Monday, March 1, 2010

المعتزلة، النشأة والمنهج

المعتزلة،النشأة والمنهج
الدكتور/ كمال الدين نور الدين مرجوني
تعريف المعتزلة
هناك فارق أساسي بين نشأة الاعتزال كفرقة كلامية مستقلة و بين ظهور مسائلها و أصولها كمسائل كلامية، فأصول الاعتزال هي مثار بحث منذ بواكير الفكر الاسلامي جلها مما خاضت فيه كل المذاهب التي تقدمت نشأة المعتزلة فالقول بالقدر قالت به القدرية والقول بنفي الصفات وخلق القرآن و إنكار رؤية الخالق بالعين قال بها الجهم ( ) .
وُتعدُّ المعتزلة من أهم التيارات الكلامية، حيث ذهب جمهور المؤرِّخين إلى أن حركة الاعتزال نشأت بمفهومها العلمي الدقيق اعتبارا من بداية القرن الثاني الهجري كما أشار إلى ذلك المقريزي ، فقرر أن المعتزلة ظهروا بعد المائة الأولى من الهجرة في زمن الحسن البصري ( )، وأما بالنسبة إلى المكان الذي انطلقت منه حركة الاعتزال فهو البصرة بالعراق. وقويت شوكة المعتزلة في القرن الثالث بتقربهم لخلفاء بني العباس، خصوصاً عندما تبنى فكر الاعتزال القاضي " أحمد بن فرج بن حريز الإيادي" الشهير في تاريخنا باسم أحمد بن أبي دؤاد ( )، فهذا الرجل هو أحد أهم صناع الدولة (السياسية) للمعتزلة، وهي دولة الخليفة المأمون بن هارون الرشيد، تعاظم شأن ابن أبي دؤاد في خلافة المأمون والمعتصم من بعده، وإن كان المعتصم ليس على نفس درجة الثقافة .
وقد نشر ابن أبي دؤاد الفكرة الاعتزالية القائلة بخلق القرآن ودعا لفرضها اجتماعياً بالقوة والتعذيب، وكان السبب في سجن الإمام أحمد بن حنبل لمدة ثلاثين شهراً وجلده بالسياط لكي يطيعه في تبني تلك الفكرة ، غير أنه – أحمد بن حنبل – رحمه الله تعالى صمد رافضاً تلك المقولة برغم مرضه في السجن، بل إنه كاد يفقد حياته ، كان هذا بين يدي الخليفة المعتصم وكان ابن أبي دؤاد يصرخ بأعلى صوته "يا أمير المؤمنين اقتله فإنه كافر" .
وعندما ثارت محنة القول بخلق القرآن في المجتمع البغدادي ، كان علي بن المديني - شيخ الإمام البخاري وصديق أحمد بن حنبل – يقف في البداية مشابهاً لموقف أحمد بن حنبل، بل كان يستغرب ممن لا يكفر القائلين بخلق القرآن، لكن عندما انتقلت المحنة لمرحلة أكثر جدية فأصبح الناس يختطفون من بيوتهم بقوة العسكر ويحبسون ويجلدون، تغير موقف ابن المديني تغيراً حاداً، واستجاب لتلك الضغوط وخضع لها، بل إنه اقترب كثيراً من ابن أبي دؤاد بلديّه، فكلاهما في الأصل من أهل البصرة ( ) .
وتنتسب المعتزلة إلى واصل بن عطاء، المعروف بـ "الغزال"، لأنه كان يلازم الغزالين، ولد سنة (80هـ) بالمدينة، وتوفي سنة (131هـ)، كان أئمة البلغاء المتكلمين في علوم الكلام وغيره، ويعد من أوائل المؤلفين في علم الكلام، وكان خطيباً راوية قد لقي الناس، يقول ابن خلّكان : "كان واصل أحد الأعاجيب ذلك أنّه كان ألثغ، قبح اللثغة في الرّا ، فكان يخلّص كلامه من الرّاء ولا يفطن لذلك، لاقتداره على الكلام وسهولة ألفاظه"، وجالس ابن الحنفية وسمع منه ،واختلف إلى الحسن، وكان طويل الصمت، وكان يظن به الخرس ( ) .
وتميزت هذه الفرقة بالأصول التي تعتبر قاسما مشتركا بين جميع فرقها، وهي:
- أولها: التوحيد.
- ثانيها: العدل.
- ثالثها: الوعد والوعيد.
- رابعها: المنزلة بين المنزلتين.
- خامسها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وهذه تسمى بالأصول الخمسة عند المعتزلة، فمن وجدت جميعها فيه فهو معتزلياً وإلا فلا، أو بتعبير آخر أن الإنسان يكون معتزليا إذ يعتقد بها جميعها، ولا ينقص منها أو يزيد عليها ولو أصلا واحدا. وفي ذلك يقول الخياط المعتزلي: " وليس يستحق أحد منهم اسم الاعتزال حتى يجمع القول بالأصول الخمسة ... فإذا كملت في الإنسان هذه الخصال الخمس فهو معتزلي" ( ). ويقول المسعودي: "فهذا ما اجتمعت عليه المعتزلة ومن اعتقد ما ذكرنا من هذه الأصول الخمسة كان معتزليا، فإن اعتقد الأكثر أو الأقل، لم يستحق اسم الاعتزال، فلا يستحقه إلا باعتقاد هذه الأصول الخسمة، وقد تتوزع فيما عدا ذلك من الفروع( ) .
ومن هنا لا يصح ما قاله الشيخ المفيد الإمامي: "فمن وافق المعتزلة فيما تذهب إليه من المنزلة بين المنزلتين كان معتزليا على الحقيقة وإن ضم إلى ذلك وفاقا لغيرهم من أهل الآراء وغلب عليه اسم الاعتزال ولم يخرج عنه دينونته بما لا يذهب إليه جمهورهم من المقال"( ) . وشاركه في الرأي أيضا المستشرقة سوسنة ديفلد في مقدمتها لطبقات المعتزلة لابن المرتضى حيث تقول: "من لم يقر بجميع الأصول الخمسة ... لم يكن ينفى عنه اسم المعتزلة ... وكيفما كان الحال، فإنه يبدو أنه كان يكفي أن يقر الرجل بقول من أقوال المعتزلة حتى يعد منهم"( ) .
والسوؤال المطروح الآن هو متى ظهر مصطلح الأصول الخمسة؟
لاشك أن واصل بن عطاء هو الذي وضع البذرة الأولى لهذه الأصول الخمسة وفي ذلك يقول الملطي( ) : "وباالبصرة أو ظهور الاعتزال، لأن أبا حذيفة واصل بن عطاء جاء به من المدينة، ويقال معتزلة بغداد أخذوا الاعتزال من البصرة، وأولهم بشر بن المعتمر (تـ 210هـ) فلقي بشر سعيدا وأبي عثمان الزعفراني فأخذ عنهما الاعتزال، وهما صاحبا واصل بن عطاء فحمل الاعتزال والأصول الخمسة إلى بغداد"( ) . لكن هذا المصطلح كان غير واضح عند واصل بن عطاء أوصديقه عمرو بن عبيد لأننا لا نجد في تراثهما ذكر له، حقا إنهم خاضوا في بعض هذه الأصول، ولكن لم يعرف مصطلح الأصول لديها ( ) . وقد عدد البغدادي الأصول التي قال بها واصل بن عطاء ثلاثة أصول فقط وهي على النحو التالي: الحكم على صاحب الكبيرة بأنه منزلة بين المنزلتين، والقول بحرية أفعال العباد، وأن أحد الفريقين المتحاربين في واقعة جمل فاسق( ) . ققد وضح هذا المصطلح تماما عند أبي الهزيل العلاف فكتب في الأصول الخمسة بعض فصول كتبه، ويذكر أنه نص رسالة إلى العامة ما سبقه إليها أحد في حسن الكلام ونظامه يذكر فيها العد والتوحيد والوعد والوعيد( ) . ففلسف أبو الهذيل هذه الأصول الخمسة وأرسى قواعدها وأبرز أصول الاعتزال لول مرة بعد أن حصرها في خمسة أصول، ومن ذلك الوقت أصبح مصطلح الأصول الخمسة العلامة المميزة لكل معتزلي. وتعصبت المعتزلة لهذه الأصول الخمسة فكتبوا الكتب الكثيرة يتبرؤن ممن خالفهم فيها ولو كانوا من آبائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم( ) .
وقد تأثر الزيدية بهذه الأصول الخمسة وهي –التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد( )، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر –، ولكن الزيدية ألغوا أحد أصولهم وهو (المنزلة بين المنزلتين) وأبدلوه بأصل آخر وهو إثبات الإمامة في آل البيت ( ).
وكان الصلة وثيقة بين المعتزلة والزيدية، وعبر ذلك ابن تيمية قائلا: "صار بين المعتزلة والزيدية نسب راجح من جهة المشاركة في التوحيد والعدل"( ) . وبالإضافة إلى ذلك أن الصلة بينهما تتضح من وجوه:
- يروون في كتبهم أن مذهبهم أقدم من نشأته من واصل بن عطاء، ويرجعون أصولهم إلى النبي ، إذ يذكرون أن واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، قد أخذا عن مذهب الاعتزال عن أبي هاشم عبد الله، وأخذه هذا أبيه محمد بن الحنفية، وهذا عن والده علي بن أبي طالب عن النبي ، وقد سئل أبو هاشم عن مبلغ علم أبيه محمد بن الحنفية، فقال: إذا أردتم معرفة ذلك فانظروا إلى أثره في واصل بن عطاء. وقد ذكر المعتزلة في كتبهم الإمام علي بن أبي طالب في الطبقة الأولى من طبقات أئمتهم، والحسن والحسين أبناء علي في رجال الطبقة الثانية، ونسبوا إليهم الاعتزال، وذكروا أيضا الإمام زيد بن علي من رجال الطبقة الثالثة من طبقات أئمتهم( ) .
- وقد بايع واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد محمد النفس الزكية، وخرجت المعتزلة مع الإمام الزيدي إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن أبي طالب أخي النفس الزكية حتى قتل، وقتل معه كثير من المعتزلة( ) .
- ولقد مهد الفكر الاعتزال لأول دولة زيدية في العالم الإسلامي، وحين انتقل إدريس بن عبد الله إلى المغرب، فإن قبيلة (أوربة) التي استجابت لدعوته وسارعت إلى موالاته كانت مهيأة لذلك نتيجة تأثرها بالفكر الاعتزالي، إذ كان واصل بن عطاء قد بعث إليهم أحد تلامذته وهو عبد الله بن الحارث( ) .
- ولم يكن هذا التأثير والتأثر في اتجاه واحد من المعتزلة إلى الزيدية، وإنما كان متبادلا، يدل على ذلك الميل إلى التشيع بين معتزلة بغداد حتى أطلق عليهم (متشيعة المعتزلة)، وكان كثيرون من المعتزلة كمحمد بن عبد الله الاسكافي وغيره ينتسبون إلى زيد بن علي في كتبهم، ويقولون: نحن زيدية، ووصفه الجاحظ في (صنعة الكلام)، ويشهد له بنهاية التقدم فيه، ووصفه جعفر بن حرب في كتابه (الديانة)، وقد شايع الخليفة المأمون الزيدية على أساس صلتهم بالمعتزلة ( ) .
ويلاحظ ابن أبي العز الحنفي استبدال المعتزلة لأصول الإسلام الخمسة بأصولهم الخمسة، وذلك في حديثه عن أصول الإسلام الخمسة والتي أولها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصوم، والحج : "وقد أبدلتها المعتزلة بأصولهم الخمسة التي هدموا بها كثيرا من الدين: فإنهم بنوا أصل دينهم على الجسم والعرض، الذي هو الموصوف والصفة عندهم، واحتجوا بالصفات التي هي الأعراض، على حدوث الموصوف الذي هو الجسم، وتكلموا في التوحيد على هذا الأصل، فنفوا عن الله كل صفة، تشبيها بالصفات الموجودة في الموصوفات التي هي الأجسام، ثم تكلموا بعد ذلك في أفعاله التي هي القدر، وسموا ذلك "العدل"، ثم تكلموا في النبوة والشرائع والأمر والنهي والوعد والوعيد، وهي مسائل الأسماء والأحكام، التي هي المنزلة بين المنزلتين، ومسألة إنفاذ الوعيد، ثم تكلموا في إلزام الغير بذلك، الذي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وضمنوه جواز الخروج على الأئمة بالقتال" ( ) . فهذه أصولهم الخمسة، التي وضعوها بإزاء أصول الدين الخمسة التي بعث بها الرسول. وهذه الأصول منذ أن ظهرت على يد واصل دافع المعتزلة عنها وتبرأوا من مخالفيهم فيها ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم أو أخواتهم أو عشيرتهم( ) .
ويرى المعتزلة أن إثبات هذه الأصول الخمسة تنقسم إلى أقسام ثلاثة:
- القسم الأول: قسم يثبت بالعقل فقط، وهو التوحيد والعدل. إذن فلا دخل للشرع أو النص في إثبات هذيه الأصلين. يقول القاضي عبد الجبار: "بيان هذا أن الكتاب إنما ثبت حجة متى ثبت أنه كلام عدل حكيم لا يكذب ولا يجوز عليه الكذب، وذلك فرع على معرفة الله تعالى بتوحيده وعدله، وأما السنة فلأنها إنما تكون حجة متى ثبت أنها سنة رسول عدل حكيم"( ) . ونتساءل عن هذا الكلام، أنه إذا كان النص كما يزعم المعتزلة لا يمكن أن يستدل به على أصل التوحيد والعدل، فما قيمة الآيات الواردة في القرآن الكريم لتدل على وحدانية الله تعالى، ونفي الشريك والشبيه عنه، ولتدل على عدله بنفي الظلم عنه تعالى؟
- القسم الثاني: قسم يثبت بالنص فقط، وهو أصل "المنزلة بين المنزلتين"، وهو ما يسمى عندهم بـ "مسألة الأسماء والأحكام" وهي مسألة شرعية لا مجال للعقل فيها، لأنها كلام في مقادير الثواب والعقاب، وهذا لا يعلم عقلا.
- وقسم يشترك في إثباته النص والعقل، وهو أصل "الوعد والعيد". وما يتعلق بهما، فهذه الأحكام إنما تعلم بالخطاب وما يتصل به، ولولاه لما صح أن يعلم بالعقل، الصلوات الواجبة، ولا شروطها، ولا أوقاتها، وكذلك سائر العبادات الشرعية. ولكن المعتزلة اختلفوا في طريق إثبات هذا الأصل، فهل بالعقل أو بالسمع أو بهما معا، فأبو هذيل العلاف والنظام ذهبا إلي القول بأن الوعيد إنما يعلم بالسمع( ) ، وأما القاضي عبد الجبار فيرى أن إثبات الوعيد بالعقل والسمع معا ( ) .
وفي أصل "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، فذهب أبو علي إلى أن ذلك يعلم عقلا، ويرى أبو هاشم أنه يعلم عقلا إلا في موضع واحد وهو أن يرى أحدنا غيره يظلم أحدا فيلحقه بذلك غم، فإنه يجب عليه النهي ودفعه دفعا لذلك الضرر الذي لحقه من الغم عن نفسه، فأما فيما عدا هذا الموضع فلا يجب إلا شرعا( ) . وأما القاضي عبد الجبار فيرى إثباته بالنص والعقل معا، حيث قال: "قد دل الكتاب والسنة والإجماع على وجوب ذلك، فقال الله تعالى:  لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ عَلَىَ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وّكَانُواْ يَعْتَدُونَ - المائدة: 78- والأدلة على ذلك لا تحصى، والعقل يبين أن من الإحسان أن نمنع الغير من القبيح ويكون المانع عند ذلك أقرب" ( ) .
يتبين ما سبق أن المعتزلة اتفقوا على أن التوحيد والعدل أصلان يثبتان بالعقل ولا مجال في إثباتهما للسمع، كما اتفقوا على أن الأحكام الشرعية التي ترد في بقية الأصول مما تستقل به الدلالة السمعية، وذلك مثل الثواب والعقاب وما يتعلق بكيفية عذاب القبر من أنه تعالى يبعث ملكين يقال لأحدهما منكر والآخر نكير فيسألانه ثم يعذبانه أو يبشرانه حسب ما وردت به الأخبار، فإن ذلك مما لا يهتدي إليه من جهة العقل، وإنما الطريق إليه السمع. وأما ما يشترك فيه الدلالتان فهو أصل "الوعد والوعيد" وذلك على الوجه الذي بيناه في الخلاف بين أئمة المعتزلة( ) .
وحصيلة الرأي أن هذه الأصول الخمسة كانت وليدة المناقشات التي كانت تقوم بينهم وبين مخالفيهم، فالتوحيد للرد على المشبهة والمجسمة، والعدل كال للرد على الجهمية، والوعد والوعيد للرد على المرجئة، والمنزلة بين المنزلتين جاءت ردا على الخوارج.
وللمعتزلة أسماء أخرى كـ "الوعيدية"، لقولهم بالوعد والوعيد، وسماهم به أحد المرجئة في شعر قاله في هجاء أبي هاشم الجبائي( ) :
يعيب القول بالارجاء حتى يرى بعض الرجاء من الجرائر
وأعظم من ذوي الارجاء جرما وعيدي أصر على الكبائر( ) .
و"العدلية" لقولهم بعدل الله وحكمته، وكذلك سموا أنفسهم بـ "الموحدة" لقولهم لا قديم مع الله( )، يروي المقبلي أن المعتزلة كانوا يطلقون على أنفسهم أهل العد والتوحيد، ولذا يقول: "وتسمى المعتزلة نفسها بالعدلية، وأهل العد والتوحيد"( ) .
بالإضافة إلى أسماء أطلق عليها خصومهم، منها :
- القدرية: ولقد أطلق عليهم خصومهم اسم القدرية ، وذلك لأنهم قالوا بقدرة الناس على أفعالهم، وأنه ليس لله فيها تقدير ( ) . وقد اعترض المعتزلة على هذه التسمية، وقالوا : إن خصومهم أحق بذلك الإسم منهم ، لأن الذي يثبت القدرة لله تعالى أحق أن ينسب إليه من نافيه، ولقد قامت بين الفريقين مناقشات طويلة كل منهما يحاول أن يثبت أن اسم القدرية يلزم الآخر ، وذلك لما ورد عن النبي  من ذم القدرية ( ) .
- الجهمية: ولقد أطلق عليهم أهل السنة اسم "الجهمية" لموافقة المعتزلة قولهم بنفي الصفات، ونفي الرؤية، وخلق القرآن، والتسمية بهذا الإسم واردة في كتاب الإمام أحمد "الرد على الجهمية"، وكتاب البخاري "الرد على الجهمية"، فالجهمية في هذين الكتابين هي الفرقة المعتزلة، وأما أئمة السنة المتقدمون فقد كانوا يردون على الجهمية الأم ( ) .
وبهذا يتضح صلة المعتزلة بالقدرية والجهمية، إذ إن أصل المعتزلة قيما يذهب إليه الكثير يرجع إلى القدرية والجهمية، وعلى ذلك فالقدرية والجهمية هم أسلاف المعتزلة.
ويرى ابن تيمية أن الجهمية أشد تعطيلا من المعتزلة :"فكل معتزلي جهمي وليس كل جهمي معتزليا ، لكن جهم أشد تعطيلا ، لأنه ينفي الأسماء والصفات، والمعتزلة تنفي الصفات ( ) . إذن، فإن ابن تيمية يرى الصلة الوثيقة بين الجهمية والمعتزلة، ولكن المعتزلة تنفي هذه التسمية لكون جهم خارجا عن الإسلام كهشام بن الحكم، ويذكر الخياط المعتزلي أنه قد تكون هناك موافقة بين آراء المعتزلة والفرق الأخرى في بعض المسائل، لكن لا يستحق اسم الاعتزال إلا من يجمع القول بالأصول الخمسة ( ) .
ويبدو أنه على الرغم من ثبوت التأثر والتأثير بين القدرية والجهمية والمعتزلة، إلا أننا يجب أن لا نغفل الاختلاف الجوهري بين هذه الفرق بالإضافة إلى الأصول الخمسة التي جعلتها المعتزلة أساسا للمذهب.
وفي موضع آخر أورد المقريزي مجموعة من أسماء المعتزلة ، منها :
- الحرقية: لقولهم بأن الكفار لا يحرقون إلا مرة واحدة .
- المفنية: لقولهم بفناء الخلدين " الجنة والنار " .
- الواقفية: لقولهم بالوقف في خلق القرآن .
- اللفظية: لقولهم بأن ألفاظ القرآن مخلوقة .
- الملتزمة: لقولهم بأن الله تعالى في مكان .
- القبرية: لإنكارهم عذاب القبر ( ) .
ويذكر ابن المرتضى –المعتزلي الزيدي- أن المعتزلة أنفسهم هم الذي أطلقوا هذا الإسم "المعتزلة"( ) . وليس خصومهم كما ذكر البغدادي ( ) ، ويروي المقبلي أن المعتزلة كانوا يطلقون على أنفسهم أهل العدل والتوحيد والعدلية، وهذا نص قوله : " وتسمى المعتزلة نفسها بالعدلية، وأهل العدل والتوحيد" ( ). والقاضي عبد الجبار (تـ 415هـ) أحد رؤساء المعتزلة يدافع عن التسمية بهذا المعنى، مقررا : "أن كل ما ورد في القرآن من لفظ الاعتزال، فإن المراد منه الاعتزال عن الباطل"، وإن كان الرازي قد فند هذا الرأي بقوله: "فعلم أن اسم الاعتزال مدح، وهذا فاسد لقوله تعالى: وَإِن لّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فَاعْتَزِلُونِ - الدخان: 21-. فإن المراد من هذا الاعتزال هو الكفر"( ).
ومما سبق يتضح أن للمعتزلة أسماء كثيرة منها ما أطلقه الغير عليهم نكاية بهم، ومنها ما أطلقوه على أنفسهم. وعلى أية حال فإن هذه الفرقة سميت بـ "المعتزلة" لاعتزال مؤسسها – وهو واصل بن عطاء – مجلس الحسن البصري بعد خلافه معه حول حكم الفاسق. حيث كان جالساً في الحلقة في المسجد، فجاءه إنسان يسأله فقال: إن الناس قد اختلفوا؛ فما تقول في مرتكب الكبيرة ؟، وكان الخلاف قد اشتد بين يقولون: هو كافر مذهبهم في مرتكب الكبيرة أنه مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته، فهو عندهم مؤمن ناقص الإيمان، وأما فيقولون: هو مؤمن، ويعنون كامل الإيمان، فلما قيل ذلك فقال البصري: لا أراه مؤمناً ولا أراه كافراً وإنما هو منافق، فيقول: كيف نقول أن مرتكب الكبيرة مؤمن وهو يرتكب الكبائر؟ ، وكيف نقول أنه كافر وهو لم يخرج من الملة ؟ ، إذاً، هذا منافق؛ لأن المنافق هو الذي يقول ما لا يفعل، هو الذي يخلف إذا وعد، وهذا الرجل أخلف ونقض عهده مع ربه، يقول بلسانه: أنا مؤمن ويذهب يشرب الخمر. ، وفي حلقته رجلا: فبادرا بالجواب، وقالا للرجل أي السائل: هذا ليس بكافر ولا بمؤمن، فقال السائل: فكيف إذاً ؟ قالا: في منزلة بين المنزلتين؛ فهو في منزلة ليست هي منزلة الكفر ولا منزلة الإيمان، فلا نقول: خرج من الملة بالكلية، ولا نقول: دخل في الكفر، ولكنه في منزلة بين منزلتين. ثم اعتزلا مجلس إلى سارية من السواري، وأخذا يشرحان هذا الكلام للناس، حتى قال: اعتزلنا، فمن هنا سموا .
والجدير بالذكر أن المذهب الاعتزالي انقسم إلى مدرستين هما :
- الأول : المعتزلة البصرية، وهي الأقدم وترجع جذورها إلى أبي حذيفة واصل بن عطاء الغزال والذي تتلمذ على أبي هاشم عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب.
- الثاني :المعتزلة البغدادية، وهي أحدث زمنيا من مدرسة البصرة وترجع جذورها إلى بشر بن المعتمد خريج المدرسة البصرية .
وكان كبار المعتزلة كلهم من أتباع مدرسة أبي هاشم الجبائي من أمثال أبي عبد الله البصري (المتوفى سنة 369 هـ)، وأبي اسحاق بن عياش (القرن الرابع الهجري)، وتلميذهما المشهور القاضي عبد الجبار الهمداني . وقد شهد النصف الثاني من القرن الرابع والربع الأول من القرن الخامس، نهضة علمية ونشاطاً كبيراً عند المعتزلة، خاصة في بغداد والريّ، بسبب الدعم المادي والمعنوي من قبل البويهيين ووزرائهم ورجالهم، خاصة الصّاحب بن عباد (المتوفى سنة 385 هـ) الوزير البويهي الشهير، وهو يعتنق المذهب الزيدي والاعتزالي.
ومن أوجه الاختلاف بينهما ونذكره على سبيل المثال:
- اختلفوا في قضية الإمامة والتفضيل، فبينما فضل البصريون أبا بكر على علي رضوان الله عليهما، فضل البغداديون عليا على أبي بكر دونما قدح في المفضول، وذلك على عكس الإمامية.
- وكما اختلفت البصرية والبغدادية اختلف أبناء المدرسة الواحدة كاختلاف العلاف والنظام في الجزء الذي لا يتجزأ والطفرة وغير ذلك.
- بل حدث الخلاف بين أفراد الأسرة الواحدة كالخلاف بين أبي علي الجبائي وابنه أبي هاشم الجبائي ( ) .
وهذا من الطريف أنهم لم يثروا الفكر النقدي الكلامي من خلال دفاعهم عن مذهبهم ضد خصومهم فحسب، وإنما من خلال جدلهم وخصوماتهم فيما بين أنفسهم، حيث كان زعماؤهم يكفرون بعضهم، ويؤلفون كتبا خاصة للرد على بعض رجالهم. فها هو العلاف -شيخ المعتزلة- يؤلف كتابا الموسوم بـ (الرد على النظام) يفضح فيه النظام ويهاجمه. وها هو جعفر بن حرب يكتب كتابا بعنوان (توبيخ العلاف) خصصه للرد على العلاف، كذلك نجد الكعبي يضع كتابا يهاجم فيه أستاذه الخياط، وإن كان ذلك كله قد عد عاملا أساسيا لانهيار مذهب المعتزلة من الداخل قبل أن ينهار تحت عوامل خارجية( ).



