Wednesday, April 18, 2012

المذاهب الفلسفية وأثرها في العقيدة الإسماعيلية الباطنية

المذاهب الفلسفية وأثرها في العقيدة الإسماعيلية الباطنية
د/كمال الدين نور الدين مرجوني

اطلع المسلمون ومفكروهم على فلسفة اليونان أو جزء منها على الأقل منذ العصر الأموي . فتأثروا بها لأخذهم معظم آراء أرسطو ، وأعجبوا بأفلوطين كثيرا وتابعوه في نواح عدة  . وكانت الأفلاطونية المحدثة أكبر المذاهب أثرا في العالم الإسلامي ([1]) . وقد بلغ تأثر جمهور فلاسفة الإسلام بمذاهب فلاسفة اليونان حدا جعلهم متابعين لهم في كثير مما انتهوا إليه في مباحثهم المنطقية والطبيعية والإلهية ، وكانت مسألة وجود العالم من بين المسائل التي انتظمتها اليونان ، وانتهوا فيها إلى القول بقدم العالم ، وأن وجوده محايث لوجود الله تعالى ، غير متأخر عنه بزمان أو مدة ، وممن تأثروا بهذا القول من فلاسفة الإسلام : الفارابي وابن سينا وابن طفيل وابن رشد ([2]) . وقد جعل الإمام الغزالي مسألة قدم العالم وحدوثه على رأس المسائل الثلاث التي كفر بها الفلاسفة ، كما يتضح في كتابه "تهافت الفلاسفة" . ولم يقتصر تأثر فلاسفة الإسلام بمسألة قدم العالم وحدوثه ، بل تأثروا كذلك بمسائل أخرى كمسألة النبوة ، والمعاد .
وإذا كانت الفلسفة الإسلامية تعدّ من أكثر المذاهب الإسلامية تأثرا بالفلسفة اليونانية . فإن الإسماعيلية الباطنية من الشيعة لم تكن أقل تأثرا بها ، حيث لجأوا كثيرا مثل فلاسفة الإسلام إلى الفكر اليوناني ، وخاصة الفلسفة الأفلاطونية الحديثة ([3]) . يقول الشهرستاني مشيرا إلى تأثر الإسماعيلية الباطنية بالفلسفة : " إن الإسماعيلية الباطنية القديمة قد خلطوا كلامه ببعض كلام الفلاسفة ، وصنفوا كتبهم على هذا المنهاج ، فقالوا في الباري تعالى : انا لا نقول هو موجود ، ولا لا موجود ، ولا عـالم ، ولا جاهل ، ولا قـادر ، ولا عاجز ، وكذلك في جميع الصفات " ([4]) . وقد أكد بذلك الدكتور إبراهيم مدكـور، فقال : " لا شك في أن الإسماعيلية من أكثر الشيعة درسا وبحثا ، شاءوا أن يفلسفوا تعاليمهم ، ففلسفوا معها العقيدة الإسلاميـة كلها ، وأدخلوا عليها كلّ ما وقفوا عليه من أفكار أجنبية ، بين شرقية وغربية ، وبخاصة الأفلاطونية المحدثة " ([5]) .
أورد الدكتور فرهاد دفتري ( Farhad Daftary ) ([6]) في كتاب حرّره بعنوان " الإسماعيليون في العصر الوسيط " ([7]) أن دخـول الأفكار الفلسفية اليونانية إلى العقائد الإسماعيلية الباطنية تتم على أيدي دعاتهم من أمثـال : الداعي أبو حـاتم الرازي ( تـ322هـ) ، والداعي محمـد بن أحـمد النسفي (تـ332هـ) ، فقد قام هذان الداعيان وخلفاؤهما ، وهم الذين بدأوا مع أبي يعقوب السجستاني (تـ353هـ) بالدعوة باسم الأئمة - الخلفاء الفاطميين - بدمج لاهوتهم الإسماعيلي ، بطريقة أصيلة عالية المستوى بصيغة من الفلسفة الأفلاطونية المحدثة كانت سائدة آنئذ في إيران وما وراء النهر " ([8]) . وعلى هذا الأساس ، فيؤكد لنا الدكتور هاينز ( Heinz Halm ) ([9]) . على تأثر الإسماعيلية الباطنية بالفلسفة اليونانية ، ومدعما رأيه بأن ستانيسلاس غوريار (S. Guyard) قد توصل في كتابه حول عقائد الإسماعيليين ([10]) إلى الاستنتاج بأن عقائد الإسماعيليين كانت مبنية على الفلسفة اليونانية ([11]) .
ويتضح مدى تأثر الإسماعيلية الباطنية بالفلسفة اليونانية استخدمهم للمصطلاحات الفلسفية ، كتعبيرهم عن الله بالمحرك الأول ، وتعبيرهم عن الوجود والموجود بـ (أيس) ، وتعبيرهم عن العدم والمعدوم بـ (ليس) ، وتعبيرهم عن الأنا الشخصية بـ (الإنية) ، فكل هذه التعبيرات الفلسفية استخدمها واصطلح عليها الدعاة الإسماعيليون ([12]) . ومن العناصر الأفلاطونية الحديثة التي اقتبسها الإسماعيلية هي فلسفة الفيوضات وترتيبها ، ومن ثم ، فمن يقرأ كتب الإسماعيلية الباطنية يجد نفسه أمام الفلسفة الأفلاطونية الحديثة ([13]) .
وأخذت الإسماعيلية عن أفلاطون نظرية المثل التي تقول : بأن ما في العالم الحسي أشباح لمثل في العالم العلوي . فقال الإسماعيلية : إن ما في عالم الدين مُثُل لممثولات في العالم الروحاني ([14]) . وهذا بعينه نظرية الأفلاطونية نقلها الإسماعيلية إلى مذهبهم ، فما من مثل إلا وله ممثول ، حتى طبقوها على أئمتهم فقالوا : إن الإمام الباقر محمد بن علي وهو الرابع من الأتماء ، مثل المضقة في الروحانية مقابلا لموسى كليم الله ، ومقابل للشمس في الفلك الرابع ، ولما كان الرابع من الأتماء كان الحسن بن علي u ممثول الطالع ، والباقر u ممثول الرابع ([15]) .

 وكذلك أخذ الإسماعيلية رأى الأفلاطونية الحديثة في الإبداع وظهور النفس الكلية عن العقل الكلي ، وأن العالم خلق بواسطة اللوجوس (الكلمة) فجاء الإسماعيلية وقالوا : إن الكلمة التي خلق عنها العـالم هي كلمة (كن) التي وردت في الآية القرآنية : ] إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [ ([16]) . وأن كلمـة (كن) مكونـة من الكاف والنـون ، فالكاف رمز على القلم أو العقل الكلي ، والنون رمـز على اللـوح أي النفس الكليـة ، وبهذا فسر الإسماعيليـة قولـه تعـالى : ] ن وَالْقَلَمِ [ ([17]) . أن الله يقسم بأعز مخلوقين عنده وهما اللوح والقلم ([18]) .
ومن ناحية أخرى ، يلاحظ هودكسون أنه قد أضفى الإسماعيلية على التأويل مشربا واحدا ، وذلك في استخدامه في أغراض ثلاثة كبيرة مترابطة ، فهو يمثل تصورا للكون مشتقا من مصادر أفلاطونية حديثة ، وهو يفسر الآخـرة تفسيرا تاريخيا يقوم على الدين ، والدورات ، وأحيانا بالتناسخ ([19]) . وأخيرا فهو يبرز طبقات المشايخ للفرقة الذين تقابل درجاتهم على تفاوت الدرجات العديدة للتصور الأفلاطوني المحدث للكون ([20]) . والواقع أن فلسفتهم الطبيعية بما فيها من أفكار عن العالم العضوي والعالم غير العضوي ، وعلم النفس ، وعلم الحياة وما إلى ذلك ، فإنها تستند إلى فلسفة أرسطو ، ولا تختلف عنها في جوهرها ([21]) . كما يعتمد الإسماعيلية الباطنية جزءا من آرائها على الفيثاغورية ([22]) فكان لفكرة الأعداد والحروف مكان واضح في أفكارهم ولدى طوائفهم المختلفة، والتي تعتبر الحروف رموزا ترمز إلى أعداد ، والأعداد ترمز إلى حروف ، كما اعتبرت أن للحروف خصائص خاصة ([23]) . و يتجلى ذلك بوضوح في عدة المؤلفات الإسماعيلية الباطنية كـ "كتاب الافتخار" للداعي أبي يعقوب السجستاني (تـ353هـ) ([24]) . وكتاب "إثبات الإمامة" للداعي أحمد النيسابوري ([25]) . وكتاب "راحة العقل" للداعي حميد الدين الكرماني (تـ411هـ) وهو تلميذا للأول ([26]) . ويذكر الدكتور مصطفى غالب أهمية فكرة الأعداد لدى الإسماعيلية الباطنية أنها مطابقة لصور الموجودات وأنها أول ما أيدت به النفس من المعلومات ، وأنها الطريق الحقيقي إلى التوحيد ، فسائر العلوم موجودة في علم العدد ، لأن العلوم تابعة للعدد ، وهو أصل لها كلها ، وهي فروع له ، وهو القول الذي تفرعت عنه المقولات ، وشجرة اليقين ، ومبدأ الشرع والدين ، وعليه بنيت الصلوات ، وبه عرفت العبادات ، وبه يعرف الزمان ([27]) .
