya silakan membaca buku penulis: "Masaail al-I'tiqad Inda al-Imam al-Qurthubi, Muassasah al-'Alya, Kairo, Mesir, 2006".
Di tempat lain, Imam Syatibi menggariskan kebolehan penggunaan ta’wil dengan dua persyaratan, yaitu:
- Pertama, lafadz yang akan dita’wilkan hendaknya seseuai dengan makna lahiriyah bahasa Arab, atau sesuai dengan arti kata lain yang dipilih dan dikenal dalam bahasa Arab.
- Kedua, makna yang dipilih hendaknya sesuai dengan kebenaran (kenyataan), dengan cara menyesuaikan dan menelusuri teks-teks ayat di tempat lain.
Dengan memenuhi kedua syarat di atas, maka akan nampak jelas kebenaran makna batin suatu lafadz dengan menggunakan ta’wil. Dan hal ini berbeda dengan cara penta’wilan di kalangan Bathiniyah, karena mereka hanya mengandalkan ilmu batin dan sama sekali tidak melihat segi gramatikal bahasa Arab” .
Di sinilah letak kekeliruan dan kesalahan penta’wilan Syi’ah Isma’iliyah Bathiniyah, yang diikuti oleh kalangan sekuler dan liberal di Timur Tengah, melalui istilah “Hermeneutika”, di mana penta’wilan mereka tidak didasari dan dilandasi dengan gramatikal bahasa Arab. Di samping itu, mereka tidak membedakan antara ayat-ayat yang abstrak (Mutasyabihat) dan ayat-ayat yang jelas (Muhkamat). Bagi mereka, ayat Mutasyabihat dan ayat Muhkamat sama saja dan mesti dita’wilkan. Berdasarkan asumsi tersebut, mereka menta’wilkan seluruh ayat-ayat al-Qur’an secara batin, tanpa melihat latar belakang posisi ayat tersebut. Dan hal ini terjadi karena tidak adanya standarisasi ta’wil dalam mazhab mereka.
Konsekwensi dari penta’wilan Syi’ah Isma’iliyah berdampak besar pada beberapa permasalahan syari’at, sebagi contoh:
- Mereka berasumsi bahwa shalat menurut makna batinnnya adalah mengakui para wali Allah. Wali Allah yang dimaksud adalah para Imam-Imam mereka. Oleh karena itu, ketaatan dan kepatuhan kepada Imam hukumnya wajib.
- Ibadah puasa bagi persepsi mereka bukanlah bermaknakan menahan diri dari lapar dan dahaga, melainkan maknanya adalah menyembunyikan segala rahasia Syi’ah Isma’iliyah terhadap orang di luar mazhab Syi’ah Isma’iliyah.
- Begitu juga halnya dengan Ka’bah baitullah al-Haram, mereka ta’wilkan dengan secara sengaja mengalihkan maknanya kepada Imam-Imam yang harus ditaati dan dipatuhi segala perintah dan larangannya, sebab Imam itu adalah hakakat daripada Ka’bah Baitullah al-Haram .
- Dalam surah an-Nur ayat: 36 terdapat perkataan “al-masaajid”, yang dimaksud dengan perkataan “al-Masajid” menurut persepsi mereka adalah para Imam-Imam Syi’ah Isma’iliyah Bathiniyah dan para Nabi .
- Perkataan “Wa ‘Amiluu as-Shalihat” dalam surah al-Kahfi, ayat 107, bagi mereka adalah mentaati kepemimpinan imam. Sebab menurut keyakinan mereka amal ibadah seseorang baik yang bersifat fardhu atau sunnah tidak akan diterima kecuali bila mereka sudah mentaati para imam mereka yang suci dari noda dan dosa (Ma’sum) .
Perlu diperhatikan bahwa proses interpretasi ayat-ayat al-Qur’an dan as-Sunnah dalam aliran Syi’ah Isma’Iiyah Bathiniyah secara general sebenarnya bertujuan untuk memperkuat dan memperkokoh kedudukan para Imam-Imam mereka. Sehingga mereka berasumsi bahwa persoalan ta’wil adalah salah satu mu’jizat para Imam. Dan Imam al-Muntazhar sebagi pucuk pedang segala interpretasi (ta’wil) .
Dari beberapa contoh pena’wilan yang dilakukan oleh Syi’ah Isma’iliyah di atas dapat dilihat dengan jelas bahwa mereka melakukannya secara liar dan bebas, yang tidak berdasarkan kepada kode etik ta’wil yang semestinya berpedoman kepada gramatikal bahasa Arab, sebagaimana yang telah dirumuskan oleh filosof Islam Ibnu Rusyd .
Fenomena ta’wil Syi’ah Isma’iliyah dapat dijumpai dalam wacana pemikiran sekuler dan liberal di kalangan intelektual di Timur Tengah, yang mana ta’wil bagi mereka adalah satu-satunya jalan untuk memahami agama secara benar dan pasti. Sebab ta’wil itu sendiri pada dasarnya merupakan hasil produk bangsa Arab, yang bertujuan untuk mencapai sebuah kebenaran. Hal ini dikatakan oleh pemikir liberal Ali Harb dalam bukunya yang berjudul: “at-Ta’wil wa al-Hakikah” . Dalam irama yang senada Hasan Hanafi berpendapat bahwa penggunaan ta’wil sangat penting ketika ingin memahami suatu teks agama, karena tidak satupun teks yang tidak dapat dita’wilkan. Bahkan teks-teks agama yang sudah jelas maknanya (Muhkamat) tentu ada solusi penat’wilannya .
Tentunya pernyataan ini sama persis dengan pernyataan yang telah diagung-agungkan oleh Syi’ah Isma’iliyah Bathiniyah sebelumnya. Bahkan terdapat persepsi yang lebih berani yang datang dari salah satu pemikir liberal yang bernama Thayyib Tizni, ia terang-terangan menafikan adanya ayat-ayat Muhkamat yang jelas dan tidak ada kesamaran di dalamnya. Oleh karena itu tidak aneh kalau para kaum liberal berasumsi bahwa isi al-Qur’an semuanya Mutasyabihat .
Nasr Hamid abu Zaid berargumentasi lebih jauh tentang peranan dan keutamaan ta’wil dalam memahami teks agama. Hal ini dapat dilihat ketika ia mencoba untuk mengkomparasikan antara pemakaian tafsir dan ta’wil, dengan mempersoalkan yang mana lebih utama, tepat dan benar dari keduanya ketika ingin berinteraksi dengan teks-teks agama (al-Qur’an dan Sunnah). Ternyata menurutnya, cara yang paling tepat untuk memahami teks secara mendalam adalah melalui proses ta’wil. Dengan alasan di antaranya, lafadz “tafsir” hanya disebut satu kali dalam al-Qur’an, sedangkan lafadz “ta’wil” disebutkan sebanyak tujuh belas kali, dan ini membuktikan kelayakan ta’wil daripada tafsir . Di samping itu, para pemikir liberal yang diketuai oleh Nasr Hamid Abu Zaid menamakan ta’wil dengan istilah “Hermeneutika” yang dipinjam dari luar Islam dan tidak ada kaitannya dengan istilah agama dan wacana keislaman. Sebab hermeneutika itu sendiri adalah kosa kata filsafat barat, yang juga erat hubungannya dengan interpretasi Bible. Hermeneutika muncul di dalam konteks peradaban Barat, di mana konsepnya didominasi oleh ilmu yang skeptic, oleh karena itu konsep yang mereka tawarkan kepada pembaca bersifat makna. Dan kandungan konsep hermeneutika selalu mengalami perubahan, pergeseran dan perbedaan, bahkan mengalami kontradiktif antara satu teori hermeneutika dengan teori-teori hermeneutika lainnya. Dalam sejarah tercatat bahwa yang mempelopori hermeneutika itu adalah seorang filosof yang beragama Protestan berkembangsaan Jerman beranama: Friedrich Schleiermacher (1268-1834). Baginya, peranan hermeneutika adalah untuk memahami teks sebaik atau lebih baik dari pada pengarang buku . Ide dan gaya serta konsep memahami teks seperti ini sangat bertentangan dengan Islam, karena dapat meragukan teks-teks al-Qur’an, dan akan menghapus kebenaran isi dan kandungan al-Qur’an dan as-Sunnah, sebab kebenaran teks agama baik al-Qur’an ataupun as-Sunnah adalah kebenaran mutlak. Dengan demikian, tidak patut hermeneutika dipakai dalam memahami teks-teks agama, dan yang layak adalah memakai konsep Islami yaitu “Ta’wil”.
Untuk mengetahui sejarah penggunaan terminologi Hermeneutika di Timur Tengah, silahkan membaca buku sahabat kami asal Syiriah Damaskus, DR. Ahmad Idris at-Tha'an: "al-'Almaniyyun wa al-Qur'an al-Karim", Darul Ibni Hazam, Riyadh, Saudi Arabiah, 2007, asal buku adalah desertasi Darul Ulum jurusan Filsafat Islam, Universitas Kairo, th 2003, judul aslinya: al-Fikru al-'Arabiy al-Almani wa Mauqifuhu min An-Nash al-Qur'an". Jumlah halaman: +800. Dan hal yang menarik perhatian dari desertasi tersebut, dewan pengujinya terdiri dari DR. Muhammad Imarah dan DR. Hasan Hanafi, sehingga persidangan desertasi berubah menjadi perdebatan ilmiah yang sengit antara dewan penguji, dan dipandu oleh dosen pembimbing desertasi, DR. Sayyid Rizq al-Hajar.
Wa ala kulli hal, yang fatal dari pada teori hermeneutika adalah teori tersebut dilandaskan kepada faham relatifisme. Hal ini dinyatakan dengan jelas oleh Jean Grisch bahwa: “Sama sekali tidak dapat ditemukan ta’wil yang mengandung kebenaran, melainkan ta’wil itu beraneka ragam”. Sementara al-Qur’an sebagai kitab suci sifatnya mutlak dan tidak relatif.
Bila kita cermati, kajian-kajian hermeneutika sebenarnya disisipkan secara halus dalam kajian-kajian al-Qur’an melalui terminologi-terminologi, seperti: al-Qira’ah, al-Muqarabah, at-Ta’wil al-Haditsah, at-Ta’wil al-Mu’ashir dan berbagai macam terminologi lain yang sebenarnya bertujuan menyesatkan bukan mencari kebenaran. Bahkan para pemikir liberal di Timur Tengah kerap kali mengesksploitasi terminologi “Ta’wil” yang merupakan terminologIi Islam, sebagai cara atau pancingan untuk mengakui teori Hermeneutika, dengan melalui propaganda, seperti, slogan pembaharuan, menela’ah kembali teks-teks agama, dengan penampilan baru, modern dan kontemporer serta bersifat pencerahan (Enlightenment). Konsekweinsinya, teks-teks al-Qur’an dan Hadits yang telah tetap dan kokoh pada ayat (Muhkamat), mereka jadikan sebagai sejarah (historical) yang bisa diperbaharui dan dirubah kapanpun dan di manapun sesuai dengan kehendak dan keinginan serta cita rasa individu masing-masing. Oleh karena itu, Muhammad Arkoun, salah seorang pemikir liberal asal al-Jazair dalam hal ini sangat menyayangkan para ulama tafsir yang enggan memakai penafsiran symbolik (at-Ta’wil ar-Ramzi) yang dipakai oleh para ulama Syi’ah Isma’iliyah Bathiniyah dan ulama Tasawwuf .
Dengan demikian dapat secara jelas dan nyata, betapa pentingnya peranan ta’wil dalam kajian pemikiran Syi’ah Isma’iliyah dan Liberal, sebab bagi mereka ta’wil adalah satu-satunya jalan untuk mengetahui esense dan kebenaran ajaran agama.
C. Penyesatan Aqidah Islam.
Berdasarkan pada teori lahir dan batin (ad-Zhahir wa al-Batin), dan ta’wil liar, bebas dan spekulatif, Syi’ah Isma’iliyah Bathiniyah berhasil mengaburkan dan meruntuhkan bangunan sendi-sendi agama, baik aqidah atau syari’at. Dalam masalah tauhid mereka mempunyai terminologi sendiri dalam mengekspresikan “Tauhidullah” yang sama sekali tidak sesuai makna dan tujuannya dengan aliran dan mazhab lainnya. Terminologi yang digunakan oleh mereka ialah: at-Tauhid, at-Tanzih, at-Tajrid. Meskipun istilah tersebut secara general digunakan juga oleh aliran dan mazhab lainnya, akan tetapi makna dan artiannya jauh berbeda. Untuk lebih jelasnya penulis berikan beberapa contoh di bawah ini:
- Pengertian “Tauhid” Syi’ah Isma’iliyah.
Menurut mereka perkataan “at-Tauhid” adalah bermaksud mengetahui dan mengenal lima “Hudud al-Jismaniyah”, dan lima macam “Hudud ar-Ruhaniyah”. Yang dimaksud dengan Hudud al-Jismaniyah dalam kamus Syi’ah Isma’iliyah Bathiniyah adalah: Nabi, penerima wasiat Nabi, Imam, wakil Imam (al-Hujjah), dan pelaksana dakwa (ad-Da’i).
Adapun “Hudud ar-Ruhaniyah” (spiritual dignitaries) adalah: akal as-Sabiq (the precedent intelligence), an-Nafs at-Tali (the follower), malaikat Israfil (al-Jad), malaikat Mika`il (al-Fath) dan malaikat Jibril (al-Khayal) .
Jadi menurut Syi’ah Isma’ilyah Bathiniyah, seseorang tidak dapat dikatakan bertauhid dan beriman kecuali bila ia meyakini dan mempercayai sepenuh hati hal-hal yang tersebut di atas . Sementara tauhid dalam pemahaman mazhab lain secara umumnya adalah pengakuan atau pengiktirapan bahwa Allah swt. adalah Pencipta segala makhluk. Allah itu Esa tidak ada tuhan selain-Nya. Dan Allah swt. tidak dapat diserupakan oleh makhluk-Nya.
- Pengertian “Tanzih” Syi’ah Isma’ilyah.
Bagi Syi’ah Isma’ilyah terminologi “at-Tanzih” maksudnya adalah meniadakan penamaan nama-nama Allah (Asma`ullah) terhadap Pencipta (Allah). Dan nama-nama Allah tersebut dialihkan kepada salah satu “Hudud ar-Ruhaniyah”, yaitu Aqal (aqal as-Sabiq). Sementara Hudud al-Jismaniyah dan Hudud ar-Ruhaniyah keduanya dinamakan Asma`ullah al-Husna” . Pengertian ini berbeda dengan pengertian mazhab lain. Bagi pemahaman Ahlu Sunnah “at-Tanzih” adalah mengakui Asmau`llah, dan tiada yang menyerupakan Allah swt.
- Pengertian “Tajrid” Syi’ah Isma’ilyah.
Syi’ah Isma’ilyah berpendapat bahwa perkataan “at-Tajrid” bermaksud meniadakan sifat-sifat ketuhanan atas seluruh makhluk-Nya. Dan sifat ketuhanan hanya dinisbahkan kepada Pencipta (Allah) . Pernyataan ini kita terima, namun yang kotradiktif di sini adalah tatkala mereka mengakui dan menetapkan sifat ketuhanan hanya milik Allah swt saja., akan tetapi mereka meniadakan nama-nama Allah (Asmau`llah). Sementara yang benar dan hakiki adalah pandangan bahwa Allah swt. adalah sang Pencipta, Tuhan segala makhluk, serta mempunyai sifat-sifat dan nama-nama khusus yaitu Asmau`llah al-Husna.
Dari keterangan diatas, nampak jelas bahwa Syi’ah Isma’ilyah Bathiniyah menafikan seluruh sifat-sifat yang dimiliki oleh Allah swt. yang tersebut dalam al-Qur’an, seperti: Maha Tahu (al-Alim), Maha Kuasa (al-Qadir), Maha Mendengar (as-Sami’), Maha Melihat (al-Bashir), dan sifat-sifat yang lainnya. Dan mereka berpendapat sifat-sifat tersebut adalah sifat para Malaikat, Nabi, Imam dan wakil Imam, jadi bukanlah sifat yang dimiliki oleh Allah. Dan mereka berargumentasi bahwa hakikat pensucian (at-Tanzih) menuntut penafian tersebut, yaitu menghilangkan segala macam bentuk sifat bagi Allah swt., dan bermaksud Allah tidak serupa dengan makhluk ciptaan-Nya, sebab Allah tidak dapat diekspresikan dengan kata-kata dan tidak dapat diilustrasikan .
Dari bentuk tauhid Syi’ah Isma’iliyah di atas jelas bertentangan dengan aqidah Islam, yang menegaskan keesaan Allah swt., dan menetapkan sifat-sifat dan Asmau`llah. Dan yang lebih fatal lagi, Syi’ah Isma’iliyah mengadopsi pandangan filsafat Yunani tentang proses penciptaan alam semesta yang dikenali dengan teori “Emanasi” yang dalam bahasa arab disebut sebagai “al-Faydh atau as-Shudur”, yang memiliki makna “Pelimpahan dan Pancaran”. Tujuannya adalah untuk memahami hubungan antara Tuhan, alam pluralis dan empiris, di mana proses kejadian alam ini terjadi secara berangsur dan berasal dari satu sumber, yaitu akal creator (al-‘Aql al-Awwal atau al-a’Aql Fa’al). Kemudian darinya lahir jiwa (an-Nafs). Kemudian an-Nafs sendiri menghasilkan berbagai jenis akal dan seterusnya. Jadi, inti dari proses kejadian alama ini terjadi secara gradual pada alam jasmani, yakni jisim mutlak, dan seterusnya berkembang sendiri dengan membentuk perubahan-perubahan dalam perjalanan masa .
Dengan demikian, Syi’ah Isma’iliyah berkeyakinan bahwa Allah hanya sekedar menciptakan akal creator (al-‘Aql al-Awwal). Kemudian akal tersebut berkembang dan berproses dengan sendirinya tanpa adanya campur tangan sang Pencipta Allah swt..
Untuk melihat lebih jelas lagi penyelewengan aqidah yang dilakukan oleh Syi’ah Isma’iliyah, dapat dilihat dari konsepsi mereka tentang alam akhirat, di mana mereka menginterpretasikan segala jenis dan bentuk kehidupan di hari kiamat. Sebab menurut mereka segala bentuk kehidupan di dalam alam akhirat itu hanyalah merupakan contoh saja, demi mendekatkan atau memudahkan pemahaman seseorang tentang keadaan alam akhirat, seperti:
- Surga dan neraka. Secara indrawi bagi mereka surga dan neraka itu adalah seruan mengikuti dakwah atau ajakan para Imam Syi’ah, adapun neraka adalah bermakna penolakan seruan dakwah para imam Syi’ah .
- Hakikat kenikmatan yang ada di alam surga tidak nyata, tidak konkrit dan tidak dapat dirasakan oleh setiap orang, karena hakikat kenikmatan surga itu adalah mengenal dan mengetahui para imam Syi’ah .
- Mukjizat tidak terjadi kepada para Nabi. Sebab mukjizat itu hanyalah merupakan sebuah dongeng semata (Myth), dan Khurafat (Mythology) .
Bila kita renungkan secara seksama, disengaja atau tidak disengaja, fenomena penyelewengan-penyelewangan aqidah Islam yang dilakukan oleh gerakan Syi’ah Isma’iliyah seperti contoh-contoh di atas, dapat kita jumpai juga dalam wacana pemikiran sekuler dan liberal di Timur Tengah. Seperti beberapa konsep tauhid Hasan Hanafi yang merupakan salah seorang tokoh dan pemikir liberal asal Mesir, ia menegaskan bahwa seluruh sifat-sifat Allah, di antaranya: sifat al-Ilmu, al-Qudrah, as-Sam’u dan al-Bashru adalah merupakan sifat-sifat manusia . Kemudian bila Syi’ah Isma’iliyah berani menafikan mukjizat-mukjizat para nabi dan rasul, maka kaum liberalpun demikian, DR Hasan Hanafi secara terang-terangan menafikan mukjizat nabi, dan dia iringi dengan pertanyaan: Apalah arti sebuah mukjizat jika Allah sendiri mampu menciptakan secara langsung tanpa ada munasabah dan moment tertentu. Di samping itu, baginya alam akhirat itu sendiri hanyalah bahagian dari bentuk pengekspresian dan angan-angan serta harapan belaka bagi orang-orang yang hidupnya lemah atau tertindas di alam dunia ini . Ini sebuah fakta nyata bentuk pengingkaran terhadap alam akhirat yang telah lama di propagandakan oleh gerakan Syi’ah Isma’iliyah.
Demikianlah beberapa pengaruh konsep ta’wil Syi’ah -khususnya Syi’ah Isma’ilyah Bathiniyah- terhadap pemikiran sekuler dan liberal di Timur Tengah. Keduanya mempercayai dan meyakini sepenuhnya bahwa teks-teks agama mengandung makna lahir dan batin. Dan lahiriah suatu teks tidak dapat memberikan artian yang hakiki. Oleh karena itu perlu dibantu dengan penta’wilan lebih lanjut agar makna lahir boleh difahami dan dimengerti.
Namun bedanya, kalau menurut Syi’ah Isma’iliyah, pelaku ta’wil adalah khusus bagi para imam-imam mereka tanpa campur tangan orang biasa, begitupula halnya dengan tasawwuf, di mana praktek ta’wil hanya dapat dilakukan oleh para wali-wali “Auliya`ullah”, sementara kaum sekuler dan liberal berpendapat lain, mereka berpendapat bahwa penggunaan ta’wil dapat dilakukan oleh semua kalangan atau siapa saja, dan tanpa ada batasan tertentu. Oleh karena itu, setiap individu mempunyai hak untuk menginterpretasikan teks-teks agama sesuai apa yang ia kehendaki dan pahami sendiri.
Jadi kesimpulan utama dari tulisan ini dapat digaris bawahi bahwa kajian ta’wil dalam diskursus pemikiran Islam telah diprakarsai oleh golongan Syi’ah Isma’iliyah, dengan menggunakan pendekatan teori “lahir dan batin”, atau dengan penamaan lain “al-Mitslu wa al-Mamtsul”, at-Tanzil wa at-Ta’wil”, al-Ilmu wa al-Amal”. Kemudian, teori dan dan pendekatan tersebut diadopsi oleh ahli tasawwuf dengan mengganti namanya menjadi “al-Haqiqah wa as-Syari’ah”, “al-‘Amm wa al-Khas”. Selanjutnya teori tersebut direproduksi dan dikemas ulang oleh gerakan sekuler dan liberal masa kini di Timur Tengah dengan label yang berbeda-beda dan beraneka ragam terminology, seperti: “al-Lafzh wa al-Ma’na”, al-Lafazh wa al-Maghza”, Ma’na al-Ma’na”, al-Lafazh wa al-Jauhar”, al-Lafazh wa al-Fahm”, al-Ma’na wa al-Maqashid”, at-Turats wa al-Hadatsah”, “ at-Turats wa at-Tajdid”, dan penamaan lainnya yang berkisar tentang pendalaman ta’wil alias Hermeneutika. Namun kita tidak sadar bahwa ternyata trend metode tersebut adalah merupakan hasil pengadopsian dan reproduksi atas gaya ta’wil Syi’ah Isma’iliyah Bathiniyah yang telah muncul pada tahun 250 Hijriah lalu. Dan bedanya hanya terletak pada kemasan dan penamaannya saja, sebagaimana yang telah disebutkan di atas.
Ini suatu indikasi betapa besarnya pengaruh gerakan Syi’ah Isma’iliyah Bathiniyah terhadap konsep Hermeneutika gerakan sekuler dan liberal saat ini. Oleh karena itu dapat dikatakan bahwa sekularisasi dan liberalisasi di Timur Tengah melalui konsep ta’wilnya adalah suatu gerakan yang “repetitive”. Sebab konsep yang di bawa oleh mereka bukanlah konsep baru bagi aliran dan wacana pemikiran dalam studi keislaman. Dan ia merupakan gerakan kuno yang telah berwujud dari dahulu, walaupun muncul dalam tampilan dan gaya yang bercorak modern, dengan melabelkan dan mempropagandakan berbagai macam istilah yang kelihatannya “positif thinking” dan menarik, tapi hakikatnya malah akan menghancurkan agama Islam dari dalam, atau dengan kata lain “MUSUH DALAM SELIMUT”. Denagan kesengajaan mereka menemakan diri sebagai gerakan: rasionalis (al-‘Aqlaniyah), pencerahan (at-Tanwir), kebangkitan (an-Nahdhah), dan terminologi-terminologi lain yang mungkin dapat membuat sebagian orang merasa tertarik dan terpengaruh. Sebab slogan-slogan tersebut mengandung semangat kemoderenan (sprit of the times). Namun pada hakikatnya adalah "Tazwir ad-Din wa al-Afkar".
Wallahu A’lam.
USIM, Malaysia
Saturday, January 9, 2010
لمحة عن الشيعة الإمامية الإثنى عشرية
لمحة عن الشيعة الإمامية الإثنى عشرية
الدكتور/ كمال الدين نور الدين مرجوني
الدكتور/ كمال الدين نور الدين مرجوني
تعريف الإمامية الإثنى عشرية
عرف الشيخ الإمامي المعاصر (محمد الحسين المظفر) الإمامية بأنهم: " الذين قالوا بإمامة الإثنى عشر من أبي الحسن إلى ابن الحسن " ( ) . وهذا النص يوضح لنا أن الإمامية تتميز لقولها بإمامة الأئمة الاثنى عشر . وفي هذا يقول الشيخ محد جواد مغنية: "الإثنى عشرية نعت يطلق على الشيعة الإمامية القائلة باثنى عشر إماما تعينهم بأسمائهم" ( ) . ويعرفهم الشهرستاني الأشعري قائلا: "الإمامية هم القائلون بإمامة عليّ – رضي الله عنه – بعد النبي نصا ظاهرا وتعيينا صادقا، من غير تعريض بالوصف، بل إشارة إليه بالعين " ( ) .
ويؤكد ذلك الشيخ أبو زهرة في قوله: " إن الجامع لهؤلاء هو ما تدل عليه التسمية بعبارة (الإمامية)، فإنهم يقولون إن الأئمة لم يعرفوا بالوصف. كما قال الإمام زيد بن علي رضي الله عنه عنهما، بل عينوا بالشخص فعين الإمام علي من النبي وهو يعين من بعده بوصية من النبي ويسمون بالأوصياء"( ) .
وقد افترق الإمامية إلى فرقتين كبيرتين هما: الإثنى عشرية ( ) ، والإسماعيلية الباطنية، وهذا الإفتراق بعد وفاة الإمام جعفر الصادق، حيث اختلف الناس فيمن تولى الإمامة بعد وفاته:
فقالت طائفة: إن موسى الكاظم هو الذي نص عليه الصادق وإليه تنتقل الإمامة حتى ولو كان أصغر من أخيه إسماعيل، وذلك لسببين :
- أولا : أن إسماعيل قد مات في حياة أبيه.
- ثانيا : أن أباه قد رقع عنه الوصاية قبل موته بدعوى شربة الخمر الأمر الذي يؤدي إلى نفي تقواه ، وعدم أحقيته في الإمامة ، ومن ثم فموسى الكاظم (تـ 183هـ) هو الإمام السابع بعد أبيه في نظر أصحاب هذه الطائفة التي أطلق عليها فيما بعد بـ (الإثنى عشرية) لأنها تسلسل الإمامة بعد الكاظم إلى ابنه علي بن موسى (الرضا) (تـ 203هـ) ، ثم إلى ابنه محمد بن علي (الجواد) (تـ220هـ)، ثم إلى ابنه علي بن محمد (الهادي) (تـ 254هـ)، ثم إلى ابنه الحسن بن علي (العسكر) (تـ260هـ)، ثم إلى ابنه محمد بن الحسن (المهدي) (تـ 328هـ).
إذن، فالإمامية الإثنى عشرية متفقون على سوق الإمامة بعد علي إلى جعفر الصادق ، فهي بعد علي للحسن (الزكي)، ثم الحسين بن علي (سيد الشهداء)، ثم إلى ابنه علي بن الحسين (زين العابدين)، ثم إلى ابنه محمد بن علي (الباقر)، ثم إلى ابنه جعفر بن محمد (الصادق) ، ثم إلى ابنه موسى بن جعفر (الكاظم)، ثم إلى ابنه علي بن موسى (الرضا) ، ثم إلى ابنه محمد بن علي (الجواد) ، ثم إلى ابنه علي بن محمد (الهادي) ، ثم إلى ابنه الحسن بن علي (العسكر)، ثم إلى ابنه محمد بن الحسن (المهدي)، وقد غيب في سنة 255هـ . وهو الحجة في عصر الغائب المنتظر وليملأ الأرض عدلا وقسطا بعد ما ملئت ظلما وجورا ( ) . وبذلك يكون مقدار هذه السلسلة اثنا عشر إماما ، لا يزيد ولا ينقص. ومن هنا ، تميزت الإمامية الإثنى عشرية بأنها وضعت لنفسها في بادىء الأمر عددا ثابتا من الأئمة . فتوقفوا عند إمامهم الثاني عشر الغائب وهو محمد بن الحسن العسكري .
