Sunday, May 6, 2012

مكانة الإمام عند الشيعة

مكانة الإمام  عند الشيعة
الدكتور/ كمال الدين نور الدين مرجوني
رئيس قسم الدعوة والإدارة الإسلامية - جامعة العلوم الإسلامية الماليزية

          إن الاعتداد بالعقل في المجال الديني، هو سمة المدارس الفكرية الإسلامية جميعا ، عدا بعض الصوفية والشيعة وبخاصة الشيعة الإسماعيلية الباطنية وطوائف الحشوية. فالباطنية يرون أن الدين لا يعرف إلا بالإمام المعصوم ، وبهذا نفوا استخدام النظر العقلي . لاعتمادهم أولا وأخيرا على قول الإمام .
          والنظر في اللغة كما عرفه الراغب الأصفهاني بأنه : " تقليب البصر والبصيرة لإدراك الشيء ورؤيته برؤيته وقد يراد به التأمل والفحص أتفحص ، وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص أتفحص وهو الروية يقال : نظرت ، فلم تنظر ، أي لم تتأمل ولم تتروّ ، وقوله تعالى : ] قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّماوَاتِ وَالْأَرْضِ [ ([1]) أي تأمّلوا ، واستعمال النظر في البصر أكثر عند العامة ، وفي البصيرة أكثر عند الخاصة " ([2]) .
وأما النظر في الاصطلاح ، فيقول الإمام الغزالي : " النظر هو الاستبصار أو الاعتبار أو التفكر أو التذكر أو التأمل أو التدبر " ([3]) . ويقول الإمام القاسم بن محمد (تـ1029هـ) : " إجالة الخاطر في شيء لتحصيل اعتقاد ، ويرادفه التفكر " ([4]) . والتأمل والتدبر والروية ([5]) . قيل : " النظر ترتبيب أمور معلومة أو مظنونة للتأدي إلى آخر " ([6]) .
ويفهم من كل هذه التعريفات أن النظر مشترك بين معان ، منها التأمل ، ومنها التفكر ، ومنها التدبر ، وأما النظر في القرآن فقد يكون بمعنى العطف والرحمة ، وبمعنى الانتظار ، وعلى هذا ، فإن النظر لفظ مشترك بين هذه المعـاني ، إما نظر العين ، أو نظر المقابلة ، أو نظر الانتظار ، أو نظر الرحمة ، أو نظر الفكر ([7]) ، إلا أن ما يهمنا في هذا البحث من المعاني هو نظر الفكر .
اتفقت آراء الباطنية على إبطال النظر العقلي ، سواء كان في البحث عن مسائل أصول الدين أم فروعه . فأبطلوا النظر العقلي لإثبات التقليد أى التعلم من الإمام المعصوم . وقد ألّف القاضي النعمان بن محمد (تـ363هـ) ([8]). كتابا بعنوان ( اختلاف أصول المذاهب ) ، فخصص فيه فصلا لمناقشة القائلين بالنظر العقلي ، ورأى أن النظر غير مأمور به شرعا ، لأدلة منها : قوله I: ] مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [ ([9]). وقوله I : ] الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا [ ([10]). وقوله I: ] وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا [ ([11]) . وقوله I : ] أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [ ([12]) .
فهذه الآيات القرآنية في رأي الشيعة الباطنيـة تبطل القول بالنظر العقلي ، يقول القاضي النعمان (تـ363هـ) في انتقاده للقائلين بالنظر العقلي : " إن كنتم بما زعمتم سلمتم لله ولرسوله فيما جاءكم الرسول به ، فلم لا تسلموا غير ذلك ، فتسألون عما لا تعلمون من أمركم بسؤاله في كتابه ، وتردّوا ما اختلفتم فيه إليه ، وتدعوا تكلفكم النظر فيما لم تؤمروا بالنظر فيه " ([13]) . ثم يواصل نقده لاستدلال القائلين بوجوب النظر العقلي بالآيات القرآنية كقوله I : ] فَاعْتَبِـرُوا يَاأُولِي الْأَبْصــَارِ [ ([14]) . وقوله I : ] وَأَنفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِـرُونَ [ ([15]) . إذ يقول : " قالوا : فأمر الله تعالى بالنظر والاعتبار ، فيقال لهم : ليس أمره هذا U إياكم سبيل ما ذهبتم إليه من دعواكم . بل ذلك حجة فيه عليكم ، لأنكم لو نظرتم في أنفسكم كما أمركم واعتبرتم حالكم ، ليتبين لكم عجزكم ، ونقصكم ، وتخلفكم ، وتقصيركم عن أن تحدّثوا كما زعمتم دينا لم يأذن الله لكم به " ([16]) .