وانطلاقا من أهمية هذه الفكرة – الأعداد والحروف – فيمكن القول إن النـزعة الإسماعيلية الباطنية التي تميزت بها الفلسفة الفيثاغورية انسجمت مع ميول الإسماعيلية ، ولذا وجدت استجابة لها لدى الكثيرين من مفكري الشيعة الإسماعيلية ([28]) . وفي ذلك يرى الدكتور علي سامي النشار أن الفيثاغورية المحدثة من أهم المصادر الإسماعيلية في مختلف صورها ، وبالإضافة إلى الأفلاطونية " ([29]) .
والسؤال المطروح بنفسه – ونحن بصدد الحديث عن أثر الفلسفة في العقائد الإسماعيلية الباطنية – ، هو ما الدافع إلى اهتمام الإسماعيلية الباطنية بالفلسفة ؟ .
اختلف الباحثون في الإجابة على هذا السؤال ، فيرى إيفانوف ( W. Ivanov ) أن الأسباب التي دفعت الإسماعيلية الباطنية إلى اهتمامهم بالفلسفة ترجع إلى رغبتهم في حلّ إشكالية التوفيق بين فكرة التوحيد والثنائية الموجودة في العالم بين الخير والشر ، حيث إن أبرز عناصر المذهب الإسماعيلي هي الفلسفة الأفلاطونية الجديدة المستقاة على نحو مباشر من تاسوعات أفلوطين ، أو من شراحه المتقـدمين ، ولكن من بعض النسخ المتأخرة التي زيفت إلى حدّ كبير واختلطت بمسائل مختلفة الأجناس ، وقد حاولت الإسماعيلية أن تجد في الفلسفة الأفلاطونية حلاّ يوفق بين فكرة التوحيد وأثنينية العالم الظاهر ([30]) . ويرى الدكتور محمد إقبال أنهم يلجأون إلى الفلسفة لمحاولتهم تفسير التعاليم الدينية من جديد ([31]) . ومن هنا ، اقتبسوا الفكر الفلسفي من فلاسفة الإغريق ، وأدخلوها على نظامهم الفكري الإسلامي " ([32]) . ولذلك إذا استقرأنا مؤلفات الإسماعيلية نجد أنها تزخر بنظرات فلسفية إلى الكون والوجود .
وقد رجع أستاذي الدكتور محمد الجليند اهتمام الإسماعيلية الباطنية بالفلسفة إلى اتفاقهم في قضية التأويل الرمزي ، فقال : " وكان معظم اهتمام الإسماعيلية الباطنية بالفلاسفة يرجع إلى اتفاقهم وإياهم على ردّ نصوص الأنبياء وتأويلها إلى رموز مغلقة ، لا معنى لها لدى السامع العربي " ([33]) .
ويمكن القول، إن ما سبق ذكره من آراء العلماء المحدثين في محاولتهم لتفسير اهتمام الإسماعيلية الباطنية بالفلسفة ، كلها صحيحة ، وذلك لأن الإسماعيلية الباطنية مذهب توفيقي ، فحاولوا أن يوفقوا بين عقائد الأديان ، بطريق التأويل ، ليتوصلوا في النهاية إلى إنشاء دين جديد على راية أو علم باسم (الإسماعيلية الباطنية) .

وأما الباطنيون أنفسهم – كما يرى الدكتور مصطفى غالب – فرأوا أنهم دعموا معتقداتهم الدينية بنظريات فلسفية وتأويلات باطنية ، اكتسابا أو استنباطا ، فأصبحت الفلسفة بنظرهم وسيلة لتقييم العقيدة ([34]) . واستنادا إلى هذا الرأي ، فهم يعتبرون الفلسفة فوق الشريعة ، حيث أعرضوا القضايا الدينية على ميزان الفلسفة ، إذن فالدين في نظر الإسماعيلية الباطنية محل اعتبار من قبل الفلسفة ، فما ترى الفلسفة من الدين صحيح فهو صحيحا ، وما تراه باطلا فهو باطل . ومن جانب آخر يذكر الدكتور عارف تامر أن علماء الإسماعيلية استعملوا الفلسفة للتعبير عن الدين ، إذ يقول : " نهلوا من ينابيع المدرسة اليونانية الفلسفية ، والمشائية ، وما خلفه أرسطو ، وأفلاطون ، وأفلوطين ، وفيتاغوريس ، وحكماء الإسكندرية ... واستخدموها في التعبير عن تعاليمهم الدينية " ([35]) .
ويفهم من هذا النص أن الدين لا يستطيع أن يعبر عن نفسه . وإنما يحتاج إلى تعبير فلسفي . وهذا في الحقيقة بعيد عن الصواب ، فلا يحتاج الدين إلى المساعدة في التعبير عنه ، فقد عبر نفسه بأدلة عقلية والبراهين اليقينية ، يقول الإمام ابن تيمية : " والقرآن مملوء من الأدلة العقلية ، والبراهين اليقينية على المعارف الالهية ، والمطالب الدينية " ([36]) .
ومن هنا ، لا وجه للمقارنة بين أدلة القرآن وبين أدلة الفلاسفة والمتكلمين ، لا سيما الاستعانة بأدلتهم في التعبير عن الدين .
والحقيقة – كما يرى القاضي ابن العـربي – أنهم يعتقـدون رأى الفلاسفة للنيل من الإسلام ([37]) . ثم تظاهروا بالعقلانية اقتداء بالمعتـزلة . مع أن هناك فارقا كبيرا بينهم وبين المعتزلة في استخدامهم العقل ، فالمعتزلة يلجأون إلى العقل للدفاع عن الدين ، بينما هم يستخدمونه لتقويض أسس جميع الأديان ([38]) . وفي ذلك يقول دوزي عن ابن ميمون القداح في جعلهم رجال الفلاسفة في المقام الأول كالمؤيدين للدعوة الإسماعيلية الباطنية : " لم يبحث ابن ميمون عن أنصاره الحقيقيين بين الشيعة الخلص ، ولكن بين الثنوية والوثنيين وطلاب الفلسفة اليونانية ، ولم يكن يعتمد إلا على الطائفة الأخيرة ، وإليهم وحدهم استطاع أن يفضي بسره ، وخفي عقيدته " ([39]) . فعلماء الإسماعيلية عولوا على طلاب الفلسفة في تفهم دعوتهم ، لأنهم تحرروا عل الأقل من محبة الشريعة ، والتعصب لها، وصار عندهم بعض الاستعـداد للتنكر لها ، فبعض الآراء الفلسفية التي اعتقدوها لم تكن توافق العقيدة ([40]) .
وقد اختارنا قضية واحدة لكي نبرز تأثر الإسماعيلية الباطنية بالفلسفة وهي قضية خلق العالم.
إن الإسماعيلية يستخدمون لفظ (انبعث) بدلا من (خلق) أو (فاض) أو (صدر) ، ووجود العقل الأول عن الله يسمونه "إبداعا" ؛ ووجود العقل الثاني عن العقل الأول يسمونه "انبعاثا" ([41]) . إذن ، فإن الإبداع والإنبعاث استعاضة عن نظرية الفيض ([42]) .
إن كلمة "إبداع" وهو الإبداع الخلاق المباشر هو وقف على الفعل الأزلي الذي يأمر عالم الإبداع بقوله "كن" فالله أبدع الكلمة ... وهي "كن" من قوله تعالى : ] إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [ ([43]) . وكلمة "كن" حرفان : كاف ونون ... فالكاف رمز للعقل الأول "القلم" وهو أقرب الحدود إلى الله . ونظرا لأنه أقرب العقول إلى الله وأسبقهم إلى توحيده سمي "السابق" . أما النون فهي رمز للنفس الكلية ، وهي التي رمز إليها في القرآن الكريم باللوح وسميت بالتالي عند الإسماعيلية ([44]) . ففي العرفان الإسماعيلي "كن" هي الكلمة القدسية التي أبدع الله تعالى فيها كافة الحدود ، وقالوا : إن "الكاف" منها دليلا على السابق و "النون" إشارة إلى تاليه ، أى إلى التالي . ويقال لهما الأصلان العلويان يقابلهما في عالم الدين الناطق والأساس ([45]) .