وهم الذين يسمون بالجعفرية، لاعتماد آرائهم الفقهية على أقوال الإمام جعفر الصادق، كما يسمون أيضا بـ (الرافضة)، لرفضهم ثورة الإمام زيد ودعوته للخروج على والي العراق في عصره وهو يوسف بن عمر الثقفي كما عليه ابن تيمية. أو لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر كما عليه الأشعري، وقد فضل صاحب كتاب (بحار الأنوار) تسمية فرقته بالرافضة ، ووأورد في كتابه أربعة أحاديث في مدح التسمية بالرافضة. وعلى أية حال، إذا أطلق لفظ (الشيعة) فلا ينصرف في الذهن إلا إلي هذه الطائفة الإمامية الإثنى عشرية .
وقالت طائفة: إن إسماعيل هو الذي تنتقل إليه الإمامة بعد أبيه، لأنه هو الإبن الأكبر، وهذه الطائفة يطلق عليها فيما بعد بـ (الإسماعيلية الباطنية) . .
إذن، فكان لموت الإمام جعفر الصادق أثره البالغ في انقسام الشيعة إلى فرقتين رئيستين: الإمامية الإثنى عشرية من جهة – وهم أتباع موسى الكاظم – ، والإسماعيلية الباطنية –وهم أتباع إسماعيل – من جهة أخرى ، ولكل فرقة منها تدّعي أن لإمامها الزعامة دون الأخرى .
***
فرق الإمامية الإثنى عشرية
وقد انبثق من الإمامية الإثنى عشرية قرق ومذاهب كثيرة، منها: أصولية، وأخبارية، وشيخية، وكشفية، وكنية، وركريمخانية، وقزلباشية، وكلها داخلة في المجموعة الإثني عشرية وأصولها مبثوثة في كتب الإثنى عشرية ( ) . والإثنا عشرية اليوم منقسمون إلى ثلاث مدارس فكرية رئيسية وهي:
- الأول : الأخبارية.
هم الذين يمنعون الاجتهاد، ويعملون بالأخبار ويرون أن ما في كتب الأخبار الأربعة المعروفة للشيعة (الكافي، والتهذيب، والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه) قطعي السند أو موثوق بصدوره، فلا يحتاج إلى البحث عن سنده ، ولا يرون تقسيم الأخبار إلى أقسام الحديث المعروفة من الصحيح والحسن والموثق والضعيف وغيرها، بل كلها صحيحة، ويوجبون الاحتياط عند الشك في التحريم ولو مع عدم سبق العلم الاجمالي، ويسقطون من الأدلة الأربعة المذكورة في أصول الفقه: دليل العقل، والإجماع، ويقتصرون على الكتاب والخبر، ولذلك عرفوا بالإخبارية نسبة إلى الأخبار ولا يرون حاجة إلى تعلم أصول الفقه ولا يرون صحته. ومن علماء الإخباريين: ابن بابويه صاحب كتاب "من لا يحضره الفقيه"، الحر العاملي صاحب كتاب "وسائل الشيعة"، والكاشاني صاحب كتاب "الوافي" ، والنوري الطبرسي صاحب كتاب "مستدرك الوسائل". ويمكن تسميتها بـ "مدرسة الحديث". وسميت كذلك بـ "الحركة السلفية" .
وكانت بداية ظهور الأخبارية في مطلع القرن الحادي عشر للهجرة على يد الشيخ محمد أمين الأسترابادي (تـ 1033هـ) صاحب كتاب (الفوائد المدنية) إلا أنها تجددت بشدة في أواخر القرن الثاني عشر، يقول البحراني: "هو أول من فتح باب الطعن على المجتهدين ، وتقسيم الفرقة ... إلى أخباري ومجتهد" ( ) .
- الثاني : الأصولية.
هم القائلون بالإجتهاد من الشيعة الإمامية الإثني عشرية، ويمكن أن نسمي هذه المدرسة بـ "مدرسة الرأي أو مدرسة التأويل" . ومن علماء هذه المدرسة: الطوسي صاحب كتاب "الاستبصار والتهذيب" ، والمرتضى المنسوب له (أو لأخيه) نهج البلاغة، والشيخ المقيد صاحب كتاب "أوائل المقالات" وغيرهم ، ومعقل هذه المدرسة (النجف)( ) .
- الثالث :الشيخية.
هم طائفة من الشيعة الإمامية الاثني عشرية أسسها أحمد بن زين الدين الأحسائي في مطلع القرن الثالث عشر الهجري، وأتباعا يتواجدون اليوم في العراق، والكويت، و الاحساء، والبصرة، وكرمان، وتبريز في ايران. وينقسمون إلى فرقتين: "الركنية" و "الكشفية"، ولكلّ فرقة آراؤها الخاصّة.
ويمكن أن نحدد ملامح افتراق الأصوليين والأخباريين فيما يلي:
1) اعتراض الأخبارية بأن العمل بالقواعد الأصولية التي ظهرت في بدايات القرن الهجري الرابع على أيادي من عاصرو الشيخ الكليني يؤدي إلى ترك العمل بالنصوص الشرعية.
2) اعتراض الأخبارية أن عمل المتقدمين من الأصحاب إلى أواخر زمن الشيخ الصدوق كان بناء على الأخبار الواردة إليهم من الصادقين عليهم السلام. إذ زعموا أن مدركية الأحكام كانت عبر ظواهر المرويات عن الأئمة عليهم السلام.
3) اعتراض الأخبارية على الدور الذي لعبه العقل في استنباط الأحكام الشرعية، وزعمهم بأن ذلك مؤد إلى نبذ الأحكام الشرعية التي عمل بها المتقدمين.
4) القول بأن العمل طبقاً لقواعد الأصول بدعة لكونه قد ظهر ما بعد فترة غيبة الإمام الثاني عشر عليه السلام، لزعمهم عدم عمل الأصحاب على عهد الأئمة.
ويمكن التمثيل على الخلاف بين الأخبارية والأصولية وهو في مسألة التدخين: لا يوجد نص من الكتاب ولا السنة على التدخين فموقف الأخبارية الاحتياط أو البراءة في الشبهات التحكيمية، فهنا شبهة حرمية تحكيمية، لا ندري التدخين هل هو حرام أم لا، وأما الأصولية فتقول كل شي لم يورد حرمته فالأصل الحلية، الأصل حليته ما لم يرد نص على حرمة الحلية حيث يعبر عنه بالبراءة العقلية والبراة النقلية كما ورد عن رسول الله صلى الله : (رفع عن امتي تسعة، الخطاء، والنسيان، وما أكرهوا عليه، ومالا يطيقون، ومالا يعلمون، وما اضطروا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلق مالم ينطق بشفه). وروي عن رسول الله صلى الله : (رفع عن امتي تسعة، الخطاء، والنسيان، وما أكرهوا عليه، ومالا يطيقون، ومالا يعلمون، وما اضطروا اليه، والحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلق مالم ينطق بشفه. والشاهد هنا ما لا يعلمون مالم يصل إليهم البيان فهو مرفوع، كل ما لم يرد له نص بالحلية فالموقف الشرعي هو التوقف، وهناك نصوص يستندون إليها كما ورد عن النبي محمد صلى الله : (ملاك بين وحرام بين وشبيهات بين ذلك).
وهذه أهم ملامح الخلاف، وهناك أمور اختلفوا فيها بناء على هذه النقاط كحجية ظواهر الكتاب وأن فهم القرآن يكون بواسطة المعصوم وما ورد عن المعصوم فقط، ومن هذه الأمور دعاوى متعلقة بحيثيات العمل بالأخبار الواردة عنهم إذ زعم الأخباريون بأن أخبار الكتب الأربعة قطعية الصدور عن الأئمة سليمة لا خدش فيها واستماتوا في إثبات ذلك ، ومعارضتهم للتقسيم الرباعي للأخبار التي ظهرت أيام المتأخرين من الأصحاب وتحديداً عهد السيد ابن طاووس والعلامة الحلي رضوان الله تعالى عليهم. وهناك أمور أخرى كحجية الإجماع ودليل العقل والأصول العملية وما شابه ولكل دليله النقلي والعقلي فيما أراد إثباته ، لكن ذلك لم يمنع إلى يومنا هذا تطور علم الأصول وارتقائه لدرجات عالية إذ مدار ذلك كان بفتح باب الاجتهاد في المذهب على مر العصور والسنين.
ويبدو مما سبق، أن الأصولية تُعدّ من التيار السائد بين الشيعة الإثني عشرية في العصر الحديث، وأن أبرز سماتها الاعتماد على مراجع التقليد في المسائل الفقهية، وأما الإخبارية فيقتصرون في معرفتهم للأحكام الشرعية على الأخبار أو الروايات الواردة عن أهل البيت، وأسقطوا الاستدلال بالمصادر الثلاثة الأخرى وهي القرآن والإجماع والعقل، فهم لا يستدلون بالقرآن بذريعة أن القرآن لا يفهمه سوى أهل البيت والواجب الرجوع إلى أحاديثهم، ولا يستدلون بالإجماع لأنه عندهم بدعة أوجدها أهل السنة ، وينكرون كذلك صلاحية العقل السليم ليكون حجة أو دليلا.
والجدير بالذكر أنه قد وصل الخلاف بين الأخبارية والأصولية إلى التشنيع والتكفير قيما بينهم حتى إن بعضهم يفتي بتحريم الصلاة خلف البعض الآخر ( ) . وكان من شيوخ طائفة الأخبارية من لا يلمس مؤلفات الأصوليين بيده تحاشيا من نجاستها ، وإنما يقبضها من وراء ملابسته ( ) . وقد كفر الاسترباذي وهو من الأخبارية بعض الأصوليين ونسبهم إلى تخريب الدين ( ) . وكما يرى الكاشاني أحد مصادر الأصولية الثمانية جمعا من علمائهم إلى الكفر ( ) .
ويحكي لنا السيد محمد حسن آل الطالقاني عن الخلاف والعداوة بين الأخبارية والأصولية فيقول:"فدوت في الأوساط العلمية، ولم تقتصر على طلبة العلوم وأهل الفضل، بل تسربت إلى صفوف العوام مما أدى إلا الاستهانة بالعلم والاستخفاف بحملته ، وبلغ التطرف حدا حكم فيه الوحيد البهبهاني بعدم صحة الصلاة خلف البحراني" ( ). ويتابع القول السيد محمد حسن آل الطالقاني: "وأوغل الأخباريون في الازدراء بالأصوليين إلى درجة عجيبة حتى أننا سمعنا من مشايخنا والأعلام وأهل الخبرة والاطلاع على أحوال العلماء: أن بعض فضلائهم كان لا يلمس مؤلفات الأصوليين بيده تحاشيا من نجاستها ، وإنما يقبضها من وراء ملابسه" ( ) . وفي موضع آخر يحكي لنا الشيخ السيد الطالقاني عن طبيعة الخلاف بين الشيعة فيقول: "وكانت اللهجة قاسية والأسلوب نابيا، وقد تزعم فريق الأخباريين في تلك الفترة الميرزا محمد النيشابوري المعروف بالأخباري، كما تزعم فريق الأصوليين الشيخ جعفر كاشف الغطاء النجفي" ( ) . فاحتدم النقاش بين العالمين، فنهج الأخباري المنهج الشيعي الأصيل " قد تطرف الأخباري إلى أبعد حد ووسع شقة الخلاف كثيرا، وتخلى عن الأدب والحشمة والاحترام في مناقشته لعلماء الأصوليين في نقده ورده على السواء، وتطاول على اساطين الدين وعظماء المذهب بالشتم، واستعمل بذيء القول ومرذوله" ( ) .
وأما يوسف البحراني صاحب كتاب "الحدائق" فحاول تضييق دائرة النزاع وما سببه من فضائح وكشف لأخلاقيات الشيعة المستورة قائلا:" إن الذي ظهر لنا بعد اعطاء التأمل حقه في المقام وامعان النظر في كلام علمائنا الأعلام هو الاغماض عن هذا الباب وارخاء الستر دونه والحجاب، وإن كان قد فتحه أقوام وأوسعوا فيه دائرة النقض والابرام، أما أولا فلاستلزامه القدح في علماء الطرفين والازراء بفضلاء الجانبين كما قد طعن به من كل الفريقين على الآخر، بل ربما انجر إلى القدح في الدين - يقصد دين الشيعة - سيما من الخصوم المعاندين" ( ) .
إلا أن هذا الصراع خمد فترة ، إثر خروج عدو مشترك للجميع، وهو عدو شيعي إمامي ولكن له فكر آخر، وهذا الفكر هو الفكر الشيخي ، أتباع أحمد بن زين الدين الأحسائي( ) . ونسبت إلى الشيخ بسبب تبنيه مدرسة خاصة في الحكمة، والفلسفة المتماشية مع حكمة وفلسفة أهل البيت، ونبذه لكثير من الأفكار المستمدة من الفلاسفة الإغريقيين والرومان ، وهم في الواقع تابعون للمدرسة الأصولية في الفقه، وقد ظهرت هذه المدرسة في أواخر النصف الثاني من القرن الثالث الهجري على يد مؤسسها، وقد انتشرت أفكار هذه المدرسة في كثير من مناطق الشيعة لقربها من المنابع الرئيسية وهي أقوال وسيرة أئمة أهل البيت حتى أن الشيخ كان المقدم في بلاط الشاه، وانقسمت الشيخية بعد زمان الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي إلى الركنية بقيادة الحاج محمد كريم خان الكرماني و الكشفية. وخلال القرن التاسع عشر تحول عدد كبير من الشيخية إلى الديانة البهائية، وذلك لما توليه الديانة البهائية من مرتبة عالية للشيخ الإحسائي. والشيخية الآن متواجدون في دول الخليج( ) . ومن هنا، وجد كلا من الأصولية والأخبارية ، أن الأحسائي قد خرج كمارد ( ) .
ويذهب الشيخ حميد المبارك( ) إلى أن الأصولية والأخبارية لم تعد اليوم تثير حساسية في الحياة اليومية، وأن جيله من العلماء قد شهد في طفولته نهايات هذه الحساسية التي رافقت مجيء السيدعلوي الغريفي من النجف حاملاً اتجاهاً أصولياً جديداً على الساحة البحرينية، وقد كسرت الثورة الإيرانية هذه الحساسية، بعد انتصارها وانتصار التحولات الاجتماعية الدينية التي مثلتها.
وعلى أية حال، أن الشيعة الإمامية فرقة من فرق الشيعة ولها عدة أسماء، فإذا قيل لهم الإثنا عشرية فلإعتقادهم، بإمامة أئمة الإثنى عشرية. وإذا قيل لهم الإمامية فلأنهم جعلوا الإمامة، ركناً خامساً من أركان الإسلام، وإذا قيل لهم جعفرية فلنسبتهم إلى الإمام جعفر الصادق وهو الإمام السادس عندهم. وأن الإمامية الإثنى عشرية تمثل الآن الأكثرية من بين طوائف الشيعة الرئيسية – كالزيدية والإسماعيلية الباطنية – في العالم ، وهم يتمركزون الآن في دولة " إيران الإسلامية "، يؤكد ذلك الدكتور مصطفى الشكعة حيث يذكر أن الإمامية يشملون الآن كل سكان إيران تقريبا، ونصف سكان العراق، وعشرات الألوف من سكان لبنان، وبضعة ملايين في الهند إلى غير ذلك من البلاد الإسلامية ( ) .
***
أصول الإمامية الإثنى عشرية
وأصول العقيدة عند الإمامية الإثنى عشرية خمسة: التوحيد، النبوة، الإمامة، العدل، المعاد. وهذه الأصول الخمسة تتضمن عقائد أخرى انفردت بها الإمامية الإثنى عشرية أو يمكننا القول بـ "أصول المذهب الإمامي"، ومنها: العصمة، المهدية، الرجعية، التقية، البداء، ومعظم هذه الأصول نتيجة تأثير الشيعة بالأديان المغايرة للإسلام كاليهودية، والمسيحية، والمجوسية. وهذه المؤثرات جاءت كنتيجة مباشرة للبذور التي بذرها عدد من اليهود وغيرهم من أتباع الملل الأخرى بتظاهرهم باعتناق الإسلام، ليدخلوا من خلال تلك الأفكار المسمومة والغريبة في عقائد المسلمين، فكانت فكرة التشيع لعلي وآل البيت ستارا ينطلقون منه لتحقيق أهدافهم ( ) .
وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذه المؤثرات كما يبدو إنما جاءت في المقام الأول كوليدة للصراعات الفكرية بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى . ويذكر الدكتور يحيى هاشم فرغل أن النشاط المسيحي بدأ منذ عصر الرسول ، ويشير إلى مناقشة النجاشي لوفد مكة ومناقشة الرسول لوفد نجران ( ) . ويذكر ابن حزم أن اليهود هم الذين أفسدوا دين المسيح عندما دخل بولس المسيحية وقال بإلهية المسيح، إذ يقول: " وهذا أمر لا نبعده عنهم ، لأنهم قد راموا ذلك فينا وفي ديننا، فبعد عليهم بلوغ إربهم ، وذلك بإسلام عبد الله بن سبأ اليهودي الحميري لعنه الله ليضل من أمكنه من المسلمين، فنهج لطائفة رذلة كانوا يتشيعون في علي أن يقولوا بإلهية علي، كما نهج بولس لأتباع المسيح أن يقولوا بإلهيته، وهم الباطنية والغالية إلى اليوم " ( ) . وأهم هذه المؤثرات هي فكرة الوصاية، والرجعة، والمهدية، والتناسخ( ) . ويلاحظ الدكتور عبد الرحمن بدوي أن الكيسانية من أقدم فرقة إسلامية تقول بفكرة المهدي ( ) .
ويلاحظ الدكتور عبد الرحمن بدوي أن الكيسانية من أقدم فرقة إسلامية تقول بفكرة المهدي( ). ويذهب كل من فان فلوتن جولد تسيهر إلى القول بأن فكرة ظهور المهدي التي أدت إليها نظرية الإمامة، والتي تجلّت معالمها في الاعتقاد بالرجعة منشأها المؤثرات اليهودية والمسيحية ( ) . غير أن الدكتور محمد إقبال يرى غير ذلك، حيث يرجع فكرة ( المهدي ) إلى تأثير الفكر المجوسي( ). ومن الجدير بالذكر أيضا أن المسلمين جمعوا أديان الفرس تحت اسم ( المجوس )، وإن كانوا قد أحسوا بما بينها من فروق ( ) . ومن المذاهب المجوسية التي كان لها تأثير مباشر في غلاة الشيعة هي: الزرادشتية، والمانوية، والمزدكية ( ) . ويذكر الشيخ محمد أبو زهرة أن الشيعة قد تأثروا بالأفكار الفارسية حول الملك والوراثة، والتشابه بين مذهبهم ونظام الملك الفارسي واضح، ويستدل على ذلك بأن أهل فارس من الشيعة، وأن الشيعة الأولين كانوا من فارس ( ) . ولذلك، فإن آراء الشيعة كانت تلائم الإيرانيين ( ) .
وتفاصيل الحديث عن أصول المذهب الإمامي (العصمة، المهدية، الرجعية، التقية، البداء) تكون كالتالي:
أولا : العصمة .
عرف الشيخ المفيد (تـ413هـ) العصمة بأنها: " الامتناع بالاختيار عن فعل الذنوب والقبائح عند اللطف الذي يحصل من الله تعالى في حقه، وهو لطف يمتنع من يختص به عن فعل المعصية ولا يمنعه على وجه القهر، أى لا يكون له حينئذ داع إلى فعل المعصية وترك الطاعة مع القدرة عليها " ( ) . وفي نفس المعنى يقول الشريف المرتضى (تـ436هـ) ( ) : " العصمة هي اللطف الذي يفعله الله تعالى، فيختار العبد عنده الامتناع من فعل القبيح، فيقال على هذا: إن الله تعالى عصمه بأن فعل له ما اختار عنده العدول عن القبيح، ويقال: إن العبد معصوم، لأنه اختار عند هذا الداعي الذي فعل له الإمتناع من القبيح" ( ) .
ويتضح من هذه النصوص أن هناك تفسيران للعصمة:
- أحدهما: أنها أمور يفعلها الله تعالى بالمكلَّف، فتقضي ألا يفعل المعصية اقتضاء غير بالغ إلى حد الإيجاب، وفسروا هذه الأمور ، فقالوا: إنها أربعة ِأشياء: أن يكون لنفس الإنسان ملكة مانعة من الفجور، داعية إلى العفة، وثانيها : العلم بمثالب المعصية ، ومناقب الطاعة. وثالثها: تأكيد ذلك العلم بالوحي والبيان من الله تعالى. ورابعها: أنه متى صدر عنه خطأ من باب النسيان والسهو، لم يترك مهلا، بل يعاقب وينبه، ويضيف عليه العذر. فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة، كان الشخص معصوما عن المعاصي لا محالة، لأن العفة إذا انضافت إليها العلم، بما في الطاعة من سعادة، وما في المعصية من شقاوة، ثم أكد ذلك تتابع الوحي إليه وترادفه، وتظاهر البيان عنده، وتمم ذلك خوفا من العقاب عل القدر القليل، حصل من اجتماع هذه الأمور حقيقة العصمة.
- وثانيهما: العصمة لطف يمتنع المكلف عند فعله من القبيح اختيارا، وقد يكون ذلك اللطف خارجا عن الأمور الأربعة المعدودة، مثل أن يعلم الله تعالى أنه إن أنشأ سحابا، أو أهب ريحا، أو حرَّك جسما، فإن زيدا يمتنع عن قبيح مخصوص اختيارا، فإنه تعالى يجب عليه فعل ذلك، ويكون هذا اللطف عصمة لزيد، وإن كان الإطلاق المشتهر في العصمة، إنما هو لمجموع ألطاف يمتنع المكلف بها عن القبيح مدة زمان تكليفه ( ) .
والعصمة عند الإمامية الاثني عشرية والإسماعيلية الباطنية مطلقا، فتتعلق بالخطأ والسهو والنسيان وغيرها ( ) ، لذلك قالوا إنه لم يعرف عن الإمام عليّ أنه أخطأ في تصوّره أو وقع في خطأ وزلة ( ) . قال المجلسي: "أصحابنا الإمامية أجمعوا على عصمة الأنبياء والأئمة من الذنوب الصغيرة والكبيرة، وعمدا وخطأ ونسيانا – قبل النبوة والإمامة وبعدها - ، بل من وقت ولادتهم، إلى أن يلقوا الله تعالى، ولم يخالف في ذلك إلا "الصدوق محمـد بن بابويه" وشيخه "ابن الوليد" ، فإنهما جوزا الإسهاء ، من الله تعالى، لأن السهو الذي يكون من الشيطان في غير ما يتعلق بالتبليغ وبيان الأحكام" ( ) . وفي موضع آخر يقرر المجلسي: "اعلم أنّ الإماميّة اتّفقوا على عصمة الأئمّة – عليهم السّلام – من الذّنوب – صغيرها وكبيرها – فلا يقع منهم ذنب أصلاً لا عمدًا ولا نسيانًا ولا الخطأ في التّأويل ولا للإسهاء من الله سبحانه" ( ) . فالمجلسي يسبغ على أئمته العصمة من كافة الأوجه المتصورة: العصمة من المعصية كلها – صغيرة أو كبيرة – العصمـة من الخطأ، والعصمة من السهو والنسيان وغير ذلك.
ومسألة العصمة لم تقف عند حد نفي المعصية بل تجاوزت ذلك ... ففي القرن الرابع يقرر ابن بابويه (المتوفى سنة 381هـ) عقيدة الشيعة في العصمة في كتابه الاعتقادات الذي يسمى "دين الشيعة الإمامية" فيقول: " اعتقادنا في .. الأئمة.. أنهم معصومون مطهرون من كل دنس، وأنهم لا يذنبون ذنبًا صغيرًا ولا كبيرًا، ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ومن نفى عنهم العصمة في شيء من أحوالهم فقد جهلهم، ومن جهلهم فهو كافر، واعتقادنا فيهم أنهم معصومون موصوفون بالكمال والتمام والعلم من أوائل أمورهم وأواخرها، لا يوصفون في شيء من أحوالهم بنقص ولا عصيان ولا جهل " ( ) . فهو هنا ينفي المعصية ، وأيضًا الجهل والنقص، ويثبت الكمال الذي يلازمهم من أول حياتهم إلى آخرها، ويُكَفِّرُ من خالف ذلك ( ) .
ويجدر بالإشارة إلى أن الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية اتفقوا على ضرورة وجود الإمام المعصوم المنصوص عليه من نسل عليّ بن أبي طالب، لأن العصمة من المبادئ الأولية في كيانهم العقدي، ولها أهمية كبرى عندهم ، إذن فلا بد أن يكون الإمام معصوما ( ) ، يقول الداعي علي بن الوليد الباطني (تـ612هـ) : " وأصل الدين والشرع محمول على التعلّم والعصمة " ( ) . وذلك قياسا على النبي ، يقول الشيخ محمد رضا المظفر – إمامي معاصر – : " إن الإمام كالنبي، يجب أن يكون معصوما من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن، من سن الطفولة إلى الموت، عمدًا وسهوا، كما يجب أن يكون معصوما من السهو والخطأ والنسيان، لأن الأئمة حفظة الشرع والقوّامون عليه حالهم في ذلك حال النبي " ( ) . فللإمام جميع ما في النبيّ من صفات ومؤهّلات، وله ما للنبيّ على الناس من ولاية وسلطان، ولا يفترق عنه في شيء إلا في نزول الوحي، على أن الإمام قد أخذ عن الرسول ما نزل عليه من ربّه، والنتيجة الحتمية لذلك أن الإمام بهذا المعنى معصوم لا محـالة تماما كالنبي، وأن من نفى عنه العصمة فقد نفى عنه الإمامة ، كما هي الحال بالقياس إلى النبوة ( ) .
إذن - في رأيهم - فإذا ما ثبت أن الأنبياء معصومون، فإن الأئمة أيضا معصومون لاشتراكهم في العلة التي من أجلها خلقهم الله. يقول دونالدسن : " فإن الشيعة الناقمين لكى يثبتوا دعوة الأئمة ... أظهروا عقيدة عصمة الرسل بصفتهم أئمة أيضا " ( ) . فيعتقدون أن الفرع مشارك للأصل في الأحكام، لذا اعتقدوا العصمة في الأئمة بناء على أنهم خلفاء المعصوم ( ) .
والأئمة في نظر الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية ليسوا معصومين من الكبائر والصغائر فقط، بل من كل شيء، وبهذا فإنهم أثبتوا العصمة المطلقة للأئمة، ومن أقوال الإمامية الإثنى عشرية في ذلك يقول السيد محسن الأمين الحسيني العاملي: " يجب في الإمام أن يكون معصوما من الذنوب والخطأ والنسيان كالنبي، وأن يكون متصفا بجميع الكمالات مُنَزَّهًا عن جميع النقائص، وأن يكون أفضل أهل زمانه " ( ) . ويقول ابن المطهر الحلي (تـ726هـ) : " لابد من إمام منصوب من الله تعالى، معصوم من الزلل والخطأ، لئلاّ يترك بعض الأحكام أو يزيد فيها عمدا أو سهوا " ( ) .
وأسباب العصمة واللطف عندهم كما أشار إليه الشيخ المفيد تتمثل فيما يلي:
1) وجود خاصية في نفس المعصوم أو بدنه تمنعه من الفجور بمقتضى الملكة.
2) إِنَّ له العلم بالمعايب وقبائح المعاصي، وكذلك بالمناقب والمحاسن.
3) تأكيد هذا العلم بالوحي المتتابع والإلهام من الله .
4) أن يؤاخذه الله عما يجب تركه وما يقتضي فعله، فيعلم دوما ما هو الصحيح ( ) .
وأما أقوال الإسماعيلية الباطنية في العصمة، فيقول الداعي أحمد النيسابوري: " لم يكن لأحد مثلها من الطهارة، والأخلاق المرضية، والجود، والسخاء، والحلم، والشجاعة مما لا يمكن لأمثالنا تعداده، ثم البعد والعصمة عن كل ذنب وعيب ونقص " ( ) . وفي موضع آخر يقول إِنَّ الأئمة: " معصومون عن الفسق، والفجور، والطغيان، والانفلات، والعدوان، لأنَّه تعالى طهَّرهم من كل دنسٍ وعيبٍ " ( ) . وقد ورد في كتاب ( المجالس والمسايرات ) قول للمعز لدين الله ( ) : " فالحمد لله الذي منَّ علينا بالعصمة، ولم يجعل لنا فيما حرّمه علينا من شهوة " ( ) .
وَيَتَبَدَّى لنا من خلال هذه الأقوال مدى نظرتهم إلى الإمام وعصمته، فالإمام عندهم لا بُدَّ أن يكون معصوما كالنبي بلا فَرْقٍ، لأنه حافظ للشرع والمنفرد بالتبليغ عن الله بعد رحيل النبي ، وأنه وحده مصدر العلم . إلا أنه لا يتلقَّى الوحى، وهذا الأخير ما يميِّزه عن النبي .