وفي موضع آخر ينتقدهم بأن الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم ، كانوا أصح خلق الله I نظرا وعقلا ، على الرغم من ذلك ، فإنهم لا يستخدمون نظرهم وعقلهم في شيء من دين الله ، ولا اتبعوا إلا ما يوحى إليهم([17]) .
وكذا يناقش الداعي علي بن الوليد (تـ612هـ) القائلين بالنظر العقلي والآخذين بالقياس مستدلا بقوله I : ] أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [ ([18]) . فيرى بهذه الآية أن الأصل هو التعلم لا القياس ، ولا النظر ، ولا الاستدلال ، ولا الاستحسان ، ولا الرأى ، ثم يتساءل : " نقول لأهل القياس أعلمونا ، هل الذي تأتون به في أمور الدين معقولها ومحسوسها الله يعلمكم ذلك ، أم عقولكم توديكم إليه ؟ ... فإن قالوا : الله يعلمنا ، فقد ادعوا مالا تقوم لهم به بينة ... وإن قالوا : عقولنا أدتنا إلى ذلك طولبوا بالدليل ، على كونهم عاقلين تجوز لهم القضية بالعقل ، ولا يجـدون إلى ذلك سبيلا ، فمحمد المصطفى صلى الله عليه وعلى آله مع عقله وعلمه ، لما سئل لم يقض ولم يعلّم إلا بأمر الله تعالى ، كما قال الله تعالى : ] وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ [ ([19]) فأمسك حتى قيل له : (قل هو أذى ) ، فكيف من دونه ؟ ([20]) . ومن جانب آخر ، فإنه يبطل الاجتهاد الذي يتكلفه قائلوه عند عجزهم بالتمسك بالكتاب والسنة ، وكذا يبطل استدلال القائلين بوجوب النظر بحديث معاذ بن جبل حين بعثه النبي e إلى اليمن ، وذلك لأن النبي e منعه في الحديث المنكوس أن يحكم باجتهاده حتى يحيط بالكتاب والسنة علما ، ويتيقن أن ليس للقضية التي يريد الحكم فيها في الكتاب والسنة ما يوجب حكما ، ومعاذ وسائر من تعصب له من ضلالة الأمة بمعزل عن الإحاطة بما يتضمن الكتاب والشريعة من الأحكام ، إذ لا يحيط بذلك إلا من أنزل عليه وصرف وضع الشرع وترتيبه إلى الذي هو النبي ومن قام مقامه من وصي أو إمام ([21]) .
          وأما الداعي إبراهيم الحامـدي (تـ557هـ) ([22]فقد أبطل النظر العقلي بقوله : " فمن سلك طريق التوحيـد على حكم النظر فقد حـدّد وتاه وأبطل ، ومن سلك طريق التوحيـد على حكم القلب والانفـراد فقد أعدم وعطل" ([23]) . ومن ناحية أخـرى يقول الداعي ناصر خسـرو (تـ نحو470هـ) ([24]) في مناقشته لمتكلمي المعتزلة التي تسمى نفسها (أهل النظر) : " إن رسول الله دعا الخلق إلى التوحيد بأمر الله لا بأمر العقل ، فأخذوا الدين برأيهم حتى يكون لهم نظر " ([25]) .
