Thursday, June 3, 2010

أسماء علم الكلام

أسماء علم الكلام
الدكتور/ كمال الدين نور الدين مرجوني
اختلفت أقوال العلماء في سبب تسمية هذا العلم بـ "علم الكلام"، فيرى ابن خلدون أن التسمية بنيت "إما على ما فيه من المناظرة على البدع ، وهي كلام صرف ، وليست براجعـة إلى عمل، وإما لأن سبب وضعه والخوض فيه هو تنازعهم في إثبات الكلام النفسي" ( ). ويذكر التفتازاني في كتابه "شرح العقائد النسفية أن التسيمة بعلم الكلام لـ : "كثرة الخوض في المباحث العقدية وغلبة الكلام فيها لمنافحة الخصوم حملتا كتاب مقالات الفرق على تسمية هذه المباحث بالكلام" ( ) . ونُفضِّل ما ذكره ابن خلكان عن سبب هذه التسمية بأن أول خلاف وقع في الدين كان في كلام الله عز وجل أمخلوق أم غير مخلوق، فتكلم الناس فيه، فسمى هذا النوع من العلم كلاما واختص به ( ). وهذه التسمية هي متأخرة لكن قبل ذلك كان الكلام حول أصول الدين أو مسائل التوحيد، فقد ذكر أستاذي الدكتور مصطفى حلمي أن الصحابة تكلموا في أصول الدين ( ). وفي رواية أن الرسول  سئل عن بدء الخلق وكذلك سئل عن بشرية عيسى، فقد روى البخاري ومسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم شرح بعض مسائل أصول الدين لوفد بني تميم ، ثم لوفد اليمن قائلا: "إقبلوا البشرى يا أهل اليمن ، إذ لم يقبلوا بنو تميم ، فقالوا : قد قبلنا يا رسول الله ، جئناك نسألك عن هذا الأمر ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشـه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض" ( ) . وما رواه مسلم أن الرسول  قال: "لا يزال الناس يسألونكم عن العلم حتى يقولوا هذا: الله خلقنا فمن خلق الله ، فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله" ( ) . ويعد المعتزلة أول من أطلق علم الكلام على المباحث العقائدية، فلقبوا المشتغلين به بالمتكلمين، ويظهر أن الجاحظ من أوائل المستخدمين لهذا الاصطلاح، حيث إنه يكثر من استعماله في كتبه ورسائله، ومن ذلك قوله: "فإن كان الخطيب متكلما تجنب ألفاظ المتكلمين، كما أنه إن عبر عن شيء من صناعة الكلام واصفا، أو مجيبا أو سائلا، كان أولى الألفاظ به ألفاظ المتكلمين، إذ كانوا لتلك العبارات أفهم، وإلى تلك الألفاظ أميل، وإليها أحن، وأشغف، ولأن كبار المتكلمين ورؤساء النظارين كانوا فوق أكثر الخطباء، وأبلغ من كثير من البلغاء ( ) .
ولعلم الكلام أسماء متعددة ومتنوعة يصعب للباحث حصرها، ذلك لاختلاف تصورات العلماء عنها، بل يسمي بعلم النظر والاستدلال لكثرة المناظرة فيه، وفيما يلي بعض أسماء هذا العلم:
علم الفقه الأكبر
ويعد الإمام أبو حنيفة النعمان (تـ 150هـ) أول من نسب هذا الاسم لعلم الكلام، وقد حرصت أتباعه على إذاعة هذه التسمية والعمل على شهرتها، وهذا يرجع إلى شهرة كتاب الإمام في هذا العلم وهو المسمى بـ "الفقه الأكبر" ، وقام بعض أتباعه وأنصار مذهبه الفقهي بشرح هذا الكتاب، ونذكر على سبيل المثال: الإمام الماتريدي في كتابه بعنوان واضح: "شرح الفقه الأكبر"، وكذا شرحه الملا علي القاري الحنفية وسماه "منح الروض الأزهر". وشرحه محيي الدين محمد بن بهاء الدين المتوفى : سنة 956 هـ, وجمع فيه: بين الكلام والتصوف وسماه : "القول الفصل ". وشرحه الشيخ أكمل الدين, وسماه "الإرشاد". ونظمه أبو البقاء الأحمدي في ثلاث وعشرين من رمضان سنة 918 هـ، وسماه "عقد الجوهر نظم نثر الفقه الأكبر". وكذلك نظمه: إبراهيم بن حسان الكرمياني المعروف: بشريفي المتوفى: سنة 1016 هـ.
ويرى الشيخ أبو زهرة أن نسبة الفقه الأكبر رواية حماد بن أبي حنيفة إلى أبي حنيفة ليست موضع إجماع من العلماء، كما يرى أن به بعض الموضوعات التي لم تكن مثارة آنذاك، مثل: كرامات الأولياء، والتفرقة بينها وبين ما يجري على أيدي الكفار، كما يذكر أن ترتيب أبي حنيفة للراشدين جاء في الفقه الأكبر على غير ما اشتهر عن أبي حنيفة حيث قدم عثمان على علي ( ). ولكننا نرجح نسبة الفقه الكبر للإمام أبي حنيفة لتوافق أكثر ما جاء فيه مع الكتب الأخرى لأبي حنيفة ، وما نقله عنه أبو جعفر الطحاوي الحنفي. وأما ما ذكره الشيخ أبو زهرة، فمن وجهة نظرنا أنه يحتمل أن يكون أبو حنيفة قد غير بعض آرائه حسب علم وصل إليه من أدلة وجدت ( ).
