Tuesday, March 16, 2010

Workshop (MUZAKARAH)

 "LEADEARSHIP & ISLAMIC MANAGEMENT"
FKP-Universiti Sains Islam Malaysia(USIM) SERI 1 TAHUN 2010

Tema
"PENGGUNAAN KALIMAH ALLAH OLEH BUKAN MUSLIM DI MALAYSIA"
Hari & Tarikh : JUMAAT (22 JANUARI 2010) Jam: 9.00 pagi - 12.00 Tgl/Tempat: Auditorium DKP 3 USIM.

Ahli Panel:

- 1. DR. Mohd Radhi Ibrahim
     (Wakil Dekan FKP & Dosen Senior)
Tema:Kalimah Allah Menurut Perspektif Al-Quran

- 2. DR. Muhammad Yusuf Khalid
     (Mantan Wakil Dekan FKP & Dosen Senior)
Tema: Kepentingan Dialog Antara Agama.

- 3. DR. Kamaluddin Nurdin Marjuni
     (Dosen Senior FKP)
Tema: Kalimah Allah dari Perspektif linguistik & Teologi

Saturday, March 13, 2010

PROBLEMATIKA AQIDAH DALAM PERSPEKTIF IMAM AL-QURTHUBI

Halaman:432.
     Buku ini asalnya thesis Master pada jurusan Filsafat Islam, fakultas Darul Ulum, Universitas Kairo th 2001. dengan nilai: Mumtaz, di bawah bimbingan Prof.DR. Sayyid Rizq al-Hajar. di publish oleh Muassasah al-'Alya, Kairo, Mesir 6/2006. ISBN: 149-69-200-6. Perpustakaan Nasional Mesir.
       Buku ini telah dikoleksi oleh beberapa perpustakaan dan universitas , diantaranya:
-Univ Stanford, California.( searchworks.stanford.edu/view/7716409.xml )
- Univ Yale, New Haven. yufind.library.yale.edu/yufind/Search/Home?lookfor )
- Univ Kyoto, Japan.
( www.humanosphere.cseas.kyoto-u.ac.jp/.../list_w_asia_02 )
- Univ Pennsylvania, Philadelphia.
( devplw.library.upenn.edu/cgi-bin/sdi/vbook/browse?type=lcsubc...)
- University of California
- Al-Kindi, the library's catalog of the Dominican Institute For Oriental Studies. Cairo, Egypt.
( alkindi.ideo-cairo.org/controller.php?action...lang...)
-University of Maryland ( http://www.umd.edu/)
Google Search Engine (Marjūnī, Kamāl al-Dīn Nūr al-Dīn)



