Wednesday, June 9, 2010

الصحابة من وجهة نظر الفرق الشيعية

 الصحابة من وجهة نظر الفرق الشيعية
الدكتور/ كمال الدين نور الدين مرجوني
اختلف الشيعة في تعريف الصحابة، فالزيدية قصروا الصحابة على المهاجرين والأنصار أى فيمن طالت مجالسته لرسول الله  ( ) . وأما الشيعة الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية ، فضيقوا مفهوم الصحبة ، لقصرهم الصحابة على من ناصر الإمام عليّ بن أبي طالب ( ) . يقول الإمام الزيدي القاسم بن محمد (تـ1029هـ) في تعريفه للصحابة : " ومذهبنا وهو الحق .. إنا نقول : الصحابي من طالت مجالسته للنبي  وآله متبعا له ، يشهد بذلك المعلوم من عرف اللغة ، فمتى كان أهل الردّة من بني حنيفة أصحاب النبي  وآله ؟ ومتى كانوا محبوبين مقربين عنده  وآله ؟ ومتى كان أصحاب النبي  وآله مثل همل النعم ؟ وقد بلغ المهاجرون والأنصار عددا اكتفى ببعضه في قهر أهل الردة ( ) . وقد عرّفها قبله الإمام محمد بن الهادي (تـ310هـ) فقال : " إن أصحاب رسول الله  وآله الذين قاموا بالدين ، وكانوا في حقيقة الإيمان ، واتبعوا بالطاعة والإحسان " ( ) .
وربما يثار سؤال هنا ، هل فضّل الإمام زيد جدّه الإمام عليّ بن أبي طالب على الخلفاء الثلاثة : أبو بكر ، وعمر وعثمان  أم لا ؟ .
أورد الشهرستاني رأى الإمام زيد في الصحابة فقال كان زيد يقول : " كان عليّ بن أبي طالب  أفضل الصحابة ، إلا أن الخلافة فوضت إلى أبي بكر لمصلحة رأوها وقاعدة دينية راعوها ، من تسكين نائرة الفتنة ، وتطييب قلوب العامة " ( ) .
ويتضح من هذا النص أن الإمام زيد يصرح بأن عليّا أفضل الصحابة ، لكن الخلافة مناطها المصلحة ، لذلك تنازل عن الإمامة . ومن هنا يرى الدكتور علي سامي النشار استنادا إلى رواية الشهرستاني أن زيدا قد وضع أول أصل من أصول الزيدية وهو إمامة المفضول مع وجود الأفضل بمعنى أنه أقر بإمامة أبي بكر وعمر وعثمان . فعليّ بن أبي طالب أفضل الصحابة إلا أن المصلحة استلزمت تولية أبي بكر ، ثم عمر رضي الله عنهما ، ويرى أنه بذلك ينهدم أصلا من أصول الشيعة ، وهو القول بالنص على عليّ أو الوصيـة ، ويرى أن زيدا قال بهذا المبـدأ تبريرا لموقف جدّه عليّ  ( ) .
والحقيقة أن الإمام زيدا لم يقل بذلك ، وإنما يقول به الزيدية . فمن خلال اطلاعنا على المصادر الزيدية المتوفرة لدينا ، لم نجد أية إشارة تشير إلى ذلك . ومن هنا ، تقرر لدينا أن الإمام زيدا لم يقل أن عليّا أفضل الصحابة ، وإنما يقول به الزيدية على اختلاف فرقها . ومما يؤيد ما ذهبنا إليه ، قول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (منهاج السنة النبوية) ، إذ يقول : " كثير من خيار الشيعة الزيدية يقولون : إن عليّا كان أفضل من أبي بكر ، وعمر ، وعثمان . ولكن كانت المصلحة الدينية تقتضي خلافة هؤلاء لأنه كان في نفوس كثير من المسلمين نفور عن عليّ بسبب من قتله من أقاربهم فما كانت الكلمة تتفق على طاعته فجاز تولية المفضول لأجل ذلك ، فهذا القول يقوله كثير من خيار الشيعة وهم الذين ظنوا أن عليّا كان أفضل وعلموا أن خلافـة أبي بكر وعمـر حق لا يمكن الطعن فيها فجمعوا بين هذا وهذا بهذا " ( ) . ويتضح من هذا النص أن القول بأن عليّا بن أبي طالب أفضل الصحابة هو قول الزيدية ، وليس قولا للإمام زيد .