علم أصول الدين
ويبدو أن هذه التسمية أكثرها دقة وشهرة واستعمالا، ذلك ألف علماء الكلام كتبا كثيرة تحت عنوان هذه التسمية، رغم اختلاف مذاهبهم الكلامية، ومما يدل على ذلك كتاب لمؤسس المذهب الأشعري بعنوان: "الإبانة عن أصول الديانة"، وشرح ابن بطة العكبري الحنبلي (تـ387هـ) هذا الكتاب بعنوان: "الإبانة على أصول السنة والديانة" ولعل المؤلف أضاف التسمية بأصول السنة يهدف إلى بيان أن هذا العلم مقيد بالسنة النبوية، وليس مجرد علم كلام بحت، وكتاب لعبد القاهر البغدادي الأشعري (تـ439هـ ) بعنوان: "أصول الدين"، وكتاب للقاضي أبو يعلى الفراء الحنبلي (تـ 458هـ) بعنوان: "المعتمد في أصول الدين"، وكتاب للإمام الحرمين الجويني الأشعري بعوان: "الشامل في أصول الدين"، وكتاب للإمام الغزالي بعنوان: "الأربعين في أصول الدين"، وكتاب لأبي المعين النسفي الماتريدي بعنوان: "التمهيد في أصول الدين"، وكتاب للإمام الرازي الأشعري: "الأربعين في أصول الدين".
علم التوحيد
ويسمى علم التوحيد لأنه يدور بصورة جوهرية حول الكلام عن وحدانية الله سبحانه وتعالى في الذات والصفات وفي الربوبية والألوهية. وفي شرح العقائد النسفية يسميه التفتازاني علم التوحيد والصفات، حيث يقول: "العلم المتعلق بالأحكام الفرعية – أي العملية – يسمي علم الشرائع والأحكام، وبالأحكام الأصلية أي الاعتقادية يسمى علم التوحيد والصفات ( ) . وقد جعل الشيخ محمد عبده 1323هـ هذا الاسم عنواناً لكتابه في العقيدة "رسالة التوحيد". وقبل ذلك ألف المتكلم المعروف الماتريدي 333هـ كتاباً في الكلام سمّاه "علم التوحيد".
ويغلب على علم الكلام في القرون من الثاني إلى الرابع الهجري البحث في فهم الإيمان وإدراك مضمون العقيدة وتحديد المعاني الغامضة التي وردت في الكتاب والسنة، وبعد القرن الرابع الهجري بدأت مهمة علم الكلام تتركز في توكيد جانب الدفاع عن الإسلام، ويرجع الفضل في ذلك الاتجاه إلى الحملة التي قام بها الحنابلة ضد علم الكلام إذ قال الإمام أحمد في المنـاظرة التي جرت بينه وبين ابن أبي دؤاد في حضرة المعتصم قال: " لست أنا صاحب الكلام وإنما مذهبي الحديث " ( ). وفي هذا ألف ابن قدامة كتابا للرد على المتكلمين بعنوان: "تحريم النظر في كتب أهل الكلام كتاب فيه الرد على ابن عقيل "، إذ كان ابن عقيل أباح علم الكلام وتأويل الآيات المتشابهات.
وكان الأشعري من أوائل الذين ردّوا على دعوى الحنابلة في ذم علم الكلام والنهى عن الخوض فيه، فلقد تناول هذه المسألة في كتاب له بعنوان "رسالة في استحسان الخوض في علم الكلام".
ولأهمية هذا العلم ومكانته في الثقافة الإسلامية ، قام عدد من العلماء بتأريخ هذا العلم، فكتبوا في هذا الصدد بعناوين متعددة: "المقالات ، و الملل والنحل، والفرق"، ككتاب "المقالات" للكعبي، وكتاب "المقالات" للقاضي عبد الجبار المعتزلي، وكتاب "مقالات الإسلاميين" للأشعري، وكتاب "الفرق بين الفرق" للبغدادي، وكتاب "المقالات والفـرق" للقمي الشيعي الإثنى عشري، وكتاب "الفصل في الملل والأهواء والنحل" لابن حزم، وكتاب "الملل والنحل" للشهرستاني، وكتاب "الملل والنحل" لأحمد بن يحيى المرتضى الزيدي.
