Monday, June 7, 2010

-فكرة العصمة -معناها وتاريخها

-فكرة العصمة -معناها وتاريخها
الدكتور/ كمال الدين نور الدين مرجوني
مفهوم العصمة
تحدث العلماء عن معنى المراد بالعصمة، سواء كان من أهل السنة أو من الشيعة على فرقها المختلفة – زيدية ، إمامية ، إسماعيلية.
فالعصمة لغة: هي المنع، وعصمة الله عبده : أن يعصمه مما يوبقه ، وعصمه يعصمه عصما : منعه ووقاه . والعصمة : الحفظ، واعتصم بالله أي امتنع بلطفه من المعصية ( ) .
وأما في الاصطلاح، فقد اختلفت أقوال المذاهب والفرق في التعريف بها :
تعريف أهل السنة :
اختلف أهل السنة في التعريف بالعصمة إلى قولين : فقول عرفها بأنها ملكة أو لطف يفعله الله بالمعصوم مع بقاء اختياره . وقول عرفها بأنها خاصية في النفس أو البدن ، بحيث يمتنع عن المعصوم الذنب. ويحدثنا ذلك الإمام فخر الدين الرازي الأشعري ، حيث يرى انقسام العلماء في التعريف بالعصمة فمنهم على حدّ قوله : " من زعم أن المعصوم هو الذي لا يمكنه الإتيان بالمعاصي ، ومنهم من زعم أنه يكون متمكنا منها . والأوّلون منهم من زعم أن المعصوم هو المختص في بدنه أو نفسه بخاصية تقتضي امتناع إقدامه على المعاصي ، ومنهم من ساعد على كونه مساويا لغيره في الخواص البدنيـة ، لكن فسر العصمة بالقدرة على الطاعة ، وهو قول الحسن الأشعري . والذين لم يسلبوا الاختيار فسروها بأنه الأمر الذي يفعله الله تعالى بالعبد ، وعلم أنه لا يقدم مع ذلك الأمر على المعصية ، بشرط ألا ينتهي فعل ذلك الأمر إلى حدّ الإلجاء " ( ) . ويقول صاحب المواقف عن حقيقة العصمة : " وهي عندنا أن لا يخلق الله فيهم ذنبا ، وعند الحكماء ملكة تمنع عن الفجور ، وتحصل بالعلم بمثالب المعاصي ، ومناقب الطاعات ، وتتأكد بتتابع الوحي بالأوامر والنواهي ، والاعتراض على ما يصدر عنهم من الصغائر ، وترك الأولى ، فإن الصفات النفسانية تكون أحوالا ثم تصير ملكات بالتدريج ، وقال قوم تكون خاصية في نفس الشخص أو في بدنه يمتنع بسببها " ( ) .
تعريف الشيعة الزيدية :
وأما الشيعة الزيدية ، فالعصمة – على حدّ قول الإمام أحمد الشرفي الزيدي (تـ1055هـ) – هي : " رد النفس عن تعمد فعل المعصية أو تعمد ترك الطاعة مستمرا ، أي يمنع نفسه من فعل المعصية ، وترك الطاعة عمدا أبدا ، وذلك لحصول اللطف الحامل على ذلك ، وحصول التنوير للقلب عند عروضها، أي عروض الطاعة والمعصية " ( ) . فهي تأييد إلهي يساعد العبد على ترك المعاصي ، ولكن لا تجبره على ذلك ، ولذلك لا تتنافى مع الاختيار ، كما أنها لا تتعلق بالخطأ ، أو السهو ، أو النسيان ( ) . وإنما تتعلق برجس الذنوب ( ) .
ومن هنا ، يرى الزيدية أن الأنبياء معصومون عن النسيان والخطأ والغفلة والسهو في التبليغ ، وأما في غير التبليغ فغير معصومين ، لأن الله  قد اختارهم لتبليغ رسالته وأداء أمانته ، ولا يجـوز أن يرسل من ينسى شيئا من تبليغ الرسالة أو يسهو عنها أو يكذب ( ) .
تعريف الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية .
وأما عند الشيعة الإمامية الإثنى عشرية ، فتعريفها على حدّ قول الشيخ المفيـد (تـ413هـ) إنها : " الامتناع بالاختيار عن فعل الذنوب والقبـائح عند اللطف الذي يحصل من الله تعالى في حقـه ، وهو لطف يمتنع من يختص به عن فعل المعصية ولا يمنعه على وجه القهر ، أي لا يكون له حينئذ داع إلى فعل المعصية وترك الطاعة مع القدرة عليها " ( ) . وفي نفس المعنى يقول الشريف المرتضى (تـ436هـ) ( ) : " العصمة هي اللطف الذي يفعله الله تعالى ، فيختار العبد عنده الامتناع من فعل القبيح ، فيقال على هذا : إن الله تعالى عصمه بأن فعل له ما اختار عنده العدول عن القبيح ، ويقال : إن العبد معصوم، لأنه اختار عند هذا الداعي الذي فعل له الامتناع من القبيح " ( ) . والعصمة عندهم مطلقا ، فتتعلق بالخطأ والسهو والنسيان وغيرها ( ) ، لذلك قالوا إنه لم يعرف عن الإمام عليّ  أنه أخطأ في تصوّره أو وقع في خطأ وزلة ( ) .
ويحدثنا الإمام أحمد بن يحيى الرتضى الزيدي (تـ840هـ) عن رأي الزيدية والإمامية الإثنى عشرية في العصمة ، فيقول : " ولا تبطل – الإمامة – بالخطأ والنسيان خلاف الإمامية ، وجوزوا الصغائر على الأنبياء لا على الأئمة " ( ) . ولا خلاف في هذه النقطة بين الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية كما يتضح فيما بعد .
والملاحظ من كل هذه التعريفات أن تعريف العصمة عند الزيدية والإمامية يتفق ظاهرا مع القول الأول لأهل السنة وهو التعريف الذي أثبت للمعصوم الاختيار . وكذلك اتفقوا على أن العصمة لطف من الله  للمعصوم ، إلا أن الزيدية والإمامية يقولون بوجوب ذلك على الله ( ) . وأما أهل السنة فيرون أن اللطف تفضّل من الله تعالى للعباد ، وليس واجبا عليه  . فقالوا إن اللطف هو خلق قدرة على الطاعة ، وذلك مقدور لله تعالى أبدا ( ) .
وهذا يعني أن اللطف منحة يمنحها الله  لمن يشاء من عباده ، وأنه تعالى غير ملزم بمنح هذا اللطف أصلا . ويذهب إلى هذا القول من الزيدية الإمام القاسم بن محمد (تـ1029هـ) والإمام أحمـد الشرفي (تـ1055هـ) ويحكيان أن مذهب أهل البيت لا يقول بهذا الوجوب على الله ( ) .
فيما سبق تحدثنا عن تعريف العصمة عند أهل السنة والشيعة على فرقها المختلفة ، أما الآن فسنتكلم عن تاريخ العصمة في الإسلام.
تاريخ العصمة:
اتفقت الأمة على عصمة الأنبياء والرسل دون غيرهم في التبليغ عن الله . غير أن الشيعة جعلوا العصمة للأئمة ، فهي من أهم الأمور في العقائد الدينية عندهم ، حيث نجدهم لم يمدّدوا عصمة الأنبياء والمرسلين إلى أئمتهم فحسب ، بل إنهم أضافوا إلى عصمة أئمتهم من الإضافات ، لذلك جعلوها شرطا أساسيا في الإمامة ، حتى صارت وصفا ملازما لها . والقول بالعصمة جاءت أولا من غلاة الشيعة ، ولم يكن يسلّم به الأئمة الأوّلون ، ثم زاد القول في آخر الدولة الأموية ، وكانت العصمة مسلكا من مسالك الدعوة لآل البيت ( ) .
ويبدو أن السبب الذي أدّت الشيعة إلى القول بعصمة الأئمة ، هو أنه عندما كفروا الصحابة ، وجرحوا في عدالتهم ، وأصبحت سنة رسول الله  التي جاءت عن طريقهم غير ذات جدوى ، ولا قيمة لها بعد التشكيك في أصحاب الرسول  ، وجدوا الحاجة ماسة إلى من يشرع لهم ما يعفيهم من اللجوء إلى الأحاديث النبوية ، فكانت فكرة الإمام (المعصوم) هو البديل الذي سيقوم بتغطية العجز ، وإعطاء ما يحتاج إليه المذهب من المواعظ والحكم .
ولا شك أن هذا عبء يتطلب من الإمام أن يتحلى بصفة العصمة ، لأنه لا مبرر للأخذ بكلامه كعقيـدة، ما لم يكن خاليا من الخطأ ، معصوما من الزلل ، فقالوا بعصمته . وأخطر من ذلك أن قولهم بالعصمة يؤدي إلى الاعتبار بأن ما يصدر عن الأئمة الشيعية هو كقول الله تعالى ورسوله ، ولذلك فإن مصادرهم في الحديث تنتهي أكثر أسانيدها إلى الإمام دون الوصول إلى رسول الله  .