وتتلخص نظرية الإبداع عند الإسماعيلية الباطنية في أن وجود الموجودات عن الله تعالى يتم عن طريق الإبداع فيبتدئ انطلاقا من العقل الأول ، وهو العقل الشامل أو العقل الكلي ، ولم يقف الانبعاث إلا بعد أن وجد عن العقل الأول ، والمنبعث الأول عقول سبعة وجد كل منها عن الآخر صاعدا إلى المنبعث الأول ، وأصبح كل منها ساطعا ساريا فيما وجد عن الأول من الهيولي ، والصورة التي منها وجود السموات والأرض وحركتها ، والطبائع ومواليدها ... حتى توقف عند انهائه إلى العاشر من العقول ([46]) . فبواسطة الأصلين السابق والتالي ، أو العقل والنفس ، وجدت المخلوقات كلها العلوية الروحانية والسفلية الجسمانية ([47]) .
إذن ، فهناك أصلان للموجودات الإبداعية – في رأي الباطنية – هما : العقل والنفس ، وهذه النفس الكليـة هي المؤثرة في العالم الجسماني ، وبها تبدأ الصلة بين العالم العلوي والعالم الجسماني .
وفي موطن آخر يحدثنا الداعي إبراهيم بن الحسين الحامدي (تـ557هـ) أن وجود عالم الإبداع قد ظهر دفعة واحدة عن المبدِع الحق تعالى ، لا من شيء ، أى لا من مادة تقدمت عليه ؛ ولا بشيء ، أى لا بآلة استعان بها عليه ؛ ولا في شيء ، أى لا في مكان طبيعي فيكون لها مستقرا ؛ ولا مع شيء ، أى لا مع غيره يشاكله ويساويه ؛ ولا مثل شيء ، أى لا مثل معلوم كان له نظير فيه ولا لشيء ، أى لا لحاجـة في زيادة ولا نقصان في ملكه ومشيئته ؛ فكان وجود الكل كما رمز به الحكماء ، ولوح عنه تعالى بحرف الكاف والنون ([48]) . وفي نفس المعنى يقول الداعي شهاب الدين بن نصر الديلمي (تـ883هـ) موضّحا نظرية الإبداع عند الباطنية : " إن العالم محدَث كائن بعد أن لم يكن ، وأن موجِده أوجده إبداعا لا من شيء ، وأنه I قال له : كن ! فكان فيضا واحدا ، فهو العقل الفعال الأول ، والموجود الأكمل ، والحجاب المفضّل . وظهر عنه التالي مخترعا من نوره ، ثم ظهرت جميع الموجودات منهما وبهما . فالفيض الأول هو أصل الإيجاد ، وهو المبدأ وإليه المعاد ، وهو السابق صاحب التمام والكمال " ([49]) . وتستمر عملية الصدور في شكل فيوضات فورية إشراقية غير مقيدة بزمان ومكان بل دفعة واحدة مثل وجود إشراق بسيط في الهواء عن ضوء الشمس لا بزمان ، وإضاءة البيت المظلم دفعة واحدة لا بزمان ([50]) .
ومن الواضح أن نظرية الإبداع التي تقول بها الإسماعيلية الباطنية تتفق مع الفلسفة الأفلاطونية الحديثة ، وبالذات مع نظرية الفيض (emanation ) ([51]) . وقد حاول الإسماعيلية الباطنية أن يدخلوا القول بالعقول في قالب من التوحيد حتى يبدو فيه شيء من القبول . فذهب الإسماعيلية – اعتمادا على نظرية الفيوض السبعية – إلى القول بأن العقول سبعة ، وذلك حتى يتناسب هذا مع قولهم بأن الأئمة سبعة في العالم السفلي ، وهم لا يتقيدون فتارة يقولون سبعة ، وتارة أخرى يقولون عشرة كما هي عقول المشائين المعروفة ، وتستمر عملية الصدور في شكل فيوضات فورية إشراقية غير مقيدة بزمان ومكان ، بل دفعة واحدة مثل وجـود إشراق بيسط في الهواء عن ضوء الشمس لا بزمان ، وإضاءة البيت المظلم دفعة واحدة لا بزمان .
والحقيقة أن الإسماعيلية جمعوا قولهم بعالم الإبداع بين عقل أرسطو وإشراقية أفلوطين ، وجعلوا من ذلك فكرة واحدة يمكن أن نطلق عليها بالعقول الإشراقية ، فإذا كانت عقول الإسلاميين تخرج إلى الوجود عن طريق التفكير الذاتي ، فإن عقول الإسماعيلية تأتي بطريق الفيض كشعاع السراج على المساحة المظلمة . ولا يختلف الصدور أو الفيوض الإسماعيلي عن فكرة الأفلاطونية الحديثـة ، حيث إن كل عقل يفكر في ذاته وفي معلوله الأول ، فيفيض أو يتولد عنه عقل ثاني ، وهكذا داوليك حتى العقل العاشر ، إلا أنه قبل هذا الصدور والفيض ، فإن العالم أو الوجود لدى الإسماعيلية وهو نفس الرؤية لدى الأفلاطونية الجديدة كان عبارة عن أشباح وظلمات مهولة ، ومع ذلك فلم يفسروا وجود تلك الأشباح البرازخ التي تحيط بعالم الإشراق ، وهذا يؤدي بدوره إلى قدم المادة والله ([52]) .
وإضافة إلى ذلك ، فإن الإسماعيلية الباطنية يربطون بين عملية الخلق وبين دور الكواكب في تكوينها ، فهذه الكواكب المعروفة : الشمس ، وزحل ، والمشتري ، والزهرة ، والمريخ ، وعطارد ما عدا الأرض التي اعتبرها الإسماعيلية عبارة عن تكوينات الأشباح – الكون والفساد – فكل كوكب من الكواكب الآنفة كان له دور في عالم الانتخاب الطبيعي بشكل أو نوع معين من المخلوقات ([53]) .
والواقع أن نظرية الفيض أو الصدور ، أو العقول العشرة ، نظرية متهافتة وهي في أساسها فلكية طبيعية ، وقد ازداد تهافتها باستخدامها في الإلهيات . وقد انقضى الزمن الذي كانت تفسر فيه حركات الأفلاك تفسيرا غيبيا أسطوريا بعد أن كشف نيوتن قانون الجذب العام ([54]) . وأهم من ذلك فإنها تتعارض مع الإسلام ، وذلك كما يبدو أن هذه النظرية تؤدي إلى القول بأن العالم مثل المبدِع ، لأن ما يصدر عن المبدِع صدورا ضروريا فهو مثله في الذات ، فالعالم إذن مظهر للمبدِع ، وهما ليسا في حقيقتهما إلا شيئا واحدا ، وهذا هو مذهب وحدة الوجود . وأن العقل الأول قبل أن يفيض من المبدِع ، فإنه لا يخلو من أن يكون إما مستكنا في ذات المبدِع مع مغايرته لها ، وإما كان جزءا منها . وكلا الإحتمالين يؤدي إلى نفي البساطة المبدِع . وبالإضافة إلى ذلك ، فإن القول بهذه النظرية تؤدي إلى القول بقدم العالم من ناحية ، لأنه فائض من القديم ، وإلى نفي الإرادة والإختيار عن المبدِع ، مادام العلم قد وجد عن طريق اللزوم من ناحية أخرى .
ومما هو جدير بالذكر ، أن بعض فلاسفة الإسماعيلية الباطنية كالداعي حميد الدين الكرماني (تـ411هـ) وغيره يحلو لهم أن يبدّلوا كلمة الفيض بكلة الإبداع ، حيث يؤكد – الكرماني – على كون وجود الموجودات ونشوئها عن المتعالي سبحانه لا عن طريق الفيض كما يقول الفلاسفة ، بل على طريق الإبداع وأن طلب الإحاطة بكيفية وجوده محال . استنادا إلى بعض تعليلات فلسفية لا تغير في جوهر المعنى .