ومما سبق عرضه من آراء الباطنية ومواقفهم من النظر العقلي - وذلك من خلال مناقشتهم للمثبتين للنظر– ، يتبين أنهم يرفضون النظر العقلي ، والرأى ، والقياس رفضا تاما ، فعندهم أن البحث في المجال الديني له أصوله وفروعه لا يتأتى بالنظر العقلي ، بل عن طريق التعلم من الإمام المعصوم . لأن الدين لا يؤخذ إلا من الأئمة المعصومين ، فهم هداة الدين ، ومعلموا الشريعة ، ومعدن العلم ، وشجرة النبوة . وبهذا أعطوا أئمتهم مركزا ساميا ومقدسا ، وجعلوها مثلهم الأعلى . فقالوا إنه لا طريق إلى تحصيل المعارف إلا بالتعليم ، لأنه طريق إلى كشف كل غامض ، وإيضاح كل ملتبس . ويرون أن الله I قد أمر به ، وتفضل به على عباده ، لذلك فإنه من يقلد الإمام المعصـوم فيما يجب تقليده من أمر دينـه ، أمن من الزلل والخطأ " ([26]) .
ومن هنا ، سمي الإسماعيلية الباطنية بـ (التعليمية) لاعتمادهم اعتمادا مطلقا على سلطة الإمام التعليمية ، وهو ما يقابل عند أهل السنة حرية البحث الشخصي والعنصر الجمعي ممثلا في فكرة الإجماع ([27]) . وفي ذلك يقول ابن الجوزي : " لقبوا بذلك – التعليمية – لأن مبدأ مذهبهم إبطال الرأي ، وإفساد تصرف العقول ، ودعاء الخلق إلى التعليم من الإمام المعصوم ، وأنه لا يدرك العلوم إلا بالتعليم " ([28]) . فالإمام عنصر إبستيمولوجي منه وحده المعرفة والعلم ، وهذه النظرية أى نظرية التعليم قد نشأت في القرن الخامس والسادس الهجريين ، وهي نظرية متأخرة ، وإن كانت بذورها قد نشأت في عصر متقدم ([29]) . والحقيقة أنها موقف كهنوتي ، يتعارض مع الدين الإسلامي ، لأنه موقف جبري ينفي حرية الإنسان وإرادته ، فيجعل الإنسان مجرد أداة منفّذة لما يوحى به الإمام المعصوم ، إذن فلا يجوز عليه الاعتراض على ما يأتي به ([30]) .
وقد وردت نصوص كثيرة تدل على هذه النظرية التعليمية عند الباطنية ، يقول  القاضي النعمان (تـ363هـ) : " الذي يجب قبوله وتعلمه ونقله من العلم ما جاء عن الأئمة من آل محمد e ، لا ما يؤخذ من المنسوبين إلى العلم من العامة المحدثين المبتدعين الذين اتخذوا دينهم لعبا ، وغرتهم الحيـاة الدنيا ، بل قالوا في دين الله U بآرائهم وحملوه على قياسهم " ([31]) . ويقول الداعي أبو الفوارس أحمد بن يعقوب (تـ413هـ) ([32]) : "إن كتاب الله تعالى ، والشريعة ، والفرائض ، والسنة لا يقوم شيء منها بنفسه ، ولا غناء عن مبين له ومفسر"([33]) .
ويفهم من هذه النصوص أنه لا يفهم من الكتاب والشريعة و السنة والفرائض الدينية شيء إلا بوجود معلّم يبينها ويشرحها ويوضحها ، وهو الإمام المعصوم . وأكد بذلك الداعي علي بن الوليد (تـ612هـ) بقوله: " إن الدين الذي يدان لله تعالى به ،لم يؤخذ ولا يؤخذ إلا عن الإمام المعصوم ، الذي لولاه لم تصح وجود الأعمال الدينية والعلوم ، وذلك هو الحق الواجب المفترض ، الذي ليس لأحد ممن تمسك بالإسلام مطعن ولا معترض "([34]) .
ومن الواضح هنا ، أن الباطنية تثبت نظرية التعليم ليصلوا إلى إبطال النظر العقلي ، وذلك لأنه إذا ثبت النظر العقلي بطل نظرية التعليم .
