Tuesday, April 19, 2011

أسس الخطاب الديني في الإسلام


أسس الخطاب الديني في الإسلام
The Foundations of Religious Discourse in Islam
الدكتور/ كمال الدين نور الدين مرجوني
كثر الحديث والكلام في الآونة الأخيرة عن ضرورة التجديد في الخطاب الديني أو إعادة النظر في الفكر الإسلامي المعاصر، ودعت إلى ذلك شخصيات علمية عدة من المفكرين وأساتذة الجامعات في العالم الإسلامي -سواء كانوا في الدول العربية أو دول جنوب شرق آسيا وبخاصة في أندونيسيا وفيها حركة علمانية تحت اسم: “Islam Liberal”-، وتناولته مؤتمرات عدّة، ولم يتوقف مثل ذلك الحديث عند حد.
والجدير بالذكر أن الخطاب الدّيني مصطلح معاصر وطريف “Up to date” وحديث الولادة وما زالت طازجة لحدّ الآن، ذاع في العصر الحديث ويكون –دائما- حديث الساعة عند المفكرين والعلماء، وهو في حقيقته إصطلاح فلسفي، يقارب في الدلالة المقولةَ الفلسفية؛ فالخطاب الفلسفي لفلان، هو طريقه ومنهاجه في التفكير والتصوّر وفي التعبير عن أفكاره وتصوراته، وهذا الخطاب يَتَعَارَضُ أو يَتَوَافَقُ مع الخطاب الفلسفي لفلان. وأول من أطلقه الغرب، ولم يُعرف هذا الاصطلاح من قبل في ثقافة المسلمين، لأنه حديث مستحدث، بمعنى أنه ليس مصطلحا له وضع شرعي في الإسلام كالمصطلحات والتعابير الشرعية الأخرى مثل: الإجماع (Consensus)، والإيمان  (Faith) ، والجهاد  (Jihad) ... الخ، وإنما هو مصطلح جديد، اصطلح عليه العلمانيون وآخرون من أهل هذا الزمان.
ومن هنا، يجب التفرقة بين  الخطاب الديني(Religious Discourse)  والنص الديني (Religious Text)، فالنص هو كل ما ثبت وروده عن الله سبحانه وتعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو فوق المحاسبة والاتهام. أما الخطاب الديني فهو ما يستنبطه ويفهمه ويفسره الفقهاء والعلماء من النص الديني أو من مصادر الاجتهاد.
وعلى أية حال، فإن الخطاب الديني في الإسلام يقوم على عدة أسس: القرآن، والسنة، والإجماع، والقياس، وهي المصادر الأربعة التي تقوم عليها الثقافة الإسلامية، وينتج عنها كل فكر إسلامي، وهذه الأسس ترتبط بعضها ببعض إلى حد عدم الانفصال، وتجتمع لتُشكِّل الخطاب الديني الإسلامي، ويحسن بنا تعريف كل الأسس والمصادر الأربعة:
1)     القرآن الكريم: (وهو القرآن المنزل علي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو ما نقل إلينا بين دفتي المصحف بالأحرف السبعة نقلا متواترا). وهو كلام الله عز وجل الأصل المقطوع به عند جميع المسلمين، وهو المصدر الأول للتشريع كما يقول الأصوليون، قال تعالى: ]إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً[ -الإسراء: 9-.
2)     السنة النبوية: وهي «كل ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير». والسنة هي المصدر الثاني للتشريع والاستدلال بها كالاستدلال بالقران تماما لا فرق بينهما من ناحية الاحتجاج، قال الله تعالى: ]فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً[ -النساء :59-، ويكون الرد بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بإتباع سنته من بعده، قال تعالى: ]وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ[ -الحشر: 7-، وعن المقداد بن معد يكرب عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إني أوتيت الكتاب وما يعدله، يوشك شبعان على أريكته أن يقول: بيني وبينكم هذا الكتاب فما كان فيه من حلال أحللناه، وما كان فيه من حرام حرمناه، إلا وانه ليس كذلك».