          ويمكن إرجاع رفض الكرماني لنظرية الفيض إلى وجهين :
الوجه الأول : أن القول بالفيض يؤدي إلى الاعتراف بوجود المشاركة بين الفيض وبين الذي فاض منه في الجنس ؛ لأن الفيض ليس في حقيقته سوى عين ما يفيض منه ، شأنه شأن الضوء الصادر عن الشمس ، وليس هذا الضوء يغاير الشمس في الجنس ، بل يشاركه فيه . ولذلك فلا تشابه بين الله تعالى وبين الموجودات ، ومن ثم لا يجوز القول بالفيض ، لأنه يستلزم وجود تشابه واشتراك بين طبيعة الله و طبيعة الموجودات ، وعلى هذا الأساس فيرفض الكرماني هذه النظرية . ويتبين ذلك حين يحدثنا عن وجود الموجودات ونشوئها ، إذ يقول : " في كون وجوده عن المتعالي سبحانه لا على طريق الفيض كما يقول الفلاسفة ، بل على طريق الإبداع " ([55]) .
واضح من هذا النص رفضه لنظرية الفيض الأفلوطونية. ثم يقول عن سبب رفضه لها : " إن من شأن الفيض أن يكون من جنس ما منه يفيض ومشاركا له ومناسبا ، ويكون الفيض من جهة ما هو فيض كعين ما يفيض منه الفيض بكونه كذات الفيض ، إذ ما يفيض منه الفيض فيه من طبيعة الفيض مثل ما في الفيض من طبيعته ، ولا فرق بينهما من هذه الجهة ، كما أن الضوء الذي هو فيض من عين الشمس من جهة ما هو ضوء كعين الشمس التي منها فاض الضوء بكونها كذات الفيض ، إذ ذات الشمس يوجد فيها من الضوء مثل ما فاض عنها ، ولا فرق بينهما من هذه الجهة " ([56]) .
والوجه الثاني : وهناك سبب آخر جعل الكرماني يذهب إلى رفض نظرية الفيض ، هو أنه قد أبطل تلك النظرية بناء على أساس التأويل الباطني القائم على التقابل والتوازي بين العالم العلوي وعالم الدين ( المثل والممثول ) ، فإذا كان العقل الأول قد وجد بالفيض فقد أدرك المبدع ، وأخبر عنه من يقوم مقامه في عالم الدين ، لأن الناطق والأساس والإمام يشاركونه في الجنس والكمال ، غير أن هؤلاء عاجزون عن معرفة المبدع ؛ وذلك لأن العقل قد خلق لا عن طريق الفيض ، وإنما عن طريق الابداع .
ولكنه يمكن القول بأن الكرماني – في هذه المسألة – على وفاق مع الفارابي وابن سينا في أن أول كائن صدر عن الله تعالى (المبدَع) هو العقل الأول ، غير أن صدوره عنه قد تم عنده – أى الكرماني – بالإبداع لا بالفيض . على أن المراد بالابداع عند الكرماني هو الخلق المباشر ، بمعنى الخلق من : " لا شيء ، ولا على شيء ، ولا في شيء ، ولا بشيء ، ، ولا لشيء ، ولا مع شيء الذي هو الشيء الأول " ([57]) . ويقول في موطن آخر : " الابداع هو الموجود الأول ، لا من شيء تقدمه من جنسه " ([58]) . ولهذا رفض الكرماني أن يكون العقل الأول قد خلق من مادة سابقة أو بالفيض ([59]) .
وعلى أي حال ، فإن الكرماني هنا يرفض نظرية الفيض عند أفلوطين ، كما يرفض نظرية الخلق من مادة أولى التي يقول بها بعض الفلاسفة اليونان ([60]) .
وكما يرفض أيضا نظرية الخلق من عدم كما جاءت عند أهل السنة – وهي الحق – حيث يقولون بخلق الله I للكون من عدم ، والقرآن نفسه يقول بأن الله I خلق الكون من عدم ، وقد وردت في القرآن آيات كثيرة تدل على أن الله قد خلق كل شيء ، فهو الخلاّق العظيم ، وهو الخالق البارئ المصور ، والمبدِع كقوله تعالى I : ] هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [ ([61]) . وقوله تعالى Y : ] هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَـــــامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيــمُ [ ([62]) . وقوله I : ] بَدِيعُ السَّمَـــــاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[ ([63]) . يقول البغـدادي في كتابـه (الفـرق بين الفـرق) : " ان كل ما هو غير الله تعالى وغير صفاته الازلية ، مخلوق مصنوع " ([64]) .
إذن فالخلق من الصفات الإلهية التي تتعلق بالاختراع والتصوير والإبداع . ذلك – على حدّ قول الباقلاني – : " إن الموجودات لا يجوز أن تكون فاعلة لنفسها ، إنا وجدنا منها الموات والأعراض ، أعنى الجمادات التي لا حياة فيها . لا يجوز أن تكون فاعلة لنفسها ولا لغيرها ، لأن من شرط الفاعل أن يكون حيّا قادرا . فبطل كونها محدِثة لنفسها ، بل أن محدِثا أحدثها " ([65]) . فالله I هو الذي يخلق الكون وما فيه خلقا مباشرا ، دون أن يحتاج إلى خالقين يخلقون معه .
ومما سبق يتضح أن الإسماعيلية الباطنية وأصحاب نظرية الفيض متفقون على أن سبب الفيض يرجع إلى تعقل الذات وتأملها ، إلا أن الإسماعيلية الباطنية يخالفونهم في الصدر الذي يفيض منه الفيض أو الانبعاث ، لأن العقل الأول – عندهم – هو المبدأ الأول للموجوات . وقد جعلوه تبعا لذلك مصدرا تنبعث منه عقول وأفلاك وأجراهما ، في حين أن أصحاب نظرية الفيض رأوا عكس ذلك ، فقالوا : إن الله ( الواحد ) هو المصدر الذي يفيض منه العقل الأول ، أى أن العقل الأول يفيض عن الله لتعلقه لذاته ، وعلى الرغم من اختلافهم في ذلك ، فإن الإسماعيلية أخذوا فكرتهم في الانبعاث عن أصحاب نظرية الفيض . وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تأثر الباطنية بالفلسفة تأثيرا واضحا لا يختلف فيها اثنان . وفي ذلك يقول الدكتور مصطفى غالب : " اعتقاد ابن سينا حول الفيض الإلهي وخلق العالم لا يختلف كثيرا عن اعتقاد الفارابي وغيره من حكماء الإسماعيلية " ([66]) .
ومن الجدير الإشارة هنا إلى قول الإسماعيلية الباطنية بالطبائع الأربعة ، إذ يحدثنا الداعي علي ابن الوليد (تـ612هـ) عنها بقوله : " أصول تستخرج منها المواليد الخلقية ، وعناصر تستنتج منها النتائج الكونية ([67]) . وفي موضع آخر يبين الداعي حسن المعـدل ([68]) كيفية امتزاج هذه الاسطقسات والعناصر : " امتزجت العناصر والاسطقسات ، فاختلطت الحرارة والبرودة ، واعتدلت القواعد والامتزاجات ، وحسنت التراكيب والاختلاطات ، فسرت فيها قوى روحانيات الكائنات وأشرقت السعود والقرانات ، فأمطرت السماء مطرا نظير المني ، فتلقت الأرض ذلك الفيض ، فظهرت من باطنها أجسام سائر الحيـوانات ، والنباتات ، والإنسان . فكانت صـورة الإنسان آخـر المطبوعات " ([69]) .
ويرى الباطنية أن تركيب جسد الإنسان يشابه الأركان الأربعة التي بها قوام الأشياء المولدات التي هي الحيوان والنبات والمعاد ، وكذلك وجد في بنية الجسد أربعة أعضاء هي تمام جملة الجسد ، وأولها الرأس ، ثم الصدر ، ثم البطن ، ثم الجوف إلى آخر قدميه . فهذه الأربعة موازية لتلك ، وذلك أن الرأس مواز لركن النار من جهة شعاعات بصره وحركات حواسه ، والصدر مواز لركن الهواء من جهة نفسه واستنشاقه الهواء ، والبطن مواز لركن الماء من جهة الرطوبات التي فيه ، والجوف إلى آخر الأقدام مواز لركن الأرض من قبل أنه مستقر عليه كاستقرار الثلاثة الباقية فوق الأرض وحولها . وكما أن هذه الأركان الأربعة تتحلل البخارات ، فمنها تتكون الرياح والسحب والأمطار والحيوانات ، والنبات والمعادن ، وكذلك بهذه الأعضاء الأربعة تحلل البخارات في بدن الإنسان مثل ما يخرج المخاط من المنخـرين ، والدموع من العين ، والبصاق من الفم ، والرياح التي تتولد في الجوف ، والرطوبات التي تخرج مثل البول وغيره .  