ومن الأدلة التي استدل بها الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية على وجوب العصمة للأئمة قوله : إِنَّمَايُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا - سورة الأحزاب: 33.
فقالت الشيعة في تقرير الاستدلال بهذه الآية: " إن المفسرين أجمعوا على نزول هذه الآية في حق عليّ وفاطمة والحسن والحسين ، وهي تدل على عصمتهم دلالة مؤكَّدة ، وغير المعصوم لا يكون إماما " ( ) . ذلك – في رأيهم – أن تلك الآية صريحة في عصمتهم عن المعاصي كما يثبت من كلمة (إنما)، وهي من أقوى أدوات الحصر والدلالة على الاختصاص ( ) . يقول ابن المطهر الحلي الإمامي (تـ726هـ) : " وفي هذه الآية دلالة على العصمة، مع التأكيد بلفظ (إنما)، وبإدخال اللام في الخبر، والاختصاص في الخطاب بقوله (أهل البيت)، والتكرير بقوله (يطهركم) والتأكيد بقوله: (تطهيرا)، وغيرهم ليس بمعصوم ( ) . ويقول الفيض الكاشاني المفسر الإمامي (تـ1091هـ) ( ) في تفسيره المسمى بـ (الصافي) عن الإمام الباقر: " نزلت هذه الآيـة في رسول الله وآله ، وعليّ بن أبي طالب، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام في بيت أم سلمة ( ) . وورد في إحدى الكتب للباطنية ومُؤَلِّفُهُ مجهولٌ (مسائل مجموعة من الحقائق العالية والدقائق والأسرار السامية)، قوله عن تأويل هذه الآية موضحا عصمة الإمام وأن أمهات الأئمة منـزّهات عن الطمث: " يعني بالرجس دم الطمث ، وإذا كملت مدّة حمل الجنين ظهر ذلك الشخص مولودا مثل أولاد البشر، إلا أن فيه من الصفاء والإشراق والنور والضياء ما يفوق الوصف، مع أنه جسم ... ولا يكون ظهور المعجزات منه وإبداء الآيات الباهرات إلا بعد أن ينص عليه والده، ويتصل به المادّة بوساطة من العقل الأول بوساطة العاشر " ( ) .
ومن ذلك كله، يذهب الشيعة إلى عصمة الأئمة، لطهارتهم من الذنوب، سواء كانت كبيرة أو صغيرة. فهم معصومون عن الذنب سهوا أو عمدا وما إلى ذلك من أقوال وادّعاءات.
واستدل الإسماعيلية الباطنية أيضا على عصمة الأئمة بقوله : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ _ سورة النساء : 59 -. فقد أوجب الله تعالى طاعة الإمام بهذه الآية، ووصلها بطاعته وطاعة رسوله ، وكان في الحكمة غير موجود وصل الدرة بالبعرة، ولا الشريف بالدنيء، ولا الطاهر بالنجس، كان من ذلك الإيجاب أن وصل طاعة الإمام بطاعة الرسول الإمام المعصوم لم يكن إلا لكونها مثلها، وإذا كان وصل طاعة الإمام بطاعة الرسول المعصوم لم تكن لكونها مثلها، وكان طاعة الرسول وآله وافتراضها لعصمته ، وجب أن تكون طاعة الإمام لم تفترض إلا لعصمته، إذا الإمام معصوم ( ) .
ومما سبق يتضح، أن كل ما دل على وجوب النبوة، فهو دال على وجوب الإمامة، وبما أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون، فالأئمة كذلك معصومون. والحقيقة، أن العصمة التي نسبوها إلى أئمتهم كان الغرض منها تثبيت الروايات التي تتنافى مع العقل والمنطق، والتي نُسِبَتْ إلى الإمام كى يُسدَّ بابُ النقاشِ في محتواها على العقلاء والأذكياء ويرغم الناس على قبولها، لأنها صدرت عن إمام معصوم لا يخطئ ( ) .
ثانيا : المهدية والغيبة ( ) .
إن فكرة الإيمان بالإمام الخفي أو الغائب توجد لدى معظم فرق الشيعة، حيث تعتقد في إمامها بعد موته أنه لم يمت، فتقول باختفائه عن الناس، ومن ثمّ عودته إلى الظهور في المستقبل مهديًا، ولا تختلف هذه الفرق إلا في تحديد الإمام الذي قدّرت له العودة، تبعًا لاختلافها في تحديد الأئمة وأعيانهم، وهذا مما يجعل القول بذلك فيه شيء من القوة فيما يبدو
ومن أشهر الفرق الشيعية القائلة بهذه العقيدة الإمامية الإثني عشرية ( ) ، حيث يقولون باختفاء محمد بن الحسن العسكري، وعودته مهديًا ( ) . في حين يجتمع المسلمون من بقية الفرق الإسلامية على إنكار هذه العقيدة وقائليها؛ من حيث كون المهدي هو محمد بن الحسن، وكونه اختفى، لا من حيث إنكار خروج المهدي في آخر الزمان فإن هذا مما يؤمن به أكثر المسلمين، دون اعتقاد أنه قد ولد ثم اختفى. وعليه فإن بحث المسألة من الأهمية بمكان، وتحري الحق وإبطال الباطل من الواجبات التي تتحتم على كل منصفٍ متبعٍ للدليل الشرعي، نابذٍ للهوى والتعصب والتقليد
وترجع هذه العقيدة إلى أصول مجوسية ، فالشيعة أكثرهم من الفرس، والفرس من أديانهم المجوسية، والمجوس تدعي أن لهم منتظرا حيا باقيا مهديا من ولد بشتاسف بن يهراسف، يقال له: أبشاوثن، وأنه في حصن عظيم من خراسان والصين ( ) . وهذا هو جوهر فرقة الشيعة الإمامية الإثنى عشرية.
ويعتقد الشيعة الإمامية بأن البشارة بظهور (المهدي) من ولد فاطمة في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا - ثابتة عن النبي وليست هي بالفكرة المستحدثة عند (الشيعة)( ) .
والحقيقة أن حكاية المهدي المنتظر هي أكثر من نظرية فلسفية في عقيدة الشيعة أو أسطورة متوارثة من الأسلاف، بل هي النظرية البديلة الذي استعملها أوائل الشيعة نتيجة فشل نظرية "الأمة لا تخلو من إمام زمانها". وقد جاء في رواية الكليني الإمامي (تـ329هـ) بسنده عن أبي جعفر قال: " لو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحـر بأهله " ( ) . وأكد ذلك الشيخ محمد رضا المظفر الإمامي المعاصر قائلا: "وعليه لا يجوز أن يخلو عصر من العصور من إمام مفروض الطاعة منصوب من الله تعالى، سواء أبى البشر أم لم يأبوا، وسواء ناصروه أم لم يناصروه، أطاعوه أم لم يطيعوه، وسواء كان حاضرا أم غائبا عن أعين الناس " ( ) .
ويقول بهذه الفكرة أيضا الإسماعيلية الباطنية على لسان الداعي أحمد النيسابوري الباطني حيث يحدِّثنا عن ضرورة وجود الإمام في كل زمان ومكان: " إن وجود الإمام ضروري لا بد منه، وإن جميع الشرائع والأحكام منوطة به لم يخل منه وقت من الأوقات ، ولا زمن من الأزمنة ، طاعتهم مفروضة على الخلق، وقيادتهم معقودة، وحدودهم موجودة معدودة، في كل زمان ومكان لإنقاذ البشرية من الضلال والفساد " ( ) . وأشار بذلك الوزير يعقوب بن كلّس الباطني (تـ380هـ): "إن الإمامة لا تنقطع عن العالم طرفة عين ، لأنها الحجة على الخلق" ( ) . ويقول الداعي أبو يعقوب السجستاني الباطني (تـ353هـ) عن مهمة الإمام: " فواجب إقامة الأئمة في الأزمنة لهداية الخلق، ولحفظ الدين " ( ). وقد استدل الإسماعلية الباطنية على ما ذهبوا إليه من أن الأرض لا تخلو من إمام معصوم بالقرآن الكريم والسنة النبوية، ومن القرآن قوله : يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ - الإسراء : 71 -. وقوله : وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا - الأنبياء : 73 - . وقوله : إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ( ). فبين أن لكل إنسان في كل زمان إمام يهديه بأمر الله إلى دينه وصراطه المستقيم، فواجب أن يكون في كل زمان للخلق إماما هاد مهتدي لا تخلو الأرض منه، إما ظاهرا وإما مستورا ( ) .
وأما السنة فبحديث رسول : » من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية « ( ). فهذا الحديث – كما يزعمون – يفيد على أن الناس بحاجة ماسة إلى الإمام في كل زمان ومكان( ) .
وكما استدلوا بالقرآن والسنة استدلوا كذلك على وجوب الإمامة بأدلة ذات طابع عقلي، فقالوا: إن طبائع الناس مختلفة وأهواءهم متفاوتة والحوادث غير معلومة، ولا محصورة، وكان في الطبع الاستطالة والتعدي، وحب القهر والغلبة . وعلى هذا وجب من طريق الحكمة أن يكون بين الناس حاكم يفصل بينهم في الحوادث، فلا يكون لهم محيص عن حكمه ، ولا مهرب من قضائه، كما كان النبي في أيامه، فأخبر الله عنه بقوله : فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ( ) . والحاكم الإمام، إذ الإمامة واجبة ( ) .
غير أن الإمامية والإسماعيلية اختلفوا في السبب الذي أدى بهم إلى القول بذلك، فقال الشيخ جعفر سبحاني الإمامي المعاصر موضّحا الفرق بينهم: " أقول : إنّ ما ذكره –الباطنية– من أنّ الأَرض لا تخلو من حجة للّه حقٌ، ولكن السبب ليس ما جاء في كلامه من إقامة الحدود ، وحفظ المراسم، ومنع الفساد؛ فإنّ ذلك يقوم به سائر الولاة أيضاً، وإنّما الوجه أنّه الإنسان الكامل وهو الغاية القصوى في الخلقة، ويترتب على وجود ذلك الإنسان الكامل بقاء العالم بإذن اللّه سبحانه وآخره لحصول الغاية "( ).
والجدير بالذكر هنا أن هناك فرق كثيرة ادّعت المهدية على مدى التاريخ القديم والحديث وكانت تجد لها صدى بين الجماهير التي تخوض مع الخائضين وغالباً ما تخوض تلك الفرق في الدماء بين قاتل ومقتول، ومن الحركات المهدية:
- مهدي الجارودية، حيث اعتقدت هذه الفرقة بمهدية محمد بن عبد الله«النفس الزكية» وقد قتل سنة 45هـ.
- مهدي الإسماعيلية، حيث اعتقدوا أن إسماعيل بن الإمام الصادق هوالمهدي.
- مهدي القرامطة، حيث اعتقدوا بمهدية محمد بن إسماعيل وأنه حي في بلاد الروم.
- مهدي الخوارج، ولا تعتقد به إلا فرقة واحدة هي اليزيدية المنقرضة.
- مهدي القحطانية، وهي جماعة في اليمن.
- مهدي المغرب، واسمه التويزري ظهر في القرن الثامن وتم اغتياله.
- مهدي المغرب الثاني، نهاية القرن الثامن هاجم مراكش وأحرقها فتم اغتياله.
ثالثا : الرجعة .
هي من العقائد التي تسربت وجاءت للشيعة الإمامية الإثنا عشرية عن طريق بعض الديانات الفارسية مثل (الزرادشتية). وعقيدة الرجعة تُعد من أصول دين الشيعة، بل ومن أشهر عقائدهم التي بينها علمائُهم في كتبهم القديمة والحديثة، في أكثر من خمسين مؤلفاً ( ) .
وترتبط عقيدة الرجعة لدى الامامية الاثني عشرية بالامام المهدي المنتظر ( ) ، وهي في اللغة: العودة إلى الحياة الدنيا بعد الموت، أي رجوع الناس بعد موتهم إلى الدنيا، قال الجوهري والفيروزآبادي : فلان يؤمن بالرجعة ، أي بالرجوع إلى الدنيا بعد الموت ( ) . وهي عند الشيعة الإمامية ، هو نفس المعنى المحقّق في اللغة ، وهو أنَّ الله تعالى يُعيد قوماً من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة في صورهم التي كانوا عليها، فيعزُّ فريقاً ويذلُّ فريقاً آخر، وينصر المُحِقِّين على المبطلين، والمظلومين على الظالمين. ويكون ذلك عند قيام مهدي آل محمد الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً ، فتُعدُّ الرجعة مظهراً يتجلى فيه مقتضى العدل الإلهي بعقاب المجرمين على نفس الأرض التي ملأوها ظلماً وعدواناً . ولا يرجع إلاّ من عَلَت درجته في الإيمان، أو من بلغ الغاية من الفساد، ثم يصيرون بعد ذلك إلى الموت ، ومن بعده إلى النشور، وما يستحقونه من الثواب أو العقاب .
كما حكى الله تعالى في قرآنه الكريم تمنِّي هؤلاء المرتجعين الذين لم يصلحوا بالارتجاع، فنالوا مقت الله، أن يخرجوا ثالثاً لعلهم يصلحون، فقال تعالى: قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَينِ وَأَحْيَيتَنَا اثنتينِ فاعتَرفنَا بِذُنُوبِنَا فَهَل إلى خُروجٍ مِنْ سَبِيلٍ - غافر : 11 - . وفي هذا يبين الشيخ المظفر أن الذي تذهب إليه الإمامية أخذا بما جاء عن آل البيت عليهم السلام أن الله تعالى يعيد قوما من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها، فيعز فريقا ويذل فريقا آخر، ويديل المحقين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين، وذلك عند قيام مهدي آل محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام. ولا يرجع إلا من علت درجته في الإيمان أو من بلغ الغاية من الفساد، ثم يصيرون بعد ذلك إلى الموت، ومن بعده إلى النشور وما يستحقونه من الثواب أو العقاب، كما حكى الله تعالى في قرآنه الكريم تمني هؤلاء المرتجعين الذين لم يصلحوا بالارتجاع فنالوا مقت الله أن يخرجوا ثالثا لعلهم يصلحون، قال تعالى: قَالُواْ رَبّنَآ أَمَتّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىَ خُرُوجٍ مّن سَبِيلٍ - غافر : 11 -. نعم قد جاء القرآن الكريم بوقوع الرجعة إلى الدنيا، وتظافرت بها الأخبار عن بيت العصمة. والإمامية بأجمعها عليه إلا قليلون منهم تأولوا ما ورد في الرجعة بأن معناها رجوع الدولة والأمر والنهي إلى آل البيت بظهور الإمام المنتظر، من دون رجوع أعيان الأشخاص وإحياء الموتى ( ) .
ويرى الإمامية الإثنى عشرية أن الاعتقاد بالرجعة من مظاهر الإيمان بالقدرة الإلهية ، فقد روي أنّ ابن الكوّاء الخارجي سأل أمير المؤمنين عن الرجعة - في حديث طويل - في آخره: " لا تشكّنَّ يابن الكوّاء في قدرة الله عزَّ وجلَّ " ( ). وسأل أبو الصباح الإمام الباقر عن الرجعة ، فقال : "تلك القدرة، ولا ينكرها إلاّ القدرية، تلك القدرة فلا تنكرها" ( )، وبمثل ذلك أجاب (عليه السلام) عبد الرحمن القصير ( ).
وهناك أدلة أخرى استدل بها الإمامية الإثنى عشرية على الرجعة كقوله تعالى : وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَىَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلَكِنّ أَكْثَرَ الْنّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ لِيُبَيّنَ لَهُمُ الّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الّذِينَ كَفَرُواْ أَنّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ - النحل : 38 ، 39 - ، روى الشيخ الصدوق والكليني وعلي بن إبراهيم والعياشي وغيرهم أنّها نزلت في الرجعة ( ) ، ولا يخفى أنّها لا تستقيم في إنكار البعث، لاَنّهم ما كانوا يقسمون بالله بل كانوا يقسمون باللات والعزى، ولاَنّ التبيين إنّما يكون في الدنيا لا في الآخرة ( ) . وقوله تعالى : كيفَ تكفُرونَ باللهِ وكُنتُم أمواتاً فأحياكُم ثُمَّ يُميتُكُم ثُمَّ يُحييكُم ثم إليه تُرجَعُونَ - البقرة 2 : 28 - . قال ابن شهرآشوب: "هذه الآية تدلُّ على أنَّ بين رجعة الآخرة والموت حياة أُخرى، ولا ينكر ذلك لأنه قد جرى مثله في الزمن الاَول ، قوله تعالى في قصة بني إسرائيل: قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمّ أَحْيَاهُمْ إِنّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النّاسِ وَلََكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ - البقرة : 243 - ، وقوله تعالى في قصة عزير أو أرميا : أَوْ كَالّذِي مَرّ عَلَىَ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىَ عُرُوشِهَا قَالَ أَنّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَىَ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنّهْ وَانْظُرْ إِلَىَ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنّاسِ وَانْظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمّا تَبَيّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ - البقرة : 259 - ، وقوله تعالى في قصة إبراهيم: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىَ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىَ وَلَكِن لّيَطْمَئِنّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مّنَ الطّيْرِ فَصُرْهُنّ إِلَيْكَ ثُمّ اجْعَلْ عَلَىَ كُلّ جَبَلٍ مّنْهُنّ جُزْءًا ثُمّ ادْعُهُنّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ - البقرة : 260 - . وقال الشيخ الحر العاملي : وجه الاستدلال بهذه الآية أنّه أثبت الاِحياء مرتين ، ثم قال بعدها (ثُمَّ إليهِ تُرجعُونَ) والمراد به القيامة قطعاً، والعطف ـ خصوصاً بثمّ ـ ظاهر في المغايرة، فالاِحياء الثاني إما في الرجعة أو نظير لها، وبالجملة ففيها دلالة على وقوع الاِحياء قبل القيامة( ) .
ويحرص مذهب الإمامية على بيان الفرق بين القول بالرجعة وبين القول بالتناسخ، فالرجعة هي نوع من البعث أو من المعاد الجسماني، وتعني عوة الروح إلى نفس بدنها الأول، أما التناسخ فهو عودة الروح إلى بدن آخر كما هو معروف في فكرة التناسخ ، ومن هنا تعد الرجعة دليلا على جواز البعث الجسماني، وأن إنكارها يعتبر إنكارا لمبدأ البعث الجسماني، ويدل على ذلك قول الشيخ المظفر: "وأما من طعن في الرجعة باعتبار أنها من التناسخ الباطل، فلأنه لم يفرق بين معنى التناسخ وبين المعاد الجسماني، والرجعة من نوع المعاد الجسماني، فإن معنى التناسخ هو انتقال النفس من بدن إلى بدن آخر منفصل عن الأول، وليس كذلك معنى المعاد الجسماني، فإن معناه رجوع نفس البدن الأول بشخصياته النفيسة، فكذلك الرجعة ، وإذا كانت الرجعة تناسخا، فإن إحياء الموتى على يد عيسى عليه السلام كان تناسخا، وإذا كانت الرجعة تناسخا، كان البعث والمعاد الجسماني تناسخا( ).
وفي موضع آخر أشار آل كاشف الغطاء إلى عدم اعتبار الرجعة أصلا من أصول الدين حيث قال: "ليس التدين بالرجعة في مذهب التشيع بلازم ولا إنكارها بضار، وإن كانت ضرورية عندهم، ولكن لا يناط التشيع بها وجودا وعدما، وليست هي إلا كبعض أنباء الغيب ، وحوادث المستقبل وأشراط الساعة مثل نزول عيسى من السماء وظهور الدجال" ( ) . ولكن هذا مخالف لما ثبت عند غيره من أئمة الإثنى عشرية، يقول المفيد: " واتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة، وإن كان بينهم في معنى الرجعة اختلاف " ( ) . ويقول المرتضى: " وإذا ثبت جواز الرجعة، ودخولها تحت المقدور، فالطريق إلى إثباتها إجماع الإمامية على وقوعها، فإنهم لا يختلفون في ذلك( ) .
ومن الملاحظ أن الشيعة الإمامية اختلفوا في حقيقة الرجعة، بل إن فريقا منهم أنكرها، ونفاها نفيا باتا ، ونقل هذا الاختلاف المفسر الإمامي الطبرسي في (مجمع البيان) ، وذلك عند تفسيره لقوله تعالى: وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلّ أُمّةٍ فَوْجاً مّمّن يُكَذّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ - النمل : 83 – فقال الطبرسي: "استدل بهذه الآية على صحة الرجعة من ذهب إلى ذلك من الإمامية ، ووجه الدلالة – بزعم هؤلاء – أن اليوم يحشر الله فيه فوجا من كل أمة ، لا يمكن أن يكون اليوم الآخر بحال، لأن هذا اليوم يحشر فيه جميع الناس، لا فوج من كل أمة ، لقوله تعالى : وَيَوْمَ نُسَيّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً - الكهف : 47 - ، فتعين أن يكون الحشر في هذه الدنيا - وليس في الآخرة -. وأما الذين أنكروا الرجعة من علماء الإمامية فقد قالوا: إن الحشر في الآية يراد به الحشر في اليوم الآخر، لا في هذه الحياة، والمراد بالفوج رؤساء الكفار والجاحدين، فإنهم يحشرون ويجمعون لإقامة الحجة عليهم. واستنادا إلى هذا القول يقول محمد جواد مغنية: "وهكذا يفيد كلام الشيخ الطبرسي أن علماء الإمامية لم يتفقوا بكلمة واحدة على القول بالرجعة"( ). وقال السيد محسن الأمين: " الرجعة أمر نقلي، إن صح النقل به، لزم اعتقاده، وإلا فلا ( ) . وقد أشار الشيخ أبو زهرة إلى اختلاف الشيعة في الرجعة قائلا : "ويظهر أن فكرة الرجعة على هذا الوضع ليست أمرا متفقا عليه عند إخواننا الإثنى عشرية، بل فيهم فريق لم يعتقده" ( ) .
وأوضح الشيخ المقيد أن رجوع الناس بعد موتهم إلى الدنيا فريقان:
- أحدهما: من علت درجته في الإيمان وكثرت أعماله الصالحات .. فيريه الله عز وجل دولة الحق ويعزه بها ويعطيه من الدنيا ما كان يتمناه .
- والآخر: من بلغ الغاية في الفساد. وكثر ظلمه لأولياء الله واقترافه السيئات، فينتصر الله تعالى لمن تعدى عليه قبل الممات، ويشفي غيظهم منه بما يحله من النقمات، ثم يصير الفريقان بعد ذلك إلى الموت ومن بعده إلى النشور وما يستحقونه من دوام الثواب والعقاب( ) .
واختلف علماء الشيعة فيمن يرجع إلى الدنيا، فمنهم من قال إنها للأئمة فقط ليقيم الله بهم دولة العدل والحق، وذهب إلى هذال القول "الزنجاني" وهو من علمائهم المعاصرين : " الرجعة عبارة عن حشر قوم عند قيام القائم الحجة - عليه السلام -، ممن تقدم موتهم من أوليائه وشيعته، ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته، بظهور دولته، وقوم من أعدائه ينتقم منهم، وينالوا بعض ما يستحقونه من العذاب والقتل على أيدى شيعته وليبتلوا بالذل والخزي بما يشاهدونه من علو كلمته. وهي عندنا الإمامية الاثنا عشرية تختص بمن محّض الإيمان، ومحّض الكفر والباقون سكوت عنهم " ( ) . ويقول أحمد الأحسائي ( ) في كتاب الرجعة: "اعلم أن الرجعة في الأصل يراد بها رجوع الأموات إلى الدنيا، كأنهم خرجوا منها ورجعوا إليها"( ) .
فالرجعة عندهم هي للأئمة، ومن محّض الإيمان من أوليائهم، ومن محّض الكفر من أعدائهم -وهم يعنون بذلك الصحابة رضي الله عنهم - والقصد من ذلك هو إظهار العز والنصر للأئمة ومواليهم، والانتقام من أعدائهم، كما نص على هذا الزنجاني في كلامه المتقدم. وقد دلت على هذا رواياتهم وأقوال علمائهم المتقدمين.
ومنهم من تأول ما ورد في الرجعة من أخبار بأن معناها رجوع الدولة والأمر والنهي إلى آل البيت بظهور الإمام المنتظر، من دون رجوع أعيان الأشخاص وإحياء الموتى ( ) . وقد أشار الألوسي إلى هذا الكلام حيث قال: "وتأول جماعة من الإمامية ما ورد من الأخبار في الرجعة على رجوع الدولة والأمر والنهي، دون رجوع الأشخاص، وإحياء الأموات"( ) .
رابعا : التقية ( ) :
يعني بالتقية أن يظهر الشخص أمرا ويضمره غيره على سبيل المداراة والمجاراة خوفا على النفس أو على المال والعرض، وهي عند الإمامية كما يعرفه الشيخ المفيد: "التقية كتمان الحق، وستر الاعتقاد فيه ، ومكاتمة المخالفين ، وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرارا في الدين والدنيا" ( ). ويقصد بالمخالفين أهل السنه. ويقول شيخهم البحراني مبينا معنى التقيه: "المراد بها اظهار موافقة أهل الخلاف فيما يدينون ب " ( ). ويقصد بأهل الخلاف أهل السنة. ويقول الخميني : "التقيه معناها: أن يقول الإنسان قولا مغايرا للواقع أو يأتي بعمل مناقض لموازين الشريعه " ( ). ويقصد بموازين الشريعه دين الشيعه .
ويفهم من كل هذه التعريفات أن التقيه عند الشيعه هي التظاهر بعكس الحقيقه، وتبيح للشيعي خداع غيره. أو بمعنى آخر أن يُظهر الإنسان لغيره خِلاف ما يُبطن.
ويبين الشيخ المفيد أن التقية تتخذ حكم الفرض والواجب إذا كان الضرر معلوما بالضرورة وإلا فيسقط فرضها، وينص قوله : "إن التقية جائزة في الدين عند الخوف على النفس ، وقد تجوز في حال دون حال للخوف على المال ولضروب من الاستصلاح . وأقول أنها قد تجب أحيانا وتكون فرضا ، وتجوز أحيانا من غير وجوب ، وتكون في وقت أفضل من تركها" ( ) . وفي موضع آخر يؤكد آل كاشف الغطاء أحكام التقية الثلاثة قائلا : "العمل بالتقية له أحكامه الثلاثة فتارة يجب إذا كان تركها يستوجب تلف النفس من غير فائدة ، وأخرى يكون رخصة كما لو كان في تركها والتظاهر بالحق نوع تقوية له ، فله أن يضحى بنفسه وله أن يحتفظ عليها ، وثالثة يحرم العمل بها كما لو كان ذلك موجبا لرواج الباطل وإضلال الحق ( ) .
ومن الملاحظ أن التقية بهذه الصورة لا تدخل في باب العقائد عند الإمامية ، لأنها خاضعة للأحكام الثلاثة من وجوب وحرمة ورخصة ، ولذلك يرد آل كاشف الغطاء على من يشنع على الشيعة الإمامية بهذا المبدأ ، فيقول : "من الأمور التي يشنع بها بعض الناس على الشيعة ويزدري عليهم بها قولهم : بالتقية جهلا منهم .. بمعناها وبموقعها وحقيقة مغزاها ، ولو تثبتوا في الأمر وتريثوا في الحكم ، وصبروا لعرفوا أن التقية التي يقول بها الشيعة لا تختص بهم ولم ينفردوا بها ، بل هو أمر ضرورة العقول وعليه جبلة الطباع وغرائز البشر، وشريعة الإسلام في أسس أحكامها وجوهريات مشروعياتها ، تماشي العقل والعلم جنبا إلى جنب وكتفا إلى كتف" ( ) .
ولكن الواقع في المذهب الشيعي الإمامي - كما وردت في كتبهم القديمة أو التراث – أن التقية تُعدّ عندهم ركناً من أركان إيمانهم، فلا إيمان لمن لا تقية له ، والتارك للتقية كالتارك للصلاة ، وقد رووا أحاديث في أمهات كتبهم منها :
- روي عن جعفر الصادق أنه قال : "التقية من دين آبائي ولا إيمان لمن لا تقية له" ( ) . ويقول الباقر: "أشرف أخلاق الأئمة الفاضلين من شيعتنا التقية" ( ) .
- ويقول ابن بابويه : "اعتقادنا في التقية أنها واجبة من تركها بمنزلة من ترك الصلاة"( ) .
- بل جعلوا هذا من كلام محمد وهو منه براء , فقالوا على لسان نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام : "تارك التقية كتارك الصلاة "( ) .
- وعن جعفر قال : "إن تسعة أعشار الدين في التقية ولا دين لمن لا تقية له"( ) .
- بل وتارك التقية ذنباً لا يغفر كالشرك ، فقد جاء في أخبارهم: (يغفر الله للمؤمن كل ذنب، يظهر منه في الدنيا والآخرة، ما خلا ذنبين: ترك التقية، وتضييع حقوق الإخوان) ( ) .
فهذه الروايات والأقوال كلها إن دلت على شيء فإنما دلت على الوجوب ، وليس كما وضّحه لنا الشيخ آل كاشف الغطاء .