فرق المعتزلة
على الرغم من تأكيد القاضي عبد الجبار الهمذاني على أن الاعتزال ليس مذهباً جديداً أو فرقة طارئة أو طائفة أو أمراً مستحدثاً، وإنما هو استمرار لما كان عليه الرسول  وصحابته، وقد لحقهم هذا الاسم بسبب اعتزالهم الشر لقوله تعالى : وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ وَأَدْعُو رَبّي عَسَىَ أَلاّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبّي شَقِيّاً - مريم: 48-، ولقول الرسول : (من اعتزل الشر سقط في الخير) . فهذا الرأي الذي قدمه القاضي عبد الجبار مخالف تماما للواقع، حيث إن المعتزلة في الحقيقة فرقة كلامية ضخمة تشعب وتتفرق وتتمزق، فتصبح الفرقة فرقاً والشيعة شيعاً، فقد بدأت المعتزلة بفرقة واحدة ذات مسائل محدودة، ثم ما لبثت أن زادت فرقها ، وتكاثرت أقوالها وتشعبت، حتى غدت فرقا وأحزابا متعددة، ذلك لاعتماد المعتزلة على العقل في فهم العقائد وتقصيهم لمسائل جزئية، فقد انقسموا إلى طوائف مع اتفاقهم على المبادئ الرئيسية الخمسة - التي سنشير إليها فيما بعد -، وكل طائفة من هذه الطوائف جاءت ببدع جديدة تميزها عن الطائفة الأخرى. وسمت نفسها باسم صاحبها الذي أخذت عنه.
وقسم البغدادي المعتزلة إلى عشرين فرقة( ) ، وأما الشهرستاني فقسم المعتزلة إلى اثنتى عشر فرقة( ) . ونذكر فيما يلي أهم فرق المعتزلة:
1) الواصلية: وهم أصحاب أبى حذيفة واصل بن عطاء الغزال، توفي سنة 131هـ، كان تلميذا للحسن البصري يقرأ عليه العلوم والأخبار، ثم فارقه بسبب خلافه معه في مسألة مرتكب الكبيرة، وقول واصل فيه بأنه في الدنيا في منزلة بين منزلتين . وكان واصل بن عطاء معروفا بزهده وعبادته، حيث سئلت أخت عمرو بن عبيد وكانت زوجة واصل بن عطاء عن عمل واصل فقالت: "كان واصل إذا جن ليله صف قدمين يصلي، ولوح ودواة موضوعان، فإذا مرت به آية فيها حجة على مخالف جلس فكتبها ثم عاد يصلي ( ) . وهو الذي وضع بعض الأوصول الخمسة للمعتزلة التي يرتكز عليها الاعتزال.
2) العمروية. أتباع عمرو بن عبيد بن باب، مولى بني تميم، ولد سنة 80هـ، وتوفي سنة 144هـ، وعاصر واصل بن عطاء، وقد أصبح شيخ المعتزلة بعد واصل، وشاركه في جميع أقواله وزاد عليه بعض الأقوال، كقول بفسق كلا الفريقين من أصحاب الجمل وصفين، وأنهم خالدون في النار، بخلاف واصل، فإنه يفسق أحد الفريقين لكن لا بعينه، وقد ترتب على هذا: عدم قبول عمرو شهادة رجلين من أحد الفريقين( ) . وخالف عمرو واصلا في رده الأحاديث النبوية( ) .
3) الهذلية: وهم أصحاب أبي الهذيل حمدان بن الهذيل العلاّف شيخ العتزلة ومقدمهم، ولد سنة 135هـ، وتوفي سنة 226 هـ أخذ الإعتزال عن عثمان بن خالد الطويل عن واصل بن عطاء، وكان لأبي الهذيل مناظرات مع المجوس، وهم الثنويه القائلين بوجود إلهين قديمين "النور والظلمة" وكان أبرز رجالات الثنوية (صالح بن عبد القدوس) الذي دخل معه أبو الهذيل في مناظرات طويلة ومناظرة حول كتاب الشكوك. وناظر أبو الهذيل (زادان) تحت الثنوي بحضرة المأمون حول النور والظلمة. ومن أقوال أبي هذيل العلاف: أن حركات أهل الجنة والنار تنقطع وأنهم يصيرون إلى سكون دائم خمودا، وأن الله لا يقدر على تحريكهم، بل يكونون جمادا لا يقدرون على الحركة والبراح في موضعهم، ومع هذا إنهم أحياء يتلذذون لكنهم لا يأكلون ولا يشربون ولا يجامعون ، وتجتمع اللذات في ذلك السكون لأهل الجنة ، وتجتمع الآلام في ذلك السكون لأهل النار ( ) . وكان يقول في الأخبار إن الحجة في الأخبار الماضية الغائبة عن الحواس لا تثبت بأقل من عشرين رجلا فيهم واحد أو أكثر من أهل الجنة، وزعم أن خبر ما دون الأربعة لا يوجب حكما، وخبر ما فوق الأربعة إلى العشرين يصح وقوع العلم به، وقد لا يصح، ذلك أن الحجة لا تجب بأخبار الفاسقين والكافرين، فلا بد من معصومين لا يجوز عليهم الكذب والزلل في شيء من الأفعال تجب الحجة بأخبارهم في كل زمان، وأهل الجنة هو أولياء الله المعصومون عن الخطايا، فلا يكذبون ولا يرتكبون الكبائر، والأمة في كل عصر لا تخلو من عشرين منهم واحد من أهل الجنة على أقل تقدير. وهذا - عند الغدادي – تعطيل الأخبار الواردة في الأحكام الشرعية عن فوائدها، لأن تقلة الأخبار ينبغي أن يكون فيهم واحد من أهل الجنة، أي واحد على رأيه في الاعتزال، لأن من لم يكن كذلك لا يكون عنده مؤمنا ولا من أهل الجنة( ) . وقوله: "إن علم الله سبحانه وتعالى هو الله وقدرته هي هو"( ) . وقوله في القدر مثل ما قاله أصحابه، إلا أنه قدري الأولى جبري الآخرة. فإن مذهبه في حركات الخالدين في الآخرة أنها كلها ضروية، لا قدرة للعباد فيها، وكلها مخلوقة للباري تعالى، إذ لو كانت مكتسبة للعباد لكانوا مكلفين بها( ) . وقوله في المكلف قبل ورود السمع، أنه يجب عليه أن يعرف الله تعالى بالدليل من غير خاطر، وإن قصر في المعرفة استوجب العقوبة أبدا، ويعلم أيضا حسن الحسن، وقبح القبيح، فيجب عليه الإقدام على الحسن كالصدق والعدل، والإعراض عن القبيح كالكذب والفجور( ) . وقوله في الآجال والأرزاق: إن الرجل إذا لم يقتل مات في ذلك الوقت، ولا يزداد في العمر أو ينقص، والأرزاق على وجهين: أحدهما: ما خلقه الله تعالى من الأمور المنتفع بها يجوز أن يقال: خلقها رزقا للعباد. وثانيهما: ما حكم الله به من هذه الأرزاق للعباد، فما أحل منها فهو رزقه، وما حرم فليس رزقا، أي: ليس مأمورا بتناوله( ) .
4) النظامية: أتباع إبراهيم بن يسار بن هانئ النظّام كان قد خلط كلام الفلاسفة بكلام المعتزلة، وانفرد عن أصحابه بمسائل منها قوله: أن الباري سبحانه لا يوصف بالقدرة على أن يزيد في عذاب أهل النار شيئا، ولا على أن ينقص منه شيئا، وكذلك لا ينقص من نعيم أهل الجنة، ولا أن يخرج أحدا من أهل الجنة، وليس ذلك مقدورا له، وقد ألزم بأن يكون البارى تعالى مجبورا على ما يفعله تعالى الله. وقوله في القدر: إن الله تعالى لا يوصف بالقدرة على الشرور والمعاصي، وليست هي مقدورة له خلافا لأصحابه، فإنهم قضوا بأنه قادر عليها، لكنه لا يفعلها، لنها قبيحة، وقال أيضا: إن الله لا يقدر أن يفعل بعباده إلا ما فيه صلاحهم( ) . وقوله في الإرادة: إن الباري تعالى ليس موصوفا بها على الحقيقة، فإذا وصف بها شرعا في أفعاله، فالمراد بذلك أنه خالقها ومنشئها حسب ما علم، وإذا وصف بكونه مريدا لأفعال العباد، فالمعنى أنه آمر بها وناه عنها ( ) . وقوله في الإجماع: إنه ليس بحجة في الشرع، وكذلك القياس في الأحكام الشرعية لا يجوز أن يكون حجة، وإنما الحجة في قول الإمام المعصوم( ) . وبهذا يميل إلى الرفض وطعن الصحابة، وقال: لا إمامة إلا بالنص والتعيين ظاهرا مكشوفا، وقد نص النبي  على علي إلا أن عمر كتم ذلك، وتولى بيعة أبي بكر يوم السقيفة، ونسبه إلى الشك يوم الحديبية حين سأل الرسول ، فقال: ألسنا على الحق؟ .. وقال: إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها، وأنه كان يصيح: أحرقوا دارها، ولم يكن في الدار إلاى علي والحسن والحسين. وعاب عليه أيضا تغريبه نصر بن الحجاج من المدينة إلى البصرة وأمره بالتراويح ونهيه عن متعة الحج. ثم أوقع في عثمان وذكر أحداثه من رده الحكم بن أمية إلى المدينة وهو طريد الرسول  ونفيه أباذر إلى الربذة، وهو صديق الرسول ، وتقليده الوليد بن عقبة الكوفة، وضربه عبد الله بن مسعود على إحضار المصحف، وعلى القول الذي شاقه فيه. ثم عاب عليا وابن مسعود في بعض المسائل. أقول فيها برأيي: وكذب ابن مسعود في روايته (انشقاق القمر) .. وفي روايته (الجن ليلة الجن) إلى غير ذلك من الوقيعة الفاحشة في كبار الصحابة( ) . وقيل أنه انفرد هو وفرقته بأن قالوا: "الإنسان روح من غير جسم"، و"القرآن ليس بمعجزة"، وزعموا أن الإجماع يجوز أن يكون على الضلالة وأنه ليس بحجة ( ) . ومنع العرب عن الاهتمام به جبرا وتعجيزا، حتى لو خلاهم لكانوا قادرين على أن يأتوا بسورة من مثله بلاغة وفصاحة ونظما ( ) . وأعجب النظام قول البراهمة بإنكار النبوات، ولذلك أنكر إعجاز القرآن وما روي عن معجزات الرسول  ليتوصل بذلك إلى إنكار نبوته ، ثم إنه استثقل أحكام الشريعة، قأبطل الطرق الدالة عليها، ومن ثم أبطل حجية الإجماع، والقياس في الفروع، وأنكر الحجة من الأخبار التي لا توجب العلم الضروري، وطعن في فتاوى الصحابة، وأكثر المعتزلة متفقون على تكفير النظام، وممن قال بتكفيره من شيوخ المعتزلة أبو الهذيل والجبائي والأسكافي وجعفر بن حرب( ) .
5) الجبائية: أتباع أبي علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي نسبة إلى جُبّي، توفي سنة 303هـ، ومن آرائه: قوله في الصفات: إن الله لم يزل سميعا بصيرا، ويمتنع من أن يقال: لم يزل سامعا مبصرا، فالله عنده في الأزل سميعا، ولم يكن سامعا إلا عند وجود المسموع، ولم يكن مبصرا إلا عند وجود المرئي، وذلك لأن سامعا ومبصرا متعديان بخلاف سميعا وبصيرا، فلما لم يجز أن تكون المسموعات والمرئيات لم تزل موجودات لم يجز أن يكون سامعا ومبصرا. وقوله في أسماء الله تعالى: إنها يجوز أن تؤخذ قياسا، ويجوز أن يشتق من أفعاله اسم لم يرد به السمع، ولم يأذن به الشرع. وقوله: إن العرض الواحد يجوز أن يكون في محال كثيرة، ويعلل ذلك بقوله: إن الكلام يكتب في محل، فيكون عرضا موجودا فيه، ثم يكتب في محل ثاني فيصير أيضا موجودا فيه من غير أن ينتقل من المحل الأول أو يعدم فيه ( ) . وكان يقول: إن الله سبحانه وتعالى ليس بقادر أن يفني شيئا من أجسام العالم بانفراده، ولكنه إن شاء أفنى العالم بفناء يخلقه لا في محل، فيفنى به جميع العالم( ) . ويعتقد باستحالة بعث الأجسام بعد تفرقها بالموت، ولذلك فإنه يتأول الآيتين الكريمتين، وهما قوله تعالى: يُحِْي اللهُ الْمَوْتَى -البقرة: 73-. وقوله تعالى: وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُوْرِ -الحج: 7-. على معنى أن الله يحيي أرواح الموتى، ويبعث أرواح من في القبور( ) .