          ففي نهاية تحليل الباطنية لتفاعلات الأركان الأربعة يخلصون إلى القول بأن هذه الأركان الأربعة يستحيل بعضها إلى بعض ، فيصير الماء تارة هواء ، وتارة أرضا ، وهكذا حكم الهواء ، فإنه يصير تارة ماء وتارة نارا ، وكذلك النار ، إذا أطفئت وخمدت صارت هواء ، والهواء إذا غلظ صار ماء ، والماء إذا ذاب صار هواء ، والهواء إذا حمي صار نارا ، وليس للنار أن تلطف فتصير شيئا آخر ، ولا للأرض أن تغلظ فتصير شيئا آخر  ([70]) .
ولكن إذا اختلطت أجزاء هذه الأركان بعضها ببعض ، كان منها المتولدات الكائنات الفاسدات التي هي المعادن والنبات والحيوان . وذلك عندما يستحيل الأركان الأربعة إلى البخار والعصارات ، فيكون منهما هيولي ومادة لسائر الكائنات الفاسدات التي تحت فلك القمر . وهذه الأركان الأربعـة باقيـة في ذواتها ، ومحفوظة في كميتها ، وإنها مستحيلة في أطرافها بعضها إلى بعض ([71]) . وفي ذلك يقول الداعي حميد الدين الكرماني (تـ411هـ) : " إن كل ما كان بقاؤه يتعلق بشيء هو غيره ما دام ذلك الشيء باقيا فهو باق ... وكانت الأركان وإن كانت صورها متباينة أجساما ، فهي ببقاء ما يتعلق وجودها به باقية ، وإذا كانت باقية ، وهي بذواتها وكيفياتها فاعلة في ذواتها بتواتر زيادات من العنصرين اللذين هما الحرارة والبرودة ، وبحسب العلل الموجبة لهما حتى تكون إحداهما ببعض أجزائها غالبة وبعضها مغلوبة ، كان منه العلم بأن الاستحـالة في أطرافها موجودة ([72]) .
وبناء على فكرة الخلق أو الإبداع والانبعاث كما يسميه الإسماعيلية الباطنية ، فالسؤال ، ما رأيهم في العالم ، هل هو قديم أم حادث ؟ .
ينقل لنا البغدادي قول الباطنية بأنهم يقولون بقدم العالم ، إذ يقول : " الذي يصح عندي من دين الباطنية أنهم دهرية زنادقة ، يقولون بقدم العالم " ([73]) . وتابعه في ذلك الغزالي ، فقال إن الباطنيـة : " قالوا : العالم قديم ، أى وجوده ليس مسبوقا بعدم زماني " ([74]) . وكذلك أكد الدكتور محمد أحمد الخطيب في كتابه "الحركات الباطنية في العالم الإسلامي" على أن الإسماعيلية الباطنية قالوا بقدم العالم ([75]) .
ولكن ، إذا اطلعنا على نصوصهم في هذه المسألة ، فلم نجد أي نص تفيد أنهم يذهبون مذهب الفلاسفة في القول بقدم العالم . بل على عكس ذلك ، فنجد أنهم قد صرّحوا بحدوث العالم .

ومن أقوالهم ونصوصهم الدالة على حدوث العالم : يقول الداعي شهاب الدين بن نصر الديلمي (تـ883هـ) موضّحا حدوث العالم مع مناقشة القائلين بقدمه : " إن هذا العالم محدَث كائن مبدَع غير قديم ، فإنه لو كان قديما لاستحال تعلق حدوثه بالقدم ، ووجوده بالعدم ، ولو كان العالم قديما لكان الفاعل معدوما ... وإن العالم لوكان موجودا في القدم لاقتضى موجدا أوجده ، فإن كان عند موجده هذا موجودا على الحال تقدم ، اقتضى موجدا آخر ، وتسلسل الحال إلى ما ليس له نهاية . وإذا تسلسل إلى غير نهاية استحال ، وإذا استحال القول بالقدم ثبت الحدث . وهذا برهان على أن العالم محدَث كائن بعد أن لم يكن ، وأن موجده أوجده إبداعا لا من شيء ([76]) .
واضح من هذا النص أن الباطنية يذهبون إلى القول بحدوث العالم ، فيرون أن الله I قد خلق هذا العالم من سمائه وأرضه وما فيهما ، فخلق العالم يدل على حدوثه .
ويدلّل الداعي حميد الدين الكرماني (تـ411هـ) وجود الله I على حدوث العالم ، فيرى أن الحدوث يستلزم محدِثا ، وهذا المحدِث هو الصانع ، مثلما أن باب المنزل حادث ، ويقتضي فاعلا هو محدِث وصانع له ، وفي ذلك يقول : " لما كان العالم بكليته جسما ذا أجزاء وأبعاض معدودة متغايرة بالأشكال والصور مثل ما نعاين أن صورة الأفلاك والكواكب التي هي أبعاض المعالم غير صورة الماء وصورة النار ، وشكلها غير صورة الأرض والهواء ، وصورة أشخاص المواليد غير صورة الهواء والأفلاك ، وكل ذلك على تباين صورة منتضد ، والبعض بالبعض متصل ، كالباب الذي كله خشب وهو ذو أبعاض وأجزاء ، وصورة بعض أجزائه التي هي الألواح مخالفة لصورة الأجزاء الأخرى التي هي الأعمـدة وغيرها ، فكل ذلك تباين صورته متصل ، والبعض بالبعض منتضد "([77]). ثم ينص قوله بحدوث العالم : " إن العالم محدَث كائن بعد أن لم يكن ، ودليل الافتقار فيه يدلّنا على احتياجه والمحتاج في وجوده إلى غيره يتعلق بالدليل على حدثه ، ذلك أنا شاهدناه تارة يجتمع ، وتارة يفترق ، وكونه لا يبقى على حالة واحدة ، بل توجد فاسدة بعد الكون ، وقد كانت بعد الفساد فهي بهذه الأحـوال تدل على حدثها " ([78]) . وفي موضع آخر ينتقد الداعي ناصر خسرو (تـ نحو470هـ) قول الدهريين بقدم العالم ، فيرى أنهم من أهل التعطيل ، لاعتقادهم بأن العالم قديم لا صانع له ([79]) .
وأكتفي بهذه النصوص خوفا للإطالة ، فالنصوص الباطنية – على حسب المصادر المتوفرة لدينا – كلها تفيد على أن العالم محدَث ، ومن ثم فإنهم في هذه المسألة لا يختلف عن آراء المتكلمين بحدوث العالم ، لأنه خاضع  في مبدأ وجوده للعلّة والمعلول ، والتغيير من الكون إلى الفساد . ولعل نصّا من هذه النصوص وقع عليه الإمام محمد بن الحسن الديلمي الزيدي (تـ711هـ) ، فاضطرب في الحكم على رأي الباطنية في هذه المسألة ، لأنه لم يجد نصا صريحا مؤكدا على أن الباطنية يقولون بقدم العالم ، إذ يقول : " فاعتقادهم في العالم أنه قديم عندهم ، بمعنى أنه لا ابتداء لوجوده ، وإن كانوا يطلقون عليه الحـدوث على قريب من مذهب الفلاسفة في أنه محدَث بمعنى أنه موجود من غيره ، لا بمعنى أنه موجود بعد العدم ، وإذا صحّ أنهم يقولون بما يقوله الفلاسفة من قدم العالم ، فلا شبهة أن الإسلام كله باطل عندهم كما عند الفلاسفة " ([80]) .
فقوله في النص الأخير ( وإذا صحّ أنهم يقولون بما يقوله الفلاسفة إلخ ) يدلنا على أنه ليس على يقين من قول الباطنية بقدم العالم ، فيتردد هل كانوا يعتقدون بقدم العالم أو حدوثه . ولكن أقول ، على الرغم من عدم صراحـة الباطنيين في هذه المسألـة – من خلال نصوصهم – ، فالواقع أنهم يعتقدون بقدم العالم ، ويتضح ذلك في قول أكثرهم – ماعدا الكرماني – بنظرية الفيض الأفلاطونية الحديثة ، حيث إن هذه النظرية تؤدي إلى القول بقدم العالم ، لأنه فائض من القديم .
