Wednesday, July 14, 2010

CONTEMPORARY RELIGIOUS DISCOURSE (2) في ضوء الخطاب الديني المعاصر

القسم الثاني
التأويل والخطاب الديني المعاصر
Religious discourse & Ta’wil
الدكتور/ كمال الدين نور الدين مرجوني
ظهرت قضية التأويل في الفكر الاسلامى المعاصر إثر ظهور قضية الدكتور نصر أبو زيد، فأصبح التأويل حينذاك قضية ثقافية عامة، وفي نفس الوقت تعد إشكالية التأويل إحدى القضايا الهامة في مجال الدراسات الفلسفية خاصة الفلسفة الدينية، فالتأويل مسألة خطيرة لأنها تتصل ببحث الجوانب الدقيقة في القضايا الدينية. ومن هنا يجدر لنا التوضيح عن معنى التأويل، والعلاقة بين التأويل والإسلام والمسلمين، وتاريخ التأويل لدى المسلمين والفرق الاسلامية.
تعريف التأويل بمعناه اللغوي :
بعد التتبع والرجوع إلى المعاجم اللغوية القديمة للوقوف على أصل الاستعمال اللغوي لكلمة "تأويل" عند العرب، يتبين أن استعمالها كان يدور على معنيين فقط هما:
1) الرجوع، والمآل، والعاقبة، والعود، والمصير، والحقيقة.
2) التفسير، والبيان.
ونورد فيما يلي ما قاله علماء اللغة في معنى التأويل.
المعنى الأول: الرجوع، والمآل، والعاقبة، والمصير، والحقيقة: ففي معاجم اللغة التي ألفت قبل نهاية القرن الرابع الهجري مثل:
- كتاب (تهذيب اللغة) للأزهري، نجده يقول: "الأول الرجوع ، وقد آل يؤول أولا ، وعن الأصمعي آل القطران يؤول إذا خير – أي : تغير - ، قال : وآل مآله يؤوله إيالة إذا أصلحه وساسه ، ويقال : طبخت النبيذ حتى آل إلى الثلث أو الربع أي رجع " ( ). وهكذا نرى أن هذه المادة (أول) عند الأزهري في كل استعمالاتها تفيد معنى الرجوع والعود.
- وفي معجم مقاييس اللغة لابن فارس: "يقال أو الحكم إلى أهله، أي : رجعه، ورده إليهم، وآل جسم الرجل، إذا نحف، أي يرجع إلى تلك الحال. ومن هذا الباب: تأويل الكلام وهو عاقبته، وما يؤول إليه، وذلك قوله تعالى:  هَلْ يَنْظُرُوْنَ إِلاَّ تَأْوِيْلَهُ  - الأعراف: 53 -. يقول: ما يؤول إليه في وقت بعثهم ونشورهم" ( ) .
- وفي جمهرة اللغة: "ويقال: آل الرجل عن الشيء، إذا ارتد عنه" ( ) .
- وفي الصحاح: "آل: أي: رجع، يقال: طبخت الشراب فآل إلى قدر كذا وكذا، أي أرجع "( ).
وعن المعنى الثاني : التفسير والبيان.
ورد في تهذيب اللغة: "التأويل والتفسير واحد، ألت الشيء، جمعته وأصلحته، فكأن التأويل، جمع معان مشكلة بلفظ واضح لا إشكال فيه. التأول والتأويل: تفسير الكلام الذي يختلف معانيه، ولا يصح إلا ببيان غير لفظه" ( ) .
يتضح مما سبق أن المعاجم اللغوية القديمة قد اتفقت على استعمال لفظ التأويل في المعنيين السابقين فقط، وعليهما درجت استعمالات السلف، ومن أقوى ما يدل على ذلك استعمال الرسول صلى الله عليه وسلم لكمة التأويل في هذين المعنيين فقط.
ومن استعماله التأويل بالمعنى الأول : المرجع، والمصير، والحقيقة: قوله في بيان قوله تعالى :  قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ  – الأنعام: 65 -، عندما سئل عن معناها: (أما إنها كائنة ولم يأت تأويلها بعد) ( ) .