ويلاحظ صاحب كتاب "تاريخ الفلسفة العربية" أن علم الكلام بالمعنى الذي نفهمه اليوم يشابه علم اللاهوت عند النصارى ( ) أي علم العقائد النصرانية، وهو نظام من التفكير الديني يقتصر في معناه، بسبب نشأته وشكله، على النصرانية وحدها. وتاريخ اللاهوت هو تاريخ الفكر النصراني نفسه، الذي حاول باستمرار أن يوفق بين العقائد الدينية ومقتضيات الفلسفة والعلم. وموضوعات علم اللاهوت النصراني الرئيسية هي: الله، الإنسان، العالم، الخلاص، البعث، الحساب، فهذه الموضوعات تقابل علم الكلام في الإسلام.
_____________
 المراجع:
( ) ابن خلدون، المقدمة، ص 565 .
( ) انظر : التفتازاني، شرح العقائد النسفية، ص 11 من الكتاب .
( ) ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، ص 687 ، ط1/1948م ، طبع القاهرة .
( ) د. مصطفى حلمي ، قواعـد المنهج السلفي ، ص 40 ، 46 ، دار الدعوة بالاسكندرية – مصر ، ط2/1405هـ - 1984م .
( ) صحيح البخاري 9/24 كتاب التوحيد (وكان عرشه على الماء) وكتاب بدء الخلق . وجاء في تلخيص مسلم للقرطبي 1/90 للفظ آخر باب الإيمان .
( ) مسند ابن حنبل ، 2/387 .
( ) الجاحظ ، البيان والتبيان ، 1/139 ، مطبعة الاستقامـة ، القاهرة ، ط4/1375هـ ، تحقيق : حسن السندوبي .
( ) محمد أبو زهرة ، أبو حنيفة ، ص 171 ، در الكتب العلمية ، بيروت ، 1981م .
( ) انظر : د. أبو اليزيد أبو زيد العجمي ، الفقهاء وبحوث العقيدة الإسلامية ، ص 91 وما بعدها ، دار الهداية ، القاهرة، 1985م .
( )سعد الدين التفتازاني ، شرح العقائد النسفية ، ص 100 .
( ) أحمد بن يحيى ابن المرتضى ، طبقات المعتزلة ، ص 125 .
( ) حنا الفاخوري وخليل الجر ، تاريخ الفلسفة العربية، 1/170، دار الجيل، بيروت، ط2/1993م .
وأورد القس جيمس أَنِس تعريف علم اللاهوت قائلا بأنه: "علمٌ يبحث عن الله وصفاته وشرائعه وأعمال عنايته، والتعاليم التي يجب أن نعتقدها، والأعمال التي يجب أن نقوم بها. وهو قسمان: وَحْييٌّ، وطبيعي. ولعلم اللاهوت أربعة أقسام:
(1) الثيولوجيا: ويبحث عن الله وصفاته. ويشمل كل ما يعلّمه الكتاب في وجود الله، وصفاته، والتثليث، وعلاقة الله بالعالم في قضائه وأعمال الخليقة وعنايته بها.
(2) الأنثروبولوجيا: ويبحث في الإنسان. ويشمل كل ما يعلّمه الكتاب عن أصل الإنسان، وطبيعته، وحالته قبل السقوط، وعن سقوطه، وماهية الخطية وما أحدثته خطية آدم في نفسه وفي نسله.
(3) السوتيريولوجيا: ويبحث في الخلاص. ويشمل كل ما يعلّمه الكتاب عن شروط خلاص الإنسان من تجسُّد الفادي، وأنه إله وإنسان معاً، وعمله، وعمل الروح القدس في تخصيص الفداء للمؤمنين وتجديدهم وتبريرهم وتقديسهم، ووسائط النعمة.
(4) الإسخاتولوجيا: ويبحث في الآخرة، ويشمل كل ما يعلّمه الكتاب عن حالة النفس بعد الموت، وفي القيامة، ومجيء المسيح ثانيةً للدينونة العامة، ونهاية العالم، والسماء وجهنم.
وقد زاد بعضهم قسماً خامساً وسمّوه «الإكليزيولوجيا» وهو يبحث في الكنيسة، ويشمل تعليم الكتاب في ماهية الكنيسة وصفاتها وحقوقها ونظامها.
وقد بنينا كتابنا هذا على مبادئ ثابتة، نذكر منها:
(1) إن الكتاب المقدس موحى به من الله، وإنه الدستور الوحيد المعصوم للإيمان والعمل.
(2) إن محور علم اللاهوت هو المسيح وعمله.
(3) إن الخلاص كما يقدِّمه الإنجيل هو من الله، بنعمة مجانية وبوسائط إلهية يستخدم الله البشر لإجرائها، غير أن فعلها العظيم هو بواسطة الروح القدس الذي ينير القلب ويجدّده ويقدسه.
(4) غاية المعرفة الدينية هي إصلاح الجنس البشري وبنيانه في الأخلاق والقداسة والسيرة اللائقة والخدمة الخيرية للعالم، وكل ذلك لمجد الله. راجع: القس جميس أنس، علم اللاهوت النظامي، ص 1 – 52، راجعه ونقَّحه وأضاف إليه: القس منيس عبد النور .
نقلا عن http://www.answering-islam.org/Arabic/Books/Theology/index.html













0 komentar:

Post a Comment