ولذلك أخطأ الشهرستاني في نسبة هذا القول إلى الإمام زيد ، فالصحيح هو نسبته إلى المذهب الزيدي ، وبالإضافة إلى ذلك ، فإن الإمام زيدا قد ردّد أقوال جدّه الإمام عليّ بن أبي طالب عنه في فضل الإمامين وموالاتهما ، فلم يقل فيهما إلا خيرا ( ) . ففي "نهج البلاغة" أثنى الإمام عليّ  على عمر بن الخطاب  : " لِلّه بلاء فلان ، فقد قوّم الأود وداوى العمد ، خلف الفتنة وأقام السنـة ، ذهب نقيّ الثوب ، قليل العيب ، أصاب خيرها وسبق شرّها ، أدّى إلى الله طاعته واتّقاه بحقه " ( ) .
وقد نقل لنا المؤرخون قول الإمام عليّ في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما : " أبو بكر الصديق إمام الشاكرين ثم يقرأ :  وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ  ( ) . ثم قال : البراءة من أبي بكر هي البراءة من عليّ ولما سأله أحد أصحابه عن قوله تعالى :  وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ  ( ) من هؤلاء ؟ قال : أبو بكر وعمر " ( ) .
هكذا كان موقف الإمام عليّ بن أبي طالب من الشيخين ، وتابعه الإمام زيد ، فلم يقولا فيهما إلا خيرا .
وإذا انتقلنا إلى موقف الزيدية من الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فنجد أنهم مختلفون فيهما : منهم من يطعنهما ، ويفسقهما ، بل يكفرهما ، وهذا ما ذهب إليه الجارودية ( ) . وأما الصالحية أو البترية فيقولون : إن بيعة أبي بكر وعمر ليست بخطأ ، لأن عليّا  سلم ذلك لهما وسكت عن حقه. وكذلك عثمان إلى أن تبرأ منه المسلمون ، فوقفت فيه بعد ذلك ، وشهدت على من حارب عليا بالكفر ( ) . وأما السليمانية أو الجريرية فقالوا : إن بيعة أبي بكر وعمر كانت خطأ لا يستحق عليه اسم الكفر ، ولا اسم الفسوق ، و تهجموا على عثمان بن عفان  ، وطعنوا فيه وحكموه بكفره ، وكفرو على كل من حارب عليا أيضا – منهم : عائشة وطلحة والزبير – ( ) .
ويميل الإمام أحمد بن سليمان (تـ566هـ) في هذه المسألة إلى رأي الجارودية ، حيث يقول بعد عرضه لآراء الفرق والمذهب الإسلامية في الإمامة والصحابة : " وعندنا أن من تقدّم على أمير المؤمنين  ، أو قدم عليه غيره بعد رسول الله  وآله ، فقد ظلمه ، وجحد حقه ، وفسق ، وهو كافر نعمة ، فاسق ظالم ، وقد تهدّد الله الظالمين بالنار والخزي والبوار ، وقد صحّ أنهم ظلموه حقّه ، وأنكروه سبقه ، غير جاهلين ولا شاكّين ، وكذلك من قدّم على الحسن ، والحسين ، والصّـالح من أولادهما عليهم السلام " ( ) . فهذا النص واضح ، لا يحتاج إلى تأويل لصراحة التكفير فيه ، إلا أن التكفير هنا لا يعني بـ " الخروج عن الدين " ، ولكنه كفر النعمة .