ومن استعمال رسول  ذلك بالمعنى الثاني: التفسير والبيان، ما ورد في دعائه لابن عباس رضي الله عنهما، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (اللهم فقهه في الدين ، وعلمه التأويل) ( ) . ولما نزل قوله تعالى:  وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيْلَهُ إِلاَّ اللهُ  – آل عمران: 7 – . قال ابن عباس رضي الله عنهما: "أنا ممن يعلم تأويله"، والمراد بقول ابن عباس السابق يعني به: أنه يعلم تفسيره وبيانه، وكل ما ورد عن ابن عباس من أنه يعلم تأويل القرآن فيجب حمله على معنى التفسير والبيان، ولا يجوز القول بأنه يعلم حقائق تأويل القرآن الخارجية، لأن ذلك من الغيوب التي استأثره الله بعلمها ( ).
فالتأويل الذي قصده ابن عباس والذي دعا به الرسول له، وأخبرنا ابن عباس عن علمه به، هو معرفة معاني الآيات القرآنية التي نقلت عنه.
تعريف التأويل بمعناه الاصطلاحي
وقد ظهرت لكلمة التأويل معنى ثالث في عصور متأخرة لم يكن معروفا في عصر الصحابة والتابعين وتابعيهم ، فلم يظهر إلا متأخرا لدى الفرق الكلامية، والفلاسفة، والصوفية وعلماء الأصول، والبلاغيين.
فقد أطلق المتأخرون معنى للتأويل غير المعنيين السابقين، فقالوا: "التأويل هو صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به" ( ) .
وفي نفس التعريف السابق يقول الإمام الشوكاني (تـ1250هـ): " هو صرف الكلام عن ظاهره إلى معنى يحتمله، أو حمل الظاهر على المحتمل المرجوح " ( ). ويظهر من هذا أن كل متأول يحتاج إلى بيان احتمال اللفظ لما حمله عليه ثم إلى دليل صارف له ( ) .
وهذا هو التأويل الذي يتكلمون عليه في أصول الفقه ومسائل الخلاف، فإذا قال: هذا النص مؤول أو محمول، قال له الآخر: هذا تأويل. وهذا ما يدلنا على أن هذا المعنى للتأويل ظهر في جو بعيد عن المجال اللغوي، خاصة لغة العرب المتقدمة، التي نبهت في استخدامها للتأويل على أنه من آل يوول إذا عاد ورجع، ومنه المآل والمرجع.
ولهذا يؤكد الدكتور الجَلَيَنْدْ على أن التأويل بمعناه الثالث أو الأخير لم يرد في المعاجم المتقدّمة، وإنما ورد في لسان العرب وتاج العروس، وكلاهما من نتاج العصور المتأخّرة عن عصور الرواية والاستشهاد والاحتجاج ( ).
ومن الضرورة الإشارة هنا ، إلى أن مجال التأويل في المفهوم العام عند العلماء كما سبق ذكره ، كله يدور حول المتشابهات، وعلى الرغم من قلة هذه المتشابهات ، فقد اختلف العلماء فيها ( ) . وقد تكلم العلماء في تأويل المتشابهات للرد على المجسمة والمشبهة . ولذلك ، فلا يتطرق التأويل بشيء إلى المحكمات. يقول الله  :  هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا  - سورة ال عمران : 7 -. فيدل ذلك على أن التفسير خاص بالآيات المحكمات لتفصيل مجملها وشرح غامضها، والتأويل ينصب على المتشابهات لبيان دلالتها الصحيحة ( ) . ويذكر الإمام فخر الدين الرازي أن: " جميع فرق الإسلام مقرون بأنه لا بد من التأويل في بعض ظواهر القرآن والأخبار " ( ) . وهذا البعض هو: المتشابه الذي تكلم فيه العلماء مجتهدين، وهم يعلمون أن اليقين الذي هو الصواب، لا يعلمه إلا الله، وذلك مثل المشكلات التي اختلف المتأولون في تأويلها، وتكلم من تكلم على ما أداه الاجتهاد إليه ( ) .