Monday, March 8, 2010

الماتريدية، النشأة والمنهج

الماتريدية،النشأة والمنهج
الدكتور/ كمال الدين نور الدين مرجوني
التعريف بالماتريدية
إحدى الفرق الإسلامية التي ظهرت في أوائل القرن الرابع الهجري في سمرقند من بلاد ما وراء النهر ( ). دعت إلى مذهب أهل السنة ، وسميت بـ (الماتريدية) نسبة إلى مؤسسها محمد بن محمد السمرقندي الماتريدي. ولد بها ولا يعرف على وجه اليقين تاريخ مولده ( )، بل لم يذكر من ترجم له كثيراً عن حياته، أو كيف نشأ وتعلم، أو بمن تأثر. وتوفي – رحمه الله تعالى – عام (333هـ) ودفن بسمرقند.
وقد أطلق على الإمام الماتريدي بعدة ألقاب تدل على قدره وعلو منزلته عندهم مثل: "إمام المهدى"، "إمام المتكلمين"، " إمام أهل السنة ". فقال عنه عبد الله المرائي: " كان أبو منصور قوي الحجة، فحما في الخصومة ، دافع عن عقائد المسلمين ، ورد شبهات الملحدين.." ( ). وقال عنه الشيخ أبو الحسن الندوي: "جهبذ من جهابذة الفكر الإنساني ، امتاز بالذكاء والنبوغ وحذق الفنون العلمية المختلفة" ( ) .
وافقت هذه الفرقة منهج المذهب الحنفي فقهاً وكلاماً، حيث إن أسس ومبادئي هذه الفرقة تعتمد على المذهب الحنفي سواء كان في المسائل الاعتقادية أوالفقهية، فقد تلقَّى مؤسس الفرقة أبو منصور الماتريدي العلم والحديث على يد كبار علماء المذهب الحنفي من أمثال: أبو بكر أحمد بن إسحاق الجوزجاني (تـ 200هـ) ، ومحمد بن مقاتل الرازي (تـ 248هـ)، نصير بن يحيى البلخي (تـ 268هـ) ، وأبي نصر أحمد بن العياضي، ومن هنا، ذهب الكثير من علماء الحنفية إلى أن النتائج التي وصل إليها الإمام الماتريدي تتفق تمام الاتفاق مع ما قرره الإمام أبو حنيفة في العقائد، فكانت آراء أبي حنيفة هي الأصل الذي تفرعت منه آراء الماتريدي الكلامية.
وتجدر بالإشارة إليه، أن الإمام الماتريدي كان معاصراً للإمام الأشعري، هذا في سمرقند وذاك في البصرة وكان عصرهما مليئا بالحركات الدينية ، كالصوفية ورجال التصوف الكبار أمثال أبي يزيد البسطامي، والجنيد، والحلاج، كما نشطت فيه الحركات الشيعية، وكانت حركة الاعتزال في آخر أيامها، وكان لكل مذهب علماء يؤيدونه ويأخذون بمناصرته، وقد اتفق الماتريدي والأشعري على كثير من المسائل الأساسية – وسنشير إليها فيما بعد –. وقيل: إن الماتريدية – كالأشعرية – انبثقت من الكلاّبية (عبد الله بن سعيد الكلابي)، والدليل على هذا أن أهم ما تتميز به الماتريدية هو القول بأزلية التكوين، وهذا ما قالت به الكلاّبية من قبل ظهور الماتريدية، كما أن المذهب الكلابي كان منتشرا في بلاد ماوراء النهر وهي بلاد الماتريدي .
وعلى أية حال، فإن لأنصار أبي منصور الماتريدي – كغيره من أئمة المذاهب – الدور المهم في إنضاج المذهب ونصرته، ونشره، وإشاعته، فقد كافحوا الحشوية والوهابية على مر التاريخ وخصوصاً في عصر الشيخ محمد زاهد بن الحسن الكوثري، وكان على رأسهم في تحمل تلك المسؤولية الجسيمة كبار علمائهم ومفكر يهم أمثال: أبي اليسر محمد بن محمد البزدوي، وأبي المعين محمد بن محمد النسفي، ونجم الدين عمر بن محمد الحنفي النسفي وغيرهم من العلماء.
وقد مرت الماتريدية كفرقة كلامية بعدة مراحل، ولم تُعرف بهذا الاسم إلا بعد وفاة مؤسسها، كما لم تعرف الأشعرية وتنتشر إلا بعد وفاة أبي الحسن الأشعري، ويبدو أن المذهب الماتريدي مر في أربع مراحل رئيسية كالتالي:
المرحلة الأولى :