ويستدل الباطنية على ماذهبوا إليه من إثبات ضرورة التعلم من الإمام المعصوم ، تارة بقياس تربية الأم على أبنائها ، وتارة أخرى بقياس معالجة الطبيب لمرضاه . أما الأول فيصوره لنا ناصر خسرو (تـ470هـ) ، حيث يرى أن الأم تغسل طفلها كل آن من القاذورات الجسدية بالماء الطاهر حتى ينمو سريعا ولا يمرض ، فالداعي أيضا –وهو أم المستجيب– يغسل طفله النفساني من قاذورات النفس وهي الجهل والشك ، وينظفه من التشبيه ، والتعطيل بالأقوال العقلية ، حتى يصل سريعا إلى البلوغ . وكما أن الإنسان يصل إلى آخر النعم الدنيوية بتربية الأم الحنون بالأطعمة الملائمة ويجد تمامه ، فإن المستجيب يصل إلى آخر النعم الأبدية بتربية الأم النفسانية بالعلوم التأويلية ، وهاتان التربيتان يشبه كل منهما الآخر ([35]) .
هكذا يقيس ناصر خسرو (تـ نحو470هـ) عقيدة التعليم بتهذيب الأم لأبنائها . وأما الثاني – وهو قياس نظرية التعليم على الطبيب في معالجة المريض – فيحدثنا عنه الداعي أحمد النيسابوري ([36]) بأنه لما كانت الأمراض الدينية كثيرة ، واختلاف الناس فيها شديد ، وأهواؤهم وميولهم متفاوتـة ، والناس جاهلون بتطبيب الأنفس ومداواتها ، وحفظ صحتها ، وتجنيبها عن المواضيع المضرة بها ، لذلك كانوا بحاجة إلى دليل وطبيب يداويهم ، ويبين لهم طريق الرشد والهداية ، والخطر في مداواة النفس أكثر من الخطر في مداواة الجسد ، والخطأ فيها أصعب ، ووجوب ذلك اضطراري عقلي لا بد منه ، كما أن وجوب طبيب الجسد اضطراري لا بد منه ، وهذا الطبيب العالم الشفيق على الأنفس هو الإمام في كل وقت وزمان ([37]). وعلى أية حال ، فإن التعليم والتعلم هما الجوهر الفعلي للدعوة الإسماعيلية ، وكان الداعي المروّج والمعلّم ، الشخصية المركزية – بعد الإمام – في الجماعة . فعمل الأئمة على نشر العلم والحكمة من خلال دعاتهم الذين كانوا يدعون لأتباع الإمام الحق ، ويعلمون المستجيب الحكمة . وبناء على كون التعلم من الإمام ضرورة دينية ، لأنه أصل الدين والشرع ،  فيرى الباطنيـة أن الإمام نفسه لا بد أن يتعلم من إمام سابق ، وقد أشـار إلى ذلك الداعي جعفر بن منصور اليمن (تـ347هـ) ([38]) بقوله : " الإمام يهدي إلى الإمام الذي بعده ، ولولا هدايته إليه لم يصح مقام إمام بعد إمام ، ولم يهتد مؤمن بهداية بعد الهادي الأول ، فبذلك الأئمة يهدون إلى صراط مستقيم " ([39]) .
والواقع ، أن الإسماعيلية الباطنية والإمامية الإثنى عشرية متفقون على هذه النظرية أى نظرية التعليم ، حيث ذهب الإمامية كما عليه الباطنية إلى القول بضرورة وجـود الإمام المعصوم لهداية البشر ، وإرشـادهم إلى ما فيه الصـلاح والسعادة في النشـأتين ([40]. وقد جاء في رواية الكليني (تـ328هـ) ([41]) بسنده عن أبي جعفر u أن النبي e سئل عن قوله U : ] إِنَّمَا أَنْتَ مُنــذِرٌ وَلِكُلِّ قَــوْمٍ هَادٍ [ ([42]) ، فقال : المنذر و لكل زمان منا هاد يهديهم إلى ما جاء به نبي الله e وآله ، ثم الهداة من بعده علي ، ثم الأوصياء واحدا بعد واحد ([43]) . وأورد الحر العاملي (تـ1104هـ) ([44]) في (الفصول المهمة في أصول الأئمة) : " باب أنه لا يعرف تفسير القرآن إلا الأئمة " ([45]) . وأورد كذلك في موضع آخر من كتابه (وسائل الشيعة) : " باب وجوب الرجوع في جميع الأحكام إلى المعصومين عليهم السلام " ، و" باب عدم جواز استنباط الأحكام النظرية من ظواهر القرآن إلا بعد معرفة تفسيرها من الأئمة عليهم السلام " ([46]) . وقد أكد محمد الحسين المظفر على ضرورة التعلم من الإمام ، حيث قال : " إن البشر بعد صاحب الرسالة في حاجة ماسة إلى من يعلّم بالشريعة وخصائص أحكامها ليعلّمهم ما يجهلون ، ويقرهم على ما يعلمون " ([47]. ومن ثم اشترط الإمامية أن يكون الإمام حافظا للشرع ، لانقطاع الوحي بموت النبي e وآله ، وقصور الكتاب والسنة عن تفاصيل أحكام الجزئيّات الواقعة إلى يوم القيامة ، فلا بد من إمام منصوب من الله تعالى ([48].
