Thursday, June 3, 2010

الأصول المنهجية لعلم الكلام

الأصول المنهجية لعلم الكلام
الدكتور/ كمال الدين نور الدين مرجوني
 للمتكلمين أصول في تناول قضايا الدين أبرزها ثلاثة أصول: وهي تقديم العقل على النقل مطلقا كما هي منهج المعتزلة والزيدية، أو عند التعارض كما هو واضح عند الأشاعرة و الماتريدة، وأما النصوص الشرعية فهي عندهم أدلة لفظية لا تفيد اليقين( ).
ومن هنا فإنهم يرون أن العقل هو المنطلق الأساسي الذي يجب أن يصدر عنه إثبات مسائل العقيدة، ومن أهمها إثبات الصانع وأسمائه وصفاته. فاعتمد المتكلمون في الاستدلال على وجود الله تعالى على أساس حدوث هذا العالم، واحتياجه إلى محدث هو الله تعالى، لهذا بذلوا جهدا كبيرا في إثبات حدوث العالم، والرد على من قال بقدمه. وقد سلكوا في ذلك طرقا متعددة، حصرها صاحب المواقف في أربع طرق، فقال: "قد علمت أن العالم إما جوهر أو عرض، وقد يستدل بكل واحد منهما ، إما بإمكانه أو بحدوثه، فهذه وجوه أربعة :
- الأول : الاستدلال بحدوثه الجواهر: وهو أن العالم حادث، وكل حادث فله محدث.
- الثاني : بإمكانها: وهو أن العالم ممكن، لأنه مركب وكثير، وكل ممكن فله علة مؤثرة.
- الثالث : بحدوثه الأعراض، مثل ما نشاهد من انقلاب علقة، ثم مضغة، ثم لحما ودما، إذ لا بد من مؤثر صانع حكيم.
- الرابع : بإمكان الأعراض : وهو أن الأجسام متماثلة، فاختصاص كل بما له من الصفات جائز ، فلا بد في التخصيص من مخصص له" ( ) .
ويشرح المتكلمون طريق الحديث، فيقولون بأن العالم مركب من جواهر فردة وأعراض، وأن الأعراض لا تبقى زمانين متتالين، وإنما يطرأ عليها التغيير والتحول فهي حادثة، والجواهر لا تتعرى عن الأعراض التي هي ملازمة لها، وما دامت الجواهر لا تنفك عن الأعراض فهي حادثة بحدوثها، لأن ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث ( ) . وما دام العالم مكونا من الجواهر والأعراض – وقد ثبت حدوثها – فالعالم حادث، وإذا ثبت أن العالم حادث كان لا بد له من محدث يخرجه من حيز العدم إلى حيز الوجود.
ونلاحظ أنهم يقدمون بكل هذه المقدمات ليدللوا على قضية اعتبرها القرآن الكريم قضية فطرية في الإنسان، ولا يخفى أن الاستدلال بهذه المقدمات قد كلف أصحابه جهدا كبيرا، إذ لزمهم أن يطيلوا البحث في إثبات الجوهر، وفي إثبات الأعراض وأنها حادثة، ثم في إثبات لزومها للجوهر، كل ذلك ليتم لهم إثبات حدوث العالم بكل ما فيه. ولا شك أن هذا المسلك مع ما عليه من مآخذ واعتراضات مسلك شاق يصعب تصوره على المتخصصين فضلا عن الجمهور، وفيه من الطول، والخفاء ، واللبس، والإبهـام مالا يخفى، فلا يصلح لأن يجعل سبيلا لتحصيل أشرف المطالب وهو الإيمان بالله تعالى. ومن هنا انتقد هذه الطرق كثير من المفكرين منهم: ابن رشد (تـ 595هـ) في كتابه "مناهج الأدلة"، والإمام ابن تيمية (تـ 727هـ) في كثير من كتبه وبالأخص كتابه "درء تعارض العقل والنقل"، وتلميذه ابن قيم الجوزية في كتابه "مدارج السالكين" وغيرهم من العلماء الأجلاء.