6) الخابطية والحدثية: أصحاب أحمد بن خابط (تـ 232هـ) وكذلك الحدثية أصحاب الفضل الحدثي (تـ 257هـ)، كانا من أصحاب النظام وطالعا كتب الفلاسفة، ومن مفردات أقوالهما القول-موافقة للنصارى- بأن المسيح عليه السلام يحاسب الخلق في الآخرة . وكذلك قولهم : أن الرؤيـة التي جاءت في الأحاديث، كقوله : (إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون فى رؤيته) متفق عليه، هي رؤية العقل الأول الذي هو أول مبدع وهو العقل الفعّال الذي منه تفيض الصور على الموجودات، فهو الذي يظهر يوم القيامة وترفع الحجب بينه وبين الصور التي فاضت منه فيرونه كمثل القمر ليلة البدر فأما واهب العقل "الله" فلا يُرى. ومن أقوالهما: إن للخلق ربين وخالقين: الأول: قديم وهو الله، والآخر: حديث. وهو المسيح عليه السلام، وبذلك فقد أثبتا حكما من أحكام الإلهية في المسيح موافقة للنصارى على اعتقادهم أنه هو الذي يحاسب الخلق في الآخرة. وقالا: إن المسيح تدرع جسدا، ونزل إلى الدنيا، وكان قبل التدرع عقلا. ويرى البغدادي أنهما قالا بهذه المقالة موافقة للثنوية في إثبات إلهين( ) . وأما الشهرستاني فيرى أنهما قالا بهذه المقالة موافقة للنصارى، وقالا أيضا بالتناسخ ( ) .
7) البشرية: أصحاب بشر بن المعتمر، توفي في حدود سنة 210هـ، كان من علماء المعتزلة، قال الذهبي: "وكان ... ذكيا فطنا لم يؤت الهدى، وطال عمره فما ارعوى، وكان يقع في أبي الهذيل العلاف وينسبه إلى النفاق" من أقواله :" إن الله تعالى قادر على تعذيب الأطفال وإذا فعل ذلك فهو ظالم ". وقيل أنه انفرد بقولهم : "إن الله لم يخلق طعما، ولا لونا، ولا رائحة، ولا قوة، ولا ضعفا، ولا زمانا، ولا عمى، ولا صما، ولا بكما، ولا شجاعة، ولا جبنا، ولا كسلا، ولا صحة، ولا مرضا، بل الخلق فاعلون ذلك بطباعهم" ( ) . وقوله: إن حركة الجسم توجد في المكان الأول، لا في مكان ثان، ولا واسطة بينهما، وإذا لم يكن بين المكانين واسطة لم يكن هذا الكلام الذي يقوله معقولا، ولم يكن له حقيقة بحال( ) . وقوله: من تاب عن كبيرة ثم راجعها عاد استحقاقه العقوبة الأولى، وقوله هذا مخالف لإجماع المسلمين، لأن المعتزلة، وإن قالوا: إن الفاسق يخلد في النار، فإنهم لا يقولون: إنه يعاقب في النار على ما تاب منه من الذنوب( ) .
8) المردارية: أصحاب عيسى بن صبيح المكنى بأبي موسى الملقب بالمردار، وتوفي في حدود ستة 226هـ، ويسمى راهب المعتزلة، وقد كفر أكثر شيوخه كأبي الهذيل، والنظام وبشر بن المعتمر، وقالوا بتكفيره، وكلا الفريقين محق في تكفير صاحبه( ) . من مفردات أقواله: أن الله تعالى يقدر على أن يكذب و يظلم ولو كذب وظلم كان إلها كاذبا ظالما تعالى الله، وقال إن الناس قادرون على مثل القرآن فصاحة ونظما وبلاغة، وكان مبالغا في القول بخلق القرآن وتكفير من خالفه، وقد سأله إبراهيم بن السندي مرة عن أهل الأرض جميعاً فكفّرهم، فأقبل عليه إبراهيم، وقال الجنة التي عرضها السموات والأرض لا يدخلها إلا أنت وثلاثة وافقوك، فخزي ولم يحر جوابا( ) . وقال في عثمان وقاتليه: إنهم جميعا في النار، لأن عثمان كان قد فسق، وكذلك فاتلوه، لأن فسقه لا يستوجب قتله، فاستحقوا جميعا بفسقهم الخلود في النار( ) .
9) الثمامية: أصحاب ثمامة بن أشرس النميري كان جامعا بين سخافة الدين وخلاعة النفس، توفي سنة 213هـ، يقول الأسفراييني: إن هذا المبتدع يظهر البدعة ويخفي الإلحاد( ) . انفرد عن أصحابه المعتزلة بمسائل منها قوله: في الكفار والمشركين والمجوس واليهود والنصارى والزنادقة والدهرية أنهم يصيرون في القيامة ترابا، وكذلك قال: في البهائم والطيور وأطفال المؤمنين. وبالغ في الوعيد فجعل من مات من المسلمين مصرا على كبيرة واحدة مخلدا في النار مع فرعون وأبي لهب، (وكان المعتزلة قبله يرون أنه يخفف عنه العذاب)، وقال: إنه لا فعل للإنسان إلا الإرادة، وما عداها فهو حدث لا محدث له، وحكى عنه أنه قال: العالم فعل الله تعالى بطبعه، أي أن الكون نتيجة قوة طبيعية كامنة في الله سبحانه وتعالى، وليس نتيجة مشيئة واختياره . وقال: إن من لم يعرف الله سبحانه وتعالى ضرورة ليس عليه أمر ولا نهي، وأن الله خلقه للسخرة والاعتبار، لا التكليف كما خلق البهائم لذلك، ثم ركب على هذا فقال: عوام الدهرية والزنادقة في الآخرة لا يكونون في جنة ولا نار، بل إن الله يجعلهم ترابا. وقال: إن دار الإسلام دار شرك، ويحرم السبي لأن المسبي ما عصى ربه إذ لم يعرفه، وإنما المعاصي من عرف ربه بالضرورة ثم ححده أو عصاه( ) .
10) الهشامية: أصحاب هشام بن عمرو الفوطي، توفي سنة 226هـ، كان مبالغا في نفي القدر، وكان يمتنع من إطلاق إضافات أفعال إلى الباري تعالى وإن ورد بها التنزيل، منها قوله : أن الله لا يؤلف بين قلوب المؤمنين بل هم المؤتلفون باختيارهم( )، وقد ورد في التنزيل : وَأَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً مّآ أَلّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلََكِنّ اللّهَ أَلّفَ بَيْنَهُمْ إِنّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ - الأنفال: 63 -، ومنها قوله : أن الله لا يحبب الإيمان إلى المؤمنين ولا يزينه في قلوبهم، وقد قال الله تعالى : وَاعْلَمُوَاْ أَنّ فِيكُمْ رَسُولَ اللّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مّنَ الأمْرِ لَعَنِتّمْ وَلََكِنّ اللّهَ حَبّبَ إِلَيْكُمُ الأِيمَانَ وَزَيّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلََئِكَ هُمُ الرّاشِدُونَ - الحجرات: 7 -، ومن أقواله : أن الجنة والنار ليستا مخلوقتين الآن، إذ لا فائدة في وجودهما جميعا خاليتان مما ينتفع أو يتضرر به، ويكفر من قال إنهما مخلوقتان الآن، وقوله هذا زيادة على مذهب المعتزلة في الجنة والنار، إذ أنهم لا يكفرون من قال بذلك، بل يقتصرون على القول الأول فقط( ) . وقال كذلك: أن النبوة جزاء على عمل وأنها باقية ما بقيت الدنيا. وقال: إن الأعراض لا تدل على كون الباري خالقا، ولا تصلح دلالات بل الإجسام هي التي تدل على كونه خالقا. وقال: إن الإمامة لا تنعقد في أيام الفتنة واختلاف الناس، وإنما يجوز عقدها في حال الاتفاق والسلامة، وقصد بهذا: الطعن في إمامة علي، إذ كانت بيعته في أيام الفتنة من غير اتفاق جميع الصحابة، إذ بقي في كلا طرف طائفة على خلافه( ) .
11) الجاحظية، أصحاب أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، وتوفي سنة 255هـ، وقيل: سنة 256هـ وله من العمر ما يقارب تسعين سنة. ومن أقواله: كان يقول بإثبات الطبائع للأجسام، وأوجب لها أفعالا مخصوصة، فقال: إن العباد ليس لهم فعل إلا الإرادة، أما سائر الأفعال، فتقع طباعا لا اختيارا. وبسبب إثباته الطبائع للأجسام قال: إن لا يدخل النار أحدا، وإنما النار تحذب أهلها إلى نفسها بطبيعتها، ثم تمسكهم فيها خالدين. وقد اعترض الأسفراييني الأشعري على هذا فقال: أما قوله: إن العبد لا يفعل إلا الإرادة فيوجب أن لا يكون العبد فعل صلاة ولا حجا، وأن لا يكون فعل شيئا من موجبات الحدود كالزنا والسرقة، ثم قال: وأما قوله: إن الله لا يدخل أحدا النار، وإنما النار تجذب أهلها إلى نفسها بطبعها، قال: إنه يلزمه على هذا القول أن يقول في الجنة أنها تجذب أهلها إلى نفسها بطبعها، وأن الله لا يدخل أحدا الجنة، فإن قال بذلك قطع الرغبة إلى الله في الثواب، وأبطل فائدة الدعاء، وإن قال: إن الله تعالى هو يدخل أهل الجنة الجنة لزمه القول بأن الله يدخل في النار أهلها( ) . وقال: الجوهر يستحيل أن ينعدم أو يفني، لذلك فالأجسام المؤلفة من الجواهر يستحيل أيضا أن تنعدم أو تفني، ولا يقدر الله على إفنائها، ولكنه يقدر على تفريق أجزائها، وإعادة تركبيبها فقط، فالأجسام إذا ثابتة لا تفني، وإنما يمكن أن تتغير من حال إلى حال. والحقيقة هذا القول جاء متأثرا بالفلاسفة اليونانيين الطبيعيين الذين يرون بقدم العالم واستحالة فناء المادة، ويرون أن الخلق عبارة عن تجمع أجزاء المادة في أجسام منتظمة، وأن الفناء هو تفرق أجزاء تلك الأجسام( ) . وفي عصمة الأنبياء، لما كان الجاحظ يرى أن المعارف ضرورية فلا يعصي الله أحد إلا بعد العلم بما نهاه عنه، فقال قال: إن الأنبياء اعتمدوا المعاصي مع العلم بأن الله قد نهى عنها، ومعنى ذلك، أنه نفى العصمة عن الأنبياء فخالف أكثر المعتزلة الذين قالوا بأنه لا يجوز على الأنبياء أن يفعلوا قصدا ما علموا أنه ذنب( ) . ونسب إليه القول بأن القرآن جسم يجوز أن ينقلب مرة رجلا ومرة حيوانا( ) . وأرى أن هذا القول تقول للجاحظ وبعيد عن الواقع، ولذلك يرى زهدي جار الله بأنه لا يعقل أن يقول الجاحظ هذا القول، بل الأرجح أن يكون ابن الروندي نسبه إليه للحط من قدره( ) .
12) الخياطية، أصحاب أبي الحسين عبد الرحيم بن محمد الخياط من أصحاب جعفر بن مبشر، توفي حوالي سنة 290هـ، ومن أقواله: إن الجسم في حال عدمه يكون جسما، لأنه يجوز أن يكون في حال حدوثه جسما ولم يجز أن يكون المعدوم متحركا، لأن الجسم في حال حدوثه لا يصح أن يكون متحركا عنده، فقال: كل وصف يجوز ثبوته في حال الحدوث فهو ثابت له في حال عدمه، ويلزمه على هذا الاعتلال أن يكون الإنسان قبل حدوثه إنسانا، لأن الله تعالى لو أحدثه على صورة الإنسان بكمالها من غير نقل له في الأصلاب والأرحام ومن غير تغيير له من صورة إلى صورة أخرى يصح ذلك. وقد لقبت هذه الفرقة بالمعدومية لإفراطهم في وصفهم المعدوم بأكثر أوصاف الموجودات، وقد نقض الجبائي على الخياط قوله بأن الجسم جسم قبل حدوثه في كتاب مفرد. وذكر أن قوله بذلك يؤدي إلى القول بقدم الأجسام. وكذلك كان الخياط ينكر الحجة في أخبار الآحاد( ) .