ومن هنا ، أشار دون لدسن إلى أن العصمة فكرة شيعية أصيلة لم تتطرق إليها الأسفار الدينية المسيحية واليهودية ، ولم يقل بها المسلمون الأوّلون في جدالهم المسيحيين ، وأن القرآن نفسه لم يذكر عصمة الأنبياء ( ) . ولكن القاضي عبد الجبار يرى أن مبدأ العصمة قد يكون ورثته الشيعة عن المذهب المجوسي ، ذلك أن المجوس تدّعي في منتظرهم الذي ينتظره أصحابه أنهم لا يكذبون ، ولا يعصون الله ، ولا يقع منهم خطيئة صغيرة ولا كبيرة ( ) .
وإذا كان الأمر كذلك ، فمن الذي يقرر هذه العقيدة من الشيعة لأول مرة ؟ اختلف العلماء في الإجابة على هذا السؤال إلى رأيين :
الرأي الأول :
ذهب بعضهم إلى أن القول بعصمة الأئمة إنما ظهر على يد عبد الله بن سبأ ، وأشار إليه الإمام ابن تيمية بقوله : " أول ما ابتدعت مقالة الغالية في الإسلام من جهة بعض من كان دخل في الإسلام وانتحل التشيع ، وقيل: إن أول من أظهر ذلك عبد الله بن سبأ ... وحينئذ ابتدع القول بأن عليّا إمام منصوص على إمامته ، وابتدع أيضا القول بأنه معصوم " ( ) .
والرأي الثاني :
ذهب بعضهم إلى القول بأن الكلام عن العصمة بدأ من هشام بن الحكم ، حيث نقل الشهرستاني قول هشام أنه كان يجيز على الأنبياء العصيان مع قوله بعصمة الأئمة ، ذلك لأن النبي يوحي إليه فينبه على وجـه الخطأ، والإمام لا يوحي إليه فتجب عصمتـه ( ) . وإليه ذهب القاضي عبد الجبار، فيرى أن القول بعصمة الإمام وأنه لا يجوز عليه الخطأ والزلل في حال من الأحوال ، ولا يلحقه سهو ولا غفلة .لم يعرف في عصر الصحابة والتابعين لهم إلى زمن هشام بن الحكم ، حيث ابتدع هذا القول ( ) . وقد أكد ذلك الباحثـون المعاصرون ( ) . ويلاحظ الدكتور ضياء الدين الريس ، أن هشاما لم يكن أول من قال بالعصمة فقط ، بل أنه أول من قرّر مجمل باقي العقائد الإمامية في صورة علمية منظّمة ، كإثبات نظرية النص ( ) .
وهكذا ، اختلف العلماء في تحديد الحقبة الزمنية التي نشأت فيها عقيدة العصمة، فالرأي الأول ترجع فكرة العصمة إلى عليّ بن أبي طالب على يد عبد الله بن سبأ ، وأما الرأي الثاني فترجعها إلى عهد الصّادق على يد هشام بن الحكم . ونرى من جهتنا رجحان الرأي الأول ، لأن عبد الله بن سبأ يعتبر أول من قال بالعصمة ، وأما هشام بن الحكم فيعتبر أول من نظم نظرية الشيعة ، فليس هو من قال بالعصمة لأول مرة .
_________________________________________________
المراجع
( ) ضحى الإسلام ، أحمد أمين ، 3/234 ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، ط10/1964م .
( ) عقيدة الشيعة ، ص 324 – 326 ، طبع بمصر ، 1946م ، ترجمة : ع . م .
( ) تثبيت دلائل النبوة ، 1/179 .
( ) جامع الرسائل – المجموعة الأولى – ، ص 260 – 262 باختصار ، تحقيق : د. محمد رشاد سالم ، مطبعة المدني ، القاهرة ، ط1/1969م . وانظر : مجموع فتاوى له ، 4/435 .
( ) انظر : الملل والنحل ، 1/185 .
( ) تثبيت دلائل النبوة ، 2/528 .
( ) انظر : نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام ، د. علي سامي النشـار ، 2/194 . الصلة بين التصوف والتشيع ، د. كامل مصطفى الشيبي ، ص 141 .
( ) انظر : النظريات السياسية الإسلامية ، ص 94 ، مكتبة دار التراث ، القاهرة ، ط6/1976م .
( ) انظر : لسان العرب ، 12/403 . مختار الصّحاح ، ص 183 .
( ) محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين ، ص 218 ، مكتبة الكليات الأزهرية ، القاهرة ، بدون تاريخ .