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى أن طائفة (الإثنى عشرية) تتميز عن غيرها من الفرق الشيعية بنشاطها الدعوية إلى التقريب بين المذاهب أو على وجه الخصوص التقريب بين السنة والشيعة( ) . فرفعوا شعارهم بعدم اختلاف السنة والشيعة في الأصول ، وإنما خلافهم معهم في مسائل الفروع . وقد صرح بهذا القول أحد علمائهم البارز حسين آل كاشف الغطا : " الشيعة ما هم إلا طائفة من طوائف المسلمين، ومذهب من مذاهب الإسلام يتفقون مع سائر المسلمين في الأصول ، وإن اختلفوا معهم في بعض الفروع " ( ) . والصراع والخلاف بينهما إنما صنعته الأوهام نتيجة العزلة الطويلة بين الطائفتين( ) . ومن جانب أهل السنة يرى الشيخ شلتوت بأن الخلاف بين السنة والشيعة يقع في بعض المسائل الفلسفية والآراء الكلاميّة التي لا صلة لها بأصول العقيدة ( ) .
خامسا : البداء .
ذكر الشيخ الإمامي المعاصر جعفر سبحاني أن من العقائد الثابتة عند الشيعة الإمامية ، هو القول بالبداء ، ومن الكلمات الدارجة بين علمائهم أن النسخ والبداء صنوان ، غير أن الأول في التشريع ، والثاني في التكوين ، وقد اشتهرت بالقول به كاشتهارها بالقول بالتقية وجواز متعة النساء( ) .
جاء في لسان العرب : "بدا الشيء ظهر ... يقال : بدال لي أي تغير رأي على ما كان عليه. ويقال : بدا لي من أمرك بداء أي ظهر لي ... والبداء استصواب شيء علم بعد أن لم يعلم ( ). ويفهم من هذا أن البداء في اللغة معناه : الظهور. وأما في الجانب الاصطلاحي فأورد صاحب كتاب (نظرية البداء) قائلا : "فقد انسحب على الأمور الممكنة التي تقع في عالم التكون والتي تمتاز بظاهرة التغير بحيث تبدو هذه الأمور ثابتة أولا كأنها تسير وفق سنة واحدة ، ولكن صرعان ما يظهر فيها التبدل"( ). وقرر الشيخ الإمامي المظفر بأن مذهب الإمامية في البداء يكون على هذا المعنى لا على المعنى اللغوي ، بل هم يؤكّدون على أن البداء بالمعنى اللغوي لا يجوز إطلاقه على الله تعالى ، لأن البداء بهذا المعنى يستحيل على الله تعالى لأنه من الجهل والنقص وذلك محال عليه تعالى ولا تقول به الإمامية . قال الصادق عليه السلام : "من زعم أن الله تعالى بدا له في شيء بداء ندامة فهو عندنا كافر بالله العظيم" . وقال أيضا : "من زعم أن الله تعالى بدا له في شيء ولم يعلمه أمس فأبرأ منه"( ).
والحقيقة أن الإمامية في هذه المسألة منقسمون إلى ثلاثة اتجاهات وهي :
الإتجاه الأول :
يجعل التغير في المعلوم دون العلم . فالعلم الإلهي ثابت أزلا أبدا ، وإن هذا التغير معلوم به أزلا . ويمثل هذا الإتجاه الشيخ الصدوق (تـ 381هـ) ، والشيخ المقيد (تـ 413هـ) ، والشريف المرتضى (تـ 436هـ) ، حيث إن البداء عندهم كالنسخ عند غيرهم .
ويستدل الشيخ الصدوق على أهمية القول بالبداء بجعل التغير في المعلوم دون العلم ، كقولهم: ما عبد الله عز وجل بشيء مثل البداء ، وقولهم : ما عظم الله عز وجل بمثل البداء . وقولهم في تفسير قوله تعالى : يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمّ الْكِتَابِ - الرعد : 39 - ، هل يمحو الله إلا ما كان ، وهل يثبت إلا ما لم يكن ؟ ( ). ويقول في موضح آخر : "ليس البداء كما يظنه جهال الناس بأنه بداء ندامة تعالى عن ذلك ، ولكن يجب علينا أن نقر لله عز وجل بأن له البداء، معناه أن له أن يبدأ بشيء من خلقه فيخلفه قبل شيء ، ثم يعدم ذلك الشيء ، ويبدأ بخلق غيره أو يأمر بأمر ، ثم ينهى عن مثله أو ينهى عن شيء ، ثم يأمر بمثل ما نهى عنه، وذلك مثل نسخ الشرائع ، وتحويل القبلة، وعدة المتوفى عنها زوجها. ولا يأم الله عباده بأمر في وقت ما إلا وهو يعلم أن الصلاح لهم في ذلك الوقت في أن يأمرهم بذلك، ويعلم أن في وقت آخر الصلاح فهم في أن ينهاهم عن مثل ما أمرهم به، فإذا كان ذلك الوقت أمرهم بما يصحلهم. فمن أقر لله عز وجل بأن له أن يفعل ما يشاء، ويعدم ما يشاء، ويخلق مكانه ما يشاء، ويقدم ما يشاء، ويؤخر ما يشاء، ويأمر بما شاء كيف شاء، فقد أقر بالبداء" ( ). ويؤكد الشيخ المفيد هذا المعنى: "أقول في معنى البداء ما يقول المسلمون بأجمعهم في النسخ وأمثاله من الإفقار بعد الإغناء والإمراض بعد الإعفاء والإماتة بعد الإحياء ، وما يذهب إليه أهل العدل خاصة من الزيادة في الآجال والأرزاق والنقصان منها بالأعمال"( ).
الإتجاه الثاني :
إنهم يذهبون إلى أن التغير في ذات العلم لا في ذات المعلوم . إلا أن هذا الاتجاه يستخدم ظاهرة التأويل في العلم نفسه ، ويمثل هذا الاتجاه المجلسي (تـ 1110هـ) ، إذ يرى أن علم الله تعالى ينقسم إلى قسمين:
1) علم مدون في لوح محفوظ ، وهذا العلم لا يتغير ولا يتبدل .
2) علم مدون في لوح المحو والإثبات وهذا النوع من العلم هو الذي يدخله التغيير ، وهو الذي ينسب إليه البداء ( ).
الإتجاه الثالث :
يقولون بأن البداء هو التغير في العلم دون تأويل لطبيعة العلم . وهذا العلم المتغير إنما هو علم المخلوق لا علم الخالق . ومن هنا يكون البداء بمعنى (الإبداء) أي ظهور أمر للإنسان لم يكن يتوقعه . ويمثل هذا الإتجاه الشيخ الطوسي (تـ 460هـ) ( ).
ويلاحظ أن مفهوم البداء عند لإتجاه الأول والثالث فيه محاولة لتنزيه علم الله تعالى عن التجدد والتغير والتبدل، وأما الإتجاه الثاني فمردود مطلقا ، لأنه قالوا بالتجدد والتغير والتبدل في علم الله تعالى.
وهو بمعنى الظهور بعد الخفاء، كما في قوله تعالى: وَلَوْ أَنّ لِلّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ مِن سُوَءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مّنَ اللّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ - الزمر : 47 - . أو بمعنى : نشأة رأي جديد لم يكن من قبل كما في قوله تعالى : ثُمّ بَدَا لَهُمْ مّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الاَيَاتِ لَيَسْجُنُنّهُ حَتّىَ حِينٍ - يوسف : 35 - .
***
المصادر والمراجع:
( ) المظفر، الشيعة والإمامة ، ص 7 .
( ) مغنيه، الإثنا عشرية وأهل البيبت، ص 15، دار الجواد – دار التيار الجديد، بيروت، ط4/1404هـ.
( ) الأشعري، مقالات الإسلاميين ، 1/89 .
( ) أبو زهرة ، تاريخ المذاهب الإسلامية ، ص 52 ، القاهرة ، طبعة دار الفكر .
( ) والواقع أن هذا المصطلح لا نجده في كتب الفرق والمقالات المتقدمة، فلم يذكره القمي (تـ299 أو 301هـ) في "المقالات والفرق"، ولا النوبختي (تـ 310هـ) في كتابه "فرق الشيعة"، ولا أبو الحسن الأشعري (تـ 330هـ) في كتابه "مقالات الإسلاميين"، ولعل أول من ذكره من الشيعة المسعودي (تـ 349هـ). وأما من غير الشيعة فلعله عبد القاهر البغدادي (تـ429هـ)، حيث ذكر أنهم سموا بالإثنى عشرية لدعواهم أن الإمام المنتظر هو الثاني عشر من نسبه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه. انظر : البغدادي، الفرق بين الفرق، ص 64. د. ناصر القفاري، أصول مذهب الشيعة، ص 1/127.
( ) انظر : محمد رضا المظفر، عقائد الإمامية ، ص 76 – 77 ،
( ) محمود الملاح ، الآراء الصريحة ، ص 81 ، ضمن مجموعة السنة ، بدون تاريخ وذكر مكان الطباعة .
( ) البحراني ، لؤلؤة البحرين ، ص 117 .
( ) انظر : بحر العلوم ، التقليد في الشريعة ، ص 92 . فرج العمران ، الأصوليون والأخباريون فرقة واحدة ، ص 19 .
( ) محمد جواد مغنية ، مع علماء النجف ، ص 74 .
( ) محمد آل الطلقاني ، الشيخية ، س 9 .
( ) البحراني ، لؤلؤة البحرين ، ص 118 .
( ) البحراني ، لؤلؤة البحرين ، ص 121 . ولمزيد من التفصيل راجع : أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثنى عشرية ، للدكتور ، ناصر القفاري ، 1/136-147 .
( ) الطالقاني، تنقيح المقال في أحوال الرجال - 2 / 85 .
( ) الطالقاني، جامع السعادات - 1/ المقدمة.
( ) الطالقاني، السيخية، ص 39.
( ) المصدر السابق، ص 40.
( ) يوسف البحراني، الكشكول، 2/ 387 .
( ) ثم تبلور على يد تلميذه كاظم الرشتي (1259/1843)، وصار يُسمّى (بالرشتية)، وذلك بعد كسر شوكة الحركة الاخبارية التي انتهت بمقتل الميرزا محمد الاخباري سنة (1232/1816) .وقد بدأ الاتجاه «الرشتي» ينحو منحىً من التعقيد الفكري يتلاءم والمرحلة السائدة ذلك الوقت، وقد لُقب أصحاب هذا الاتجاه «بالكشفية» نسبة الى الكشف والالهام الذي يدعيه اصحاب هذه الطريقة، وهي طريقة «مبناها على التعمق في ظواهر الشريعة، وإدعاء الكشف كما إدعاه جماعة من مشايخ الصوفية وهولوا به، وتكلموا بكلمات مُبهمة، وشطحوا شطحات خارجة عما يعرفه الناس ويفهمونه. انظر : أعيان الشيعة، 2/589.
( ) ويذكر الشيخ محسن العصفور أن الشيخية التي تعيش في دول الخليج هي مدرسة لم تعد لها هوية معلومة، فهي هجينة وخليط من انتماءات فكرية وقد تحولت الى فرقة تقدس أسرة الأحقاقي الأسكوئي التي تسكن الكويت، وترجع أصولها إلى مدينة "كرمان" الايرانية، ومنهم الكثير من شبابهم قلّدوا المدعو "محمد حسين فضل الله" اللبناني الذي يمثل اليوم أحد أقطاب الانحراف والزيغ والضلال وهو مؤسس فرقة جديدة يمكن تسميتها بالفضلية تعبث بثوابت الدين وتهدم قدسية الشريعة وقد خرجوا لأول مرة من شرنقة الفرقة الشيخية وأصبح انتماؤهم اسمياً وشكلياً لها ليس أكثر . انظر : منتديات مدرساة الأخباريين "ekhbarion.com/vb/showthread" .
( ) انظر: راشد الخطامي، الأصولية والأخبارية حقيقة وحجم الصراع بينهم، www.muslm.net.
( ) هو حميد بن إبراهيم بن ناصر المبارك البحراني أحد أبرز علماء الدين الشيعة في البحرين. يعتبر أحد أبرز خطباء المنبر الحسيني، وهو أيضًا مدرس في الحوزات العلمية في البحرين للبحث الخارج، كما تقلد منصب القضاء بعد عودته من قم في التسعينات، وفي الآونة الأخيرة ظهر له بعض المؤلفات وبعض الاهتمامات بالحداثة. ولد في قرية عالي، ويرجع أصله إلى قرية توبلي التي هاجر منها والده الشيخ إبراهيم إلى عالي، هاجر إلى مدينة قم في إيران بداية الثمانينات، ومكث بها يطلب العلم، فأخذ المقدمات حتى حضر البحث الخارج لدى أعلامها، فقد حضر بحث جماعة من الفقهاء منهم الشيخ حسين الوحيد، والشيخ جواد التبريزي، والشيخ حسين المؤيد. انظر : ar.wikipedia.org.
( ) إسلام بلا مذاهب ، ص 191 ، طبعة الحلبي .
( ) الحركات الباطنية في العالم الإسلامي ، د. محمد أحمد الخطيب ، ص 36 ، مكتبة الأقصى بعمان و عالم الكتب بالرياض ، ط2/1986م . ( أصل الكتاب رسالة دكتوراه للمؤلف قدمها إلى قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بكلية أصول الدين جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض . بإشراف : الشيخ زيد بن عبد العزيز الفياض ) .
( ) د. يحيى هاشم فرغل، عوامل وأهداف نشأة علم الكلام ، ص 169 ، مجمع البحوث الإسلامية ، القاهرة، 1392هـ - 1973م .
( ) ابن حزم، الفصل في الملل والنحل ، 1/164 .
( ) انظر : فجر الإسلام ، أحمد أمين ، ص 273 ، مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة ، ط12/1978م . نظرية الإمامة لدى الشيعة الإثنى عشرية ، د. أحمد محمود صبحي ، ص 398 وما بعدها ، دار المعارف ، القاهرة ، بدون تاريخ . أدب الشيعة ، د. عبـد الحسيب طه حميدة ، ص 90 وما بعدها ، مطبعة السعادة ، القاهرة ، ط2/1968م .
( ) انظر : مذاهب الإسلاميين ، 2/815 .
( ) انظر : مذاهب الإسلاميين ، 2/815 .
والحقيقة أن الاعتقاد بالمهدي المنتظر ، وبأنه من أهل البيت ، وسيخرج في آخر الزمان ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت جورا ، هو عقيدة إسلامية مشتركة بين الشيعة وأهل السنة ، ولكنهم اختلفوا فيمن يكون هذا الشخص المنتظر ؟ . فيرى أهل السنة أنه رجل من أهل البيت دون التحديد بالشخص ، وهناك آراء تقول بأن لا مهدي سوى عيسى ، ولكن جمهور أهل السنة على أن المهدي المنتظر غير عيسى ، بينما ذهب الإمامية إلى تحديد الشخص المنتظر وهو الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري ، وأما الباطنية فالمهدي عندهم هو محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ، فهو قائم القيامة أو صاحب الدور والكور – والكور يتألف من عدة أدوار قد تصل إلى السبعة – ، فالإمام السابع في أي دور من الأدوار يكون هو القائم صاحب الدور الذي يحاسب أهل دوره على الأخطاء التي ارتكبوها . انظر : المقدمة ، ابن خلدون ، ص 311 . الفكر السياسي عند الباطنية وموقف الغزالي منه ، د. أحمد عرفات القاضي ، ص 91 ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 1993م . ( أصل الكتاب رسالة ماجستير للمؤلف قدّمها إلى قسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة . بإشراف : أستاذي : أ.د. محمد السيد الجليند و أستاذي : أ.د. السيد رزق الحجر ، عام 1988م ) . نظرية الإمامة لدى الشيعة الإثنى عشرية ، د. أحمد محمود صبحي ، ص 398 . الإمام المهدي المنتظر بين النظرية والواقع ، ، السيد عدنان البكّاء ، ص 45 ، الغدير ، بيروت – لبنان ، ط1/1999م . الإمامة وقائم القيامـة ، د. مصطفى غالب ، ص 303 – 304 ، دار ومكتبة الهلال ، بيروت – لبنان ، 1981م .
( ) انظر : السيادة العربية و الشيعة والإسرائيليات في عهد بني أمية ، ص 121 – 123 ، ترجمه عن الفرنسية : د. حسن إبراهيم حسن و د. محمد زكي إبراهيم ، مصر ، 1934م . العقيدة والشريعة في الإسلام ، ص 205 ، ترجمة : د. محمد يوسف موسى وآخرون ، مصر ، 1946م .
( ) تجديد التفكير الديني في الإسلام ، ص 177 . ترجمة : عباس محمود وآخرين ، مصر ، 1955م .
( ) نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام ، د. علي سامي النشار ، 1/189 .
( ) غلاة الشيعة وتأثرهم بالأديان المغايرة للإسلام ، د. فتحي محمد الزغبي ، ص 556 .
( ) انظر : تاريخ المذاهب الإسلامية ، ص 38 ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، بدون تاريخ .
( ) انظر : الخوارج والشيعة – المعارضة السياسية الدينية – ، يوليوس فلهوزن ، ص 146 ، دار الجيل للكتب والنشر ، ط5/1998م ، ترجة وتقديم : د. عبد الرحمن بدوي .
( ) المفيد ، شرح عقائد الصدوق ، ص 114 ، تبريز 1371هـ .
( ) هو أبو طالب علي بن الحسين بن موسى القرشي العلوي الحسيني الموسوي البغدادي من ولد موسى الكاظم ، ولد سنة 355هـ ، هو جامع كتاب نهج البلاغة المنسوبـة ألفاظه إلى الإمام علي رضي الله ، توفي سنة 436هـ ، وأهم مؤلفاته : "حقائق التأويل في متشابه القرآن" و "معاني القرآن" . انظر : الذهبي ، سير أعلام النبلاء ، 17/588 – 590 ، رقم : 394 .
ويرى ابن حزم أن الشريف المرتضى لا يذهب كغيره من علماء الإمامية الإثنى عشرية إلى أن القرآن فيه زيادة ونقص ، بل إنه كان يُكَفِّرُ من قال بذلك ، وينص قوله في ذلك : " من قول الإمامية كلها قديما وحديثا أن القرآن مبدّل زيد فيه ما ليس منه ، ونقص منه كثير ، وبدل منه كثير حاشا علي ابن الحسين بن موسى ... وكان إماميا يتظاهر بالاعتزال ، مع ذلك فإنه كان ينكر هذا القول ويُكَفِّرُ من قاله ، وكذلك صاحباه أبو يعلى ميلاد الطوسي وأبوالقاسم الرازي " . ابن حزم ، الفصل في الملل والنحل، 4/139 .
( ) الشريف المرتضى ، 1387هـ - 1967م ، أمالي المرتضى ، 2/347 ، بيروت ، ، تحقيق : محمد أبو الفضل إيراهيم ، دار الكتاب العربي .
( ) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ، 7/7 –8 .
( ) انظر : ابن المطهر الحلي ، منهاج الكرامة ، ص 47 .
( ) جابر ، قاسم حبيب ، 1407هـ - 1987م ، الفلسفة والاعتزال في نهج البلاغـة ، ص 127 ، بيروت – لبنان ، المؤسسة الجامعية للدراسات النشر والتوزيع .
( ) المجلسي ، بحار الأنوار ، 25/350 - 351 .
( ) المصدر السابق ، 25/211 . وانظر : مرآة العقول : 4/352.
( ) ابن بابويه ، الاعتقادات : ص108-109 .
( ) القفاري ، ناصر علي ، أصول مذهب الشيعة الإثناعشرية ، 2/507 .
( ) انظر : فياض ، عبد الله ، 1986م ، تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة ، ص 157 ، ، بيروت ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات .مصطفى غالب ، الحركات الباطنية في الإسلام ، ص 98 . السيد علي عباس الموسوي ، نظرية الإمامة وإشكالية الغيبة ، ص 48 ، مقالة بمجلة "المنهاج" ، 1424هـ -2004م ، تصدر عن مركز الغدير للدراسات الإسلامية ، بيروت – لبنان ، السنة الثامنـة ، العدد 32 .
( ) علي ابن الوليد ، تاج العقائد ومعدن الفوائد ، ص 105 .
( ) المظفر، عقائد الإمامية ، ص 67.
( ) مغنية، 1984م ، الإسلام والعقل ، ص 224 – 225 ، بيروت – لبنان ، دار ومكتبة الهلال و دار الجواد .
( ) دونالدسن ، عقيدة الشيعة ، ص 328 .
( ) محمود شكري الألوسي ، مختصر التحفة الإثنى عشرية ، ص 284 .
( ) السيد محسن الأمين الحسين العاملي ، الدر الثمين ، ص23 ، مطبعة الآداب ، النجف – عراق .
( ) ابن المطهر الحلي ، منهاج الكرامة ، ص 114 .
( ) انظر : الشيخ المفيد ، أوائل المقالات في المذاهب المختارات ، ص 97 .
( ) الداعي أحمد النيسابوري ، كتاب إثبات الإمامة ، ص 43 .
( ) الداعي أحمد النيسابوري ، كتاب إثبات الإمامة ، ص 71 .
( ) هو الخليفة الفاطمي الرابع ، ولد سنة 319هـ ، و تسلَّم الخلافـة سنة 342هـ ، وكان له من العمر (23) عاما . وتوفي في القاهرة سنة (365هـ) . انظر : الداعي إدريس عماد الدين ، عيون الأخبار وفنون الآثار – أخبار الدولة الفاطمية – ، ص 202 . المقريزي ، اتّعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء ، 1/93 ، تحقيق : د. جمال الدين الشيّال .
( ) القاضي النعمان ، المجالس والمسايرات ، ص 418 .
( ) محمود شكري الألوسي ، مختصر التحفة الإثنى عشرية ، ص 149 .
( ) جابر ، قاسم حبيب ، الفلسفة والاعتزال في نهج البلاغة ، ص 127 .
( ) ابن المطهر الحلي ، منهاج الكرامة ، ص 121 .
( ) هو المولى محسن الملقب بـ "الفيض الكاشاني" ، فقيه ومفسر إمامي ، توفي سنة 1091هـ . انظر : آغا بزرك الطهراني ، طبقات أعلام الشيعة ، ص 150 .
( ) الفيض الكاشاني ، الصافي ، 4/187 .
( ) مسائل مجموعة من الحقائق العالية والدقائق والأسرار السامية انظر : ص 8 ، ضمن أربعة كتب إسماعيلية عنى بتصحيحها : ر . شتروطمان .
( ) حميد الكرماني ، المصابيح في إثبات الإمامة ، ص 75 – 76 . الداعي علي بن الوليد ، دامغ الباطل وحتف المناضل ، 1/215 ، 267 .
( ) الموسوي ، موسى ، الشيعة والتصحيح ، ص 82 .
( ) وجدير بالإشارة إلى أن الاعتقاد بالمهدي المنتظر ، وبأنه من أهل البيت ، وسيخرج في آخر الزمان ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت جورا ، هو عقيدة إسلامية مشتركة بين الشيعة وأهل السنة ، ولكنهم اختلفوا فيمن يكون هذا الشخص المنتظر ؟ . فيرى أهل السنة أنه رجل من أهل البيت دون التحديد بالشخص ، وهناك آراء تقول بأن لا مهدي سوى عيسى ، ولكن جمهور أهل السنة على أن المهدي المنتظر غير عيسى ، بينما ذهب الإمامية إلى تحديد الشخص المنتظر وهو الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري ، وأما الباطنية فالمهدي عندهم هو محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ، فهو قائم القيامة أو صاحب الدور والكور – والكور يتألف من عدة أدوار قد تصل إلى السبعة – ، فالإمام السابع في أي دور من الأدوار يكون هو القائم صاحب الدور الذي يحاسب أهل دوره على الأخطاء التي ارتكبوها . انظر : المقدمة ، ابن خلدون ، ص 311 . الفكر السياسي عند الباطنية وموقف الغزالي منه، د. أحمد عرفات القاضي ، ص 91 ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 1993م . ( أصل الكتاب رسالة ماجستير للمؤلف قدّمها إلى قسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة . بإشراف : أستاذي : أ.د. محمد السيد الجليند و أستاذي : أ.د. السيد رزق الحجر ، عام 1988م ) . نظرية الإمامة لدى الشيعة الإثنى عشرية ، د. أحمد محمود صبحي ، ص 398 . الإمام المهدي المنتظر بين النظرية والواقع ، ، السيد عدنان البكّاء ، ص 45 ، الغدير ، بيروت – لبنان، ط1/1999م . الإمامة وقائم القيامـة ، د. مصطفى غالب ، ص 303 – 304 ، دار ومكتبة الهلال، بيروت – لبنان ، 1981م .
ومن هنا نستطيع القول بأن الاعتقاد بالمهدي المنتظر هو أمر مشترك بين السنة والشيعة ، والخلاف بينهما أن الشيعة جعلوا فكرة المهدي المنتظر من أصولها العقائدية ، وأما السنة فلا . بالإضافة إلى أن الزيدية من الشيعة إنما ترى أن المهدية لا تنفصل في مفهومها عن الإمامة ذاتها ، فكل فاطمي شجاع ، عالم زاهد ، يخرج بالسيف ، يدعو إلى الحق ، فهو إمام ومهدي في آن واحد ، دون اعتقاد في المهدية بالمفهوم الذي يفيد انتظار محرّر أو مخلص مبعوث من الله ، وكل أئمة الزيدية ، كزيد وولده يجيى ومحمد النفس الزكية مهديون . أحمد صحبي ، نظرية الإمامة لدى الشيعة الإثنى عشرية ، 405 ، دار المعارف ، القاهرة ، 1969م .
( ) وذهب بعض فرق الزيدية وهي الجارودية إلى القول بالمهدية والغيبة . والجارودية تنتسب إلى أبي الجارود زياد بن منذر الهمذاني المتوفى عام 150هـ ، وهي تمثل من الزيدية الاتجاه الأكثر ميلا لآراء الإمامية الإثنى عشرية ، ففي الإمامة آمنوا بالمهدية وقال بعضهم بالغيبة ، وعودة الإمام المنتظر . وأما في الصحابة فطعنوهم ، وخاصة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما . انظر : يحيى بن حمزة ، عقد اللآليء ، ص 174 – 178 . أحمد الشرفي ، شرح الأساس الكبير ، 1/146 . أحمد بن يحيى المرتضى ، كتاب الملل والنحل ، 1/34 ، ضمن البحر الزخار.
( ) الطوسي ، الغيبة ، ص 42 ، 43 .
( ) عبد الجبار ، تثبيت دلائل النبوة ، دار العربية ، بيروت ، تحقيق : عبد الكريم عثمان .
( ) محمد رضا المظفر ، عقائد الإمامية ، ص 78 .
( ) أصول الكافي ، باب "أن الأرض لا تخلو من حجّة" ، 1/201 .
( ) المظفر محمد رضا ، عقائد الإمامية ، ص 66 .
( ) المصدر السابق ، ص 71 .
( ) يعقوب بن كلِّيس ، الرسالة المذهبة ، ص 142 .
( ) السجستاني ، أبو يعقوب ، كتاب الافتخار ، ص 71 .
( ) سورة الرعد : 7 .
( ) كتاب الافتخار ، ص 70 . وانظر : القاضي النعمان بن محمد ، كتاب المجالس والمسايرات ، ص 118 .
( ) أخرجه الكليني في أصول الكافي ، باب دعائم الإسلام ، 2/45 . ومسلم في صحيحه ، كتاب الإمارة ، باب " الإمام" ، رقم : 1851 ، وجاء بلفظ (من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) . وأحمد في مسنده ، رقم : 16922 . وأبو بكر الهيثمي في مجمع الزوائد ، 5/218 ، وفي رواية : من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ، وإسنادهما ضعيف . والطراني في المعجم الكبير ، 19/388 ، رقم : 910 . عن معاوية ، وجاء بلفظ : ( من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية ) .
( ) انظر : الداعي حسن بن نوح ، مجموعة التربية ، ص 239 . ضمن كتاب الإمامة وقائم القيامة .
( ) سورة النساء : 65 .
( ) الداعي أحمد حميد الدين الكرماني ، 1416هـ - 1996م ، المصابيح في إثبات الإمامة ، ص 66 ، بيروت – لبنان ، تحقيق : مصطفى غالب ، دار المنتظر . الداعي علي بن الوليد ، دامغ الباطل وحتف المناضل ، 1/155 .
( ) الشيخ جعفر سبحاني ، كتاب بحوث في الملل والنحل ، 8/223 . نقلا عن الانترنت : www_imamsadeq_org .
وقد رد الزيدية هذه الدعاوى بأنها افتراء وكذب، لأنه قد مضـت فترة من الفترات التي خلت من الرسل ولم يكن هناك إمام أو وصي . وفي ذلك يقول الإمـام القـاسم الرسي الزيدي (تـ246هـ) : " فيسألون ولا قوة إلا بالله ، عن فترات الرسل في الأيام الماضية ، وما لم يزل فيها لا ينكره منكر ولا يجهله من الأمم الخالية ، هل خلت منها فترة ، وأمة منهم مستقلة أو مستكثرة من أن يكون فيها إمام هاد ، حجة لله على من معه من العبـاد ، يعلم من حلال الله وحرامه ، وجميع ما حكم الله في العباد من أحكامه ، ما يعلم ممن تقدمه ، وكان قبله من كل ما حكم الله به ونزّله " . الرد على الرافضة ، ص 89 .