وعلى هذا، فإن التأويل العقلي لبعض نصوص معينة من الآيات المتشابهات والسنة النبوية ، قضية أقرّها بعض المذاهب الكلامية عامة وبخاصة المعتزلة والمتكلمون من الأشاعرة، وأما السلف فقد جنح بعضهم إلى التأويل، حيث فسروا معنى " المعية " في الآيتين من قوله :  أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا  - سورة المجالدة : 7 -. وقوله :  هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ  - سورة الحديد: 4-. بأنها معية العلم لا معية الذات ، لأن الله  افتتح الآيتين بالعلم بهم وختمها به، فدل على أنه أراد العلم بهم وبأعمالهم ، لا أنه نفسه في كل مكان معهم ( ) .
والجدير بالإشارة هنا أن التأويل يحتاج إلى دليل، ويجب على المتأول للنص ما يلي:
1) أن يبين احتمال اللفظ للمعنى الذي ادعاه.
2) وأن يذكر الدليل الموجب للصرف عن المعنى الظاهر، وهذا هو التأويل الذي يتنازع فيه الناس في مسائل الصفات ( ) .
وروي الترمذي عن ابن عباس عن النبي  قال: « اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم ، فمن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ، ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار » ( ). والمراد بهذا كما يرى الإمام القرطبي أن ا النهي يحمل على أحد وجهين:
- الوجه الأول: أن يكون له في الشيء رأي ، وإليه ميل من طبعه وهواه، فيتأول القرآن على وفق رأيه وهواه، ليحتج على تصحيح غرضه ، ولولم يكن له ذلك الرأي والهوى لكان لا يلوح له من القرآن ذلك المعنى. وهذا النوع يكون تارة مع العلم الذي يحتج ببعض آيات القرآن على تصحيح بدعته، وهو يعلم أن ليس المراد بالآية ذلك ، ولكن مقصوده أن يُلبِّس على خصمه. وتارة يكونو مع الجهل، وذلك إذا كانت الآية محتملة فيميل فهمه إلى الوجه الذي يوافق غرضه، ويرجح ذلك الجانب برأيه وهواه ، فيكون قد فسره برأيه. وتارة يكون له غرض صحيح ، فيطلب له دليلا من القرآن ويستدل عليه بما يعلم أنه ما أريد به ، كمن يدعو إلى مجاهدة القلب القاسي ، فيقول : قال الله تعالى : اذْهَبْ إِلَىَ فِرْعَوْنَ إِنّهُ طَغَىَ - طه : 24 - ويشير إلى قلبه، ويومئ إلى أنه المراد بفرعون، وهذا الجنس قد يستعمله بعض الوعاظ في المقاصد الصحيحة، تحسينا للكلام وترغيبا للمستمع ، وهو ممنوع، لأنه قياس في اللغة، وذلك غير جائز.
- الوجه الثاني: أن يتسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية، من غير استظهار بالسماع والنقل فيما يتعلق بغرائب القرآن وما فيه من الألفاظ المبهمة والمبدلة، وما فيه من الاختصار، والحذف، والإضمار، والتقديم والتأخير، فمن لم يحكم ظاهر التفسير وبادر إلى استنباط المعاني بمجرد فهم العربية كثر غلطه، ودخل في زمرة من فسر القرآن بالرأي. وكذا إذا ورد شيء من خبر الرسول  وكان موهوما في العقل، فالعمل بالخبر رغم توهم العقل فيه، ولا يجوز التأويل فيه، أو إذا ورد عنه  وثبت عنه نصّ في شيء لا يحتمل التأويل كان الوقوف عنده ( ) .
ومن هنا كان التأويل الذي يذهب إليه العلماء هو التأويل الناهض على هدى اللغة ومنطق العقل، وموافقة الشرع. وليس التأويل العلماني الذي فسر كثيرا من آيات القرآن على النحو من التأويل الباطني المعروف لدى الشيعة وخاصة الشيعة الإسماعيلية الباطنية ( ).

0 komentar:

Post a Comment