مرحلة التأسيس: (000ـ333هـ ) والتي اتسمت بشدة المناظرات مع المعتزلة والإمام الماتريدي في هذه المرحلة، عاصر أبا الحسن الأشعري، وعاش الملحمة بين أهل الحديث وأهل الكلام من المعتزلة وغيرهم، فكانت له جولاته ضد المعتزلة وغيرهم، ولكن بمنهاج غير منهاج الأشعري، وإن التقيا في كثير من النتائج. للإمام الماتريدي مؤلفات كثيرة ومن أشهرها كتاب في التفسير: "تأويلات أهل السنة أو تأويلات القرآن"( ) . وفيه تناول نصوص القرآن الكريم، ولا سيما آيات الصفات، فأوَّلها بتأويلات. و من أشهر كتبه في علم الكلام "كتاب التوحيد" وفيه قرر نظرياته الكلامية، وبيَّن معتقده في أهم المسائل الاعتقادية، ويقصد بالتوحيد: توحيد الخالقية والربوبية، وشيء من توحيد الأسماء والصفات، وقد عطل كثيرا من الصفات بحجة التنزيه ونفي التشبيه؛ مخالفاً طريقة السلف الصالح. كما ينسب إليه شرح كتاب الفقه الأكبر للإمام أبي حنيفة، وله في الردود على المعتزلة "رد الأصول الخمسة" وأيضاً في "الرد على الروافض" ورد كتاب الإمامة لبعض الروافض، وفي الرد على القرامطة.
إذن، فدور التأسيس هنا كان مرتبطا بحياة الإمام الماتريدي ما بين عامي (238- 333 هـ)، وقد تميز هذا الدور بكثرة المساجلات بين الماتريدي وبين المعتزلة
المرحلة الثانية :
وهي مرحلة التكوين: ( 333ـ500هـ ): وتعد هذه المرحلة مرحلة تلامذة الماتريدي ومن تأثر به من بعده، وفيه أصبحت فرقة كلامية ظهرت أولاً في سمرقند، وعملت على نشر أفكار شيخهم وإمامهم، ودافعوا عنها، وصنفوا التصانيف متبعين مذهب الإمام أبي حنيفة في الفروع (الأحكام)، فراجت العقيدة الماتريدية في تلك البلاد أكثر من غيرها.
ومن أشهر أصحاب هذه المرحلة: أبو القاسم إسحاق بن محمد بن إسماعيل الحكيم السمرقندي (342هـ)، عرف بـ "أبي القاسم الحكيم" لكثرة حكمه ومواعظه، وأبو محمد عبد الكريم بن موسى بن عيسى البزدوي (390هـ). ثم تلي ذلك علماء الماتريدية الأجلاء من أمثال: أبي اليسر البزدوي (421ـ493هـ) : هو محمد بن محمد بن الحسين ابن عبد الكريم، والبزدوي نسبة إلى بزدوة ويقال بزدة، ولقب بالقاضي الصدر، وهو شيخ الحنفية بعد أخيه الكبير علي البزودي، ولد عام (421هـ). وتلقى العلم على يد أبيه ، الذي أخذه عن جده عبد الكريم تلميذ أبي منصور الماتريدي، قرأ كتب الفلاسفة أمثال الكندي وغيره، وكذلك كتب المعتزلة أمثال: الجبائي، والكعبي، والنّظام وغيرهم، وقال فيها: "لا يجوز إمساك تلك الكتب والنظر فيها؛ لكي لا تحدث الشكوك، وتوهن الاعتقاد"، ولا يرى نسبة الممسك إلى البدعة. كما اطلع على كتب الأشعري، وتعمق فيها، وقال: بجواز النظر فيها بعد معرفة أوجه الخطأ فيها، كما اطلع على كتابي " التأويلات" و "والتوحيد" للماتريدي فوجد في كتاب التوحيد قليل انغلاق وتطويل، وفي ترتيبه نوع تعسير، فعمد إلى إعادة ترتيبه وتبسيطه مع ذكر بعض الإضافات عليه في كتاب أصول الدين.
وأخذ عن الشيخ أبو اليسر البزدوي جمٌّ غفير من التلاميذ ؛ ومن أشهرهم: ولده القاضي أبو المعاني أحمد، ونجم الدين عمر بن محمد النسفي صاحب العقائد النسفية وغيرهما، وتوفي في بخارى في التاسع من رجب سنة 493 هـ.
هذا، فكان دور التكوين في هذه المرحلة قد ارتبط بتلاميذ الماتريدي، ويمتد منذ وفاة الماتريدي إلى نحو عام (400 هـ)، حيث انتشر تلاميذ الماتريدي، وبدءوا في نشر كلامه وأفكاره والانتصار لها والدفاع عنها .
المرحلة الثالثة :