ويرى الزيدية أن الحديث " » من مات ولم يعرف إمام زمانه ، مات ميتة جاهلية « جاء لإثبات وجوب الإمام ، وعقدها ، ومعرفة أوصافه . انظر : القاسم الرسي ، تثبيت الإمامة ، ص 40 . أحمد بن حسن الرصاص ، الخلاصة النافعة ، ص 228 . الجواب المختار ، ص 268 . ضمن مجمـوع كتب ورسائل الإمامم المنصور بالله القاسم بن محمد . وانظر : الإمام حميدان بن يحيى ، التصريح بالمذهب الصحيح ، ص 131 . المنتـزع الأول من أقوال الأئمة له ، ص310 ، كلاهما ضمن مجموع السيد حميدان .
ومن الجدير بالذكر هنا ، أن الإمام الهادي يحيى بن الحسين الزيدي (تـ298هـ) يذهب كما يذهب إليه الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية في هذه المسألة ، حيث قرر بأنه لا يخلو زمان من إمام . ويتبين ذلك عند شرحه للحديث السابق ، إذ يقول : " إنه لا يعدم في كل عصر حجة لله يظهر منهم إمام يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فإذا علم ثم مات فقد نجا من الميتة الجاهلية ، ومات على الميتة الملية . ومن جهل ذلك ، ولم يقل به ، ولم يعتقده ، فقد خرج من الميتة الملية ، ومات على الميتة الجاهلية هذا تفسير الحديث ومعناه " . الهادي يحيى بن الحسين، 1424هـ - 2003م ، كتاب الأحكام في الحلال والحرام ، 2/467 باختصار ، صعدة – اليمن ، جمعه: علي بن أحمد بن أبي حريصة ، منشورات مكتبة التراث الإسلامي .
ولا يحتاج هذا النص إلى تفسير ، حيث يفيد على أن الأرض لا تخلو من إمام مفروض الطاعة ، ولا غرو في ذلك ، لأن الإمام الهادي في حدّ ذاته كان يتجه تجاه الجارودية ، والجارودية تمثل من الزيدية الاتجاه الأكثر ميلا للشيعة الإمامية . وتابع هذا الرأي من الزيدية الإمام الحسين بن القاسم العياني (تـ404هـ) ، حيث قال : " إن الأرض لا تخلو من الحجة " . الحسين بن القاسم العياني ، المعجز ، ص 242 .
( ) وقد أفرد (عقيدة الرجعة) بالتأليف بعض علمائهم الكبار كالحر العاملي الذي ألف كتاب ( الإيقاظ من الهجعة في إثبات الرجعة) . وجمع ما يزيد على 620 بين آية وحديث صريح في الرجعة نقلها عن سبعين كتاباً قد صنفها عظماء علماء الاِمامية ، وقال : إنَّ أحاديث الرجعة ثابتة عن أهل العصمة عليهم السلام لوجودها في الكتب الاَربعة وغيرها من الكتب المعتمدة ، وكثرة القرائن القطعية الدالة على صحتها وثبوت روايتها، على أنّها لا تحتاج إلى شيءٍ من القرائن لكونها قد بلغت حدّ التواتر ، بل تجاوزت ذلك الحدّ ، وكل حديث منها يفيد العلم مع القرائن المشار إليها ، فكيف يبقى شك مع اجتماع الجميع . والأحسائي الذي ألف كتاب (الرجعة) . عبد اللطيف البغدادي ، الرجعة على ضوء الأدلة الأربعة .
وجمع السيد محمد مؤمن الحسيني الاسترآبادي الشهيد بمكة سنة 1088 هـ في رسالته المختصرة في الرجعة نحو 111 حديثاً من الكتب المعتمدة وجميعها تنصُّ على الرجعة . وأخرج الحر العاملي (ت 1104 هـ) في كتابه (الايقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة) وجمع العلاّمة المجلسي المتوفى سنة 1111 هجريةـ نحو 200 حديث في باب الرجعة من كتاب (بحار الاَنوار) وقال : كيف يشكّ مؤمن بحقية الاَئمة الاَطهار عليهم السلام فيما تواتر عنهم في قريب من مائتي حديث صريح ، رواها نيف وأربعون من الثقات العظام والعلماء الاَعلام في أزيد من خمسين من مؤلفاتهم ، كثقة الاِسلام الكليني، والصدوق محمد بن بابويه ، والشيخ أبي جعفر الطوسي ، والسيد المرتضى ، والنجاشي ، والكشي ، والعياشي، وعلي بن إبراهيم ، وسليم الهلالي ، والشيخ المفيد ، والكراجكي ، والنعماني ، والصفار ، وسعد بن عبدلله ، وابن قولويه ، والسيد علي بن طاووس ، وفرات بن إبراهيم ، وأبي الفضل الطبرسي ، وإبراهيم بن محمد الثقفي ، ومحمد بن العباس بن مروان، والبرقي ، وابن شهر آشوب ، والحسن بن سليمان ، والقطب الراوندي ، والعلامة الحلي وغيرهم . إلى أن قال : وإذا لم يكن مثل هذا متواتراً ، ففي أيّ شيءٍ يمكن دعوى التواتر مع ماروته كافة الشيعة خلفاً عن سلف .
( ) إن من أبرز عقائد الشيعة والتي تكاد تمتلئ بها كتبهم؛ عقيدة المهدي المنتظر محمد بن الحسن العسكري، وهو الإمام الثاني عشر عندهم وهم يطلقون عليه الحجة كما يطلقون عليه القائم. ويزعمون أنه ولد سنة (255هـ)، واختفى في سرداب "سُرَّ من رأى" سنة (265هـ)، وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان لينتقم لهم من أعدائهم, ولا يزال الشيعة يزورونه بسرداب "سُر من رأى" ويدعونه للخروج. وقد صاحبت عقيدة المهدي المنتظر عند الشيعة خرافات وعقائد منحرفة خطرة. وقد استعرت فكرة خروجه في زماننا هذا عند الشيعة، فقد بدؤوا يستعدون لخروجه القريب – زعموا - ويتحدثون عن رؤيته في بعض المسيرات الشيعية, وتعددت تلك الرؤى وزعموا أنهم استطاعوا التقاط صورة له . وهذه العقيدة منذ سنة (260هـ) إلى اليوم هي أساس مذهب الإمامية الإثنى عشرية ، ويهتم بها آيات الرافضة ومراجعها حتى يعدون منكرها أكفر من إبليس . إذ بها يستمدون القداسة بين شيعتهم، وبواسطتها يأخذون الأموال من اتباعهم باسم خمس "الغائب"، وعن طريقها يدعون الصلة بأهل البيت، وقد اضطروا للقول بهذه العقيدة البعيدة عن العقول، لأنهم قد حصروا الإمامة بأولاد الحسين وبأشخاص معينين منهم على اختلاف بينهم في تحديد الإمامة. ولكنهم فوجئـوا في سنة (260هـ)، بوفاة الحسن العسكري - وهو الإمام الحادي عشر عندهم - عقيماً فافترقوا في هذا وتحيروا حتى بلغت فرق شيعة الحسن العسكري أربع عشرة فرقة كما يقول النوبختي، أو خمس عشرة فرقة، كما يقول القمي، وهما من الرافضة ومن عايش تلك الأحداث، إذ هما من شيوخهم في القرن الثالث.
( ) الصحّاح ، 3/1216 . القاموس المحيط ، 3/28 .
( ) محمد رضا المظفر ، عقائد الإمامية ، ص 80 – 81 .
( ) المجلسي ، بحار الأنوار ، 53 ، 74 .
( ) بحار الأنوار ، 72 ، 71 .
( ) بحار الأنوار ، 74 ، 73 .
( ) الكليني ، الكافي ، 8/ 50، 14 . وتفسير القمي 1 : 385 . وتفسير العياشي 2 : 259
26 . والاعتقادات، للصدوق : 62 .
( ) العاملي ، الايقاظ من الهجعة ، 8/76 .
( ) العاملي ، الايقاظ من الهجعة ، 8/84 .
( ) محمد رضا المظفر ، عقائد الإمامية ، ص 82 .
( ) آل كاشف الغطاء ، أصل الشيعة وأصولها ، ص 47 ، المكتبة الحيدرية ، 1969م .
( ) المفيد ، أوائل المقالات ، ص 48 .
( ) نقلاً عن الرجعة للأحسائي ، ص30 .
( ) محمد جواد مغنية ، الشيعة في الميزان ، ص 54 -55 .
( ) السيد محسن الأمين ، نقض الوشيعة ، ص 473 .
( ) محمد أبو زهرة ، الإمام الصادق ، ص 240 .
( ) المفيد ، أوائل المقالات ، ص 89 - 90 .
( ) عقائد الإمامية الإثنى عشرية ، 2/228 .
( ) أحمد بن زين الدين الأحسائي، متوفى سنة 1241هـ، يعد من كبار علمائهم المتأخرين . قال عنه الخونساري: "ترجمان الحكماء المتألهين، ولسان العرفاء والمتكلمين، غرة الدهر، وفليسوف العصر .. لم يعد في هذه الأواخر مثله في المعرفة والفهم، والمكرمة والحزم، وجودة السليقة وحسن الطريقة...الخ " . روضات الجنات ، 1/88-89 .
( ) أحمد الأحسائي ، الرجعة ، ص 41 .
( ) محمد رضا المظفر ، عقائد الإمامية ، ص 82 .
( ) تفسير الألوسي ، 6/315 .
( ) على مر التاريخ الإسلامي السياسي نجد الشيعة على مختلف فرقها في موقف المعارضة دائما، فهي حزب معارض ، ولكن الأسلوب المستخدم فيها لدى كل هذه الفرق تختلف بين بعضها بعضا، فاختارت الشيعة الزيدية بطريقتها المعارضة علنيا من غير تكتم وتخفي أو في ما يسميهم في اصطلاحهم بمبدأ الخروج ، بينما اختارت الشيعة الإمامية والإسماعيلية بالطريقة السرية أو ما يعرف في اصطلاحهم بالتقية .
( ) المفيد ، أوائل المقالات ، ص 210 .
( ) البحراني ، الكشكول ، 1/ 202 .
( ) الخميني ، كشف الأسرار ، ص 147.
( ) المفيد ، تصحيح اعتقادات الصدوق ، ص 220 ، ط تبريز – إيران .
( ) آل كاشف الغطاء ، أصل الشيعة وأصولها ، ص 178 .
( ) آل كاشف الغطاء ، أصل الشيعة وأصولها ، ص 178 – 178 .
( ) الكليني ، أصول الكافي ، 2/219 .
( ) الأصول الأصلية ، 324 .
( ) ابن بابويه ، الاعتقادات ، ص 114 .
( ) المجلسي ، بحار الأنوار : 75/412.
( ) الكليني ، أصول الكافي : 2/217 . المجلسي ، بحار الأنوار : 75/423 . الحر العاملي ، وسائل الشيعة ، 11/460 .
( ) تفسير الحسن العسكري : ص130. الحر العاملي ، وسائل الشيعة : 11/474. المجلسي ، بحار الأنوار: 75/415.
( ) وقام الدكتور/ناصر بن عبدالله بن علي القفاري ببحث جامعي لنيل درجة الماجستير من كتاب خاص في هذا المجال بعنوان " مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة . ونشره دار طيبة بالسعودية في مجلدين .
( ) رسالة الإسلام ، السنة الأولى ، العدد الأول ، ص 22-24 .
( ) مقدمة كتاب "الدعوة الإسلامية إلى وحدة أهل السنّة والإمامية" لمحمد جواد مغنية (والكتاب للخنيزي).
( ) انظر : فتوى شلتوت في ملحق الوثائق .
( ) جعفر سبحاني ، أضواء على عقائد الشيعة الإمامية ، ص 427 .
( ) ابن منظور ، لسان العرب ، 1/234 ، مادة بدا .
( ) عبد الزهر الندر ، نظرية البداء عند صدر الدين الشيرازي ، ص 27 ، مطبعة النعمان ، النجف ، 1975م.
( ) ابن منظور ، لسان العرب ، 1/234 ، مادة بدا .
( ) الصدوق ، التوحيد ، ص 332 – 333 ، دار المعرفة ، بيروت – لبنان ، بدون تاريخ ، تصحيح : السد هاشم الحسيني الطهراني .
( ) الصدوق ، التوحيد ، ص 335 .
( ) المفيد ، أوائل المقالات ، ص 94 ، تبريز – إيران ، ط1/1363هـ .
( ) المجلسي ، بحار الأنوار ، 4/130 ، مؤسسة الوفاء ، بيروت، ط3/1983م .
( ) انظر : عبد الزهر البندر ، نظرية البداء عند صدر الدين الشيرازي ، ص 27 - 35 .
ويؤكد ذلك الشيخ أبو زهرة في قوله: " إن الجامع لهؤلاء هو ما تدل عليه التسمية بعبارة (الإمامية)، فإنهم يقولون إن الأئمة لم يعرفوا بالوصف. كما قال الإمام زيد بن علي رضي الله عنه عنهما، بل عينوا بالشخص فعين الإمام علي من النبي وهو يعين من بعده بوصية من النبي ويسمون بالأوصياء"( ) .
وقد افترق الإمامية إلى فرقتين كبيرتين هما: الإثنى عشرية ( ) ، والإسماعيلية الباطنية، وهذا الإفتراق بعد وفاة الإمام جعفر الصادق، حيث اختلف الناس فيمن تولى الإمامة بعد وفاته:
فقالت طائفة: إن موسى الكاظم هو الذي نص عليه الصادق وإليه تنتقل الإمامة حتى ولو كان أصغر من أخيه إسماعيل، وذلك لسببين :
- أولا : أن إسماعيل قد مات في حياة أبيه.
- ثانيا : أن أباه قد رقع عنه الوصاية قبل موته بدعوى شربة الخمر الأمر الذي يؤدي إلى نفي تقواه ، وعدم أحقيته في الإمامة ، ومن ثم فموسى الكاظم (تـ 183هـ) هو الإمام السابع بعد أبيه في نظر أصحاب هذه الطائفة التي أطلق عليها فيما بعد بـ (الإثنى عشرية) لأنها تسلسل الإمامة بعد الكاظم إلى ابنه علي بن موسى (الرضا) (تـ 203هـ) ، ثم إلى ابنه محمد بن علي (الجواد) (تـ220هـ)، ثم إلى ابنه علي بن محمد (الهادي) (تـ 254هـ)، ثم إلى ابنه الحسن بن علي (العسكر) (تـ260هـ)، ثم إلى ابنه محمد بن الحسن (المهدي) (تـ 328هـ).
إذن، فالإمامية الإثنى عشرية متفقون على سوق الإمامة بعد علي إلى جعفر الصادق ، فهي بعد علي للحسن (الزكي)، ثم الحسين بن علي (سيد الشهداء)، ثم إلى ابنه علي بن الحسين (زين العابدين)، ثم إلى ابنه محمد بن علي (الباقر)، ثم إلى ابنه جعفر بن محمد (الصادق) ، ثم إلى ابنه موسى بن جعفر (الكاظم)، ثم إلى ابنه علي بن موسى (الرضا) ، ثم إلى ابنه محمد بن علي (الجواد) ، ثم إلى ابنه علي بن محمد (الهادي) ، ثم إلى ابنه الحسن بن علي (العسكر)، ثم إلى ابنه محمد بن الحسن (المهدي)، وقد غيب في سنة 255هـ . وهو الحجة في عصر الغائب المنتظر وليملأ الأرض عدلا وقسطا بعد ما ملئت ظلما وجورا ( ) . وبذلك يكون مقدار هذه السلسلة اثنا عشر إماما ، لا يزيد ولا ينقص. ومن هنا ، تميزت الإمامية الإثنى عشرية بأنها وضعت لنفسها في بادىء الأمر عددا ثابتا من الأئمة . فتوقفوا عند إمامهم الثاني عشر الغائب وهو محمد بن الحسن العسكري .
وهم الذين يسمون بالجعفرية، لاعتماد آرائهم الفقهية على أقوال الإمام جعفر الصادق، كما يسمون أيضا بـ (الرافضة)، لرفضهم ثورة الإمام زيد ودعوته للخروج على والي العراق في عصره وهو يوسف بن عمر الثقفي كما عليه ابن تيمية. أو لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر كما عليه الأشعري، وقد فضل صاحب كتاب (بحار الأنوار) تسمية فرقته بالرافضة ، ووأورد في كتابه أربعة أحاديث في مدح التسمية بالرافضة. وعلى أية حال، إذا أطلق لفظ (الشيعة) فلا ينصرف في الذهن إلا إلي هذه الطائفة الإمامية الإثنى عشرية .
وقالت طائفة: إن إسماعيل هو الذي تنتقل إليه الإمامة بعد أبيه، لأنه هو الإبن الأكبر، وهذه الطائفة يطلق عليها فيما بعد بـ (الإسماعيلية الباطنية) . .
إذن، فكان لموت الإمام جعفر الصادق أثره البالغ في انقسام الشيعة إلى فرقتين رئيستين: الإمامية الإثنى عشرية من جهة – وهم أتباع موسى الكاظم – ، والإسماعيلية الباطنية –وهم أتباع إسماعيل – من جهة أخرى ، ولكل فرقة منها تدّعي أن لإمامها الزعامة دون الأخرى .
***
فرق الإمامية الإثنى عشرية
وقد انبثق من الإمامية الإثنى عشرية قرق ومذاهب كثيرة، منها: أصولية، وأخبارية، وشيخية، وكشفية، وكنية، وركريمخانية، وقزلباشية، وكلها داخلة في المجموعة الإثني عشرية وأصولها مبثوثة في كتب الإثنى عشرية ( ) . والإثنا عشرية اليوم منقسمون إلى ثلاث مدارس فكرية رئيسية وهي:
- الأول : الأخبارية.
هم الذين يمنعون الاجتهاد، ويعملون بالأخبار ويرون أن ما في كتب الأخبار الأربعة المعروفة للشيعة (الكافي، والتهذيب، والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه) قطعي السند أو موثوق بصدوره، فلا يحتاج إلى البحث عن سنده ، ولا يرون تقسيم الأخبار إلى أقسام الحديث المعروفة من الصحيح والحسن والموثق والضعيف وغيرها، بل كلها صحيحة، ويوجبون الاحتياط عند الشك في التحريم ولو مع عدم سبق العلم الاجمالي، ويسقطون من الأدلة الأربعة المذكورة في أصول الفقه: دليل العقل، والإجماع، ويقتصرون على الكتاب والخبر، ولذلك عرفوا بالإخبارية نسبة إلى الأخبار ولا يرون حاجة إلى تعلم أصول الفقه ولا يرون صحته. ومن علماء الإخباريين: ابن بابويه صاحب كتاب "من لا يحضره الفقيه"، الحر العاملي صاحب كتاب "وسائل الشيعة"، والكاشاني صاحب كتاب "الوافي" ، والنوري الطبرسي صاحب كتاب "مستدرك الوسائل". ويمكن تسميتها بـ "مدرسة الحديث". وسميت كذلك بـ "الحركة السلفية" .
وكانت بداية ظهور الأخبارية في مطلع القرن الحادي عشر للهجرة على يد الشيخ محمد أمين الأسترابادي (تـ 1033هـ) صاحب كتاب (الفوائد المدنية) إلا أنها تجددت بشدة في أواخر القرن الثاني عشر، يقول البحراني: "هو أول من فتح باب الطعن على المجتهدين ، وتقسيم الفرقة ... إلى أخباري ومجتهد" ( ) .
- الثاني : الأصولية.
هم القائلون بالإجتهاد من الشيعة الإمامية الإثني عشرية، ويمكن أن نسمي هذه المدرسة بـ "مدرسة الرأي أو مدرسة التأويل" . ومن علماء هذه المدرسة: الطوسي صاحب كتاب "الاستبصار والتهذيب" ، والمرتضى المنسوب له (أو لأخيه) نهج البلاغة، والشيخ المقيد صاحب كتاب "أوائل المقالات" وغيرهم ، ومعقل هذه المدرسة (النجف)( ) .
- الثالث :الشيخية.
هم طائفة من الشيعة الإمامية الاثني عشرية أسسها أحمد بن زين الدين الأحسائي في مطلع القرن الثالث عشر الهجري، وأتباعا يتواجدون اليوم في العراق، والكويت، و الاحساء، والبصرة، وكرمان، وتبريز في ايران. وينقسمون إلى فرقتين: "الركنية" و "الكشفية"، ولكلّ فرقة آراؤها الخاصّة.
ويمكن أن نحدد ملامح افتراق الأصوليين والأخباريين فيما يلي:
1) اعتراض الأخبارية بأن العمل بالقواعد الأصولية التي ظهرت في بدايات القرن الهجري الرابع على أيادي من عاصرو الشيخ الكليني يؤدي إلى ترك العمل بالنصوص الشرعية.
2) اعتراض الأخبارية أن عمل المتقدمين من الأصحاب إلى أواخر زمن الشيخ الصدوق كان بناء على الأخبار الواردة إليهم من الصادقين عليهم السلام. إذ زعموا أن مدركية الأحكام كانت عبر ظواهر المرويات عن الأئمة عليهم السلام.
3) اعتراض الأخبارية على الدور الذي لعبه العقل في استنباط الأحكام الشرعية، وزعمهم بأن ذلك مؤد إلى نبذ الأحكام الشرعية التي عمل بها المتقدمين.
4) القول بأن العمل طبقاً لقواعد الأصول بدعة لكونه قد ظهر ما بعد فترة غيبة الإمام الثاني عشر عليه السلام، لزعمهم عدم عمل الأصحاب على عهد الأئمة.
ويمكن التمثيل على الخلاف بين الأخبارية والأصولية وهو في مسألة التدخين: لا يوجد نص من الكتاب ولا السنة على التدخين فموقف الأخبارية الاحتياط أو البراءة في الشبهات التحكيمية، فهنا شبهة حرمية تحكيمية، لا ندري التدخين هل هو حرام أم لا، وأما الأصولية فتقول كل شي لم يورد حرمته فالأصل الحلية، الأصل حليته ما لم يرد نص على حرمة الحلية حيث يعبر عنه بالبراءة العقلية والبراة النقلية كما ورد عن رسول الله صلى الله : (رفع عن امتي تسعة، الخطاء، والنسيان، وما أكرهوا عليه، ومالا يطيقون، ومالا يعلمون، وما اضطروا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلق مالم ينطق بشفه). وروي عن رسول الله صلى الله : (رفع عن امتي تسعة، الخطاء، والنسيان، وما أكرهوا عليه، ومالا يطيقون، ومالا يعلمون، وما اضطروا اليه، والحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلق مالم ينطق بشفه. والشاهد هنا ما لا يعلمون مالم يصل إليهم البيان فهو مرفوع، كل ما لم يرد له نص بالحلية فالموقف الشرعي هو التوقف، وهناك نصوص يستندون إليها كما ورد عن النبي محمد صلى الله : (ملاك بين وحرام بين وشبيهات بين ذلك).
وهذه أهم ملامح الخلاف، وهناك أمور اختلفوا فيها بناء على هذه النقاط كحجية ظواهر الكتاب وأن فهم القرآن يكون بواسطة المعصوم وما ورد عن المعصوم فقط، ومن هذه الأمور دعاوى متعلقة بحيثيات العمل بالأخبار الواردة عنهم إذ زعم الأخباريون بأن أخبار الكتب الأربعة قطعية الصدور عن الأئمة سليمة لا خدش فيها واستماتوا في إثبات ذلك ، ومعارضتهم للتقسيم الرباعي للأخبار التي ظهرت أيام المتأخرين من الأصحاب وتحديداً عهد السيد ابن طاووس والعلامة الحلي رضوان الله تعالى عليهم. وهناك أمور أخرى كحجية الإجماع ودليل العقل والأصول العملية وما شابه ولكل دليله النقلي والعقلي فيما أراد إثباته ، لكن ذلك لم يمنع إلى يومنا هذا تطور علم الأصول وارتقائه لدرجات عالية إذ مدار ذلك كان بفتح باب الاجتهاد في المذهب على مر العصور والسنين.
ويبدو مما سبق، أن الأصولية تُعدّ من التيار السائد بين الشيعة الإثني عشرية في العصر الحديث، وأن أبرز سماتها الاعتماد على مراجع التقليد في المسائل الفقهية، وأما الإخبارية فيقتصرون في معرفتهم للأحكام الشرعية على الأخبار أو الروايات الواردة عن أهل البيت، وأسقطوا الاستدلال بالمصادر الثلاثة الأخرى وهي القرآن والإجماع والعقل، فهم لا يستدلون بالقرآن بذريعة أن القرآن لا يفهمه سوى أهل البيت والواجب الرجوع إلى أحاديثهم، ولا يستدلون بالإجماع لأنه عندهم بدعة أوجدها أهل السنة ، وينكرون كذلك صلاحية العقل السليم ليكون حجة أو دليلا.
والجدير بالذكر أنه قد وصل الخلاف بين الأخبارية والأصولية إلى التشنيع والتكفير قيما بينهم حتى إن بعضهم يفتي بتحريم الصلاة خلف البعض الآخر ( ) . وكان من شيوخ طائفة الأخبارية من لا يلمس مؤلفات الأصوليين بيده تحاشيا من نجاستها ، وإنما يقبضها من وراء ملابسته ( ) . وقد كفر الاسترباذي وهو من الأخبارية بعض الأصوليين ونسبهم إلى تخريب الدين ( ) . وكما يرى الكاشاني أحد مصادر الأصولية الثمانية جمعا من علمائهم إلى الكفر ( ) .
ويحكي لنا السيد محمد حسن آل الطالقاني عن الخلاف والعداوة بين الأخبارية والأصولية فيقول:"فدوت في الأوساط العلمية، ولم تقتصر على طلبة العلوم وأهل الفضل، بل تسربت إلى صفوف العوام مما أدى إلا الاستهانة بالعلم والاستخفاف بحملته ، وبلغ التطرف حدا حكم فيه الوحيد البهبهاني بعدم صحة الصلاة خلف البحراني" ( ). ويتابع القول السيد محمد حسن آل الطالقاني: "وأوغل الأخباريون في الازدراء بالأصوليين إلى درجة عجيبة حتى أننا سمعنا من مشايخنا والأعلام وأهل الخبرة والاطلاع على أحوال العلماء: أن بعض فضلائهم كان لا يلمس مؤلفات الأصوليين بيده تحاشيا من نجاستها ، وإنما يقبضها من وراء ملابسه" ( ) . وفي موضع آخر يحكي لنا الشيخ السيد الطالقاني عن طبيعة الخلاف بين الشيعة فيقول: "وكانت اللهجة قاسية والأسلوب نابيا، وقد تزعم فريق الأخباريين في تلك الفترة الميرزا محمد النيشابوري المعروف بالأخباري، كما تزعم فريق الأصوليين الشيخ جعفر كاشف الغطاء النجفي" ( ) . فاحتدم النقاش بين العالمين، فنهج الأخباري المنهج الشيعي الأصيل " قد تطرف الأخباري إلى أبعد حد ووسع شقة الخلاف كثيرا، وتخلى عن الأدب والحشمة والاحترام في مناقشته لعلماء الأصوليين في نقده ورده على السواء، وتطاول على اساطين الدين وعظماء المذهب بالشتم، واستعمل بذيء القول ومرذوله" ( ) .
وأما يوسف البحراني صاحب كتاب "الحدائق" فحاول تضييق دائرة النزاع وما سببه من فضائح وكشف لأخلاقيات الشيعة المستورة قائلا:" إن الذي ظهر لنا بعد اعطاء التأمل حقه في المقام وامعان النظر في كلام علمائنا الأعلام هو الاغماض عن هذا الباب وارخاء الستر دونه والحجاب، وإن كان قد فتحه أقوام وأوسعوا فيه دائرة النقض والابرام، أما أولا فلاستلزامه القدح في علماء الطرفين والازراء بفضلاء الجانبين كما قد طعن به من كل الفريقين على الآخر، بل ربما انجر إلى القدح في الدين - يقصد دين الشيعة - سيما من الخصوم المعاندين" ( ) .