والحقيقة أن موقف الزيديـة من الصحابـة موقف الترضى ، وقد بين ذلك الإمـام الهاروني : " إن الذي نذهب إليه في أبي بكر ، وعثمان ، أنهم لم يكونوا أئمة ، وإن الإمام في ذلك الوقت عليّا ، بنص من الرسول  ، وعلى هذا علماء أهل البيت عليهم السلام ، إلا أنا نذهب إلى أن الخطأ الذي كان منهم في ادعاء الإمامة كخطأ من أخطأ في مسألة الوعيد في بعض الوجوه ، وخطأ من أخطأ في نفي القياس وما أشبه ذلك ، ولا يبلغ فيه إلى التكفير ، والتفسيق ، والتضليل ( ) . ومن هنا ، حاول الإمام يحيى بن حمزة (تـ749هـ) استبعاد الزيدية من اعتقاد الإمامية والباطنية في الصحابة ( ) ، فيرى أن ما ذهب إليه الجارودية بالسب على الصحابة بدعة ابتدعها من نفسه ، وفرية افتراها من جهته ، لم يقم عليها دلالة ، ولا برهان ، ولا صدرت عن عقيدة ملزمة وإيمان ، فليس أهلا للمتابعة . وفي ذلك يقول : " وهذه المقالة لا تنسب إلى أحد من أكابر أهل البيت وعلمائهم وأئمتهم " ( ) . ويقول : " إنه ليس أحد من فرق الزيدية أطول إثباتا ، ولا أكثر تصريحا بالسب حق الصحابة من هذه الفرقة أعني الجاروديـة ، فأما سائر فرق الزيدية ، فليسوا بقائلين بإكفار ولا تفسيق ... بل الترضية التي نرضاها مذهبا لنا ، فرضي الله عنهم ، وجزاهم عن الإسلام خيرا " ( ) . ويقول قبله بأن الزيدية ما عدا الجارودية قالوا بالترحم والترضية عليهم ، وهذا هو المشهور من أمير المؤمنين ، وتابعه الإمام زيد بن عليّ زين العابدين ، وجعفر الصادق ، والناصر للحق ، والسيد المؤيد وغيرهم من الأئمة ، فإن هؤلاء ( ) .
ويتضح من هذه النصوص أن الجارودية لا تمثل رأى الزيدية في الصحابة ، لمخالفتهم الفرق الزيدية الأخرى الذين يرون صحة خلافة الشيخين : أبي بكر وعمر وراضين بهما ، وعلى هذا ، فيكفر جمهور الزيدية من الصالحية (البترية) ، والسليمانية (الجريرية) الفرقة الجارودية لذهابهم إلى تكفير الصحابة ( ) . ولعل هذا ما دعى الإمام صالح المقبلي (تـ1108هـ) إلى القول : " ولقد سرى داء الإمامية في الزيدية في هذه الأعصار حتى تظهّر جماعة مُحَّ مذهب الإمامية ، وهو تكفير الصحابة ومن تولاهم " ( ). فيبدو أنه كان يقصد بذلك الجارودية من الزيدية . ذلك واضح في موضع آخر حين يبين الخطوط العريضة لموقف الزيدية من الصحابة ، فيقول : " إنهم ليسوا من الرافضة ، بل ولا من غلاة الشيعة في عرف المتأخرين ، ولا في عرف السلف ، فإنهم الآن مستقر مذهبهم الترضى على عثمان ، وطلحة ، والزبير ، وعائشة رضي الله عنهم ، فضلا عن الشيخين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما ( ) . وبهذا ، أكد الإمام صالح المقبلي (تـ1108هـ) موقف الزيدية من الصحابة – عدا الجارودية – على أنهم ترحموا على الصحابة ورضوا عنهم . ويذكر الإمام الشوكاني (تـ1250هـ) أن الزيدية انقسموا في الحكم على الصحابة إلى فريقين : المصرحون بالترحم عليهم والترضية ، المتوقفون عن الترضية والترحم( ) .
وعلى أية حال ، فإن الزيدية أثنوا على الصحابة على صحة وسلامة إيمانهم ، واستقامتهم على الدين ، ومحبتهم لرسول رب العالمين وولائهم ، ورضاه عنهم ، ومودته لهم ، ونصرتهم له في المواطن التي تزل فيها القدام ، وانتصاره بهم . وما ورد عنه من الثناء عليهم ، وبشارته لهم بالجنة ، وتعظيمه لهم في أكثر أحوالهم . وإذا كان الأمر كذلك ، فإيمانهم مقطوع به ، والموالات في حقهم واجبة ( ) . ولهذا ، يلاحظ الدكتور موسى الموسوي أن السبب الأساسي في الخلاف بين الشيعة الإمامية الإثنى عشرية والفرق الإسلامية الأخرى من أهل السنة وغيرها ، ليس موضوع الخلافة ، بل هو موقف الشيعة من الخلفاء الراشدين وتجريحهم ، الأمر الذي لا يجده عند الشيعة الزيدية وبعض الفرق الأخرى ، ولو سلك الشيعة الإمامية سلوك الزيدية لقلّت الخلافات ولضاقت مساحة الشقاق ، ولكن الشيعة الإمامية وقعت في الخلفاء الراشدين تجريحا وانتقاصا فكانت الفتنة ( ) . وهذا بعنيه مذهب الإسماعيلية الباطنية كما وضّحناه سابقا ، لذلك يقوم علماء الزيدية بالرد عليهم .