3)     الإجماع: وهو إجماع الصحابة رضي الله عنهم، وهو حجة باتفاق لأنه قامت الأدلة القطعية على حجيته والخلاف وقع في حجة إجماع من بعدهم وهو الإجماع الوحيد الذي لم يختلف فيه الأصوليون وهو يكشف عن دليل لم يصل إلينا.
4)     القياس: وهو إثبات مثل حكم معلوم في معلوم آخر لاشتراكهما في علة الحكم عند المثبت.
هذه هي المصادر المتفق عليها عند جمهور العلماء، وهي بمجموعها تشكل الأساس الأول الذي قوم عليه الخطاب الإسلامي، وهناك مصادر أخرى مختلف عليها بين العلماء، مثل المصالح المرسلة، والاستحسان، وسد الذرائع، ومذهب الصحابي، وهذه تبقى شبه أدلة وما تفرع عنها بصحيح النظر يعتبر من الثقافة الإسلامية أيضا ويندرج تحت الخطاب الإسلامي.
          بالإضافة إلى أهمية معرفة اللغة العربية، لأن اللغة العربية هي لغة القرآن، وهي لغة الإسلام ووعاء أفكاره ومعارفه، وهي جزء جوهري في إعجاز القران، والقرآن لا يكون قرآنا إلا بها، ونحن متعبدون بلفظه، قال الله تعالى: ]إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ[ -الزخرف: 3-، ولا يمكن الاجتهاد إلا بها، وهي شرط أساسي من شروط الاجتهاد، لأن النصوص الشرعية جاءت من عند الله بلفظها، ولهذا كان من الواجب أن تكون اللغة العربية هي التي يقوم عليها الخطاب الديني، ويجب مزجه باللغة العربية، لأنه بخصائصهما المشتركة تتولد طاقة عظيمة كفيلة بإنهاض المسلمين، فالله سبحانه وتعالى اختار اللغة العربية وعاء للدين لما في اللغة العربية من مزايا وخصائص تمتاز بها عن اللغات الأخرى، والقرآن هو معجزة لرسولنا صلى الله عليه وسلم، وهو دليل على صدق نبوته، وبالتالي هو دليل على صدق الإسلام، وإعجازه ليس مقصورا على العرب دون غيرهم، بل جاء التحدي للعالمين جميعا، قال الله تعالى: ]قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا[ -الإسراء: 88-، ونحن نعلم يقينا أن الإعجاز في القرآن في كيفية صياغة هذا الفكر الراقي بهذه اللغة العربية الراقية بنحو راق لا يرقى إليه ولا إلى شيء منه بشر ولا كل البشر، لذلك كانت اللغة العربية هي الأساس الثاني للخطاب الإسلامي، ولا يمكن أن يفهم هذا الخطاب إلا بلغته.   
ومن ناحية أخرى، فإن اللغة العربية ارتبطت بشعائر الإسلام وعباداته وغدت جزءًا أساسيًّا من لغة المسلم اليوميَّة وفي حياة الأُمَّة الإسلاميَّة؛ لأنَّها ملازمة للفرائض الإسلاميَّة؛ فقد أوجب الإسلام أن تكون إقامة الصلاة وتلاوة القرآن وترتيله، والأذان، ومناسك الحج والدعاء، وسائر الشعائر الدينيَّة، ونحو ذلك باللغة العربية، كما فرض على المسلمين في مختلف الأقطار والأمصار تعلم آي القرآن الكريم وحفظه وفهمه، والإكثار من تلاوته، ويتحتم على الإمام والواعظ إتقان العربية، لكي يفهم أحكام القرآن والسنَّة، ويحسن شرحها وتفسيرها، ومعروف أن أحكام القرآن وتعاليمه لايصح أن تؤخذ إلاَّ من نصه العربي، ولاتعد ترجمته إلى أيِّ لغة إلاَّ تفسيرًا لمعانيه، فلاتستنبط أحكامه منها.
وخلاصة القول إن الخطاب الديني الإسلامي يقوم على أسس أربعة: القرآن، والسنة، والإجماع، والقياس. وتعد هذه الأسس من المصادر التشريعية في الإسلام. ولا عبرة لدعاية العلمانيين بضرورة التحرر من سلطة "النصوص" أي القرآن والسنة. وممن يدعي بهذا العلماني البارز الدكتور نصر أبي زيد القائل: "وقد آن أوان المراجعة والانتقال إلى مرحلة التحرر لا من سلطة النصوص وحدها، بل من كل سلطة تعوق مسيرة الإنسان في عالمنا، علينا أن نقوم بهذا الآن وفورًا قبل أن يجرفنا الطوفان". والعياذ بالله ...  

0 komentar:

Post a Comment