ومما سبق ، يتضح أن العلم مخزون عند الأئمة ، فلا يحق لغيرهم أن يفسر القرآن ، لأن التعليم حق مطلق للأئمة . هم بهذا الشكل مستودع الرسالة الإلهية ، وهم خزنة العلم والحكمة الذين يجري نقلهما وبثهما إلى أتباعهم ([49]. هكذا جعل الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية العلم صفة من صفات الإمام ، وأن علمه غير محدود ، وربما يثار سؤال هنا أنه لماذا يقررون هذه النظرية أى وجوب التعلم من الإمام المعصوم ؟ .
ولا يخفى لأحد أنهم قالوا بهذه النظرية ، لسبب كون الإمامة عندهم مقيسة على النبوة ، فوصفوا الإمام بصفات النبي e ، فعلم الإمام وفهمه مثل علم النبي وفهمه ، ومن ثم يتبين لنا كيف أن نظرية الإمامة وثيقة الصلة بنظرية النبوة ، فالإمام في رأيهم يوازي النبي e ، وأنه مصدر المعرفة والعلم بعد رحيل النبي e ، لأنه مرجع للوصول إلى الحقيقة ، والمتأمل لهذا القول يدرك خطورته ، لما في ذلك من مساواة الإمام بالرسول e ، وأن الرسول كان إماما قبل أن يكون نبيا، فالحقيقة أن هذا القول دعوة توجيهية إلى طاعة الإمام والاستفادة منه دون غيره ، ومن ثم تسقط النبوة .
وعلى أية حال ، فإن النتيجة التي قد ينتهي إليها هذا الطريق (التعليمي) هي أن يهمل كل أبناء الدعوة عقولهم ليستسلموا لتعاليم هذا الإمام ([50]) . ولا شك أن هذه الدعوات الباطنية من وجوب التعلم من الإمام قتل لكل ملكات النظر العقلي ، واغتيال لملكات الإنسان الإبداعية ، وابتعاد من الاجتهـاد بالرأي الذي أمرنا به I كما هو واضح في الآية القرآنيـة : ] فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ [ ([51]) .




([1])        سورة يونس : 101 .
([2])             المفردات في غريب القرآن ، الأصفهاني ، ص 497 .
([3])            إحياء علوم الدين 4/363 .
([4])             الأساس لعقائد الأكياس ، القاسم بن محمد علي ، ص 54 >
([5])             شرح الأساس الكبير ، الإمام أحمد الشرفي ، 1/193 .
([6])             كتاب المواقف ، الإيجي ، 1/119 .
([7])             انظر : الخلاصة النافعة ، الإمام أحمد بن حسن الرّصّاص ، ص 44-45 ، دار الآفاق العربية ، القاهرة ، ط1/2002م ، تحقيق : د. إمام حنفي عبد الله . شرح الأساس الكبير ، الإمام أحمد الشرفي ، 1/192 . 
([8])           هو أبو حنيفة النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيُّون التميميّ المغربيّ ، المشهور بـ (القاضي النعمان) ، وكان من أشهر فقهاء المذهب الفاطمي ، وهو قاضي قضاة الدولة الفاطمية في عهد أربعة خلفاء فاطميين هم : المهدي ، والقائم ، والمنصور ، والمعز ، توفي سنة 363هـ  ، ومن أهم مؤلفاته : "دعائم الإسلام" و "كتاب االإقتصار" و "أساس التأويل" و "افتتاح الدعوة" . انظر : عيون الأخبار –أخبار الدولة الفاطمية– ،  الداعي إدريس عماد الدين ، ص 41 وما بعدها . اتِّعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء ، تقي الدين أحمد بن علي المقريزي ،1/215 ، تحقيق : د. جمال الدين الشيال . وفيات الأعيان وأنباء الزمن ، ابن خلكان ، 5/415 ، دار الثقافة ، بيروت – لبنان ، 1968م ، تحقيق : د. إحسان عباس .