إلا أن هذا الصراع خمد فترة ، إثر خروج عدو مشترك للجميع، وهو عدو شيعي إمامي ولكن له فكر آخر، وهذا الفكر هو الفكر الشيخي ، أتباع أحمد بن زين الدين الأحسائي( ) . ونسبت إلى الشيخ بسبب تبنيه مدرسة خاصة في الحكمة، والفلسفة المتماشية مع حكمة وفلسفة أهل البيت، ونبذه لكثير من الأفكار المستمدة من الفلاسفة الإغريقيين والرومان ، وهم في الواقع تابعون للمدرسة الأصولية في الفقه، وقد ظهرت هذه المدرسة في أواخر النصف الثاني من القرن الثالث الهجري على يد مؤسسها، وقد انتشرت أفكار هذه المدرسة في كثير من مناطق الشيعة لقربها من المنابع الرئيسية وهي أقوال وسيرة أئمة أهل البيت حتى أن الشيخ كان المقدم في بلاط الشاه، وانقسمت الشيخية بعد زمان الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي إلى الركنية بقيادة الحاج محمد كريم خان الكرماني و الكشفية. وخلال القرن التاسع عشر تحول عدد كبير من الشيخية إلى الديانة البهائية، وذلك لما توليه الديانة البهائية من مرتبة عالية للشيخ الإحسائي. والشيخية الآن متواجدون في دول الخليج( ) . ومن هنا، وجد كلا من الأصولية والأخبارية ، أن الأحسائي قد خرج كمارد ( ) .
ويذهب الشيخ حميد المبارك( ) إلى أن الأصولية والأخبارية لم تعد اليوم تثير حساسية في الحياة اليومية، وأن جيله من العلماء قد شهد في طفولته نهايات هذه الحساسية التي رافقت مجيء السيدعلوي الغريفي من النجف حاملاً اتجاهاً أصولياً جديداً على الساحة البحرينية، وقد كسرت الثورة الإيرانية هذه الحساسية، بعد انتصارها وانتصار التحولات الاجتماعية الدينية التي مثلتها.
وعلى أية حال، أن الشيعة الإمامية فرقة من فرق الشيعة ولها عدة أسماء، فإذا قيل لهم الإثنا عشرية فلإعتقادهم، بإمامة أئمة الإثنى عشرية. وإذا قيل لهم الإمامية فلأنهم جعلوا الإمامة، ركناً خامساً من أركان الإسلام، وإذا قيل لهم جعفرية فلنسبتهم إلى الإمام جعفر الصادق وهو الإمام السادس عندهم. وأن الإمامية الإثنى عشرية تمثل الآن الأكثرية من بين طوائف الشيعة الرئيسية – كالزيدية والإسماعيلية الباطنية – في العالم ، وهم يتمركزون الآن في دولة " إيران الإسلامية "، يؤكد ذلك الدكتور مصطفى الشكعة حيث يذكر أن الإمامية يشملون الآن كل سكان إيران تقريبا، ونصف سكان العراق، وعشرات الألوف من سكان لبنان، وبضعة ملايين في الهند إلى غير ذلك من البلاد الإسلامية ( ) .
***
أصول الإمامية الإثنى عشرية
وأصول العقيدة عند الإمامية الإثنى عشرية خمسة: التوحيد، النبوة، الإمامة، العدل، المعاد. وهذه الأصول الخمسة تتضمن عقائد أخرى انفردت بها الإمامية الإثنى عشرية أو يمكننا القول بـ "أصول المذهب الإمامي"، ومنها: العصمة، المهدية، الرجعية، التقية، البداء، ومعظم هذه الأصول نتيجة تأثير الشيعة بالأديان المغايرة للإسلام كاليهودية، والمسيحية، والمجوسية. وهذه المؤثرات جاءت كنتيجة مباشرة للبذور التي بذرها عدد من اليهود وغيرهم من أتباع الملل الأخرى بتظاهرهم باعتناق الإسلام، ليدخلوا من خلال تلك الأفكار المسمومة والغريبة في عقائد المسلمين، فكانت فكرة التشيع لعلي وآل البيت ستارا ينطلقون منه لتحقيق أهدافهم ( ) .
وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذه المؤثرات كما يبدو إنما جاءت في المقام الأول كوليدة للصراعات الفكرية بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى . ويذكر الدكتور يحيى هاشم فرغل أن النشاط المسيحي بدأ منذ عصر الرسول ، ويشير إلى مناقشة النجاشي لوفد مكة ومناقشة الرسول لوفد نجران ( ) . ويذكر ابن حزم أن اليهود هم الذين أفسدوا دين المسيح عندما دخل بولس المسيحية وقال بإلهية المسيح، إذ يقول: " وهذا أمر لا نبعده عنهم ، لأنهم قد راموا ذلك فينا وفي ديننا، فبعد عليهم بلوغ إربهم ، وذلك بإسلام عبد الله بن سبأ اليهودي الحميري لعنه الله ليضل من أمكنه من المسلمين، فنهج لطائفة رذلة كانوا يتشيعون في علي أن يقولوا بإلهية علي، كما نهج بولس لأتباع المسيح أن يقولوا بإلهيته، وهم الباطنية والغالية إلى اليوم " ( ) . وأهم هذه المؤثرات هي فكرة الوصاية، والرجعة، والمهدية، والتناسخ( ) . ويلاحظ الدكتور عبد الرحمن بدوي أن الكيسانية من أقدم فرقة إسلامية تقول بفكرة المهدي ( ) .
ويلاحظ الدكتور عبد الرحمن بدوي أن الكيسانية من أقدم فرقة إسلامية تقول بفكرة المهدي( ). ويذهب كل من فان فلوتن جولد تسيهر إلى القول بأن فكرة ظهور المهدي التي أدت إليها نظرية الإمامة، والتي تجلّت معالمها في الاعتقاد بالرجعة منشأها المؤثرات اليهودية والمسيحية ( ) . غير أن الدكتور محمد إقبال يرى غير ذلك، حيث يرجع فكرة ( المهدي ) إلى تأثير الفكر المجوسي( ). ومن الجدير بالذكر أيضا أن المسلمين جمعوا أديان الفرس تحت اسم ( المجوس )، وإن كانوا قد أحسوا بما بينها من فروق ( ) . ومن المذاهب المجوسية التي كان لها تأثير مباشر في غلاة الشيعة هي: الزرادشتية، والمانوية، والمزدكية ( ) . ويذكر الشيخ محمد أبو زهرة أن الشيعة قد تأثروا بالأفكار الفارسية حول الملك والوراثة، والتشابه بين مذهبهم ونظام الملك الفارسي واضح، ويستدل على ذلك بأن أهل فارس من الشيعة، وأن الشيعة الأولين كانوا من فارس ( ) . ولذلك، فإن آراء الشيعة كانت تلائم الإيرانيين ( ) .
وتفاصيل الحديث عن أصول المذهب الإمامي (العصمة، المهدية، الرجعية، التقية، البداء) تكون كالتالي:
أولا : العصمة .
عرف الشيخ المفيد (تـ413هـ) العصمة بأنها: " الامتناع بالاختيار عن فعل الذنوب والقبائح عند اللطف الذي يحصل من الله تعالى في حقه، وهو لطف يمتنع من يختص به عن فعل المعصية ولا يمنعه على وجه القهر، أى لا يكون له حينئذ داع إلى فعل المعصية وترك الطاعة مع القدرة عليها " ( ) . وفي نفس المعنى يقول الشريف المرتضى (تـ436هـ) ( ) : " العصمة هي اللطف الذي يفعله الله تعالى، فيختار العبد عنده الامتناع من فعل القبيح، فيقال على هذا: إن الله تعالى عصمه بأن فعل له ما اختار عنده العدول عن القبيح، ويقال: إن العبد معصوم، لأنه اختار عند هذا الداعي الذي فعل له الإمتناع من القبيح" ( ) .
ويتضح من هذه النصوص أن هناك تفسيران للعصمة:
- أحدهما: أنها أمور يفعلها الله تعالى بالمكلَّف، فتقضي ألا يفعل المعصية اقتضاء غير بالغ إلى حد الإيجاب، وفسروا هذه الأمور ، فقالوا: إنها أربعة ِأشياء: أن يكون لنفس الإنسان ملكة مانعة من الفجور، داعية إلى العفة، وثانيها : العلم بمثالب المعصية ، ومناقب الطاعة. وثالثها: تأكيد ذلك العلم بالوحي والبيان من الله تعالى. ورابعها: أنه متى صدر عنه خطأ من باب النسيان والسهو، لم يترك مهلا، بل يعاقب وينبه، ويضيف عليه العذر. فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة، كان الشخص معصوما عن المعاصي لا محالة، لأن العفة إذا انضافت إليها العلم، بما في الطاعة من سعادة، وما في المعصية من شقاوة، ثم أكد ذلك تتابع الوحي إليه وترادفه، وتظاهر البيان عنده، وتمم ذلك خوفا من العقاب عل القدر القليل، حصل من اجتماع هذه الأمور حقيقة العصمة.
- وثانيهما: العصمة لطف يمتنع المكلف عند فعله من القبيح اختيارا، وقد يكون ذلك اللطف خارجا عن الأمور الأربعة المعدودة، مثل أن يعلم الله تعالى أنه إن أنشأ سحابا، أو أهب ريحا، أو حرَّك جسما، فإن زيدا يمتنع عن قبيح مخصوص اختيارا، فإنه تعالى يجب عليه فعل ذلك، ويكون هذا اللطف عصمة لزيد، وإن كان الإطلاق المشتهر في العصمة، إنما هو لمجموع ألطاف يمتنع المكلف بها عن القبيح مدة زمان تكليفه ( ) .
والعصمة عند الإمامية الاثني عشرية والإسماعيلية الباطنية مطلقا، فتتعلق بالخطأ والسهو والنسيان وغيرها ( ) ، لذلك قالوا إنه لم يعرف عن الإمام عليّ أنه أخطأ في تصوّره أو وقع في خطأ وزلة ( ) . قال المجلسي: "أصحابنا الإمامية أجمعوا على عصمة الأنبياء والأئمة من الذنوب الصغيرة والكبيرة، وعمدا وخطأ ونسيانا – قبل النبوة والإمامة وبعدها - ، بل من وقت ولادتهم، إلى أن يلقوا الله تعالى، ولم يخالف في ذلك إلا "الصدوق محمـد بن بابويه" وشيخه "ابن الوليد" ، فإنهما جوزا الإسهاء ، من الله تعالى، لأن السهو الذي يكون من الشيطان في غير ما يتعلق بالتبليغ وبيان الأحكام" ( ) . وفي موضع آخر يقرر المجلسي: "اعلم أنّ الإماميّة اتّفقوا على عصمة الأئمّة – عليهم السّلام – من الذّنوب – صغيرها وكبيرها – فلا يقع منهم ذنب أصلاً لا عمدًا ولا نسيانًا ولا الخطأ في التّأويل ولا للإسهاء من الله سبحانه" ( ) . فالمجلسي يسبغ على أئمته العصمة من كافة الأوجه المتصورة: العصمة من المعصية كلها – صغيرة أو كبيرة – العصمـة من الخطأ، والعصمة من السهو والنسيان وغير ذلك.
ومسألة العصمة لم تقف عند حد نفي المعصية بل تجاوزت ذلك ... ففي القرن الرابع يقرر ابن بابويه (المتوفى سنة 381هـ) عقيدة الشيعة في العصمة في كتابه الاعتقادات الذي يسمى "دين الشيعة الإمامية" فيقول: " اعتقادنا في .. الأئمة.. أنهم معصومون مطهرون من كل دنس، وأنهم لا يذنبون ذنبًا صغيرًا ولا كبيرًا، ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ومن نفى عنهم العصمة في شيء من أحوالهم فقد جهلهم، ومن جهلهم فهو كافر، واعتقادنا فيهم أنهم معصومون موصوفون بالكمال والتمام والعلم من أوائل أمورهم وأواخرها، لا يوصفون في شيء من أحوالهم بنقص ولا عصيان ولا جهل " ( ) . فهو هنا ينفي المعصية ، وأيضًا الجهل والنقص، ويثبت الكمال الذي يلازمهم من أول حياتهم إلى آخرها، ويُكَفِّرُ من خالف ذلك ( ) .
ويجدر بالإشارة إلى أن الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية اتفقوا على ضرورة وجود الإمام المعصوم المنصوص عليه من نسل عليّ بن أبي طالب، لأن العصمة من المبادئ الأولية في كيانهم العقدي، ولها أهمية كبرى عندهم ، إذن فلا بد أن يكون الإمام معصوما ( ) ، يقول الداعي علي بن الوليد الباطني (تـ612هـ) : " وأصل الدين والشرع محمول على التعلّم والعصمة " ( ) . وذلك قياسا على النبي ، يقول الشيخ محمد رضا المظفر – إمامي معاصر – : " إن الإمام كالنبي، يجب أن يكون معصوما من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن، من سن الطفولة إلى الموت، عمدًا وسهوا، كما يجب أن يكون معصوما من السهو والخطأ والنسيان، لأن الأئمة حفظة الشرع والقوّامون عليه حالهم في ذلك حال النبي " ( ) . فللإمام جميع ما في النبيّ من صفات ومؤهّلات، وله ما للنبيّ على الناس من ولاية وسلطان، ولا يفترق عنه في شيء إلا في نزول الوحي، على أن الإمام قد أخذ عن الرسول ما نزل عليه من ربّه، والنتيجة الحتمية لذلك أن الإمام بهذا المعنى معصوم لا محـالة تماما كالنبي، وأن من نفى عنه العصمة فقد نفى عنه الإمامة ، كما هي الحال بالقياس إلى النبوة ( ) .
إذن - في رأيهم - فإذا ما ثبت أن الأنبياء معصومون، فإن الأئمة أيضا معصومون لاشتراكهم في العلة التي من أجلها خلقهم الله. يقول دونالدسن : " فإن الشيعة الناقمين لكى يثبتوا دعوة الأئمة ... أظهروا عقيدة عصمة الرسل بصفتهم أئمة أيضا " ( ) . فيعتقدون أن الفرع مشارك للأصل في الأحكام، لذا اعتقدوا العصمة في الأئمة بناء على أنهم خلفاء المعصوم ( ) .
والأئمة في نظر الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية ليسوا معصومين من الكبائر والصغائر فقط، بل من كل شيء، وبهذا فإنهم أثبتوا العصمة المطلقة للأئمة، ومن أقوال الإمامية الإثنى عشرية في ذلك يقول السيد محسن الأمين الحسيني العاملي: " يجب في الإمام أن يكون معصوما من الذنوب والخطأ والنسيان كالنبي، وأن يكون متصفا بجميع الكمالات مُنَزَّهًا عن جميع النقائص، وأن يكون أفضل أهل زمانه " ( ) . ويقول ابن المطهر الحلي (تـ726هـ) : " لابد من إمام منصوب من الله تعالى، معصوم من الزلل والخطأ، لئلاّ يترك بعض الأحكام أو يزيد فيها عمدا أو سهوا " ( ) .
وأسباب العصمة واللطف عندهم كما أشار إليه الشيخ المفيد تتمثل فيما يلي:
1) وجود خاصية في نفس المعصوم أو بدنه تمنعه من الفجور بمقتضى الملكة.
2) إِنَّ له العلم بالمعايب وقبائح المعاصي، وكذلك بالمناقب والمحاسن.
3) تأكيد هذا العلم بالوحي المتتابع والإلهام من الله .
4) أن يؤاخذه الله عما يجب تركه وما يقتضي فعله، فيعلم دوما ما هو الصحيح ( ) .
وأما أقوال الإسماعيلية الباطنية في العصمة، فيقول الداعي أحمد النيسابوري: " لم يكن لأحد مثلها من الطهارة، والأخلاق المرضية، والجود، والسخاء، والحلم، والشجاعة مما لا يمكن لأمثالنا تعداده، ثم البعد والعصمة عن كل ذنب وعيب ونقص " ( ) . وفي موضع آخر يقول إِنَّ الأئمة: " معصومون عن الفسق، والفجور، والطغيان، والانفلات، والعدوان، لأنَّه تعالى طهَّرهم من كل دنسٍ وعيبٍ " ( ) . وقد ورد في كتاب ( المجالس والمسايرات ) قول للمعز لدين الله ( ) : " فالحمد لله الذي منَّ علينا بالعصمة، ولم يجعل لنا فيما حرّمه علينا من شهوة " ( ) .
وَيَتَبَدَّى لنا من خلال هذه الأقوال مدى نظرتهم إلى الإمام وعصمته، فالإمام عندهم لا بُدَّ أن يكون معصوما كالنبي بلا فَرْقٍ، لأنه حافظ للشرع والمنفرد بالتبليغ عن الله بعد رحيل النبي ، وأنه وحده مصدر العلم . إلا أنه لا يتلقَّى الوحى، وهذا الأخير ما يميِّزه عن النبي .
ومن الأدلة التي استدل بها الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية على وجوب العصمة للأئمة قوله : إِنَّمَايُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا - سورة الأحزاب: 33.
فقالت الشيعة في تقرير الاستدلال بهذه الآية: " إن المفسرين أجمعوا على نزول هذه الآية في حق عليّ وفاطمة والحسن والحسين ، وهي تدل على عصمتهم دلالة مؤكَّدة ، وغير المعصوم لا يكون إماما " ( ) . ذلك – في رأيهم – أن تلك الآية صريحة في عصمتهم عن المعاصي كما يثبت من كلمة (إنما)، وهي من أقوى أدوات الحصر والدلالة على الاختصاص ( ) . يقول ابن المطهر الحلي الإمامي (تـ726هـ) : " وفي هذه الآية دلالة على العصمة، مع التأكيد بلفظ (إنما)، وبإدخال اللام في الخبر، والاختصاص في الخطاب بقوله (أهل البيت)، والتكرير بقوله (يطهركم) والتأكيد بقوله: (تطهيرا)، وغيرهم ليس بمعصوم ( ) . ويقول الفيض الكاشاني المفسر الإمامي (تـ1091هـ) ( ) في تفسيره المسمى بـ (الصافي) عن الإمام الباقر: " نزلت هذه الآيـة في رسول الله وآله ، وعليّ بن أبي طالب، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام في بيت أم سلمة ( ) . وورد في إحدى الكتب للباطنية ومُؤَلِّفُهُ مجهولٌ (مسائل مجموعة من الحقائق العالية والدقائق والأسرار السامية)، قوله عن تأويل هذه الآية موضحا عصمة الإمام وأن أمهات الأئمة منـزّهات عن الطمث: " يعني بالرجس دم الطمث ، وإذا كملت مدّة حمل الجنين ظهر ذلك الشخص مولودا مثل أولاد البشر، إلا أن فيه من الصفاء والإشراق والنور والضياء ما يفوق الوصف، مع أنه جسم ... ولا يكون ظهور المعجزات منه وإبداء الآيات الباهرات إلا بعد أن ينص عليه والده، ويتصل به المادّة بوساطة من العقل الأول بوساطة العاشر " ( ) .
ومن ذلك كله، يذهب الشيعة إلى عصمة الأئمة، لطهارتهم من الذنوب، سواء كانت كبيرة أو صغيرة. فهم معصومون عن الذنب سهوا أو عمدا وما إلى ذلك من أقوال وادّعاءات.
واستدل الإسماعيلية الباطنية أيضا على عصمة الأئمة بقوله : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ _ سورة النساء : 59 -. فقد أوجب الله تعالى طاعة الإمام بهذه الآية، ووصلها بطاعته وطاعة رسوله ، وكان في الحكمة غير موجود وصل الدرة بالبعرة، ولا الشريف بالدنيء، ولا الطاهر بالنجس، كان من ذلك الإيجاب أن وصل طاعة الإمام بطاعة الرسول الإمام المعصوم لم يكن إلا لكونها مثلها، وإذا كان وصل طاعة الإمام بطاعة الرسول المعصوم لم تكن لكونها مثلها، وكان طاعة الرسول وآله وافتراضها لعصمته ، وجب أن تكون طاعة الإمام لم تفترض إلا لعصمته، إذا الإمام معصوم ( ) .
ومما سبق يتضح، أن كل ما دل على وجوب النبوة، فهو دال على وجوب الإمامة، وبما أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون، فالأئمة كذلك معصومون. والحقيقة، أن العصمة التي نسبوها إلى أئمتهم كان الغرض منها تثبيت الروايات التي تتنافى مع العقل والمنطق، والتي نُسِبَتْ إلى الإمام كى يُسدَّ بابُ النقاشِ في محتواها على العقلاء والأذكياء ويرغم الناس على قبولها، لأنها صدرت عن إمام معصوم لا يخطئ ( ) .
ثانيا : المهدية والغيبة ( ) .
إن فكرة الإيمان بالإمام الخفي أو الغائب توجد لدى معظم فرق الشيعة، حيث تعتقد في إمامها بعد موته أنه لم يمت، فتقول باختفائه عن الناس، ومن ثمّ عودته إلى الظهور في المستقبل مهديًا، ولا تختلف هذه الفرق إلا في تحديد الإمام الذي قدّرت له العودة، تبعًا لاختلافها في تحديد الأئمة وأعيانهم، وهذا مما يجعل القول بذلك فيه شيء من القوة فيما يبدو
ومن أشهر الفرق الشيعية القائلة بهذه العقيدة الإمامية الإثني عشرية ( ) ، حيث يقولون باختفاء محمد بن الحسن العسكري، وعودته مهديًا ( ) . في حين يجتمع المسلمون من بقية الفرق الإسلامية على إنكار هذه العقيدة وقائليها؛ من حيث كون المهدي هو محمد بن الحسن، وكونه اختفى، لا من حيث إنكار خروج المهدي في آخر الزمان فإن هذا مما يؤمن به أكثر المسلمين، دون اعتقاد أنه قد ولد ثم اختفى. وعليه فإن بحث المسألة من الأهمية بمكان، وتحري الحق وإبطال الباطل من الواجبات التي تتحتم على كل منصفٍ متبعٍ للدليل الشرعي، نابذٍ للهوى والتعصب والتقليد
وترجع هذه العقيدة إلى أصول مجوسية ، فالشيعة أكثرهم من الفرس، والفرس من أديانهم المجوسية، والمجوس تدعي أن لهم منتظرا حيا باقيا مهديا من ولد بشتاسف بن يهراسف، يقال له: أبشاوثن، وأنه في حصن عظيم من خراسان والصين ( ) . وهذا هو جوهر فرقة الشيعة الإمامية الإثنى عشرية.
ويعتقد الشيعة الإمامية بأن البشارة بظهور (المهدي) من ولد فاطمة في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا - ثابتة عن النبي وليست هي بالفكرة المستحدثة عند (الشيعة)( ) .
والحقيقة أن حكاية المهدي المنتظر هي أكثر من نظرية فلسفية في عقيدة الشيعة أو أسطورة متوارثة من الأسلاف، بل هي النظرية البديلة الذي استعملها أوائل الشيعة نتيجة فشل نظرية "الأمة لا تخلو من إمام زمانها". وقد جاء في رواية الكليني الإمامي (تـ329هـ) بسنده عن أبي جعفر قال: " لو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحـر بأهله " ( ) . وأكد ذلك الشيخ محمد رضا المظفر الإمامي المعاصر قائلا: "وعليه لا يجوز أن يخلو عصر من العصور من إمام مفروض الطاعة منصوب من الله تعالى، سواء أبى البشر أم لم يأبوا، وسواء ناصروه أم لم يناصروه، أطاعوه أم لم يطيعوه، وسواء كان حاضرا أم غائبا عن أعين الناس " ( ) .
ويقول بهذه الفكرة أيضا الإسماعيلية الباطنية على لسان الداعي أحمد النيسابوري الباطني حيث يحدِّثنا عن ضرورة وجود الإمام في كل زمان ومكان: " إن وجود الإمام ضروري لا بد منه، وإن جميع الشرائع والأحكام منوطة به لم يخل منه وقت من الأوقات ، ولا زمن من الأزمنة ، طاعتهم مفروضة على الخلق، وقيادتهم معقودة، وحدودهم موجودة معدودة، في كل زمان ومكان لإنقاذ البشرية من الضلال والفساد " ( ) . وأشار بذلك الوزير يعقوب بن كلّس الباطني (تـ380هـ): "إن الإمامة لا تنقطع عن العالم طرفة عين ، لأنها الحجة على الخلق" ( ) . ويقول الداعي أبو يعقوب السجستاني الباطني (تـ353هـ) عن مهمة الإمام: " فواجب إقامة الأئمة في الأزمنة لهداية الخلق، ولحفظ الدين " ( ). وقد استدل الإسماعلية الباطنية على ما ذهبوا إليه من أن الأرض لا تخلو من إمام معصوم بالقرآن الكريم والسنة النبوية، ومن القرآن قوله : يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ - الإسراء : 71 -. وقوله : وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا - الأنبياء : 73 - . وقوله : إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ( ). فبين أن لكل إنسان في كل زمان إمام يهديه بأمر الله إلى دينه وصراطه المستقيم، فواجب أن يكون في كل زمان للخلق إماما هاد مهتدي لا تخلو الأرض منه، إما ظاهرا وإما مستورا ( ) .
وأما السنة فبحديث رسول : » من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية « ( ). فهذا الحديث – كما يزعمون – يفيد على أن الناس بحاجة ماسة إلى الإمام في كل زمان ومكان( ) .
وكما استدلوا بالقرآن والسنة استدلوا كذلك على وجوب الإمامة بأدلة ذات طابع عقلي، فقالوا: إن طبائع الناس مختلفة وأهواءهم متفاوتة والحوادث غير معلومة، ولا محصورة، وكان في الطبع الاستطالة والتعدي، وحب القهر والغلبة . وعلى هذا وجب من طريق الحكمة أن يكون بين الناس حاكم يفصل بينهم في الحوادث، فلا يكون لهم محيص عن حكمه ، ولا مهرب من قضائه، كما كان النبي في أيامه، فأخبر الله عنه بقوله : فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ( ) . والحاكم الإمام، إذ الإمامة واجبة ( ) .
غير أن الإمامية والإسماعيلية اختلفوا في السبب الذي أدى بهم إلى القول بذلك، فقال الشيخ جعفر سبحاني الإمامي المعاصر موضّحا الفرق بينهم: " أقول : إنّ ما ذكره –الباطنية– من أنّ الأَرض لا تخلو من حجة للّه حقٌ، ولكن السبب ليس ما جاء في كلامه من إقامة الحدود ، وحفظ المراسم، ومنع الفساد؛ فإنّ ذلك يقوم به سائر الولاة أيضاً، وإنّما الوجه أنّه الإنسان الكامل وهو الغاية القصوى في الخلقة، ويترتب على وجود ذلك الإنسان الكامل بقاء العالم بإذن اللّه سبحانه وآخره لحصول الغاية "( ).
والجدير بالذكر هنا أن هناك فرق كثيرة ادّعت المهدية على مدى التاريخ القديم والحديث وكانت تجد لها صدى بين الجماهير التي تخوض مع الخائضين وغالباً ما تخوض تلك الفرق في الدماء بين قاتل ومقتول، ومن الحركات المهدية:
- مهدي الجارودية، حيث اعتقدت هذه الفرقة بمهدية محمد بن عبد الله«النفس الزكية» وقد قتل سنة 45هـ.
- مهدي الإسماعيلية، حيث اعتقدوا أن إسماعيل بن الإمام الصادق هوالمهدي.
- مهدي القرامطة، حيث اعتقدوا بمهدية محمد بن إسماعيل وأنه حي في بلاد الروم.
- مهدي الخوارج، ولا تعتقد به إلا فرقة واحدة هي اليزيدية المنقرضة.
- مهدي القحطانية، وهي جماعة في اليمن.
- مهدي المغرب، واسمه التويزري ظهر في القرن الثامن وتم اغتياله.
- مهدي المغرب الثاني، نهاية القرن الثامن هاجم مراكش وأحرقها فتم اغتياله.
ثالثا : الرجعة .
هي من العقائد التي تسربت وجاءت للشيعة الإمامية الإثنا عشرية عن طريق بعض الديانات الفارسية مثل (الزرادشتية). وعقيدة الرجعة تُعد من أصول دين الشيعة، بل ومن أشهر عقائدهم التي بينها علمائُهم في كتبهم القديمة والحديثة، في أكثر من خمسين مؤلفاً ( ) .
وترتبط عقيدة الرجعة لدى الامامية الاثني عشرية بالامام المهدي المنتظر ( ) ، وهي في اللغة: العودة إلى الحياة الدنيا بعد الموت، أي رجوع الناس بعد موتهم إلى الدنيا، قال الجوهري والفيروزآبادي : فلان يؤمن بالرجعة ، أي بالرجوع إلى الدنيا بعد الموت ( ) . وهي عند الشيعة الإمامية ، هو نفس المعنى المحقّق في اللغة ، وهو أنَّ الله تعالى يُعيد قوماً من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة في صورهم التي كانوا عليها، فيعزُّ فريقاً ويذلُّ فريقاً آخر، وينصر المُحِقِّين على المبطلين، والمظلومين على الظالمين. ويكون ذلك عند قيام مهدي آل محمد الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً ، فتُعدُّ الرجعة مظهراً يتجلى فيه مقتضى العدل الإلهي بعقاب المجرمين على نفس الأرض التي ملأوها ظلماً وعدواناً . ولا يرجع إلاّ من عَلَت درجته في الإيمان، أو من بلغ الغاية من الفساد، ثم يصيرون بعد ذلك إلى الموت ، ومن بعده إلى النشور، وما يستحقونه من الثواب أو العقاب .