13) البهشمية: أصحاب أبي هاشم بن الجبائي، توفي في بغداد سنة 321هـ، وانفردوا بقولهم: "المعدوم شيء، وجوهر، وعرض، وسواد، وبياض، ومخالف، وموافق"( ) . وقوله في التوبة: "لقد ذكر عدة حالات لا تصح فيها التوبة، منها: التوبة عن الذنب عند العجز عن مثله، فإنها لا تصح، فمثلا: لا تقبل توبة الكاذب بعد خرص لسانه عن الكذب. ومنها التوبة عن الذنب مع الإصرار على قبيح آخر يعلمه الإنسان أو يعتقده قبيحا، وإن كان في حد ذاته حسنا، ويعلل قوله هذا بقوله: إنما وجب عليه ترك القبيح لقبحه، فإذا أصر على قبح آخر لم يكن تاركا للقبيح المتروك من أجل قبحه( ) . وقوله في الثواب والعقاب: قال أبو هاشم باستحقاق الشكر والذم على فعل الغير، فلو أن زيدا أمر عمرا بفعل طاعة استحق زيد شكرين: شكر على الأمر الذي هو فعله، وشكر على فعل الطاعة التي هي فعل عمرو فخالف الأمة بذلك، وكذلك لو أمره بمعصية، استحق ذمين على الأمر وعلى فعل عمرو( ) . وكذلك قال باستحقاق الذم والعقاب لا على فعل، فالإنسان القادر المكلف إذا مات ولم يرتكب معصية، ولكنه لم يفعل بقدرته طاعة لله تعالى استحق الذم والعقاب الدائم لا على فعل، بل من أجل أنه لم يفعل ما أمر به مع قدرته عليه، وارتفاع الموانع عنه، ولذلك اعتبر من لم يفعل ما أمر به عاصيا، وإن لم يفعل معصية، ولم يعد طائعا إلا من فعل طاعة فحتى يكون الإنسان مطيعا فيتخلص من العقاب، ويستحق الثواب يجب عليه ليس أن يمتنع عن فعل ما نهي عنه فحسب، بل أن يفعل أيضا ما أمر به( ).
14) الفوطية: أصحاب هشام بن عمرو الفوطي، انفردوا بالقول : "إن الله تعالى عن قولهم إذا خلق شيئا لم يقدر أن يخلق مثله، ولا يقدر أن يحيى الأرض بالمطر، وأن لا يقدر أن يؤلف بين القلوب" ( ) .
15) الجعفرية: أصحاب جعفر بن مبشر الثقفي المتوفى سنة 234هـ، وجعفر بن حرب الهمذان المتوفى سنة 236هـ، قالا: إن فساق هذه الأمة هم شر من اليهود والمجوس والزناقة، مع أنه يرى أن الفاسق موحد، وليس بمؤمن ولا كافر، فجعل الموحد شرا من الكافر الثانوي( ) . وقالا: إن الله تعالى خلق القرآن في اللوح المحفوظ، فلا يجوز أن ينتقل منه، لأنه يستحيل أن يكون الشيء الواحد في مكانين في آن واحد، وعلى ذلك، فإن الناس لم يسمعوا القرآن على الحقيقة، والقرآن الذي في المصاحف ليس بكلام الله إلا على المجاز، أي هو: عبارة عن حكاية عن المكتوب الأول في اللوح المحفوظ( ) . وقال جعفر بن مبشر: من سرق حبة واحدة وهو ذكر تحريمها فهو منسلخ من الإيمان والإسلام مخلد في النار، فخالف بذلك أسلافه الذين قالوا بغفران الصغائر عند اجتناب الكبائر. ورأي بأن تأبيد المذنبين في النار من موجبات العقل، فخالف بذلك أصحابه الذين قالوا: إن ذلك معلوم بالشرع دون العقل( ) .
16) الإسكافية: أصحاب محمد الإسكافي ، توفي سنة 240هـ، انفرد هو وفرقته بأن قالوا : "إن الله تعالى لم يخلق العيدان ولا الطنابير ، وإنما الخالق لها ابن آدم" ( ) . وقال في الجسم: معنى الجسم أنه مؤتلف، وأقل الأجسام جزآن، والجزء الواحد يحتمل جميع الأعراض إلا التركيب. وقال في الصفات: لا يجوز أن نقول إن الله يتكلم مع العباد، بل نسميه تعالى (مكلما) لأن المتكلم يقتضي قيام الكلام به، كما أن المتحرك يقتضي قيام الحركة به، أما إذا قلنا: مكلما، فلا يقتضي ذلك. وقال: إن الله تعالى قادر على ظلم الأطفال والمجانين، وليس بقادر على ظلم العقلاء البالغين( ) .
17) الكعبية، أصحاب عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي المعروف بأبي القاسم الكعبي المتوفى سنة 319هـ، وهو تلميذ الخياط. ومن أقواله:إن الله إذا شيئا من فعله قالمقصود أنه فعله، وإذا قيل: أنه أراد من عنده فعلا أنه أمر به، وقال: إن وصفه بالإرادة على الوجهين مجاز( ) . ورأي بإيجاب الأصلح للعبد على الله تعالى، والإيجاب على الله تعالى محال لاستحالة موجب فوقه يوجب عليه شيئا. وزعم أن المقتول ليس بميت، وأن الاستطاعة ليست غير الصحة والسلامة( ) . وقال: إن الله تعالى لا يرى نفسه، ولا يراه غيره( ) . وقال: إن الله سبحانه وتعالى لا يسمع ولا يبصر، وكان يزعم أن معنى وصفه بالسميع والبصير بمعنى أنه عالم بالمسموع والمرئي( ) .
منهج المعتزلة
مثل العقل بالنسبة إلى المعتزلة قضية أساسية، ويعتبرونه عاملا جوهريا في تقرير القضايا الكلامية، وبالتالي تُعدُّ المعتزلة أول فرقة إسلامية تؤثر العقل على الإيمان، بمعنى أنه إذا تعارضت الأدلة السمعية مع الأدلة العقلية فإنهم يقدمون العقل، فكل مسألة من مسائل العقيدة يعرضونها على العقل فما قبله أقروه وما لم يقبله رفضوه إلا أنهم مع ذلك مقيدون بالأصول الإسلامية أو بعبارة أخرى أن آرائهم وأقوالهم ومواقفهم من المسائل الإعتقادية لا تخرج عن وحي القرآن والسنة النبوية. وهي بذلك متقدمة على سكولائية القرون الوسطى وخصوصا تيارها الديني الواقعي الذي يمثله رجال الدين الفلاسفة أمثل توما الأكويني (تـ 1274م) رغم سبقها الزمني على السكولائية الأوربية ( ). وقال أحمد أمين في مقال خاصّ تحت عنوان "المعتزلة والمحدثون"، وهو متأثر بمنهج الاعتزال فأطلق قلمه بمدحهم: كان للمعتزلة منهج خاصّ أشبه ما يكون بمنهج من يسمّيهم الإفرنج العقليين، عمادهم الشكّ أوّلاً والتجربة ثانياً، والحكم أخيراً. وللجاحظ في كتابه " الحيوان " مبحث طريف عن الشكّ، وكانوا وفق هذا المنهج لا يقبلون الحديث إلاّ إذا أقرّه العقل، ويؤوّلون الآيات حسب ما يتّفق والعقل كما فعل الزمخشري في الكشّاف، ولا يؤمنون برؤية الإنسان للجنّ، لأنّ الله تعالى يقول:  إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيْلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ - الأعراف: 27، ويهزأون بمن يخاف من الجنّ، ولا يؤمنون بالخرافات والأوهام، ويؤسّسون دعوتهم إلى الإسلام حسب مقتضيات العقل و فلسفة اليونان، ولهم في ذلك باع طويل، ولا يؤمنون بأقوال أرسطو لأنّه أرسطو، بل نرى في « الحيوان » أنّ الجاحظ يفضّل أحياناً قول أعرابيّ جاهلي بدويّ على قول أرسطو الفيلسوف الكبير( ). ويبدي أحمد أمين حزنه على هزيمة المعتزلة وانتصار المذهب السني، حيث يقول: "وفي رأيي أنه لو سادت تعاليم المعتزلة في هذين الأمرين، أعني سلطان العقل وحرية الإرادة بين المسلمين في عهد المعتزلة إلى اليوم، لكان للمسلمين موقف آخر في التاريخ غير موقفهم الحالي، وقد أعجزهم التسليم، وشلهم الجبر، وقعد بهم التواكل"( ).
هكذا كان منهجهم، وهو منهج لا يناسب إلاّ الخاصّة، ولذلك لم يعتنق الاعتزال إلاّ خاصّة المثقّفين، أمّا العوام فكانوا يكرهونه.
ومن هنا تسعى المعتزلة لفهم المسائل والقضايا الدينية على هدى العقل أولا، والنص من الكتاب والسنة ثانيا وثالثا، ومن ثم التطبيق الأمثل للإسلام في جميع مناحي الحياة. وقدم علماء المعتزلة العقل على النقل لأن العقل في رأيهم لا يصح عليه الخطأ ولا يتطرق إليه الفساد، وهم يذهبون في الثقة بالعقل وعلومه إلى أبعد مدى ممكن ولدرجة أن القاضي عبد الجبار يرى أن القول بجواز الخطأ على العقل شبهة من الشبهات التي يجب دحضها، وأما الخطأ الذي يقع فيه العاقل وإن كان شيئا لا ينكر إلا أنه حاصل بسبب عواض تعرض للعقل أو بسبب دواع للنفس تحجب عن العقل حقيقة الأمر، وفي هذا يقول القاضي عبد الجبار: "ذلك لا يؤثر في صحة العقل، كما لا يؤثر إقدام العاقل على القبيح لشهوة غالبة عليه في صحة علمه بقبح ذلك. ولو كان ما قاله السائل يوجب الطعن في العقل، لأدى إلى أن لا يصح شيء من أفعال العاقل ... ولوجب إذا جاز عليه السهو فيما يعلمه باضطرار، أن يؤثر ذلك في العلوم الضروية وطرقها، وإن لا يصح شيء من تصرفه لما لحقه الخطأ في بعضه، وكل ذلك يبين أن سبب الخطأ غير العقل"( ). ويجدر بالذكر هنا أن الإمام الغزالي يرى هذا الرأي في بعض كتبه، حيث يقول: "فأما العقل إذا تجرد عن غشاوة الوهم والخيال لم يتصور أن يغلط، بل يرى الأشياء على ما هي عليه، وفي تجريده عسر عظيم ( ). ولا يوافق الإمام الشاطبي هذا الرأي فقال: "وليس كل ما يقضي به العقل حقا، بدليل أنهم يرون اليوم مذهبا ويرجعون عنه غدا وهكذا ... ولو كان كل ما يقضي به العقل حقا، لكان العقل وحده كافيا للناس في المعاش والمعاد، ولكان بعث الله للرسل عبثا وعبئا لا معنى له وهذا كله باطل فما أدى إليه مثله( ).
وعلى هذا السبب -أي سبب عدم جواز الخطأ على العقل-، فتعتمد المعتزلة في منهجها العقل كأول الأدلة إذ بالعقل أدركنا وجود الله وأنه إله واحد قادر عالم حي سميع بصير مدرك أزلي أبدي، وبالعقل أثبتنا توحيد الله وعدله، وبالعقل شهدنا أن القرآن الكريم كتاب الله، وبالعقل شهدنا أن محمدا . إذ، تعتمد المعتزلة العقل كدليل أول، فإنها تعني به الربط بين شيئين: الموجود والموجد، السبب والنتيجة وهكذا. العقل عند المعتزلة هو منهج قائم بذاته يسمى المنهج الاستدلالي أي ربط المستدل عليه بدليل وجوده وهكذا. وإذ تعتبر المعتزلة العقل دليلا أولا إلا أنه ليس الدليل الوحيد ولا الأوحد إذ يلي العقل عند المعتزلة أدلة ثلاث هي: الكتاب، الرسول، الإجماع، فيكون ترتيب الأدلة عند المعتزلة كالتالي: العقل، فالكتاب (البلاغ) فالرسول (البيان) فالإجماع العائد إلي العقل أو الكتاب أو الرسول. وقد قرر بذلك القاضي عبد الجبار بأن "الدلائل أربعة: حجة العقل، والكتاب، والسنة، والإجماع، ومعرفة الله تعالى لا تنال إلا بحجة العقل"( ) . فأوجب المعتزلة تأويل النصوص الصحيحة على طبق ما تقرره عقولهم، وفي ذلك يقول القاضي عبد الجبار: "وإذا ورد في القرآن آيات تقتضي بظاهرها التشبيه وجب تأويلها، لأن الألفاظ معرضة للاحتمال، ودليل العقل بعيد عن الاحتمال" ( ). وهكذا منهجه في الأحاديث النبوية.
إذن فالعقل أصل للكتاب، بمعنى أن معرفة الكتاب متوقفة على ثبوت العقل أولا، لا بمعنى أن العقل أثبت من الكتاب، فلولا العقل لما أمكن أن يعرف الكتاب ولا حجة الكتاب، ومن باب أولى أن يقال: لولا العقل لما عرفت حجية السنة، ولا حجية الإجماع، وهذا هو ما عناه القاضي عبد الجبار في ترتيب الأدلة، حيث صرح :"أولها: دلالة العقل، لأن به يميز بين الحسن والحقبيح، ولأن به يعرف أن الكتاب حجة، وكذلك السنة والإجماع"( ).