فأبطل ابن تيمية هذه الطريقة في الاستدلال على وجود الله، وبين أنها سبب في كل ما التزم المتكلمون من متناقضات في الصفات الإلهية وغيرها، وقد التزموا لأجلها نفي صفات الله مطلقا أو بعضها، والقول بخلق القرآن، وإنكار رؤية الله تعالى في الآخرة، وعلوه على عرشه، إلى أمثال ذلك من اللوازم الباطلة التي التزموها ( ) .
أما الصوفية فطرقهم ليست نظرية – أي غير مركبة من مقدمات ونتائج – وإنما يزعمون أن المعرفة بالله سبحانه وتعالى وبغيره من الموجودات شيء يلقى في النفس عند تجردها من العوارض الشهوانية، وإقبالها بالفكرة على المطلوب، ويحتجون بظواهر من الشرع، مثل قوله تعالى:  وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمَ اللهُ  – البقرة : 283 -، وقوله تعالى:  وَالَّذِيْنَ جَاهَـدُوْا فِيْنَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِيْنَ  – العنكبوت: 69 -. ومن هنا يرى الصوفية -كما يحدثنا الإمام الغزالي- أن التوحيد من علم المكاشفة، وأنه بحر خضم لا ساحل له، وله أربع مراتب: تبدأ باللسان، ثم القلب، ثم الكشف، وأخيرا الفناء، حيث لا يرى الموحد في الوجود إلا الله، ويحذر من الخوض في هذه المرتبة الأخيرة( ). ولهذا تختلف نظرة الصوفية للتوحيد عن غيرهم، فالعامة يعبرون عن إيمانهم بإثبات الوحدانية لله بنفي الشريك والشبيه، أما المتكلون والفلاسفة فيتناولون التوحيد من الناحية النظرية في الغالب، بينما الصوفية فإنهم ينظرون إلى التوحيد على أنه تجربة دينية حية، ومن ثم اتجهوا إلى البحث عن معرفة حقيقته وحكمته. ذلك في رأيهم أن التوحيد كمبدأ روحي، يتصل بحرية الإنسان وتحريره من القيود الحسية، ليترقى في المعراج الروحي أو المقامات، منطلقا إلى الحق المطلق ( ) . وقد انتقد ابن رشد هذه الطريقة الصوفية بأنه إن سلِّم وجودها فهي ليست عامة، ولو كانت هي المقصودة بالناس لبطل النظر، ولكان وجودها بالناس عبثا. والقرآن الكريم إنما هو دعاء إلى النظر والاعتبار، والتنبيه على طرق النظر ( ) .
وعلى أية حال، فإن العقل والنقل لا يتعارضان، وكذلك بين الأدلة النقلية بعضها بعضا، فلا تعارض بين الكتاب والسنة من ناحية، ولا تعارض بين الأحاديث النبوية فيما بينها من ناحية. يقول الشاطبي: "إنه لا تضاد بين آيات القرآن، ولا بين الأخبار النبوية، ولا بين أحدهما مع آخر، بل الجميع على منهج واحد، ومنتظم إلى معنى واحد" ( ) . وقد أصاب ابن تيمية في دحض القول بوقوع التعارض بين العقل والنقل في كتابه الضخم "درء تعارض العقل والنقل" وتابعه ذلك تلميذه ابن قيم الجوزية، حيث قال: "إن معارضـة الوحي بالعقل ميراث عن الشيـخ أبي مرة – أي إبليس -، فهو أول من عارض السمع بالعقل وقدمه عليه، فإن الله لما أمره بالسجود لآدم، عارض أمره بقياس عقلي ... ثم تتبعه الفلاسفة والجهمية ومن تأثر بهم من المتكلمين" ( ) . وأوضح ابن القيم في موضع آخر أن القائلين بوقوع التعارض بين العقل والنقل، إنما وقعوا في ذلك نتيجة جهلين عظيمين: جهل بالوحي، وجهل بالعقل ( ) .

_______________
المراجع:
( ) وسنتحدث بالتفصيل عن مناهج المتكلمين في الفصل الأول، وذلك حينما نتحدث عن كل فرقة الكلامية.
( ) الإيجي، كتاب المواقف، ص 266، الموقف الخامس، طبعة عالم الكتب، بيروت، لبنان .
( ) انظر: الباقلاني، الإنصاف، ص 27 – 28، طبعة عالم الكتب، 1407هـ، بيروت، لبنان، تحقيق : عماد الدين أحمد حيدر. الإسفراييني، التبصير في الدين، ص 153-154، طبعة عالم الكتب، 1403هـ، تحقيق : كمال يوسف حوت.
( ) انظر: ابن تيمية، درء تعارض العقل والنقل، 1/89، 176، 225، طبعة درا الكتب العلمية، 1405هـ . وكتاب آخر لابن تيمية، النبوات، ص 60 وما بعدها، طبعة دار الكتب العلمية، 1402هـ
( ) الغزالي، إحياء علوم الدين، 4/240-242.
( ) راجع: د. كرم أمين أبو كرم، 1997، العبادة عند محي الدين بن عربي، دار الأمين، القاهرة .
( ) انظر: ابن رشد، مناهج الأدلة، ص 150، تحقي : د.محمود قاسم (العميد السابق لكلية دار العلوم جامعة القاهرة) .
( ) الشاطبي، الاعتصام، 2/130 .
( ) ابن قيم الجوزية، الصواعق المرسلة، 3/998. دار العاصمة، الرياض، ط3/1998م، تحقيق: د. علي بن محمد الدخيل.
( ) ابن قيم الجوزية، الصواعق المرسلة، 4/1207.

0 komentar:

Post a Comment