([9])            سورة الأنعام : 38 .
([10])          سورة المائدة : 3 .
([11])          سورة النحل : 78 .
([12])          سورة النساء : 59 .
([13])          اختلاف أصول المذاهب ، ص 139 .
([14])          سورة الحشر : 2 .
([15])          سورة السجدة : 27 .
([16])          اختلاف أصول المذاهب ، ص 140 .
([17])          انظر : المصدر السابق ، ص 144 .
([18])      سورة النساء : 59 .
([19])          سورة البقرة : 222 .
([20])           دامغ الباطل وحتف المناضل ، 1/292 . وقارن : إبطال القياس في الجزء السابع من كتاب ( اختلاف أصول المذاهب ) للقاضي النعمان بن محمد ، ص 155 وما بعدها .
([21])           دامغ الباطل وحتف المناضل ، 2/79 – 80  .
([22])      هو الداعي السلطان إبراهيم بن الحسين بن أبي السعود الحامدي الهمداني ، وهو من كبار الدعاة الذين أوجدتهم مدارس الدعوة الإسماعيلية المستعلية الطيبية في اليمن ، توفي سنة 557هـ ، ومن أهم مؤلفاته : "كنـزل الولد" و "الإبتداء والإنتهاء" و "مجموع التربية" . انظر : مقدمة كتاب "كنـز الولد" ، د. مصطفى غالب .
([23])          كنز الولد ، ص 8 ، دار الأندلس ، بيروت – لبنان ، بدون تاريخ ، تحقيق : د. مطفى غالب .
([24])      هو أبو معين القادياني المروزي المعروف بـ (ناصر خسرو) ، ولد في قباديان من نواحي بلخ سنة 389هـ ، وتوفي نحو470هـ . هو فيلسوف وداع إسماعيلي ، أتقن اللغات اليونانية ، والهندية ، والتركية ، وكان قبل أن يدخل المذهب الباطنية سنّيا ، ومن أهم مؤلفاته : "جامع الحكمتين" و"سفر نامة" و "خوان الخوان" انظر : مقدمة جامع الحكمتين ، د. إبراهيم الدسوقي الشتا ، ص 28 – 46 .
([25])          جامع الحكمتين ، ص 197 .
([26])      انظر : دامغ الباطل وحتف المناضل ، الداعي علي بن الوليد ، 1/82 ، 2/70 .
([27])      العقيدة والشريعة في الإسلام ، جولد تسيهر ، ص 244 .
([28])      تلبيس إبليس ، ص 128 .
([29])      انظر : الفكر الفلسفي في الإسلام ، د. علي سامي النشار ، 2/374.
([30])      انظر : قضية الخير والشر في الفكر الإسلامي ، د. محمد السيد الجليند ، ص 339 .
([31])      دعائم الإسلام ، 1/84 .
([32])      لم أقف على ترجمته .
([33])      مجموعة التربية ، ص 243 .
([34])           دامغ الباطل وحتف المناضل ، 1/264 .
([35])      انظر : جامع الحكمتين ، ص 316 .
([36])      لم أقف على ترجمته .
([37])      انظر : كتاب إثبات الإمامة ، ص 48-49.