وعلى سبيل المثال يناقش المعتزلة أهل الأديان الأخرى وبخاصة النصرانية وذلك في مناقشتها لعقيدة التثليث أي عقيدة الأقانيم الثلاثة عند النصارى، فيبطل المعتزلة هذا الاعتقاد بدليل التمانع المعروف، حيث يرجع القاضي عبد الجبار إلى قولهم بأن هذه القدماء الثلاثة قديمة وقادرة، ويعده قولا بثلاثة آلهة. ويشير إلى أن المشارك في القدم مشارك في كل صفاته، على أساس الافتراض أن القديم إنما قدمه في ذاته، والاشتراك معه في هذا القدم يوجب التماثل والاشتراك، وإذا صح هذا الافتراض، كان الثاني إما مشاركا للأول في القدرة، أي في كونه قادرا، وهذا يستلزم تمانع الارادات بينهما في الإيجاد والإعدام، فهما إما أن يتفقا في إيجاد المعدوم أو لا، فإذا اتفقا لزم اجتماع إرادتين على مؤثر واحد وهو غير جائز، أو ألا يتفقا بأن يريد أحدهما إيجاده والآخر لا، فتحقق إرادة أحدهما يلزم منها عدم تحقق إرادة الآخر فيثبت عجزه، ويثبت عدم قدمه، ويثبت كونه غير مشارك في القدم( ).
ولا يكتفي المعتزلة بالاعتداد بالدليل العقلي فحسب، بل يرون وجوب النظر العقلي والاستدلال العقلي على أصول العقيدة. ذلك لأن العقل عندهم قادر على فهم النصوص القرآنية، واستبطان مارمي الوحي، ولهذا رأوا وجوب تأويل الآيات المتشابهة وإقامة الإيمان على أسس عقلية واضحة، ومن هنا فإن المعتزلة تعد من أوائل الفرق الكلامية الإسلامية الذين وسعوا دائرة الدينية بحيث تشمل العقل ، فجعلوا العقل القياس الحقيقي أو الطريق الوحيد للمعرفة اليقينية.
وأشار الملطي إلى أن المعتزلة هم أرباب الكلام وأصحاب الجدل والنظر والاستدلال، والحجج على من خالفهم، وأنواع الكلام، والمفرقون بين علم السمع وعلم العقل، والمنصفون في مناظرة الخصوم، وهم عشرون فرقة يجتمعون على أصل واحد لا يفارقونه، وعليه يتولون، وبه يتعادون، وإنما اختلفوا في الفروع ( ) . ولعل هذا الذي دفع الشيخ أبو زهرة إلى اعتبار المعتزلة ممثلون للفلاسفة الإسلاميين حيث قال: "إن هؤلاء يعدون فلاسفة الإسلام حقا، لأنهم درسوا العقائد الإسلامية دراسة عقلية مقيدين أنفسهم بالحقائق الإسلامية غير منطلقين في غير ظلها، فهم يفهمون نصوص القرآن في العقائد فهما فلسفيا، ويغوصون في فهم الحقائق التي تدل عليها، غير خالعين للشريعة، ولا متحللين من النصوص" ( ) . لذلك من أراد البحث عن الفلسفة الإسلامية الحقيقية المتصلة اتصالا وثيقا بالدين والتاريخ الإسلاميين، فعليه أن يبحث عنها في كتب المعتزلة لا في كتب من جرت العادة على تسميتهم فلاسفة الإسلام، مثل الفارابي، وابن سينا، وابن رشد وأشباههم( ) .
وحرية العقل العقل بالنسبة للمعتزلة، كانت مرتبطة بقضية أكبر، وهي قضية الحرية الإنسانية، وارتبطت المعرفة عندهم بحرية الإنسان، ونتج عن ذلك أنهم قسموا المعارف إلى ثلاثة أصناف:
الأول: معرفة الخالق، وطريقها العقل والقلب.
الثاني: معرفة العبادات، أي معرفة الحلال والحرام وغيرها، وطريقها الرسل وتعاليمهم (الوحي، النص).
الثالث: المعرفة عن طريق التجربة الإنسانية، وسبيلها تجربة الإنسان في هذه الحياة أي الاكتساب( ) .
ويبقى لنا سؤال هل المعتزلة تأثروا بالديانات الأخرى والمذاهب الفلسفية اليونانية أو مجرد التشويه من قبل المذاهب الأخرى؟
اختلف العلماء والباحثون في الإجابة عن هذا السؤال إلى فريقين:
الفرقة الأولي:
ذهب أكثرهم إلى القول بأن المعتزلة تأثروا بالديانات الأخرى والمذاهب الفلسفية. وممن ذهب إلى هذا القول ابن الأثير، حيث يروي لنا تأثر المعتزلة باليهود في مقالة (خلق القرآن): "إن أول من نشرها منهم هو لبيد بن الأعصم -عدو النبي - الذي كان يقول بخلق التوراة، ثم أخذا ابن أخته طالوت هذه المقالة عنه، وصنف في خلق القرآن، فكان أول من فعل ذلك في الإسلام، وكان طالوت هذا زنديقا فأفشى الزندقة"( ) . وذكر الخطيب البغدادي أن بشرا المريسي المرجئ المعتزلي أحد كبار الدعاة إلى خلق القرآن، كان أبوه يهوديا، صباغا في الكوفة( ) .
وأورد صاحب كتاب (تاريخ الفلسفة العربية): "إن فكرة خلق القرآن من أصل يهودي نشرها بعض اليهود في العالم الإسلام، وكان للمسيحية انتشار واسع في جميع البلاد الإسلامية، وعلماء أعلام في الفلسفة واللاهوت كالقديس يوحنا الدمشقي المعروف بابن سرجون، وثابت بن قرّة تلميذ الدمشقي، وأبرع من كتب في الجدل قسطا بن لوقا وغيرهم. فأخذ المعتزلة عن لاهوت الدمشقي أن الله خير ومصدر كل خير لا يفعل الشر ولا يستطيع أن يفعله، وأنه غير مركب وليس له من الصفات مايجعله متعددا وأن الصور والتشابيه التي تستعمل في الكتاب المقدس وغيره عن الكلام على الله ما هي إلا رموز تعين البشر على معرفته، وأن الإنسان حر ومخير في عمله لا يحاسب إلا على ما يفعله بمعرفة وإرادة. وأخذوا عن ابن قُرَّة فكرة تعظيم العقل البشري وأن الإنسان قادر بعقله على معرفة الله وأنه وهب العقل لهذه الغاية. وأخذوا عنه أيضا طريقته في البرهان على صحة الدين المسيحي بأساليب العقل دون النقل .. هكذا نشأت المعتزلة وهكذا تأثرت فيما تأثرت به باللاهوتي المسيحي فقامت متسلحة بالأدلة العقلية تدافع عن آرائها كما تدافع عن الدين الإسلامي أمام التيارات المختلفة من دينية وعرقية وجنسية( ) . غير أنهم لم يأخذوا الفلسفة اليونانية بحذافيرها، كما سيفعل الفلاسفة الإسلاميون من بعد، بل اختاروا منها ما يوافق دينهم ونبذوا ما يخالفه حتى استحقوا لقب أحرار الفكر في الإسلام( ) .
لكن الديانة التي كان لها أثرها في ظهور الاعتزال أكبر من غيرها هي المسيحية. ويظهر هذا في المسائل الإلهية، حيث ورد في كتب المؤرخين نصوص تشير إلى أن المسلمين أخذوا عن المسيحيين بعض أقوالهم، فقد ذكر المقريزي أن أول من تكلم بالقدر في الإسلام هو معبد الجهني، أخذ ذلك عن نصراني من الأساورة يقال له أبو يونس، ويعرف بالأسواري ( ). وكذلك روى ابن قتيبة أن غيلان الدمشقي يعد أكبر داعية إلى القدر بعد الجهني، وكان قبطيا، ولذا يدعونه غيلان القبطي( ). وفي ذلك إشارة إلى أصله المسيحي. ومن الأدلة على تأثر المعتزلة بالمسيحيين كما يرى بعض الباحثين الشبه بين كثر من عقائدهم وبين أقوال يحي الدمشقي والمسائل الدينية التي كان يعالجها، منها: القول بخير الله تعالى، القول بالأصلح، نفي الصفات( ).
إذن، فعقيدة المعتزلة – في حد ذاتها – تمثل في التاريخ الإسلامي مدرسة فكرية وكلامية وفلسفية، حيث أسهمت الديانات الأخرى والمعتقدات التي كانت سائدة آنذاك في البلدان والأقطار التي شملتها الفتوحات الإسلامية، أو العناصر غير العربية وغير المسلمة التي امتزجت مع المجتمع الإسلامي، أسهمت إلى حد كبير في ترك تأثيراتها الواضحة على الدراسات والبحوث العقائدية لدى المعتزلة، ولكنه مهما تكن المآخذ التي قد تؤخذ على منهج المعتزلة في إسرافهم في استخدام العقل في تناول القضايا الدينية، إلا أنه مما لا شك فيه أنه يرجع إليهم الفضل في انتعاش الحركة العقلية في الإسلام، ولقد اعترف بذلك خصومهم، فيسميهم الماتريدي بأنهم فرسان الكلام ( ) . ويقول المقريزي عن تأثير المعتزلة بمعتقدات الثنوية المجوسية: "إن المعتزلة يدعون الثنوية، لقولهم الخير من الله، والشر من العبد( ) .
الفرقة الثانية:
ذهب بعض الباحثين إلى القول بأن مذهب المعتزلة قد شوه واتهم بأنهم يرون أن الله لا يخلق الشر، حتى صار رأي المعتزلة في أفعال العباد عند أبي الحسن الأشعري مقترنا بثنوية المجوس الذين أثبتوا خالقين أحدهما يخلق الخير والآخر يخلق الشر، وزعمت القدرية أن الله يخلق الخير وأن الشيطان يخلق الشر. فكانوا -أي المعتزلة- مجوس هذه الأمة إذ دانوا بديانة المجوس وتمسكوا بأقاويلهم ومالوا إلى أضاليلهم( ) . فعندما ينفي المعتزلة عن الله عز وجل أن يراه المؤمنون رؤية حسية في الآخرة تنزيها له سبحانه وتعالى عن التشبيه والتجسيم، ومع وضوح هذه الغاية التي هي موضع اتفاق بين المعتزلة والأشاعرة ومع أن المسألة لاخلاف حولها عند التدقيق والتمحيص، إلا أن الاتهام يلصق بالمعتزلة فيقال: إنما أرادوا من نفي رؤية الله عز وجل بالأبصار التعطيل، فلما لم يمكنهم أن يظهروا التعطيل صراحا أظهروا ما يؤول بهم إلى التعطيل والجحود( ).
ويُعدّ ابن الرواندي من أكبر المشوِّهين لمذهب المعتزلة وذلك من خلال كتابه: "فضيحة معتزلة"( ). ورد عليه الخياط المعتزلي في كتابه الموسوم: "الانتصار. فالمعتزلة فعلا يقولون: "إن الصفات عين الذات فيستغل ابن الرواندي هذا ليتهم المعتزلة بأن بينهم من يقول: إن الله سبحانه وتعالى لا يعلم نفسه، لأن نفسه ليست غيره، ولا بد أن يكون المعلوم غير العالم( ). كما أن المعتزلة يذهبون إلى أنه لا يجوز أن نصف الله تعالى بصفة توهم ما لا يليق به أما ما ورد به السمع فيتبع كما هو ولا يجوز أن نقيس عليه. فيستغل اب الرواندي هذا ليتهم المعتزلة بأن منهم من ينهى الناس عن أن يقولوا: حسبنا ونعم الوكيل، لأن الوكيل في أكثر ما يتعارفه الناس فوقه من وكله( ). إنها إفتراءات أحكم وضعها وتوجيهها لتشويه مذهب المعتزلة، وأخطر من ذلك الاتهام ما اختلقه ابن الراوندي من أن المعتزلة لا تؤمن بعذاب القبر وثوابه وتنكر الصراط والميزان والشفاعة ووجود الجنة والنار مما هو محض افتراء متواصل على فرقة المعتزلة ومما جعل الأشاعرة يقررون الفصول الطوال للرد على المعتزلة وتفنيد أدلتهم المدعاة في معارك وهمية( ).
وسيتضح فيما بعد أن المعتزلة قدّموا العقل على النص لأسباب منهجية صرفة، وتقديمهم العقل لا يعني أنهم يقدمون اعتبارات للعقل أكثر من النص، ولا يقدسون العقل على حساب النص، ولكنهم يرون أن النص لا يمكن أن يثبت إلا بحجة العقل وأدلته، ويمكن تفهم ذلك في موضوع الحسن والقبح في الأشياء. فخالفوا السلف في فهم العقائد، وكانت طريقتهم في فهمها عقلية خالصة، وعملوا على تطبيق الأحكام العقلية على العقائد الدينية -كما سيتضح في الفصول التالية-.