( ) انظر : 3448 من الكتاب .
( ) شرح الأساس الكبير ، 2/272 . وانظر : الجواب المختار ، الإمام القاسم بن محمد ، ص 256 ، ضمن مجموع كتب ورسائل الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد .
( ) الزيدية ، عبد الله بن محمد حميد الدين ، ص 122 ، مركز الرائد للدراسات والبحوث ، صنعا – اليمن ، ط1/1424هـ - 2004م .
( ) انظر : النجاة ، الإمام أحمد بن يحيى بن الحسين ، 168 . كتاب الينابيع في العقائد الصحيحة ، الإمام شرف الدين بن بدر الدين ، ص 318 – 319 .
( ) انظر : كتاب حقائق المعرفة في علم الكلام ، الإمام أحمد بن سليمان ، ص 429 . كتاب ينابيع النصيحة في العقائد الصحيحة ، الإمام شرف الدين بدر الدين ، ص 263 .
( ) شرح عقائد الصدوق ، ص 114 ، تبريز 1371هـ .
( ) هو أبو طالب علي بن الحسين بن موسى القرشي العلوي الحسيني الموسوي البغدادي من ولد موسى الكاظم ، ولد سنة 355هـ ، هو جامع كتاب نهج البلاغة المنسوبة ألفاظه إلى الإمام علي رضي الله عن ، توفي سنة 436هـ ، وأهم مؤلفاته : "حقائق التأويل في متشابه القرآن" و "معاني القرآن" . انظر : سير أعلام النبلاء ، الذهبي ، 17/588 – 590 ، رقم : 394 .
ويرى ابن حزم أن الشريف المرتضى لا يذهب كغيره من علماء الإمامية الإثنى عشرية إلى أن القرآن فيه زيادة ونقص ، بل إنه كان يكفر من قال بذلك ، وينص قوله في ذلك : " من قول الإمامية كلها قديما وحديثا أن القرآن مبـدّل زيد فيه ما ليس منه ، ونقص منه كثير ، وبدل منه كثير حاشا علي ابن الحسين بن موسى ... وكان إماميا يظاهر بالاعتزال ، مع ذلك فإنه كان ينكر هذا القول ويكفر من قاله ، وكذلك صاحباه أبو يعلى ميلاد الطوسي وأبوالـقاسم الرازي " . الفصل في الملل والنحل ، 4/139 .
( ) أمالي المرتضى ، 2/347 ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، ط2/1387هـ - 1967م ، تحقيق : محمد أبو الفضل إيراهيم .
( ) انظر : منهاج الكرامة ، ابن المطهر الحلي ، ص 47 .
( ) الفلسفة والاعتزال في نهج البلاغة ، د. قاسم حبيب جابر ، ص 127 ، المؤسسة الجامعية للدراسات النشر والتوزيع ، بيروت – لبنان ، ط1/1407هـ - 1987م .
( ) البحر الزخار ، 6/576 (كتاب السير) .
( ) ومن هنا ، يذهب الإمامية إلى أن الإمامة لطف من الله  . انظر : الشيعة والإمامة ، محمد الحسين المظفر ، ص 50 . أصل الشيعة وأصوله ، محمد الحسين آل كاشف الغطاء ، ص 74 .
وجدير بالذكر هنا ، أن اللطف وإن كان من أصول المعتزلة ، فإن الشيعة ذاتها قد استعانت به وبوجوب الأصلح على الله ، إلا أنها نقلت هذه النظرية من مجالها الإلهي إلى مجال الجانب السياسي في الإمامة ، فأوجبت على الله نصب الإمام من لدنه لطفا منه بعباده وحجة له عليهم . انظر : العقل والحريـة ، د. عبد الستار الراوي ، ص 406 ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت – لبنان ، ط1/1980م . وليست فكرة اللطف الإلهي ووجوب فعل الأصلح على الله هي الأفكار الوحيدة التي استعارها الشيعة من المعتزلة ، بل إنهم ذهبوا كالمعتزلة إلى أن الوجوب العقلي سابق على الأوامر الشرعيـة . نظرية الإمامة لدى الشيعة الإثنى عشرية ، د. أحمد محمود صبحي ، ص 76 – 77 .
( ) الإرشاد ، الإمام الحرمين الجويني ، ص 300 ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، 1369هـ - 1950م ، تحقيق : محمد يوسف موسى و علي عبد الحميد .
( ) انظر : كتاب الأساس ، الإمام القاسم بن محمد ، ص 132 . شرح الأساس الكبير ، الإمام أحمـد الشرفي ، 2/276 .

0 komentar:

Post a Comment