كما حكى الله تعالى في قرآنه الكريم تمنِّي هؤلاء المرتجعين الذين لم يصلحوا بالارتجاع، فنالوا مقت الله، أن يخرجوا ثالثاً لعلهم يصلحون، فقال تعالى: قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَينِ وَأَحْيَيتَنَا اثنتينِ فاعتَرفنَا بِذُنُوبِنَا فَهَل إلى خُروجٍ مِنْ سَبِيلٍ - غافر : 11 - . وفي هذا يبين الشيخ المظفر أن الذي تذهب إليه الإمامية أخذا بما جاء عن آل البيت عليهم السلام أن الله تعالى يعيد قوما من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها، فيعز فريقا ويذل فريقا آخر، ويديل المحقين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين، وذلك عند قيام مهدي آل محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام. ولا يرجع إلا من علت درجته في الإيمان أو من بلغ الغاية من الفساد، ثم يصيرون بعد ذلك إلى الموت، ومن بعده إلى النشور وما يستحقونه من الثواب أو العقاب، كما حكى الله تعالى في قرآنه الكريم تمني هؤلاء المرتجعين الذين لم يصلحوا بالارتجاع فنالوا مقت الله أن يخرجوا ثالثا لعلهم يصلحون، قال تعالى: قَالُواْ رَبّنَآ أَمَتّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىَ خُرُوجٍ مّن سَبِيلٍ - غافر : 11 -. نعم قد جاء القرآن الكريم بوقوع الرجعة إلى الدنيا، وتظافرت بها الأخبار عن بيت العصمة. والإمامية بأجمعها عليه إلا قليلون منهم تأولوا ما ورد في الرجعة بأن معناها رجوع الدولة والأمر والنهي إلى آل البيت بظهور الإمام المنتظر، من دون رجوع أعيان الأشخاص وإحياء الموتى ( ) .
ويرى الإمامية الإثنى عشرية أن الاعتقاد بالرجعة من مظاهر الإيمان بالقدرة الإلهية ، فقد روي أنّ ابن الكوّاء الخارجي سأل أمير المؤمنين عن الرجعة - في حديث طويل - في آخره: " لا تشكّنَّ يابن الكوّاء في قدرة الله عزَّ وجلَّ " ( ). وسأل أبو الصباح الإمام الباقر عن الرجعة ، فقال : "تلك القدرة، ولا ينكرها إلاّ القدرية، تلك القدرة فلا تنكرها" ( )، وبمثل ذلك أجاب (عليه السلام) عبد الرحمن القصير ( ).
وهناك أدلة أخرى استدل بها الإمامية الإثنى عشرية على الرجعة كقوله تعالى : وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَىَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلَكِنّ أَكْثَرَ الْنّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ لِيُبَيّنَ لَهُمُ الّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الّذِينَ كَفَرُواْ أَنّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ - النحل : 38 ، 39 - ، روى الشيخ الصدوق والكليني وعلي بن إبراهيم والعياشي وغيرهم أنّها نزلت في الرجعة ( ) ، ولا يخفى أنّها لا تستقيم في إنكار البعث، لاَنّهم ما كانوا يقسمون بالله بل كانوا يقسمون باللات والعزى، ولاَنّ التبيين إنّما يكون في الدنيا لا في الآخرة ( ) . وقوله تعالى : كيفَ تكفُرونَ باللهِ وكُنتُم أمواتاً فأحياكُم ثُمَّ يُميتُكُم ثُمَّ يُحييكُم ثم إليه تُرجَعُونَ - البقرة 2 : 28 - . قال ابن شهرآشوب: "هذه الآية تدلُّ على أنَّ بين رجعة الآخرة والموت حياة أُخرى، ولا ينكر ذلك لأنه قد جرى مثله في الزمن الاَول ، قوله تعالى في قصة بني إسرائيل: قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمّ أَحْيَاهُمْ إِنّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النّاسِ وَلََكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ - البقرة : 243 - ، وقوله تعالى في قصة عزير أو أرميا : أَوْ كَالّذِي مَرّ عَلَىَ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىَ عُرُوشِهَا قَالَ أَنّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَىَ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنّهْ وَانْظُرْ إِلَىَ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنّاسِ وَانْظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمّا تَبَيّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ - البقرة : 259 - ، وقوله تعالى في قصة إبراهيم: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىَ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىَ وَلَكِن لّيَطْمَئِنّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مّنَ الطّيْرِ فَصُرْهُنّ إِلَيْكَ ثُمّ اجْعَلْ عَلَىَ كُلّ جَبَلٍ مّنْهُنّ جُزْءًا ثُمّ ادْعُهُنّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ - البقرة : 260 - . وقال الشيخ الحر العاملي : وجه الاستدلال بهذه الآية أنّه أثبت الاِحياء مرتين ، ثم قال بعدها (ثُمَّ إليهِ تُرجعُونَ) والمراد به القيامة قطعاً، والعطف ـ خصوصاً بثمّ ـ ظاهر في المغايرة، فالاِحياء الثاني إما في الرجعة أو نظير لها، وبالجملة ففيها دلالة على وقوع الاِحياء قبل القيامة( ) .
ويحرص مذهب الإمامية على بيان الفرق بين القول بالرجعة وبين القول بالتناسخ، فالرجعة هي نوع من البعث أو من المعاد الجسماني، وتعني عوة الروح إلى نفس بدنها الأول، أما التناسخ فهو عودة الروح إلى بدن آخر كما هو معروف في فكرة التناسخ ، ومن هنا تعد الرجعة دليلا على جواز البعث الجسماني، وأن إنكارها يعتبر إنكارا لمبدأ البعث الجسماني، ويدل على ذلك قول الشيخ المظفر: "وأما من طعن في الرجعة باعتبار أنها من التناسخ الباطل، فلأنه لم يفرق بين معنى التناسخ وبين المعاد الجسماني، والرجعة من نوع المعاد الجسماني، فإن معنى التناسخ هو انتقال النفس من بدن إلى بدن آخر منفصل عن الأول، وليس كذلك معنى المعاد الجسماني، فإن معناه رجوع نفس البدن الأول بشخصياته النفيسة، فكذلك الرجعة ، وإذا كانت الرجعة تناسخا، فإن إحياء الموتى على يد عيسى عليه السلام كان تناسخا، وإذا كانت الرجعة تناسخا، كان البعث والمعاد الجسماني تناسخا( ).
وفي موضع آخر أشار آل كاشف الغطاء إلى عدم اعتبار الرجعة أصلا من أصول الدين حيث قال: "ليس التدين بالرجعة في مذهب التشيع بلازم ولا إنكارها بضار، وإن كانت ضرورية عندهم، ولكن لا يناط التشيع بها وجودا وعدما، وليست هي إلا كبعض أنباء الغيب ، وحوادث المستقبل وأشراط الساعة مثل نزول عيسى من السماء وظهور الدجال" ( ) . ولكن هذا مخالف لما ثبت عند غيره من أئمة الإثنى عشرية، يقول المفيد: " واتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة، وإن كان بينهم في معنى الرجعة اختلاف " ( ) . ويقول المرتضى: " وإذا ثبت جواز الرجعة، ودخولها تحت المقدور، فالطريق إلى إثباتها إجماع الإمامية على وقوعها، فإنهم لا يختلفون في ذلك( ) .
ومن الملاحظ أن الشيعة الإمامية اختلفوا في حقيقة الرجعة، بل إن فريقا منهم أنكرها، ونفاها نفيا باتا ، ونقل هذا الاختلاف المفسر الإمامي الطبرسي في (مجمع البيان) ، وذلك عند تفسيره لقوله تعالى: وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلّ أُمّةٍ فَوْجاً مّمّن يُكَذّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ - النمل : 83 – فقال الطبرسي: "استدل بهذه الآية على صحة الرجعة من ذهب إلى ذلك من الإمامية ، ووجه الدلالة – بزعم هؤلاء – أن اليوم يحشر الله فيه فوجا من كل أمة ، لا يمكن أن يكون اليوم الآخر بحال، لأن هذا اليوم يحشر فيه جميع الناس، لا فوج من كل أمة ، لقوله تعالى : وَيَوْمَ نُسَيّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً - الكهف : 47 - ، فتعين أن يكون الحشر في هذه الدنيا - وليس في الآخرة -. وأما الذين أنكروا الرجعة من علماء الإمامية فقد قالوا: إن الحشر في الآية يراد به الحشر في اليوم الآخر، لا في هذه الحياة، والمراد بالفوج رؤساء الكفار والجاحدين، فإنهم يحشرون ويجمعون لإقامة الحجة عليهم. واستنادا إلى هذا القول يقول محمد جواد مغنية: "وهكذا يفيد كلام الشيخ الطبرسي أن علماء الإمامية لم يتفقوا بكلمة واحدة على القول بالرجعة"( ). وقال السيد محسن الأمين: " الرجعة أمر نقلي، إن صح النقل به، لزم اعتقاده، وإلا فلا ( ) . وقد أشار الشيخ أبو زهرة إلى اختلاف الشيعة في الرجعة قائلا : "ويظهر أن فكرة الرجعة على هذا الوضع ليست أمرا متفقا عليه عند إخواننا الإثنى عشرية، بل فيهم فريق لم يعتقده" ( ) .
وأوضح الشيخ المقيد أن رجوع الناس بعد موتهم إلى الدنيا فريقان:
- أحدهما: من علت درجته في الإيمان وكثرت أعماله الصالحات .. فيريه الله عز وجل دولة الحق ويعزه بها ويعطيه من الدنيا ما كان يتمناه .
- والآخر: من بلغ الغاية في الفساد. وكثر ظلمه لأولياء الله واقترافه السيئات، فينتصر الله تعالى لمن تعدى عليه قبل الممات، ويشفي غيظهم منه بما يحله من النقمات، ثم يصير الفريقان بعد ذلك إلى الموت ومن بعده إلى النشور وما يستحقونه من دوام الثواب والعقاب( ) .
واختلف علماء الشيعة فيمن يرجع إلى الدنيا، فمنهم من قال إنها للأئمة فقط ليقيم الله بهم دولة العدل والحق، وذهب إلى هذال القول "الزنجاني" وهو من علمائهم المعاصرين : " الرجعة عبارة عن حشر قوم عند قيام القائم الحجة - عليه السلام -، ممن تقدم موتهم من أوليائه وشيعته، ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته، بظهور دولته، وقوم من أعدائه ينتقم منهم، وينالوا بعض ما يستحقونه من العذاب والقتل على أيدى شيعته وليبتلوا بالذل والخزي بما يشاهدونه من علو كلمته. وهي عندنا الإمامية الاثنا عشرية تختص بمن محّض الإيمان، ومحّض الكفر والباقون سكوت عنهم " ( ) . ويقول أحمد الأحسائي ( ) في كتاب الرجعة: "اعلم أن الرجعة في الأصل يراد بها رجوع الأموات إلى الدنيا، كأنهم خرجوا منها ورجعوا إليها"( ) .
فالرجعة عندهم هي للأئمة، ومن محّض الإيمان من أوليائهم، ومن محّض الكفر من أعدائهم -وهم يعنون بذلك الصحابة رضي الله عنهم - والقصد من ذلك هو إظهار العز والنصر للأئمة ومواليهم، والانتقام من أعدائهم، كما نص على هذا الزنجاني في كلامه المتقدم. وقد دلت على هذا رواياتهم وأقوال علمائهم المتقدمين.
ومنهم من تأول ما ورد في الرجعة من أخبار بأن معناها رجوع الدولة والأمر والنهي إلى آل البيت بظهور الإمام المنتظر، من دون رجوع أعيان الأشخاص وإحياء الموتى ( ) . وقد أشار الألوسي إلى هذا الكلام حيث قال: "وتأول جماعة من الإمامية ما ورد من الأخبار في الرجعة على رجوع الدولة والأمر والنهي، دون رجوع الأشخاص، وإحياء الأموات"( ) .
رابعا : التقية ( ) :
يعني بالتقية أن يظهر الشخص أمرا ويضمره غيره على سبيل المداراة والمجاراة خوفا على النفس أو على المال والعرض، وهي عند الإمامية كما يعرفه الشيخ المفيد: "التقية كتمان الحق، وستر الاعتقاد فيه ، ومكاتمة المخالفين ، وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرارا في الدين والدنيا" ( ). ويقصد بالمخالفين أهل السنه. ويقول شيخهم البحراني مبينا معنى التقيه: "المراد بها اظهار موافقة أهل الخلاف فيما يدينون ب " ( ). ويقصد بأهل الخلاف أهل السنة. ويقول الخميني : "التقيه معناها: أن يقول الإنسان قولا مغايرا للواقع أو يأتي بعمل مناقض لموازين الشريعه " ( ). ويقصد بموازين الشريعه دين الشيعه .
ويفهم من كل هذه التعريفات أن التقيه عند الشيعه هي التظاهر بعكس الحقيقه، وتبيح للشيعي خداع غيره. أو بمعنى آخر أن يُظهر الإنسان لغيره خِلاف ما يُبطن.
ويبين الشيخ المفيد أن التقية تتخذ حكم الفرض والواجب إذا كان الضرر معلوما بالضرورة وإلا فيسقط فرضها، وينص قوله : "إن التقية جائزة في الدين عند الخوف على النفس ، وقد تجوز في حال دون حال للخوف على المال ولضروب من الاستصلاح . وأقول أنها قد تجب أحيانا وتكون فرضا ، وتجوز أحيانا من غير وجوب ، وتكون في وقت أفضل من تركها" ( ) . وفي موضع آخر يؤكد آل كاشف الغطاء أحكام التقية الثلاثة قائلا : "العمل بالتقية له أحكامه الثلاثة فتارة يجب إذا كان تركها يستوجب تلف النفس من غير فائدة ، وأخرى يكون رخصة كما لو كان في تركها والتظاهر بالحق نوع تقوية له ، فله أن يضحى بنفسه وله أن يحتفظ عليها ، وثالثة يحرم العمل بها كما لو كان ذلك موجبا لرواج الباطل وإضلال الحق ( ) .
ومن الملاحظ أن التقية بهذه الصورة لا تدخل في باب العقائد عند الإمامية ، لأنها خاضعة للأحكام الثلاثة من وجوب وحرمة ورخصة ، ولذلك يرد آل كاشف الغطاء على من يشنع على الشيعة الإمامية بهذا المبدأ ، فيقول : "من الأمور التي يشنع بها بعض الناس على الشيعة ويزدري عليهم بها قولهم : بالتقية جهلا منهم .. بمعناها وبموقعها وحقيقة مغزاها ، ولو تثبتوا في الأمر وتريثوا في الحكم ، وصبروا لعرفوا أن التقية التي يقول بها الشيعة لا تختص بهم ولم ينفردوا بها ، بل هو أمر ضرورة العقول وعليه جبلة الطباع وغرائز البشر، وشريعة الإسلام في أسس أحكامها وجوهريات مشروعياتها ، تماشي العقل والعلم جنبا إلى جنب وكتفا إلى كتف" ( ) .
ولكن الواقع في المذهب الشيعي الإمامي - كما وردت في كتبهم القديمة أو التراث – أن التقية تُعدّ عندهم ركناً من أركان إيمانهم، فلا إيمان لمن لا تقية له ، والتارك للتقية كالتارك للصلاة ، وقد رووا أحاديث في أمهات كتبهم منها :
- روي عن جعفر الصادق أنه قال : "التقية من دين آبائي ولا إيمان لمن لا تقية له" ( ) . ويقول الباقر: "أشرف أخلاق الأئمة الفاضلين من شيعتنا التقية" ( ) .
- ويقول ابن بابويه : "اعتقادنا في التقية أنها واجبة من تركها بمنزلة من ترك الصلاة"( ) .
- بل جعلوا هذا من كلام محمد وهو منه براء , فقالوا على لسان نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام : "تارك التقية كتارك الصلاة "( ) .
- وعن جعفر قال : "إن تسعة أعشار الدين في التقية ولا دين لمن لا تقية له"( ) .
- بل وتارك التقية ذنباً لا يغفر كالشرك ، فقد جاء في أخبارهم: (يغفر الله للمؤمن كل ذنب، يظهر منه في الدنيا والآخرة، ما خلا ذنبين: ترك التقية، وتضييع حقوق الإخوان) ( ) .
فهذه الروايات والأقوال كلها إن دلت على شيء فإنما دلت على الوجوب ، وليس كما وضّحه لنا الشيخ آل كاشف الغطاء .
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى أن طائفة (الإثنى عشرية) تتميز عن غيرها من الفرق الشيعية بنشاطها الدعوية إلى التقريب بين المذاهب أو على وجه الخصوص التقريب بين السنة والشيعة( ) . فرفعوا شعارهم بعدم اختلاف السنة والشيعة في الأصول ، وإنما خلافهم معهم في مسائل الفروع . وقد صرح بهذا القول أحد علمائهم البارز حسين آل كاشف الغطا : " الشيعة ما هم إلا طائفة من طوائف المسلمين، ومذهب من مذاهب الإسلام يتفقون مع سائر المسلمين في الأصول ، وإن اختلفوا معهم في بعض الفروع " ( ) . والصراع والخلاف بينهما إنما صنعته الأوهام نتيجة العزلة الطويلة بين الطائفتين( ) . ومن جانب أهل السنة يرى الشيخ شلتوت بأن الخلاف بين السنة والشيعة يقع في بعض المسائل الفلسفية والآراء الكلاميّة التي لا صلة لها بأصول العقيدة ( ) .
خامسا : البداء .
ذكر الشيخ الإمامي المعاصر جعفر سبحاني أن من العقائد الثابتة عند الشيعة الإمامية ، هو القول بالبداء ، ومن الكلمات الدارجة بين علمائهم أن النسخ والبداء صنوان ، غير أن الأول في التشريع ، والثاني في التكوين ، وقد اشتهرت بالقول به كاشتهارها بالقول بالتقية وجواز متعة النساء( ) .
جاء في لسان العرب : "بدا الشيء ظهر ... يقال : بدال لي أي تغير رأي على ما كان عليه. ويقال : بدا لي من أمرك بداء أي ظهر لي ... والبداء استصواب شيء علم بعد أن لم يعلم ( ). ويفهم من هذا أن البداء في اللغة معناه : الظهور. وأما في الجانب الاصطلاحي فأورد صاحب كتاب (نظرية البداء) قائلا : "فقد انسحب على الأمور الممكنة التي تقع في عالم التكون والتي تمتاز بظاهرة التغير بحيث تبدو هذه الأمور ثابتة أولا كأنها تسير وفق سنة واحدة ، ولكن صرعان ما يظهر فيها التبدل"( ). وقرر الشيخ الإمامي المظفر بأن مذهب الإمامية في البداء يكون على هذا المعنى لا على المعنى اللغوي ، بل هم يؤكّدون على أن البداء بالمعنى اللغوي لا يجوز إطلاقه على الله تعالى ، لأن البداء بهذا المعنى يستحيل على الله تعالى لأنه من الجهل والنقص وذلك محال عليه تعالى ولا تقول به الإمامية . قال الصادق عليه السلام : "من زعم أن الله تعالى بدا له في شيء بداء ندامة فهو عندنا كافر بالله العظيم" . وقال أيضا : "من زعم أن الله تعالى بدا له في شيء ولم يعلمه أمس فأبرأ منه"( ).
والحقيقة أن الإمامية في هذه المسألة منقسمون إلى ثلاثة اتجاهات وهي :
الإتجاه الأول :
يجعل التغير في المعلوم دون العلم . فالعلم الإلهي ثابت أزلا أبدا ، وإن هذا التغير معلوم به أزلا . ويمثل هذا الإتجاه الشيخ الصدوق (تـ 381هـ) ، والشيخ المقيد (تـ 413هـ) ، والشريف المرتضى (تـ 436هـ) ، حيث إن البداء عندهم كالنسخ عند غيرهم .
ويستدل الشيخ الصدوق على أهمية القول بالبداء بجعل التغير في المعلوم دون العلم ، كقولهم: ما عبد الله عز وجل بشيء مثل البداء ، وقولهم : ما عظم الله عز وجل بمثل البداء . وقولهم في تفسير قوله تعالى : يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمّ الْكِتَابِ - الرعد : 39 - ، هل يمحو الله إلا ما كان ، وهل يثبت إلا ما لم يكن ؟ ( ). ويقول في موضح آخر : "ليس البداء كما يظنه جهال الناس بأنه بداء ندامة تعالى عن ذلك ، ولكن يجب علينا أن نقر لله عز وجل بأن له البداء، معناه أن له أن يبدأ بشيء من خلقه فيخلفه قبل شيء ، ثم يعدم ذلك الشيء ، ويبدأ بخلق غيره أو يأمر بأمر ، ثم ينهى عن مثله أو ينهى عن شيء ، ثم يأمر بمثل ما نهى عنه، وذلك مثل نسخ الشرائع ، وتحويل القبلة، وعدة المتوفى عنها زوجها. ولا يأم الله عباده بأمر في وقت ما إلا وهو يعلم أن الصلاح لهم في ذلك الوقت في أن يأمرهم بذلك، ويعلم أن في وقت آخر الصلاح فهم في أن ينهاهم عن مثل ما أمرهم به، فإذا كان ذلك الوقت أمرهم بما يصحلهم. فمن أقر لله عز وجل بأن له أن يفعل ما يشاء، ويعدم ما يشاء، ويخلق مكانه ما يشاء، ويقدم ما يشاء، ويؤخر ما يشاء، ويأمر بما شاء كيف شاء، فقد أقر بالبداء" ( ). ويؤكد الشيخ المفيد هذا المعنى: "أقول في معنى البداء ما يقول المسلمون بأجمعهم في النسخ وأمثاله من الإفقار بعد الإغناء والإمراض بعد الإعفاء والإماتة بعد الإحياء ، وما يذهب إليه أهل العدل خاصة من الزيادة في الآجال والأرزاق والنقصان منها بالأعمال"( ).
الإتجاه الثاني :
إنهم يذهبون إلى أن التغير في ذات العلم لا في ذات المعلوم . إلا أن هذا الاتجاه يستخدم ظاهرة التأويل في العلم نفسه ، ويمثل هذا الاتجاه المجلسي (تـ 1110هـ) ، إذ يرى أن علم الله تعالى ينقسم إلى قسمين:
1) علم مدون في لوح محفوظ ، وهذا العلم لا يتغير ولا يتبدل .
2) علم مدون في لوح المحو والإثبات وهذا النوع من العلم هو الذي يدخله التغيير ، وهو الذي ينسب إليه البداء ( ).
الإتجاه الثالث :
يقولون بأن البداء هو التغير في العلم دون تأويل لطبيعة العلم . وهذا العلم المتغير إنما هو علم المخلوق لا علم الخالق . ومن هنا يكون البداء بمعنى (الإبداء) أي ظهور أمر للإنسان لم يكن يتوقعه . ويمثل هذا الإتجاه الشيخ الطوسي (تـ 460هـ) ( ).
ويلاحظ أن مفهوم البداء عند لإتجاه الأول والثالث فيه محاولة لتنزيه علم الله تعالى عن التجدد والتغير والتبدل، وأما الإتجاه الثاني فمردود مطلقا ، لأنه قالوا بالتجدد والتغير والتبدل في علم الله تعالى.
وهو بمعنى الظهور بعد الخفاء، كما في قوله تعالى: وَلَوْ أَنّ لِلّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ مِن سُوَءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مّنَ اللّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ - الزمر : 47 - . أو بمعنى : نشأة رأي جديد لم يكن من قبل كما في قوله تعالى : ثُمّ بَدَا لَهُمْ مّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الاَيَاتِ لَيَسْجُنُنّهُ حَتّىَ حِينٍ - يوسف : 35 - .
***
المصادر والمراجع:
( ) المظفر، الشيعة والإمامة ، ص 7 .
( ) مغنيه، الإثنا عشرية وأهل البيبت، ص 15، دار الجواد – دار التيار الجديد، بيروت، ط4/1404هـ.
( ) الأشعري، مقالات الإسلاميين ، 1/89 .
( ) أبو زهرة ، تاريخ المذاهب الإسلامية ، ص 52 ، القاهرة ، طبعة دار الفكر .
( ) والواقع أن هذا المصطلح لا نجده في كتب الفرق والمقالات المتقدمة، فلم يذكره القمي (تـ299 أو 301هـ) في "المقالات والفرق"، ولا النوبختي (تـ 310هـ) في كتابه "فرق الشيعة"، ولا أبو الحسن الأشعري (تـ 330هـ) في كتابه "مقالات الإسلاميين"، ولعل أول من ذكره من الشيعة المسعودي (تـ 349هـ). وأما من غير الشيعة فلعله عبد القاهر البغدادي (تـ429هـ)، حيث ذكر أنهم سموا بالإثنى عشرية لدعواهم أن الإمام المنتظر هو الثاني عشر من نسبه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه. انظر : البغدادي، الفرق بين الفرق، ص 64. د. ناصر القفاري، أصول مذهب الشيعة، ص 1/127.
( ) انظر : محمد رضا المظفر، عقائد الإمامية ، ص 76 – 77 ،
( ) محمود الملاح ، الآراء الصريحة ، ص 81 ، ضمن مجموعة السنة ، بدون تاريخ وذكر مكان الطباعة .
( ) البحراني ، لؤلؤة البحرين ، ص 117 .
( ) انظر : بحر العلوم ، التقليد في الشريعة ، ص 92 . فرج العمران ، الأصوليون والأخباريون فرقة واحدة ، ص 19 .
( ) محمد جواد مغنية ، مع علماء النجف ، ص 74 .
( ) محمد آل الطلقاني ، الشيخية ، س 9 .
( ) البحراني ، لؤلؤة البحرين ، ص 118 .
( ) البحراني ، لؤلؤة البحرين ، ص 121 . ولمزيد من التفصيل راجع : أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثنى عشرية ، للدكتور ، ناصر القفاري ، 1/136-147 .
( ) الطالقاني، تنقيح المقال في أحوال الرجال - 2 / 85 .
( ) الطالقاني، جامع السعادات - 1/ المقدمة.
( ) الطالقاني، السيخية، ص 39.
( ) المصدر السابق، ص 40.
( ) يوسف البحراني، الكشكول، 2/ 387 .
( ) ثم تبلور على يد تلميذه كاظم الرشتي (1259/1843)، وصار يُسمّى (بالرشتية)، وذلك بعد كسر شوكة الحركة الاخبارية التي انتهت بمقتل الميرزا محمد الاخباري سنة (1232/1816) .وقد بدأ الاتجاه «الرشتي» ينحو منحىً من التعقيد الفكري يتلاءم والمرحلة السائدة ذلك الوقت، وقد لُقب أصحاب هذا الاتجاه «بالكشفية» نسبة الى الكشف والالهام الذي يدعيه اصحاب هذه الطريقة، وهي طريقة «مبناها على التعمق في ظواهر الشريعة، وإدعاء الكشف كما إدعاه جماعة من مشايخ الصوفية وهولوا به، وتكلموا بكلمات مُبهمة، وشطحوا شطحات خارجة عما يعرفه الناس ويفهمونه. انظر : أعيان الشيعة، 2/589.
( ) ويذكر الشيخ محسن العصفور أن الشيخية التي تعيش في دول الخليج هي مدرسة لم تعد لها هوية معلومة، فهي هجينة وخليط من انتماءات فكرية وقد تحولت الى فرقة تقدس أسرة الأحقاقي الأسكوئي التي تسكن الكويت، وترجع أصولها إلى مدينة "كرمان" الايرانية، ومنهم الكثير من شبابهم قلّدوا المدعو "محمد حسين فضل الله" اللبناني الذي يمثل اليوم أحد أقطاب الانحراف والزيغ والضلال وهو مؤسس فرقة جديدة يمكن تسميتها بالفضلية تعبث بثوابت الدين وتهدم قدسية الشريعة وقد خرجوا لأول مرة من شرنقة الفرقة الشيخية وأصبح انتماؤهم اسمياً وشكلياً لها ليس أكثر . انظر : منتديات مدرساة الأخباريين "ekhbarion.com/vb/showthread" .
( ) انظر: راشد الخطامي، الأصولية والأخبارية حقيقة وحجم الصراع بينهم، www.muslm.net.
( ) هو حميد بن إبراهيم بن ناصر المبارك البحراني أحد أبرز علماء الدين الشيعة في البحرين. يعتبر أحد أبرز خطباء المنبر الحسيني، وهو أيضًا مدرس في الحوزات العلمية في البحرين للبحث الخارج، كما تقلد منصب القضاء بعد عودته من قم في التسعينات، وفي الآونة الأخيرة ظهر له بعض المؤلفات وبعض الاهتمامات بالحداثة. ولد في قرية عالي، ويرجع أصله إلى قرية توبلي التي هاجر منها والده الشيخ إبراهيم إلى عالي، هاجر إلى مدينة قم في إيران بداية الثمانينات، ومكث بها يطلب العلم، فأخذ المقدمات حتى حضر البحث الخارج لدى أعلامها، فقد حضر بحث جماعة من الفقهاء منهم الشيخ حسين الوحيد، والشيخ جواد التبريزي، والشيخ حسين المؤيد. انظر : ar.wikipedia.org.
( ) إسلام بلا مذاهب ، ص 191 ، طبعة الحلبي .