_________________________________________________________________
( ) انظر : الدمشقي ، تاريخ الجهمية والمعتزلة ، ص 5 .

( ) انظر : خطط المقريزي ، جـ 4 .

( ) هو أبو سليمان أحمد بن أبي دؤاد (تـ 240هـ) ، عربي من أياد ، أخـذا الاعتزال عن هياج بن العلاء السلمي ، صاحب واصل بن عطاء ، كان قاضيا للقضاة ، ثم وزيرا ، واستمر علو نجمه ثمانية وعشرين سنة (204 – 232هـ) ، ولقد أخذ عنه المأمون في وصيته للمعتصم : "وأبو عبد الله أحمد بن داؤد لا يفارقك الشركة في المشورة في كل أمرك ، فإنه موضع ذلكك ... " ، وهو الذي جعل الاعتزال مذهب الدولة الرسمي ، بعد أن فشل في ذلك ثمامة بن أشرس ، وهو معدود في الطبقة السابعة من طبقات المعتزلة ، ويذكر ابن المرتضى الزيدي المعتزلي أن وفاته كانت سنة 263هـ لا سنة 240 هـ . انظر : ابن المرتضى ، المنية والأمل ، ص 35 – 45 . الخياط ، الإنتصار، ص 224 – 225 . د. البير نصري نادر ، فلسفة المعتزلة ، جـ 1 ، ص 29 – 30 ، طبعة الاسكندرية ، بدون تاريخ .

( ) انظر : الذهبي ، سيرة أعلام النبلاء ، 9/339 .

( ) انظر : الجاحظ ، البيان والتبيان ، 1/32 - 33 .

( ) كتاب الانتصار، ص 126 – 127، مكتبة الدار العربية للكتاب، القاهرة، ط2/1413هـ - 1993م، تحقيق : د. نيبَرج .

( ) المسعودي، مروج الذهب، 3/235.

( ) الشيخ المفيد، ص 37.

( ) سوسنة ديفلد، مقدمة طبقات المعتزلة، ص ح.

( ) هو أبو الحسين محمد بن أحمد بن عبد الرحيم الملطي، أصله منه مالطية في عسقلان، شافعي المذهب، توفي بعسقلان عام 377هـ / 987م. انظر: فؤاد سزكين، تاريخ التراث العربي، 2/382.

( ) الملطي، التنبيه والرد، ص 43.

( ) علي سامي النشار، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، 1/416.

( )انظر: الفرق بين الفرق، ص 5.

( ) الملطي، التنبيه والرد، ص 43.

( ) الملطي، التنبيه والرد، ص 43.

( ) وسمى الإمام يحيى بن حمزة هذا الأصل بالاستحقاقات، لأن القضية الرئيسية عند المعتـزلة والزيدية أن كلا من الثواب والعقاب استحقاق، الأول على الطاعة، والثاني على المعصية. مقدمة المعالم الدينية في العقائد الإلهية، سيد مختار حشاد، ص 31 .

( ) وللتوسع في تأثر الزيدية بالمعتزلة راجع: العلم الشامخ، صالح المقبلي . الإمام زيد ، الشيخ أبو زهرة ، ص 208. الزيدية، د. أحمد محمود صبحي، ص 115 وما بعدها. قراءة في فكر الزيدية والمعتزلة، د. عبد العزيز المقالح . أصول الاتفاق في القضايا الكلامية بين الزيدية والمعتزلة، رسالة ماجستير للدكتور أحمد عبد الله عارف، مقدمة إلى قسم الفلسفة الإسلامية ، بكلية دار العلوم جامعة القاهرة ، سنة 1982م . بإشراف أستاذي : أ.د. مصطفى حلمي .

وهناك رسالة الدكتوراه في جامعة الأزهر فرع البنات بالقاهرة، قدمتها الدكتوره عائشة يوسف المناعي، وهي تشرح لنا قربة هذين المذهبين في المسائل الاعتقادية، وعنوان الرسالة كما هي مطبوعة "أصول العقيدة بين المعتزلة والشيعة الإمامية". دار الثقافة، الدوحة – قطر، ط1/1992م.

( ) ابن تيمية، منهاج السنة النبوية، 1/16.

( ) المقريزي، الخطط، 2/352. القاضي عبد الجبار، فضل الاعتزال، ص 68، 215-229.

( ) الأصفهاني، مقاتل الطالبين، ص 293-294. القاضي عبد الجبار، فضل الاعتزال، ص 117.

( ) ابن المرتضى، المنية والأمل، ص 1/35.

( ) الصاحب بن عباد، 1986م، الزيدية، ص 242، لبنان، الدار العربية للمطبوعات.

ويرى بعض الباحثين أن المعتزلة أهل فكر ونظر، بينما غلب على الزيدية جانب العمل، ولذا لم يجار الزيدية المعتزلة في مسائل علم الكلام ودقيقه كالحديث في نظرية الصلاح والأصلح، ونظرية الحسن والقبح العقليين، والاستحقاق والأعواض وغير ذلك من دقيق الكلام. أحمد شوقي إبراهيم العمرجبي، الحياة السياسية والفكرية للزيدية، ص 226 -227.