ومن ناحية أخرى، صرّح الداعي ناصر خسرو (تـ نحو470هـ) بتدبير الكواكب على العالم، وذلك حين سأله أحد : لماذا حين تذكر الكواكب يذكر زحل في البدايـة ، ثم تذكر بقيـة الكواكب، فأجاب: " لأن زحل هو أعلى الكواكب من بين هذه الكواكب السبعة المدبّرة للعالم بتقدير المقدّر الحكيم العليم I ، وهو على الفلك السبع " ([81]) . ويقول باطني مجهول الاسم في كتاب (مسائل مجموعة من الحقائق العالية) : " صار أول ما يتولى من الكواكب زحل ، لأن روحانيات الكواكب هو تدبيرها بعناية مدّبر عالم الطبيعة ، فزحل والمرّيخ آلة لتدبير ما يراد أبعاده وإقصاؤه . والمشتري والزهرة آلة لتدبير ما يراد تقريبه وإدناؤه ، والكل من الكواكب في ذواتها سعود لا نحس فيها " ([82]) . وعلى أية حال ، فإن لكل دورا من هذه الكواكب حكم وتدبير وتقدير ، من ظهور وبطون ، وكشف وستر ، وفعل وانفعال ، والأمهات تستحيل بجزئياتها ، والمواليد بكلياتها ([83]) .

مما سبق يتبين لنا أن نظرية الخلق عند الإسماعيلية الباطنية أو كما يسمونها بـ ( نظرية الإبداع والانبعاث ) تتعارض مع الإسلام تعارضا جوهريا ، لأنهم سلبوا الإرادة عن الله U، وجعلهم صدور العقل الأول عنه ضروريا ، كما ينتقدونهم في الزعم أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد . وكما سبق القول أن هذه النظرية في حقيقتها استعاضة عن نظرية الفيض الأفلاطونية الحديثة ، لأنهم ظنوا أن الكثرة في الموجودات لا يمكن أن تصدر مباشرة عن الوحدة أى عن الله I ، بل الواحد تعالى لا يصدر عنه إلا واحد ، لأن صدور الكثرة عنه تعالى تؤدي إلى تكثر في ذاته . وقد قام علماء الإسلام – ومنهم الجويني ، والغزالي ، وابن رشد ، وابن تيمية ، وابن القيم – بالرد على هذه النظرية وهدمها.
والغريب كل الغرابة ما يحدثنا الدكتور مصطفى غالب عن انكار الباطنيين عملية خلق الإنسان بطريق التناسل ، يقول في ذلك : " إن الإسماعيلية يخالفون كل النظريات التي تقول بأن البشر خلقوا على التناسل ، أى أن الله تعالى خلق أولا إنسانا واحدا ، وخلق منه البشر على التناسل ، لأن هذا القول يجعل منزلة الباري تعالى كمنزلة بعض الرعاة ، الذي يعمد إلى شراء بقرة أو ناقة أو شاة فيبقيها عنده مدّة من الزمن لتتوالد وتتكاثر ، فالله حسب رأيهم – الإسماعيلية – له قدرة على إبداع خلق كثير دفعة واحدة ، كما خلق السماوات والأرض ، والكواكب ، والأمهات دفعـة واحـدة"([84]) .
فهذا القول لا مجال للشك في أنه بعيد عن تعاليم ديننا الحنيف ، فقد تحدث القرآن عن خلق الإنسان ونشأتها ، فالله U هو الذي أنشأنا وخلقنا من نفس واحدة ، هو أبونا آدم u ، وأنه خلق منه زوجه حواء عليها السلام ، ثم تناسل الناس وانتشروا . وقد ورد ذكر "نفس واحدة" أربع مرات في القرآن : يقول الله I : ] يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً [ ([85]) . ويقول الله I : ] وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ [ ([86]) . ويقول الله U : ] هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [ ([87]) . ويقول الله U : ] خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ [ ([88]) . وكل هذه الآيات دالة على قدرة الله U .
إذن ، فقد تناسلنا من أصل واحد ، وذات واحدة ، حتى اجتمعت كثرة هذه الأمة من هذا الجنس في كل جيل . ولسيت كما يزعم الباطنية من أن الله U كمنزلة بعض الرعاة .
وخلاصة القول ، قد اتضح من خلال هذا العرض ، مدى تأثير المذاهب الفلسفية اليونانية على الإسماعيلية الباطنية ، ولذلك نستطيع القول بأن أصولها الفكرية ليست من الإسلام في شيء ، وإنما عبارة عن مجموعة من التصورات الفلسفية وعقائد الأديان المغايرة له ، ففكرهم فكر وافد ، وفلسفة طارئة على الدين .إذن فلا تعدو أفكارهم عن الفكر اليوناني بمذاهبها المختلفة ، فأخذوا عن أرسطو ، وأفلاطون ، وأفلوطين ، وفيثاغوري .
***


(([1])       انظر : في الفلسفة الإسلامية - منهج وتطبيقه - ، د. إبراهيم مدكور 1/22 ، سميركو للطباعة والنشر ، القاهرة ، ط2/بدون تاريخ . تاريخ الفكر العربي إلى أيام ابن خلدون ، د. عمر فرّوخ ، ص 271 . النزعة العقلية في فلسفة ابن رشد ، د. عاطف العراقي ، ص 137 ، دار المعـارف ، القاهرة ، ط5/1993م . فكرة الألوهية عند أفلاطون وأثرها في الفلسفة الإسلامية والغربيـة ، د. مصطفى حسن النشار ، ص 268 . مكتبة مدبولي ، القاهرة ، بدون تاريخ . الحركات الإسماعيلية الباطنية في العالم الإسلامي ، د. محمد الخطيب ، ص 37 .
([2])        الشهرستاني ومنهجه النقدي ، د. محمد حسيني أبو سعده ، ص 88 ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت – لبنان ، ط1/1422هـ - 2002م . ( أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراه قدمها المؤلف إلى قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة . بإشراف : أ.د. محمد عاطف العراقي ) . 
([3])        تاريخ الفلسفة العربية ، حنا الفاخوري و خليل الجر ، 1/204 .
([4])        الملل والنحل ، 1/192 – 193 .
([5])        في الفلسفة الإسلامية – منهج وتطبيقه – ، 2/65 .
([6])        هو رئيس دائرة المطبوعات والبحث الأكاديمي في معهد الدراسات الإسماعيلية بلندن - بريطانيا ، متخصص في الدراسات الإسماعيلية ، وله عدة أبحاث ومنشورات . ومعظمها ترجم إلى اللغة العربية ، منها ( الإسماعيليون - تاريخهم وعقائدهم - ) و ( خرافات الخشاشين و أساطير الإسماعيليين ) .
([7])        والعنوان الأصلي لهذا الكتاب :  ( Mediaeval Ismaili History and Thought )  .
وتتناول فصوله وهي التي غطّت موضوعات مختارة وتطورات لها علاقة بفترة ما قبل الفاطميين ، والفترة الفاطمية والنزارية من التاريخ الإسماعيلي ، تتناول مجالا واسعا ومنوعا من الموضوعات التي تراوحت ما بين قرامطة البحرين وعلاقاتهم بالفاطميين ، والعقيدة الكوزمولوجية الأقدم للإسماعيليين ، والتراث العلمي وتطوّر الفقه في ظل الفاطميين ، إلى فهم الإسماعيليين للآخر ، وأصول الحركات الإسماعيلية النزارية ، ومنظور سلجوقي إلى النزاريين الأوئل ، ونظرة جديدة حول الانتماءات الدينية لنصير الدين الطوسي ، وتراث الجنان عند الإسماعيليين الهنود الخوجا . انظر التمهيد من الكتاب ص 9 .
ويهدف هذا الكتاب – كما يحدّد محرّره – إلى جعل بعض نتائج التبحر الحديث في الدراسات الإسماعيلية المتبعثرة حول جوانب من الفكر والتاريخ الإسماعيليين من العصر الوسيط ، ولاسيما تلك الموضوعات التي لم تلق اهتماما كافيا من قبل الأدب البحّري المعاصر ، في متناول الطلبة والدارسين ، بل وفي متناول الإسماعيليين أنفسهم . ص 24 من الكتاب . ولا شك لمن يقرأ هذا الكتاب ، أنه يُكتب دفاعا عن العقيدة الإسماعيلية الباطنية .
([8])        انظر : المقدمة ص 14 ، دار المدى للثقافة والنشر ، سوريا – دمشق ، ط1/1999م . وقارن : تاريخ الإسماعيلية ، د. عارف تامر ، 4/151 .
([9])        أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة توبنجن ، وهو من الألمان البارزين في الدراسات الإسلامية ومختص في الدراسات الإسماعيلية . ومن مؤلفاته : كتاب "الفاطميون وتقاليدهم في التعليم " . وعنوانه الأصلي :
" The Fatimids and their Traditions of Learning "
([10])      وعنوان الكتاب : " Fragments relatifs a la doctrine des Islmaelis " .
([11])      كوزمولوجيـة الإسماعيليين من لعهـد ما قبل الفـاطميين ، هاينـز هـالم ، ص 83 ، ضمن كتـاب " الإسماعيليون في العصر الوسيط " .