ويبين الإمام محمد بن الحسن الديلمي (تـ711هـ) أن الباطنية يكفرون الأمة المسلمة بأجمعها ، ويسمونهم الأمة المنكوسة أى عن رشدها ، ويسمون الأئمـة ، والعلماء ، والفضلاء الطواغيت والأصنام، ويتأولون على هذا جميع آيات القرآن التي فيها ذكر الجبت ، والطاغوت ، واللات ، والعزى وغيرها كقوله  :  اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْــرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَــالِدُونَ  ( ) . فيقول الباطنية في تأويل هذه الآية بأن أول صنم من أصنام الطاغوتية أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ومن كان مثلهم في كل وقت وزمان مثل هؤلاء المنتمين ، مثل يحيى بن الحسين يعني الهادي ، والقاسم بن إبراهيم ، ومحمـد بن عبد الله يعني النفس الزكيـة . ولهذا ، فقد استغرب من هذه الأقـوال ، وقال : " فانظر كيف جعل الباطنية الكفار الملاعين الأئمة من أهل البيت أئمة من الأصنام والطواغيت ، فهل هذا إلا كفر صراح وشرك محض ، بل من لم يكفرهم فيكفر ، وهذا اعتقادهم في أئمة الهدى ، فكيف في سائر المسلمين ... وكيف بمن يجعل جميع الصحابة والتابعين والمسلمين أجمعين من زمن النبي  إلى يومنا هذا كفارا ، والذي يظهرون من حب علي وأولاده السبعة ، فنفاق وكفر أيضا ... فاعلم أن كفرهم يزيد على كفرة الأصنام ، وكفر النصـارى وغيرهم من الأنام " ( ) .
وفي موطن آخر يقرر الإمام الشوكاني (تـ1250هـ) بأنه لم يبلغ إلى سب الصحابة أحد من طوائف ، إلا هؤلاء القرامطة والإسماعيلية ، وأن لهذه الشنعة الرافضة ، والبدعة الخبيثة ، ذيلا هو أشرّ ذيل، وويلا هو أقبح ويل ، وهو أنهم لماّ علموا أن الكتاب والسنة يناديان عليهم بالخسارة والبوار بأعلى صوت ، عادوا السنة المطهرة ، وقدحوا فيها وفي أهلها بعد قدحهم في الصحابة رضي الله عنهم ، وجعلوا المتمسك بها من أعداء أهل البيت ومن المخالفين للشيعة لأهل البيت . فأبطلوا السنة المطهرة بأسرها ( ) . ومن ثم ، أن أكثر ما لدى الرافضة والباطنية ، وأعظم ما يستغلون به ويكتبونه ويحفظونه ، مثالب الصحابة  المكذوبـة عليهم ، ليتوصلوا بذلك إلى ما هو غايـة لديهم السب والغلب لهم ( ) .
ومن هنا ، يقرر الزيدية بأن إسلام الصحابة وخاصة الشيخين مقطوع به لا محالة ، وإيمانهم وإعراض ما عرض مخالفة النصوص ليس فيه إلا مجرد أنه خطأ في النص . فإما أن يكون هذا الخطأ كفرا أو فسقا ، فلم تقم عليه دلالة ولا برهان . إذن فإن أخطأ الصحابة ، ولكن الواجب علينا إحسان الظن بهم في مخالفتهم لهذه النصوص القاطعة على إمامة عليّ بن أبي طالب . لأن دلالة هذه النصوص نظرية ، وربما تشمل على دقة وغموض . فلأجل هذا لم يكن إقدامهم جرأة على الله  ، لما كان مقصود الرسول  معلوما بدقيق النظر ، فلا جرم وجب أن لا يكون خطؤهم كبيرا ، لأن الدلالة لم تدل على أن المخالفة لم تكن كفرا ولا فسقا . قال الإمام جعفر الصادق  : " اللهم إني أحبهما ، وأحب من يحبهما ، وأتولاهما ، وإن كان في قلبي لهما بغض ، فلا تنلني شفاعة جدي محمد  ( ) .
________________________________________

0 komentar:

Post a Comment