والحيققة أن هذا ليس على الاطلاق، لأن الزيدية –كالمعتزلة- تحدثوا وتعمقوا في مسائل الكلام ودقيقه، ففي مذهب الزيدية أعلام ومفكرون تناولوا الحديث عن المسائل الدقيقة في علم الكلام، ويخاصة حين ناقش الزيدية آراء الإسماعيلية الباطنية، ونذكر على سبيل المثال: الإمام يحيى بن حمزة علوي في بعض كتبه كـ: "الإفحام لأفئدة الباطنية الطغام", و "مشكاة الأنوار الهادمة لقواعد الباطنية الأشرار". والإمام محمد بن الحسن الديلمي في كتابه "قواعد عقائد آل محمد". والإمام القاسم الرسي في كتابه "نقد المسلمين للثنوية والمجوس". والإمام القاسم بن محمد بن علي في كتابه "كتاب الأساس لعقائد الأكياس". والإمام أحمد الشرفي في كتابه "شر ح الأساس الكبير". فكل هذه الكتب مليئة بمسائل الكلام ودقيقه. ولمزيد من التفصيل راجع رسالتي الدكتوراه "جهود الزيدية في الرد على الباطنية"، مطبوع بدار الكتب العلمية بيرون سنة 2009م، وبعنوان "موقف الزيدية وأهل السنة من العقيدة الإسماعيلية وفلسفتها".

( ) ابن أبي العز، شرح العقيدة الطحاوية، 2/212 .

( ) المطلي، التنبيه والرد، ص 42.

( ) شرح الأصول الخمسة، ص 88 - 89.

( ) الخياط، الإنتصار، ص 93 .

( ) شرح الأصول الخمسة، ص 619 .

( ) شرح الأصول الخمسة، ص 742 .

( ) عبد الجبار، المختصر في أصول الدين، 1/248، ضمن رسائل العدل والتوحيد.

( ) انظر: د. عائشة يوسف المناعي، أصول العقيدة بين المعتزلة والشيعة الإمامية، ص 93 وما بعدها.

( ) هو أبو هاشم عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي، رئيس معتزلة البصرة بعد أبيه، توفي في بغداد في شهر شعبان من سنة 321هـ وهو رئيس فرقة البهشمية من المعتزلة.

( ) البغدادي، الفرق بين الفرق، ص 177.

( ) أحمد بن يحي بن المرتضى ، المنية والأمل ، ص 2 .

( ) العلم الشامخ، ص 300.

( ) الشهرستاني ، الملل والنحل ، 1/54 .

( ) عبد الجبار ، المحيط بالتكليف ، 1/34 . وانظر هذه المناقشات في كتاب : التوحيد ، الماتريدي ، ص 314-323 .

وقد دافع المقبلي عن المعتزلة في هذا المقام، ونقد الذين سموهم بالقدرية، فقال: إذا كان المراد بالقدر نفس العلم الأزلي، فرمي المعتزلة بنفي القدر تقول محض، لأن المعتزلة جميعا يقرون به ويثبتونه ... فالمعتزلة إذا يرون أن الذي يثبت القدر لله تعالى أحق أن ينسب إليه من نافيه. انظر، العلم الشامخ، 288 وما بعدها.

ولكن ابن قتيبة يرى أن المعتزلة نفوا القدر عن الله وأضافوه إلى أنفسهم، فوجب أن يسموا قدرية، لأن مدعي الشيء لنفسه أحق أن يدعى به. تأويل مخلف الحديث، ص 98.

( ) القاسمي ، تاريخ الجهمية والمعتزلة ، ص 59 .

( ) ابن تيمية ، منهاج السنة النبوية ، 1/256 .

( ) الخياط ، الانتصار ، ص 126 .

( ) انظر : الخطط المقريزية ، 4/169 .

( ) أحمد بن يحي بن المرتضى ، المنية والأمل ، ص 2 .

( ) البغدادي ، الفرق بين الفرق ، ص 117 .

( ) المقبلي ، العلم الشامخ ، ص 300 .

( ) فخر الدين الرازي، 1978م، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين، ص 28، القاهرة، الكليات الأزهرية.

( ) لمراجعة قضية الخلاف بين البصريين والبغداديين عليه بكتاب أبي رشيد النيسابوري البصري (تـ 415هـ) بهذا الشأن ، وتناول فيه المسائل الخلافية بين المدرستين، وخاصة في مسائل اللطيف من علم الكلام والكلام الفلسفي. ومن أراد الوقوف على مسائل الخلاف بين الجبائيين فعليه بكتاب "مسائل الخلاف بين الشيخين" للقاضي عبد الجبار.

( ) محمد حسيني أبو سعدة، 2002م، الشهرستاني ومنهجه النقدي، ص 77، لبنان، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع.

( ) الفرق بين الفرق، ص 5.

( ) الملل والنحل، 1/46 وما بعدها.

( ) أحمد بن يحي بن المرتضى، طبقات المعتزلة، ص 32.

( ) التبصير في الدين، ص 66. الفرق بين الفرق، ص 120.

( ) ميزان الاعتدال، 2/296.

( ) راجع : عبد الله بن أسعد اليافعي ، ذكر مـذاهب الفرق اثنتين وسبعين ، ص 83 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 2004م .

( ) فرق وطبقات المعتزلة، ص 194-195.

( ) التبصير في الدين، ص 66.

( ) الملل والنحل، 1/54. فرق وطبقات المعتزلة، ص 192.

( ) الملل والنحل، 1/55.

( ) فرق وطبقات المعتزلة، ص 194.

( ) الفرق بين الفرق، ص 133.

( ) الملل والنحل، 1/58.

( ) الملل والنحل، 1/58.

( ) الفرق بين الفرق، ص 147-148. الملل والنحل، 1/59-60.

( )عبد الله بن أسعد اليافعي ، ذكر مـذاهب الفرق اثنتين وسبعين ، ص 83 .

( ) الملل والنحل، ص 1/58.

( ) الفرق بين الفرق، ص 131-133. التبصير في أصول الدين، ص 67.

( ) البصير في أمور الدين، ص 80.

( ) الفرق بين الفرق، ص 184.

( ) المعتزلة، ص 156 نقلا عن الصواعق المرسلة، 2/101.

( ) الفرق بين الفرق، ص 277.

( ) الملل والنحل، 1/61.

( ) راجع: المصدر السابق ، ص 82 .

( ) التبصير في الدين، 71.

( ) الملل والنحل، 1/65.

( ) الفرق بين الفرق، ص 166.

( ) الملل والنحل، 1/68. التبصير في الدين، ص 73.

( ) الانتصار، ص 96.

( ) التبصير في الدين، ص 74.

( ) الملل والنحل، 1/69. الفرق بين الفرق، ص 173.

( ) الملل والنحل، 1/70.

( ) التبصير في الدين، ص 72.

( ) الملل والنحل، 1/،69، 1/70. الفرق بين الفرق، ص 173.

( ) التبصير في الدين، 76، 77.

( ) الفرق بين الفرق، ص 176.

( ) الفرق بين الفرق، ص 176.

( ) الملل والنحل، 1/72.

( ) المعتزلة، ص 148.

( ) الفرق بين الفرق، ص 179، 180. التبصير في الدين، 78، 79.

( ) راجع : عبد الله بن أسعد اليافعي ، ذكر مذاهب الفرق اثنتين وسبعين ، ص 85 .

( ) التبصير في الدين، ص 81.

( )الفرق بين الفرق، ص 189.

( )المصدر السابق، ص 186.

( ) عبد الله بن أسعد اليافعي، ذكر مذاهب الفرق اثنتين وسبعين ، ص 87 .

( ) التبصير في الدين، ص 173.

( ) الملل والنحل، 1/68.

( ) الفرق بين الفرق، ص 178.

( ) المصدر السابق ، ص 83 .

( ) التبصير في الدين، ص 74. القرق بين الفرق، ص 114، 222.

( ) الفرق بين الفرق، ص 182.

( ) المصدر السابق، ص 182. التبصير في الدين، ص 79.

( ) التبصير في الدين، ص 79.

( ) الملل والنحل، 1/73.

( ) د. رشيد البندر، 1994، مذهب المعتزلة من الكلام إلى الفلسفة، ص 38، بيروت-لبنان، دار النبوغ .

( ) انظر : أحمد أمين ، ضحى الإسلام ، 3/112 وما بعدها .

( ) انظر : أحمد أمين ، ضحى الإسلام ، 3/70 .

( ) عبد الجبار، المغني في أبواب العدل والتوحيد، 12/151.

( ) الغزالي، 1964، مشكاة الأنوار، ص 47، طبعة القاهرة، تحقيق: د. أبو العلا عفيفي.

( ) الشاطبي، الاعتصام، 1/191.

( ) انظر : شرح الأصول الخمسة، ص 88 .

ذكر أبو هلال عبد الله بن سهل بن سعيد العسكري (تـ 395هـ) على لسان الجاحظ بأن واصلا قال: "الحق يعرف من وجوه أربعة: كتاب ناطق، وخبر مجمتمع عليه، وحجة عقل وإجماع، وأول من علم الناس كيفية مجيء الأخبار وصحتها وفسادها". الجاحظ، 1987م، الأوائل، ص 374، مصر، دار البشير. تحقيق: د. محمد السيد الوكيل.

يظهر من هذا النص أن واصل بن عطاء يضع النقل على قدم المساواة مع العقل، من حيث أن كلا منهما مصدر مؤد إلى اليقين، وبهذا يمكن القول بأن اتهام المعتزلة بإعلاء شأن العقل على حساب الشرع اتهام لا يوجه إلى شيخ المعتزلة الأول، لأن الأسس التي أقام عليها فلسفته في البحث عن اليقين تنفي هذا الاتهام من أساسه، بل بلغ التشابه بين أصول الفقه عند واصل، وأصول الفقه عند أبي حنيفة مبلغا حمل بعض الباحثين على التساؤل عن تأثر الأول بالثاني وأخذه عنه. د. النشار، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، 1/427.

( ) انظر : شرح الأصول الخمسة، ص 768 - 769 .

( ) فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة، ص 139.

( ) القاضي عبد الجبار، المحيط بالتكليف، 1/217-218.

( ) الملطي ، 1949م ، التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع ، ص 40 ، طبعة القاهرة .

( ) محمد أبو زهرة ، تاريخ المذاهب الإسلامية ، 1/159 .

( ) حنا الفاخوري، خليل الجر، 1993، تاريخ الفلسفة العربية، 1/240، بيروت، دار الجيل.

( ) محمد عمارة، 1972م، المعتزلة ومشكلات الحرية الإنسانية، ص 99، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

( ) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 7/49.

( ) الخطيب البغدادي، 1931م، تاريخ بغداد، 7/61، القاهرة، مكتبة الخانجي.

( ) حنا الفاخوري، خليل الجر، تاريخ الفلسفة العربية، 1/143-144.

( ) حنا الفاخوري، خليل الجر، تاريخ الفلسفة العربية، 1/144.

( ) الخطط المقريزي، 4/181.

( ) ابن قتيبة، كتاب المعارف، ص 166، 207.

( ) عواد المعتق، 1996م، المعتزلة وأصولهم الخمسة وموقف أهل السنة منها، ص 37، الرياض، مكتبة الرشد.

( ) علي عبد الفتاح المغربي ، 1995م، الفرق الكلامية الإسلامية ، ص 169 ، مكتبة وهبة ، القاهرة .

( ) الخطط المقريزية، 4/169.

( ) الأشعري، الإبانة، ص 7.

( ) الأشعري، الإبانة، ص 16.

( ) وهذا الكتاب ردا على كتاب الجاحظ "فضيلة المعتزلة".

( ) الخياط، الانتصار، ص 53.

( ) المصدر السابق، ص 57-58.

( ) عبد الفتاح الفاوي، 1993م، المقالات العشر في منهج علم الكلام، 37 وما بعدها، القاهرة، مكتبة الزهراء.







***







0 komentar:

Post a Comment