( ) الحركات الباطنية في العالم الإسلامي ، د. محمد أحمد الخطيب ، ص 36 ، مكتبة الأقصى بعمان و عالم الكتب بالرياض ، ط2/1986م . ( أصل الكتاب رسالة دكتوراه للمؤلف قدمها إلى قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بكلية أصول الدين جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض . بإشراف : الشيخ زيد بن عبد العزيز الفياض ) .
( ) د. يحيى هاشم فرغل، عوامل وأهداف نشأة علم الكلام ، ص 169 ، مجمع البحوث الإسلامية ، القاهرة، 1392هـ - 1973م .
( ) ابن حزم، الفصل في الملل والنحل ، 1/164 .
( ) انظر : فجر الإسلام ، أحمد أمين ، ص 273 ، مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة ، ط12/1978م . نظرية الإمامة لدى الشيعة الإثنى عشرية ، د. أحمد محمود صبحي ، ص 398 وما بعدها ، دار المعارف ، القاهرة ، بدون تاريخ . أدب الشيعة ، د. عبـد الحسيب طه حميدة ، ص 90 وما بعدها ، مطبعة السعادة ، القاهرة ، ط2/1968م .
( ) انظر : مذاهب الإسلاميين ، 2/815 .
( ) انظر : مذاهب الإسلاميين ، 2/815 .
والحقيقة أن الاعتقاد بالمهدي المنتظر ، وبأنه من أهل البيت ، وسيخرج في آخر الزمان ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت جورا ، هو عقيدة إسلامية مشتركة بين الشيعة وأهل السنة ، ولكنهم اختلفوا فيمن يكون هذا الشخص المنتظر ؟ . فيرى أهل السنة أنه رجل من أهل البيت دون التحديد بالشخص ، وهناك آراء تقول بأن لا مهدي سوى عيسى ، ولكن جمهور أهل السنة على أن المهدي المنتظر غير عيسى ، بينما ذهب الإمامية إلى تحديد الشخص المنتظر وهو الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري ، وأما الباطنية فالمهدي عندهم هو محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ، فهو قائم القيامة أو صاحب الدور والكور – والكور يتألف من عدة أدوار قد تصل إلى السبعة – ، فالإمام السابع في أي دور من الأدوار يكون هو القائم صاحب الدور الذي يحاسب أهل دوره على الأخطاء التي ارتكبوها . انظر : المقدمة ، ابن خلدون ، ص 311 . الفكر السياسي عند الباطنية وموقف الغزالي منه ، د. أحمد عرفات القاضي ، ص 91 ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 1993م . ( أصل الكتاب رسالة ماجستير للمؤلف قدّمها إلى قسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة . بإشراف : أستاذي : أ.د. محمد السيد الجليند و أستاذي : أ.د. السيد رزق الحجر ، عام 1988م ) . نظرية الإمامة لدى الشيعة الإثنى عشرية ، د. أحمد محمود صبحي ، ص 398 . الإمام المهدي المنتظر بين النظرية والواقع ، ، السيد عدنان البكّاء ، ص 45 ، الغدير ، بيروت – لبنان ، ط1/1999م . الإمامة وقائم القيامـة ، د. مصطفى غالب ، ص 303 – 304 ، دار ومكتبة الهلال ، بيروت – لبنان ، 1981م .
( ) انظر : السيادة العربية و الشيعة والإسرائيليات في عهد بني أمية ، ص 121 – 123 ، ترجمه عن الفرنسية : د. حسن إبراهيم حسن و د. محمد زكي إبراهيم ، مصر ، 1934م . العقيدة والشريعة في الإسلام ، ص 205 ، ترجمة : د. محمد يوسف موسى وآخرون ، مصر ، 1946م .
( ) تجديد التفكير الديني في الإسلام ، ص 177 . ترجمة : عباس محمود وآخرين ، مصر ، 1955م .
( ) نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام ، د. علي سامي النشار ، 1/189 .
( ) غلاة الشيعة وتأثرهم بالأديان المغايرة للإسلام ، د. فتحي محمد الزغبي ، ص 556 .
( ) انظر : تاريخ المذاهب الإسلامية ، ص 38 ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، بدون تاريخ .
( ) انظر : الخوارج والشيعة – المعارضة السياسية الدينية – ، يوليوس فلهوزن ، ص 146 ، دار الجيل للكتب والنشر ، ط5/1998م ، ترجة وتقديم : د. عبد الرحمن بدوي .
( ) المفيد ، شرح عقائد الصدوق ، ص 114 ، تبريز 1371هـ .
( ) هو أبو طالب علي بن الحسين بن موسى القرشي العلوي الحسيني الموسوي البغدادي من ولد موسى الكاظم ، ولد سنة 355هـ ، هو جامع كتاب نهج البلاغة المنسوبـة ألفاظه إلى الإمام علي رضي الله ، توفي سنة 436هـ ، وأهم مؤلفاته : "حقائق التأويل في متشابه القرآن" و "معاني القرآن" . انظر : الذهبي ، سير أعلام النبلاء ، 17/588 – 590 ، رقم : 394 .
ويرى ابن حزم أن الشريف المرتضى لا يذهب كغيره من علماء الإمامية الإثنى عشرية إلى أن القرآن فيه زيادة ونقص ، بل إنه كان يُكَفِّرُ من قال بذلك ، وينص قوله في ذلك : " من قول الإمامية كلها قديما وحديثا أن القرآن مبدّل زيد فيه ما ليس منه ، ونقص منه كثير ، وبدل منه كثير حاشا علي ابن الحسين بن موسى ... وكان إماميا يتظاهر بالاعتزال ، مع ذلك فإنه كان ينكر هذا القول ويُكَفِّرُ من قاله ، وكذلك صاحباه أبو يعلى ميلاد الطوسي وأبوالقاسم الرازي " . ابن حزم ، الفصل في الملل والنحل، 4/139 .
( ) الشريف المرتضى ، 1387هـ - 1967م ، أمالي المرتضى ، 2/347 ، بيروت ، ، تحقيق : محمد أبو الفضل إيراهيم ، دار الكتاب العربي .
( ) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ، 7/7 –8 .
( ) انظر : ابن المطهر الحلي ، منهاج الكرامة ، ص 47 .
( ) جابر ، قاسم حبيب ، 1407هـ - 1987م ، الفلسفة والاعتزال في نهج البلاغـة ، ص 127 ، بيروت – لبنان ، المؤسسة الجامعية للدراسات النشر والتوزيع .
( ) المجلسي ، بحار الأنوار ، 25/350 - 351 .
( ) المصدر السابق ، 25/211 . وانظر : مرآة العقول : 4/352.
( ) ابن بابويه ، الاعتقادات : ص108-109 .
( ) القفاري ، ناصر علي ، أصول مذهب الشيعة الإثناعشرية ، 2/507 .
( ) انظر : فياض ، عبد الله ، 1986م ، تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة ، ص 157 ، ، بيروت ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات .مصطفى غالب ، الحركات الباطنية في الإسلام ، ص 98 . السيد علي عباس الموسوي ، نظرية الإمامة وإشكالية الغيبة ، ص 48 ، مقالة بمجلة "المنهاج" ، 1424هـ -2004م ، تصدر عن مركز الغدير للدراسات الإسلامية ، بيروت – لبنان ، السنة الثامنـة ، العدد 32 .
( ) علي ابن الوليد ، تاج العقائد ومعدن الفوائد ، ص 105 .
( ) المظفر، عقائد الإمامية ، ص 67.
( ) مغنية، 1984م ، الإسلام والعقل ، ص 224 – 225 ، بيروت – لبنان ، دار ومكتبة الهلال و دار الجواد .
( ) دونالدسن ، عقيدة الشيعة ، ص 328 .
( ) محمود شكري الألوسي ، مختصر التحفة الإثنى عشرية ، ص 284 .
( ) السيد محسن الأمين الحسين العاملي ، الدر الثمين ، ص23 ، مطبعة الآداب ، النجف – عراق .
( ) ابن المطهر الحلي ، منهاج الكرامة ، ص 114 .
( ) انظر : الشيخ المفيد ، أوائل المقالات في المذاهب المختارات ، ص 97 .
( ) الداعي أحمد النيسابوري ، كتاب إثبات الإمامة ، ص 43 .
( ) الداعي أحمد النيسابوري ، كتاب إثبات الإمامة ، ص 71 .
( ) هو الخليفة الفاطمي الرابع ، ولد سنة 319هـ ، و تسلَّم الخلافـة سنة 342هـ ، وكان له من العمر (23) عاما . وتوفي في القاهرة سنة (365هـ) . انظر : الداعي إدريس عماد الدين ، عيون الأخبار وفنون الآثار – أخبار الدولة الفاطمية – ، ص 202 . المقريزي ، اتّعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء ، 1/93 ، تحقيق : د. جمال الدين الشيّال .
( ) القاضي النعمان ، المجالس والمسايرات ، ص 418 .
( ) محمود شكري الألوسي ، مختصر التحفة الإثنى عشرية ، ص 149 .
( ) جابر ، قاسم حبيب ، الفلسفة والاعتزال في نهج البلاغة ، ص 127 .
( ) ابن المطهر الحلي ، منهاج الكرامة ، ص 121 .
( ) هو المولى محسن الملقب بـ "الفيض الكاشاني" ، فقيه ومفسر إمامي ، توفي سنة 1091هـ . انظر : آغا بزرك الطهراني ، طبقات أعلام الشيعة ، ص 150 .
( ) الفيض الكاشاني ، الصافي ، 4/187 .
( ) مسائل مجموعة من الحقائق العالية والدقائق والأسرار السامية انظر : ص 8 ، ضمن أربعة كتب إسماعيلية عنى بتصحيحها : ر . شتروطمان .
( ) حميد الكرماني ، المصابيح في إثبات الإمامة ، ص 75 – 76 . الداعي علي بن الوليد ، دامغ الباطل وحتف المناضل ، 1/215 ، 267 .
( ) الموسوي ، موسى ، الشيعة والتصحيح ، ص 82 .
( ) وجدير بالإشارة إلى أن الاعتقاد بالمهدي المنتظر ، وبأنه من أهل البيت ، وسيخرج في آخر الزمان ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت جورا ، هو عقيدة إسلامية مشتركة بين الشيعة وأهل السنة ، ولكنهم اختلفوا فيمن يكون هذا الشخص المنتظر ؟ . فيرى أهل السنة أنه رجل من أهل البيت دون التحديد بالشخص ، وهناك آراء تقول بأن لا مهدي سوى عيسى ، ولكن جمهور أهل السنة على أن المهدي المنتظر غير عيسى ، بينما ذهب الإمامية إلى تحديد الشخص المنتظر وهو الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري ، وأما الباطنية فالمهدي عندهم هو محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ، فهو قائم القيامة أو صاحب الدور والكور – والكور يتألف من عدة أدوار قد تصل إلى السبعة – ، فالإمام السابع في أي دور من الأدوار يكون هو القائم صاحب الدور الذي يحاسب أهل دوره على الأخطاء التي ارتكبوها . انظر : المقدمة ، ابن خلدون ، ص 311 . الفكر السياسي عند الباطنية وموقف الغزالي منه، د. أحمد عرفات القاضي ، ص 91 ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 1993م . ( أصل الكتاب رسالة ماجستير للمؤلف قدّمها إلى قسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة . بإشراف : أستاذي : أ.د. محمد السيد الجليند و أستاذي : أ.د. السيد رزق الحجر ، عام 1988م ) . نظرية الإمامة لدى الشيعة الإثنى عشرية ، د. أحمد محمود صبحي ، ص 398 . الإمام المهدي المنتظر بين النظرية والواقع ، ، السيد عدنان البكّاء ، ص 45 ، الغدير ، بيروت – لبنان، ط1/1999م . الإمامة وقائم القيامـة ، د. مصطفى غالب ، ص 303 – 304 ، دار ومكتبة الهلال، بيروت – لبنان ، 1981م .
ومن هنا نستطيع القول بأن الاعتقاد بالمهدي المنتظر هو أمر مشترك بين السنة والشيعة ، والخلاف بينهما أن الشيعة جعلوا فكرة المهدي المنتظر من أصولها العقائدية ، وأما السنة فلا . بالإضافة إلى أن الزيدية من الشيعة إنما ترى أن المهدية لا تنفصل في مفهومها عن الإمامة ذاتها ، فكل فاطمي شجاع ، عالم زاهد ، يخرج بالسيف ، يدعو إلى الحق ، فهو إمام ومهدي في آن واحد ، دون اعتقاد في المهدية بالمفهوم الذي يفيد انتظار محرّر أو مخلص مبعوث من الله ، وكل أئمة الزيدية ، كزيد وولده يجيى ومحمد النفس الزكية مهديون . أحمد صحبي ، نظرية الإمامة لدى الشيعة الإثنى عشرية ، 405 ، دار المعارف ، القاهرة ، 1969م .
( ) وذهب بعض فرق الزيدية وهي الجارودية إلى القول بالمهدية والغيبة . والجارودية تنتسب إلى أبي الجارود زياد بن منذر الهمذاني المتوفى عام 150هـ ، وهي تمثل من الزيدية الاتجاه الأكثر ميلا لآراء الإمامية الإثنى عشرية ، ففي الإمامة آمنوا بالمهدية وقال بعضهم بالغيبة ، وعودة الإمام المنتظر . وأما في الصحابة فطعنوهم ، وخاصة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما . انظر : يحيى بن حمزة ، عقد اللآليء ، ص 174 – 178 . أحمد الشرفي ، شرح الأساس الكبير ، 1/146 . أحمد بن يحيى المرتضى ، كتاب الملل والنحل ، 1/34 ، ضمن البحر الزخار.
( ) الطوسي ، الغيبة ، ص 42 ، 43 .
( ) عبد الجبار ، تثبيت دلائل النبوة ، دار العربية ، بيروت ، تحقيق : عبد الكريم عثمان .
( ) محمد رضا المظفر ، عقائد الإمامية ، ص 78 .
( ) أصول الكافي ، باب "أن الأرض لا تخلو من حجّة" ، 1/201 .
( ) المظفر محمد رضا ، عقائد الإمامية ، ص 66 .
( ) المصدر السابق ، ص 71 .
( ) يعقوب بن كلِّيس ، الرسالة المذهبة ، ص 142 .
( ) السجستاني ، أبو يعقوب ، كتاب الافتخار ، ص 71 .
( ) سورة الرعد : 7 .
( ) كتاب الافتخار ، ص 70 . وانظر : القاضي النعمان بن محمد ، كتاب المجالس والمسايرات ، ص 118 .
( ) أخرجه الكليني في أصول الكافي ، باب دعائم الإسلام ، 2/45 . ومسلم في صحيحه ، كتاب الإمارة ، باب " الإمام" ، رقم : 1851 ، وجاء بلفظ (من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) . وأحمد في مسنده ، رقم : 16922 . وأبو بكر الهيثمي في مجمع الزوائد ، 5/218 ، وفي رواية : من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ، وإسنادهما ضعيف . والطراني في المعجم الكبير ، 19/388 ، رقم : 910 . عن معاوية ، وجاء بلفظ : ( من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية ) .
( ) انظر : الداعي حسن بن نوح ، مجموعة التربية ، ص 239 . ضمن كتاب الإمامة وقائم القيامة .
( ) سورة النساء : 65 .
( ) الداعي أحمد حميد الدين الكرماني ، 1416هـ - 1996م ، المصابيح في إثبات الإمامة ، ص 66 ، بيروت – لبنان ، تحقيق : مصطفى غالب ، دار المنتظر . الداعي علي بن الوليد ، دامغ الباطل وحتف المناضل ، 1/155 .
( ) الشيخ جعفر سبحاني ، كتاب بحوث في الملل والنحل ، 8/223 . نقلا عن الانترنت : www_imamsadeq_org .
وقد رد الزيدية هذه الدعاوى بأنها افتراء وكذب، لأنه قد مضـت فترة من الفترات التي خلت من الرسل ولم يكن هناك إمام أو وصي . وفي ذلك يقول الإمـام القـاسم الرسي الزيدي (تـ246هـ) : " فيسألون ولا قوة إلا بالله ، عن فترات الرسل في الأيام الماضية ، وما لم يزل فيها لا ينكره منكر ولا يجهله من الأمم الخالية ، هل خلت منها فترة ، وأمة منهم مستقلة أو مستكثرة من أن يكون فيها إمام هاد ، حجة لله على من معه من العبـاد ، يعلم من حلال الله وحرامه ، وجميع ما حكم الله في العباد من أحكامه ، ما يعلم ممن تقدمه ، وكان قبله من كل ما حكم الله به ونزّله " . الرد على الرافضة ، ص 89 .
ويرى الزيدية أن الحديث " » من مات ولم يعرف إمام زمانه ، مات ميتة جاهلية « جاء لإثبات وجوب الإمام ، وعقدها ، ومعرفة أوصافه . انظر : القاسم الرسي ، تثبيت الإمامة ، ص 40 . أحمد بن حسن الرصاص ، الخلاصة النافعة ، ص 228 . الجواب المختار ، ص 268 . ضمن مجمـوع كتب ورسائل الإمامم المنصور بالله القاسم بن محمد . وانظر : الإمام حميدان بن يحيى ، التصريح بالمذهب الصحيح ، ص 131 . المنتـزع الأول من أقوال الأئمة له ، ص310 ، كلاهما ضمن مجموع السيد حميدان .
ومن الجدير بالذكر هنا ، أن الإمام الهادي يحيى بن الحسين الزيدي (تـ298هـ) يذهب كما يذهب إليه الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية في هذه المسألة ، حيث قرر بأنه لا يخلو زمان من إمام . ويتبين ذلك عند شرحه للحديث السابق ، إذ يقول : " إنه لا يعدم في كل عصر حجة لله يظهر منهم إمام يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فإذا علم ثم مات فقد نجا من الميتة الجاهلية ، ومات على الميتة الملية . ومن جهل ذلك ، ولم يقل به ، ولم يعتقده ، فقد خرج من الميتة الملية ، ومات على الميتة الجاهلية هذا تفسير الحديث ومعناه " . الهادي يحيى بن الحسين، 1424هـ - 2003م ، كتاب الأحكام في الحلال والحرام ، 2/467 باختصار ، صعدة – اليمن ، جمعه: علي بن أحمد بن أبي حريصة ، منشورات مكتبة التراث الإسلامي .
ولا يحتاج هذا النص إلى تفسير ، حيث يفيد على أن الأرض لا تخلو من إمام مفروض الطاعة ، ولا غرو في ذلك ، لأن الإمام الهادي في حدّ ذاته كان يتجه تجاه الجارودية ، والجارودية تمثل من الزيدية الاتجاه الأكثر ميلا للشيعة الإمامية . وتابع هذا الرأي من الزيدية الإمام الحسين بن القاسم العياني (تـ404هـ) ، حيث قال : " إن الأرض لا تخلو من الحجة " . الحسين بن القاسم العياني ، المعجز ، ص 242 .
( ) وقد أفرد (عقيدة الرجعة) بالتأليف بعض علمائهم الكبار كالحر العاملي الذي ألف كتاب ( الإيقاظ من الهجعة في إثبات الرجعة) . وجمع ما يزيد على 620 بين آية وحديث صريح في الرجعة نقلها عن سبعين كتاباً قد صنفها عظماء علماء الاِمامية ، وقال : إنَّ أحاديث الرجعة ثابتة عن أهل العصمة عليهم السلام لوجودها في الكتب الاَربعة وغيرها من الكتب المعتمدة ، وكثرة القرائن القطعية الدالة على صحتها وثبوت روايتها، على أنّها لا تحتاج إلى شيءٍ من القرائن لكونها قد بلغت حدّ التواتر ، بل تجاوزت ذلك الحدّ ، وكل حديث منها يفيد العلم مع القرائن المشار إليها ، فكيف يبقى شك مع اجتماع الجميع . والأحسائي الذي ألف كتاب (الرجعة) . عبد اللطيف البغدادي ، الرجعة على ضوء الأدلة الأربعة .
وجمع السيد محمد مؤمن الحسيني الاسترآبادي الشهيد بمكة سنة 1088 هـ في رسالته المختصرة في الرجعة نحو 111 حديثاً من الكتب المعتمدة وجميعها تنصُّ على الرجعة . وأخرج الحر العاملي (ت 1104 هـ) في كتابه (الايقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة) وجمع العلاّمة المجلسي المتوفى سنة 1111 هجريةـ نحو 200 حديث في باب الرجعة من كتاب (بحار الاَنوار) وقال : كيف يشكّ مؤمن بحقية الاَئمة الاَطهار عليهم السلام فيما تواتر عنهم في قريب من مائتي حديث صريح ، رواها نيف وأربعون من الثقات العظام والعلماء الاَعلام في أزيد من خمسين من مؤلفاتهم ، كثقة الاِسلام الكليني، والصدوق محمد بن بابويه ، والشيخ أبي جعفر الطوسي ، والسيد المرتضى ، والنجاشي ، والكشي ، والعياشي، وعلي بن إبراهيم ، وسليم الهلالي ، والشيخ المفيد ، والكراجكي ، والنعماني ، والصفار ، وسعد بن عبدلله ، وابن قولويه ، والسيد علي بن طاووس ، وفرات بن إبراهيم ، وأبي الفضل الطبرسي ، وإبراهيم بن محمد الثقفي ، ومحمد بن العباس بن مروان، والبرقي ، وابن شهر آشوب ، والحسن بن سليمان ، والقطب الراوندي ، والعلامة الحلي وغيرهم . إلى أن قال : وإذا لم يكن مثل هذا متواتراً ، ففي أيّ شيءٍ يمكن دعوى التواتر مع ماروته كافة الشيعة خلفاً عن سلف .
( ) إن من أبرز عقائد الشيعة والتي تكاد تمتلئ بها كتبهم؛ عقيدة المهدي المنتظر محمد بن الحسن العسكري، وهو الإمام الثاني عشر عندهم وهم يطلقون عليه الحجة كما يطلقون عليه القائم. ويزعمون أنه ولد سنة (255هـ)، واختفى في سرداب "سُرَّ من رأى" سنة (265هـ)، وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان لينتقم لهم من أعدائهم, ولا يزال الشيعة يزورونه بسرداب "سُر من رأى" ويدعونه للخروج. وقد صاحبت عقيدة المهدي المنتظر عند الشيعة خرافات وعقائد منحرفة خطرة. وقد استعرت فكرة خروجه في زماننا هذا عند الشيعة، فقد بدؤوا يستعدون لخروجه القريب – زعموا - ويتحدثون عن رؤيته في بعض المسيرات الشيعية, وتعددت تلك الرؤى وزعموا أنهم استطاعوا التقاط صورة له . وهذه العقيدة منذ سنة (260هـ) إلى اليوم هي أساس مذهب الإمامية الإثنى عشرية ، ويهتم بها آيات الرافضة ومراجعها حتى يعدون منكرها أكفر من إبليس . إذ بها يستمدون القداسة بين شيعتهم، وبواسطتها يأخذون الأموال من اتباعهم باسم خمس "الغائب"، وعن طريقها يدعون الصلة بأهل البيت، وقد اضطروا للقول بهذه العقيدة البعيدة عن العقول، لأنهم قد حصروا الإمامة بأولاد الحسين وبأشخاص معينين منهم على اختلاف بينهم في تحديد الإمامة. ولكنهم فوجئـوا في سنة (260هـ)، بوفاة الحسن العسكري - وهو الإمام الحادي عشر عندهم - عقيماً فافترقوا في هذا وتحيروا حتى بلغت فرق شيعة الحسن العسكري أربع عشرة فرقة كما يقول النوبختي، أو خمس عشرة فرقة، كما يقول القمي، وهما من الرافضة ومن عايش تلك الأحداث، إذ هما من شيوخهم في القرن الثالث.
( ) الصحّاح ، 3/1216 . القاموس المحيط ، 3/28 .
( ) محمد رضا المظفر ، عقائد الإمامية ، ص 80 – 81 .
( ) المجلسي ، بحار الأنوار ، 53 ، 74 .
( ) بحار الأنوار ، 72 ، 71 .
( ) بحار الأنوار ، 74 ، 73 .
( ) الكليني ، الكافي ، 8/ 50، 14 . وتفسير القمي 1 : 385 . وتفسير العياشي 2 : 259
26 . والاعتقادات، للصدوق : 62 .
( ) العاملي ، الايقاظ من الهجعة ، 8/76 .
( ) العاملي ، الايقاظ من الهجعة ، 8/84 .
( ) محمد رضا المظفر ، عقائد الإمامية ، ص 82 .
( ) آل كاشف الغطاء ، أصل الشيعة وأصولها ، ص 47 ، المكتبة الحيدرية ، 1969م .
( ) المفيد ، أوائل المقالات ، ص 48 .
( ) نقلاً عن الرجعة للأحسائي ، ص30 .
( ) محمد جواد مغنية ، الشيعة في الميزان ، ص 54 -55 .
( ) السيد محسن الأمين ، نقض الوشيعة ، ص 473 .
( ) محمد أبو زهرة ، الإمام الصادق ، ص 240 .
( ) المفيد ، أوائل المقالات ، ص 89 - 90 .
( ) عقائد الإمامية الإثنى عشرية ، 2/228 .
( ) أحمد بن زين الدين الأحسائي، متوفى سنة 1241هـ، يعد من كبار علمائهم المتأخرين . قال عنه الخونساري: "ترجمان الحكماء المتألهين، ولسان العرفاء والمتكلمين، غرة الدهر، وفليسوف العصر .. لم يعد في هذه الأواخر مثله في المعرفة والفهم، والمكرمة والحزم، وجودة السليقة وحسن الطريقة...الخ " . روضات الجنات ، 1/88-89 .
( ) أحمد الأحسائي ، الرجعة ، ص 41 .
( ) محمد رضا المظفر ، عقائد الإمامية ، ص 82 .
( ) تفسير الألوسي ، 6/315 .
( ) على مر التاريخ الإسلامي السياسي نجد الشيعة على مختلف فرقها في موقف المعارضة دائما، فهي حزب معارض ، ولكن الأسلوب المستخدم فيها لدى كل هذه الفرق تختلف بين بعضها بعضا، فاختارت الشيعة الزيدية بطريقتها المعارضة علنيا من غير تكتم وتخفي أو في ما يسميهم في اصطلاحهم بمبدأ الخروج ، بينما اختارت الشيعة الإمامية والإسماعيلية بالطريقة السرية أو ما يعرف في اصطلاحهم بالتقية .
( ) المفيد ، أوائل المقالات ، ص 210 .
( ) البحراني ، الكشكول ، 1/ 202 .
( ) الخميني ، كشف الأسرار ، ص 147.
( ) المفيد ، تصحيح اعتقادات الصدوق ، ص 220 ، ط تبريز – إيران .
( ) آل كاشف الغطاء ، أصل الشيعة وأصولها ، ص 178 .
( ) آل كاشف الغطاء ، أصل الشيعة وأصولها ، ص 178 – 178 .
( ) الكليني ، أصول الكافي ، 2/219 .
( ) الأصول الأصلية ، 324 .
( ) ابن بابويه ، الاعتقادات ، ص 114 .
( ) المجلسي ، بحار الأنوار : 75/412.
( ) الكليني ، أصول الكافي : 2/217 . المجلسي ، بحار الأنوار : 75/423 . الحر العاملي ، وسائل الشيعة ، 11/460 .
( ) تفسير الحسن العسكري : ص130. الحر العاملي ، وسائل الشيعة : 11/474. المجلسي ، بحار الأنوار: 75/415.
( ) وقام الدكتور/ناصر بن عبدالله بن علي القفاري ببحث جامعي لنيل درجة الماجستير من كتاب خاص في هذا المجال بعنوان " مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة . ونشره دار طيبة بالسعودية في مجلدين .
( ) رسالة الإسلام ، السنة الأولى ، العدد الأول ، ص 22-24 .
( ) مقدمة كتاب "الدعوة الإسلامية إلى وحدة أهل السنّة والإمامية" لمحمد جواد مغنية (والكتاب للخنيزي).
( ) انظر : فتوى شلتوت في ملحق الوثائق .
( ) جعفر سبحاني ، أضواء على عقائد الشيعة الإمامية ، ص 427 .
( ) ابن منظور ، لسان العرب ، 1/234 ، مادة بدا .
( ) عبد الزهر الندر ، نظرية البداء عند صدر الدين الشيرازي ، ص 27 ، مطبعة النعمان ، النجف ، 1975م.
( ) ابن منظور ، لسان العرب ، 1/234 ، مادة بدا .
( ) الصدوق ، التوحيد ، ص 332 – 333 ، دار المعرفة ، بيروت – لبنان ، بدون تاريخ ، تصحيح : السد هاشم الحسيني الطهراني .
( ) الصدوق ، التوحيد ، ص 335 .
( ) المفيد ، أوائل المقالات ، ص 94 ، تبريز – إيران ، ط1/1363هـ .
( ) المجلسي ، بحار الأنوار ، 4/130 ، مؤسسة الوفاء ، بيروت، ط3/1983م .
( ) انظر : عبد الزهر البندر ، نظرية البداء عند صدر الدين الشيرازي ، ص 27 - 35 .
Subscribe to:
Posts (Atom)