([12])      انظر : راحة العقل ، الداعي حميد الدين الكرماني ، ص 197 . كتاب الافتخار ، الداعي أبو يعقوب السجستاني ، ص 24 . جامع الحكمتين ، ناصر خسرو ، ص 226 وما بعدها . الرسالة المذهبة ، الوزير يعقوب بن كلّس ، ص 72 .
([13])      طائفة الإسماعيلية ، د. محمد كامل حسين ، ص 176 . تاريخ الفلسفة العربية ، حنا الفاخوري و خليل الجر ، 1/204 .
([14])      طائفة الإسماعيلية ، د. محمد كامل حسين ، ص 175 .
([15])      كتاب زهر المعاني ، الداعي إدريس عماد الدين ، ص 191 .
([16])      سورة يس : 82 .
([17])      سورة القلم : 1 .
([18])      طائفة الإسماعيلية ، د. محمد كامل حسين ، ص 175 .
([19])      ويقول الدكتور محمد الخطيب : " أن جميع الطوائف الإسماعيلية الباطنية تؤمن بالتناسخ ، إما بين الإنسان والإنسان كما تقول به الإسماعيلية والدرزية ، أو بين الإنسان والحيوان كما تقول به النصيرية " . الحركات الإسماعيلية الباطنية في العالم الإسلامي ، ص 43 .
                   ولكن الملاحظ أن الإسماعيلية الباطنية خاصة منقسمون في التناسخ إلى قولين ، فذهب بعضهم إلى القول بالتناسخ ، بينما ذهب أكثرهم إلى عدم إثباته – أى التناسخ – . وأقول بهذا الرأي لأن الأغلبية منهم يقولون بمعاد الروح دون الجسد ، وهذا الموقف إن دل على شيء ، فإنما يدل على عدم قبولهم القول بالتناسخ ، ولذلك لا أرى التعميم في هذه المسألة – كما يتضح ذلك في الباب الثاني من هذا البحث إن شاء الله تعالى .
([20])      دائرة المعارف الإسلامية ، هودكسون " مادة الإسماعيلية الباطنية " ، 6/89 ، دار الشعب ، القاهرة ، بدون تاريخ .
([21])      انظر : تاريخ الفلسفة العربية ، حنا الفاخوري و خليل الجر ، 1/207 .
([22])      وكان فيتاغورس أول من وضع لفظة (الفلسفة) إذ قال : " لست حكيما ، فإن الحكمة لا تضاف لغير الآلهة ، وما أنا إلا فيلسوف أى محب الحكمة " . ويتلخص مذهبهم أن هذا العالم أشبه بعالم الأعداد منه بالماء أو النار أو التراب ، وقالوا : إن مبـادئ الأعداد هي عناصر الموجودات ، أو إن الموجـودات أعداد وإن العـالم عدد ونغم . وبهذا أسقطوا من الأجسام الطبيعيـة خصائصها التي تبدو للحواس ، =   = ولم يحتفظوا إلا بما فيها من تناسب ونظام يعبر عنها بأرقام ، وهم أول من قال بالتقمص أو التناسخ في اليونان ، فيعتقدون أن النفس بعد الموت تهبط إلى ( الجحيم ) فتتطهر بالعذاب ، ثم تعود إلى الأرض فتحل جسما بشريا أو حيوانيا أو نباتيا . ولا تزال مترددة بين الأرض والجحيم حتى يتم تطهيرها . انظر : دروس في تاريخ الفلسفة ، د. إبراهيم مدكور ، و الأستاذ يوسف كرم ، ص 22 – 23 ، لجنة التأليف والترجمة والنشر ، القاهرة ، 1944م .
([23])      انظر : هيراقليطس – فيلسوف التغير وأثره في الفكر الفلسفي – ، د. علي سامي النشار وآخرون ، ص 307 – 309 ، دار المعارف ، القاهرة ، 1969م .                
([24])      كتب فيه بابا خاصا بعنوان : " في معرفة الحروف العلوية السبعة " . انظر : ص 47 من الكتاب .
([25])      انظر : ص 58 وما بعدها .
([26])      انظر : ص 236 ، 249 .  
([27])      مفاتيح المعرفة ، ص 251 – 252 .  
([28])      انظر : تاريخ الفلسفة الإسلامية ، ماجد فخري ، 225 ، الدار المتحدة ، بيروت ، 1979م ، ترجمة : د. كمال اليازجي .
([29])      نشأة التفكير الفلسفي في الإسلام ، 2/307 .
([30])      دائرة المعارف الإسلامية ، 3/390 ، دار الشعب ، القاهرة ، بدون تاريخ .
([31])      ماوراء الطبيعة في إيران ، ص 102 ، ترجمة : د. حسين مجيب المصري ، مكتبة الأنجلو المصريـة ، القاهرة ، 1987م .
([32])      الإمامة في الإسلام ، د. عارف تامر ، ص 102 .
([33])      مقدمة مشكاة الأنوار ، ص 11 .
([34])      الحركات الإسماعيلية الباطنية في الإسلام ، 99 . تاريخ الدعوة الإسماعيلية ، ص 41-42 . الإمامة وقائم القيامة ، ص 148 .
([35])      تايخ الإسماعيلية ، 4/151 .
([36])      مجموع الفتاوى ، 13/137 .
([37])      انظر : العواصم من القواصم ، ص 62 .
([38])      تاريخ الفلسفة العربية ، حنا الفاخوري و خليل الجر ، 1/205 .
([39] )       Eassai sur I’Histoire de I’Islamism 260 – 262  - عن اخوان الصفا ، د. عمر الدسوقي ، ص 136 - .
([40])      اخوان الصفا ، د. عمر الدسوقي ، ص 135 – 136 .
([41])           انظر : راحة العقل ، الداعي حميد الدين الكرماني ، ص 207 . كنزل الولد ، الداعي إبراهيم بن الحسين الحامدي ، ص 32 ، 37 . كتاب زهر المعاني ، الداعي إدريس عماد الدين ، ص 43 ، 50 . رسالة ضياء الحلوم ومصباح العلوم ، الداعي علي بن حنظلة ، ص 83 ، ضمن أربع كتب حقانية ، تحقيق : د. مصطفى غالب .
([42])          كنز الولد ، الداعي إبراهيم بن الحسين الحامدي ، ص 1/هامش 2 .
([43])          سورة يس : 82 .
([44])          أدب مصر الفاطمية ، د. محمد كامل حسين ، ص 28 – 29 ، وزارة التعليم العالي ، الإدارة العامة للثقافة ، بدون تاريخ . وانظر : تاريخ الفلسفة الإسلامية ، هنري كوربان ، ص 142 – 143 .
([45])          كنز الولد ، الداعي إبراهيم بن الحسين الحامدي ، ص 39 /هامش 1 .
([46])      مفاتيح المعرفة ، د. مصطفى غالب ، ص 56 .
([47])      مقدمة راحة العقل ، د. مصطفى غالب ، ص 34 .
([48])      كنز الولد ، ص 39 .
([49])      رسالة مطالع الشموس في معرفة النفوس ، ص 19 ، ضمن أربع رسائل إسماعيلية ، تحقيق : د. عارف تامر . وانظر : رسالة مبتدأ العوالم ، الداعي حسن المعدل ، ص 125 ، ضمن أربع كتب حقانيـة ، تحقيق : د. مصطفى غالب .
([50])      انظر : كنـز الولد ، الداعي إبراهيم بن الحسين الحامدي ، 38 . كتاب زهر المعاني ، الداعي إدريس عماد الدين ، ص 33 .
([51])      ويراد بها فيض الكائنات على مراتب متدرجة من مبدأ واحد ، ومنها يتألف العالم لجميعه ، وهذه النظرية قال بها أفلوطين (203 – 269م) ، وأخـذ بها الفارابي وابن سينا ، تفسيرا للوجود ، وتقابل نظرية الخلق ، وتسمى أيضا نظرية الصدور . انظر : المعجـم الفلسفي ، مجمع اللغة العربية بالقـاهرة ، ص 105 – 106 ، الهيئة العامة لشؤن المطابع الأميرية ، 1403هـ - 1983م .