([38])      ورد اسمه بالكامل في بعض الوثائق الإسماعيلية سيدنا وسندنا وباب أبوابنا الشيخ الجليل جعفر بن الحسن منصور اليمن بن فرج بن حوشب بن زادان الكوفي المولود في اليمن حوالى سنة 270هـ ، والمتوفى في المنصورية سنة 347هـ . فهو نجل الداعي منصور اليمن بن حوشب . وكان يتمتع بمركز رفيع في الدولة الفاطمية في المغرب ومصر ، حتى قيل إنه تفوق على القاضي النعمان نفسه الذي كان دعامة من أهم دعائم الفاطميين في القضاء والفقه الإسماعيلي . ومن أهم مؤلفاته : "كتاب الكشف" و "سرائر وأسرار النطقاء" ، ويحدثنا الداعي إدريس عماد الدين عن المكانة التي بلغها هذا الداعي لدى الأئمة الإسماعيلية بقوله : " إن القاضي النعمان اعتل بعلة ، فزاره جميع الدعاة وأولياء الدولة وقوادها . ثم نقه من علته ، وزال عنه ما كان يجده ، فأتى إلى حضـرة أمير المؤمنين المعـز لدين الله بعد زوال ألمه فسأل عن حاله وألمه .. ثم قال له : من زارك من أوليائنا ؟ قال : كلهم زارني إلا جعفر بن منصور ، فأخذ أمير المؤمنين في حديثه ، ثم أمر بكتب فأحضرت إليه ففتح كتابا منها ، وقال للنعمان : انظر في هذا الكتاب ! فلما نظر فيه وتصفحه ، قال أمير المؤمنين : ما تقول في هـذا ؟ قال : ما عسى أن أقول في قولكم ، فقال : هذا تأليف مولاك جعفر ، إعلاما له بعالي فضله وبيانا لسامي محله . فلما خرج القاضي النعمان t من حضرة إمامه e لم يكن له قصد غير دار جعفر .. ولما رأى النعمان جعفرا لم يتمالك أن وقع على رجليه يقبلهما اعترافا له بالفضل ، وتواضعا غير مستكن ، ولا مستكبر ، ولا حاسد له ، علو عالي مقامه " . عيون الأخبار -أخبار الدولة الفاطمية- ، ص 50 .
([39])      كتاب الكشف ، ص 111 ، دار الأندلس ، بيروت – لبنان ، ط1/1984م ، تحقيق : د. مصطفى غالب .
([40])           انظر : منهاج الكرامة في معرفة الإمامة ، ابن المطهر الحلي ، ص 113 وما بعدها ، مؤسسة عاشوراء ، إيران ، بدون تاريخ ، تحقيق : عبد الرحيم مبارك . عقائد الإمامية ، الشيخ محمد رضا المظفر ، ص 65 ، مطبوعات النجاح ، القاهرة، بدون تاريخ . الشيعة و الإمامة ، محمد الحسين المظفر ، ص 10 ، مكتبة نينوى الحديثة ، طهران ، ناصر خسرو مروى ، بدون تاريخ .
([41])      هو أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي ، شيخ الشيعة الإمامية الإثنى عشرية ومحدثهم  ، ومن أهم مؤلفاته : "أصول الكافي" ، توفى سنة 328هـ . انظر : سير أعلام النبلاء ، الذهبي ، 15/280 ، رقم : 125 .
([42])      سورة الرعد : 7 .
([43])      أصول الكافي ، باب أن الأئمة – عليهم السلام – هم الهداة ، 1/214 ، دار الأسوة للطباعة والنشر ، إيران ، ط1/1418هـ .
([44])      هو محمد بن الحسن الحر العاملي ، شيخ الإمامية الإثنى عشرية ، محدث فقيه ، توفي سنة 1104هـ ، ومن أهم مؤلفاته: "وسائل الشيعة" و " الفصول المهمة في أصول الأئمة " . انظر : مقدمة محمد حسين الطباطبائي لكتاب وسائل الشيعة، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط6/1412هـ - 1991م .
([45])      انظر : ص 173 من الكتاب ، مكتبة بصيرتي ، قم – إيران ، ط3/بدون تاريخ .
([46])      انظر : 18/41 ، 129 من الكتاب.
([47])           الشيعة و الإمامة ، ص 10 .
([48])           منهاج الكرامة في معرفة الإمامة ، ابن المطهر الحلي ، ص 114  .
([49])           انظر : الفاطميون وتقاليـدهم في التعليم ، هاينز هالم ، ص 15 ، 38. تعريب : سيف الدين القصير . والعنوان الأصلي :
“ The Fatimids and their Traditions of Learning “
([50])      المدخل إلى دراسـة علم الكلام ، د. حسن الشافعي ،  ص 95 ، مكتبة وهبـة ، القاهرة ، ط2/1411هـ - 1991م .
([51])      سورة الحشر : 2 .

0 komentar:

Post a Comment