                   يرى أفلوطين أن القول بقدم العالم على ما قال أرسطو يقود إلى الكفر ، وأن القول بخلق العالم حسب ما وردت به الروايات الدينية مناقض للفلسفة ، فأراد أن يلفّق مذهبا لا يثير رجال الدين ، ولا يخالف الفلسفة في الظاهر ، فتبنّى رأى أفلاطون في الفيض بعد أن خرج به من نطاق الفلسفة إلى نطاق الدين ، فقال : إن الوجود الأول هو الله . إن الله يتأمل ذاته فيعقل بذلك نفسَه (يعلم إنه موجود) حينئذ يفيض أو يصدر عنه كائن واحد هو (العقل) الأول . هذا العقل هو صورة الله ولكنه ليس الله نفسَه . ويعود هذا العقل الأول فيتأمل ذاته فيصدر عنه كائن آخر هو (النفس الكلية) التي تملأ العالم . وترجع النفس الكلية بالتأمل في العقل الأول فيفيض منها كوائن متعددة هي نفوس الكواكب ... ثم يستمرّ الفيض فيصدر عن كل كائن كائنات أخر أقلّ شبها بالعقل الأول المطلق (البريء من المادة) وأكثر صلة بالمحسوسات ، حتى تفيض الهيولي ، وهي أدنى دركات الفيض لأنها مادة مطلقة فوضى لا صورة لها ألبتّة . وهكذا نلاحظ أن الفيض إنما هو تسوية بين الروايات الدينية في خلق العالم وبين الرأي الفلسفي ورأي أرسطو على الأخص . تاريخ الفكر العربي إلى أيام ابن خلدون ، د. عمر فروخ ، ص 132 – 133 .
([52])          انظر : رسالة ضياء الحلوم ومصبـاح العلوم ، الداعي علي بن حنظلة ، ص 83 ، ضمن أربع كتب حقانية ، تحقيق : د. مصطفى غالب . كنز الولد ، الداعي إبراهيم بن الحسين الحامـدي ، ص 36 – 39 . مقدمة في دراسة الاتجاهات الفكرية والسياسية في اليمن ، ص 148 – 149 .
([53])      مقدمة الشفاء – الإلهيات – ، دكتور إبراهيم مدكور ، 2/23 ، وزارة الثقافـة والإرشاد القومي ، القاهرة ، 1380هـ - 1960م .
([54])      انظر : جامع الحكمتين ، الداعي ناصر خسرو ، ص 368 ، 371 ، 385 . مقدمة في دراسة الاتجاهات الفكرية والسياسية في اليمن ، د. أحمد عبد الله عارف ، ص 151 وما بعدها .
([55])          راحة العقل ، ص 171 .
([56])          المصدر السابق .
([57])          راحة العقل ، ص 157 . وانظر : رسالة مطالع الشموس في معرفة النفوس ، الداعي شهاب الدين الديلمي ، ص 19 ، ضمن أربع رسائل إسماعيلية ، تحقيق : د. عارف تامر .
([58])          راحة العقل ، ص 175 .
([59])          ولمزيد من التفصيل راجع : الله والإنسان في مذهب أحمد حميد الدين الكرماني ،  د. أحمد الداودي ، ص 122 – 124 . الإمامة والألوهية عند حميد الدين الكرماني ، د. تغريد حسن محمد ، ص 141 ، رسالة دكتوراه غير منشورة ، قدمت إلى قسم الفلسفة ، بكلية الآداب ، جامعة القاهرة ، سنة 2000م . بإشراف : أ.د. صلاح رسلان .
([60])          والجدير بالتنويه إليه ، أن فلاسفة اليونان جميعا لم تكن لديهم فكرة الخلق أو الإحداث من العدم ، بل كانوا يرون قدم العالم وقدم المادة الأولى ، وهذه المادة  ( الماء ، أو الهواء ، أو النار ، أو العناصر الأربعة مجتمعة أو الذرات الديمقريطية ) فهي التي تكونت منها أجزاء العالم ، فالمادة القديمة بذاتها ليست في حاجة إلى موجد يوجدها ، والحركة الأزلية مستغنية عن غيرها ، وإن كان أكثرهم ذهبوا إلى أن نظام العالم حادث . انظر : تاريخ الفلسفة اليونانية ، يوسف كرم ، ص 87 ، طبع لجنة التأليف ، القاهرة ، ط5/1969م . دروس في تاريخ الفلسفة ، د. إبراهيم مدكور ، و يوسف كرم ، ص 107 . ابن تيمية وموقفه من الفكر الفلسفي ، د. عبد الفتاح أحمد فؤاد ، ص 197 ، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر ، الإسكندرية – مصر ، 2001م .
([61])           سورة الحشر : 24 .
([62])           سورة آل عمران : 6 .
([63])           سورة الأنعام : 101 .
([64])           ص 315 من الكتاب .
([65])           الإنصاف ، ص 28 ، مكتبة نشر الثقافة الإسلامية ، 1950هـ .
([66])           ابن سينا ، ص 45 ، منشورات دار ومكتبة دار الهلال ، بيروت – لبنان ، 1979م .
([67])      رسالة جلاء العقول وزبدة المحصول ، ص 119 . ضمن منتخبات إسماعيلية ، تحقيق : د. عادل العوا .
([68])      هو الداعي حسن المعدل من دعاة الذي ولدوا في سورية بعد انتقال الدعوة النـزارية إلى سورية بعد وفاة الخليفة الفـاطمي المستنصر بأمر الله ، لم نقف على أي أثر تاريخي يترجم حيـاة هذا الداعي ، إلا أنه = = عاش خلال السبعين عاما التي اعقبت وفاة شيخ الجبل الثالث (سنان راشد الدين) ، فإذا علمنا أن وفاة سنان راشد الدين كانت عام 589هـ تبين أن الشيخ حسن المعدل عاش ما بين عام 589هـ حتى سنة 659هـ ، ومن مؤلفاته : " معرفة النفس الناطقة والعلوم الغامضة" و "مبتدأ العوالم ومبدأ دور الستر والتقية" . انظر : مقدمة أربع كتب حقانية ، د. مصطفى غالب ، ص 11 .
([69])      معرفة النفس الناطقة ، ص 118 ، ضمن أربعة كتب حقانية . ولمزيد من التفصيل راجـع : الهفت الشريف ، المفضل بن عمر الجعفي ، ص 154 – 158 . و كتاب شجرة اليقين ، الداعي القرمطي عبدان ، ص 145 – 149 . جامع الحكمتين ، الداعي ناصر خسرو ، ص 268 .
([70])      انظر : مفاتيح المعرفة ، د. مصطفى غالب ، ص 296 ، 299 .
([71])      انظر : رسالة معرفة النفس الناطقة ، الداعي حسن المعدل ، ص 118-119 ، ضمن أربع كتب حقانيـة ، تحقيق : د. مصطفى غالب . مفاتيح المعرفة ، د. مصطفى غالب ، ص 299 –300 .
([72])      راحة العقل ، الداعي حميد الدين الكرماني ، ص 357 . ولمزيد من التفصيل انظر : مبتدأ العوالم ، الداعي حسن المعدل ، ص 127 ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، ط2/1987م ، ضمن أربع كتب حقانية ، تحقيق : د. مصطفى غالب . رسالة جـلاء العقول وزبدة المحصول ، الداعي علي بن الوليد ، ص 99 . رسالة زهر بذر الحقائق ، الداعي حاتم بن إبراهيم الحامدي ، ص 165 . كلاهما ضمن منتخبات إسماعيلية ، مطبعة الجامعة السورية ، دمشق ، 1378هـ - 1958م ، تحقيق : د. عادل العوا .
([73])           الفرق بين الفرق ، ص 278 .
([74])           فضائح الباطنية ، ص 39 .
([75])           انظر : ص 182 من الكتاب .
([76])      مطالع الشموس في معرفة النفوس ، ص 19 ، منشورات دار مكتبة الحياة ، بيروت – لنان ، ط2/1978م ، ضمن أربع رسائل إسماعيلية ، تحقيق : د. عارف تامر .
([77])      المصابيح في إثبات الإمامة ، ص 28 – 29 ، دار المنتظر ، بيروت ، ط1/1416هـ - 1996م ، تحقيق : د. مصطفى غالب .
([78])      تاج العقائد ومعدن الفوائد ، ص 18 .
([79])      انظر : جامع الحكمتين ، ص 175 .
([80])      قواعد عقائد آل محمد ، ص 48 .
([81])      جامع الحكمتين ، ص 368 .
([82])      انظر : ص 126 من الكتاب ، ضمن أربعة كتب إسماعيلية ، تحقيق : ر. شتروطمان .
([83])      انظر : كنـزل الولد ، الداعي إبراهيم بن الحسين الحامدي ، ص 147 – 148 .
([84])      الحركات الباطنية في الإسلام ، ص 114 . وانظر : كتاب الكشف ، ص96/هامش 2 .
([85])      سورة النساء : 1 .
([86])      سورة الأنعام : 98 .
([87])      سورة الأعراف : 189 .
([88])      سورة الزمر : 6 .

0 komentar:

Post a Comment