وهي مرحلة التأليف والتأصيل للعقيدة الماتريدية ( 500ـ700هـ )، وقد امتازت هذه المرحلة بكثرة التأليف وجمع الأدلة للعقيدة الماتريدية؛ ولذا فهي أكبر الأدوار السابقة في تأسيس العقيدة، ومن أهم شخصيات هذه المرحلة: أبو المعين النسفي (438ـ508هـ)، وهو ميمون بن محمد بن معتمد النسفي المكحولي، والنسفي نسبة إلى نسف وهي مدينة كبيرة بين جيحون وسمرقند، والمكحولي نسبة إلى جده الأكبر، ولكن نسبته إلى بلده غلبت نسبته إلى جده، وله ألقاب عدة أشهرها: سيف الحق والدين .
ويعد أبو المعين النسفي من أشهر علماء الماتريدية البارز، إلا أن من ترجم له لم يذكر أحداً من شيوخه، أو كيفية تلقيه العلم، يقول الدكتور فتح الله خليف – محقق كتاب التوحيد –: "ويعتبر الإمام أبو المعين النسفي من أكبر من قام بنصرة مذهب الماتريدي، وهو بين الماتريدية كالباقلاني والغزالي بين الأشاعرة، ومن أهم كتبه تبصرة الأدلة، ويعد من أهم المراجع في معرفة عقيدة الماتريدية بعد كتاب التوحيد للماتريدي، بل هو أوسع مرجع في عقيدة الماتريدية على الإطلاق، وقد اختصره في كتابه التمهيد، وله أيضاً كتاب بحر الكلام، وهو من الكتب المختصرة التي تناول فيها أهم القضايا الكلامية"، وتوفي في الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة (580هـ)، وله سبعون سنة.
ثم برز عالم متكلم آخر من علماء الماتريدية نجم الدين عمر النسفي (462ـ537هـ) هو أبو حفص نجم الدين عمر بن محمد ابن أحمد بن إسماعيل …بن لقمان الحنفي النسفي السمرقندي، وله ألقاب عدة أشهرها: نجم الدين، ولد في نسف سنة (461 أو 462هـ ). وكان من المكثرين من الشيوخ، فقد بلغ عدد شيوخه خمسمائة رجلاً ومن أشهرهم: أبو اليسر البزدوي، وعبد الله بن علي بن عيسى النسفي. وأخذ عنه خلقٌ كثير، وله مؤلفات بلغت المائة، منها: مجمع العلوم، التيسير في تفسير القرآن، النجاح في شرح كتاب أخبار الصحاح في شرح البخاري وكتاب العقائد المشهورة بالعقائد النسفية، والذي يعد من أهم المتون في العقيدة الماتريدية وهو عبارة عن مختصر لتبصرة الأدلة لأبي المعين النسفي قال فيه السمعاني في ترجمة له: "كان إماماً فاضلاً متقناً، صنَّف في كل نوع من التفسير والحديث ... فلما وافيت سمرقند استعرت عدة كتب من تصانيفه، فرأيت فيها أوهاماً كثيرة خارجة عن الحد، فعرفت أنه كان ممن أحب الحديث، ولم يرزق فهمه". وتوفي بسمرقند ليلة الخميس ثاني عشر من جمادى الأولى سنة (537هـ) .
المرحلة الرابعة :
وهي مرحلة التوسع والانتشار: (700ـ1300هـ)، وتعد من أهم مراحل الماتريدية حيث بلغت أوجَ توسعها وانتشارها في هذه المرحل ؛ وما ذلك إلا لمناصرة سلاطين الدولة العثمانية ، فكان سلطان الماتريدية يتسع حسب اتساع سلطان الدولة العثمانية، فانتشرت الماتريدية من خلالها في عدة دول أهمها: شرق الأرض وغربها، وبلاد العرب، والعجم، والهند، والترك، وفارس، والروم.
وبرز في هذه المرحلة علماء أمثال: الكمال بن الهمام صاحب كتاب "المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة" والذي ما زال يدرَّس في بعض الجامعات الإسلامية. وهو من أهم مصادر العقيدة الماتريدية، ومعرفة ما بينها وبين الأشعرية من اتفاق واختلاف. ولد الكمال ابن الهمام سنة (788 أو 790هـ) في سيواس، وهي مدينة في آسيا الصغرى، وانتقل مع أسرته إلى الإسكندرية بمصر، حيث عاش طفولته، وتتلمذ على فقيه الإسكندرية عبد الرحمن العكبرى، ثم ارتحل إلى القاهرة سنة 813هـ، كما سافر إلى حلب بسوريا والقدس والحجاز، وتوفي بالقاهرة سنة (861هـ) .
وفي هذا الدور كثر فيه تأليف الكتب الكلامية من: المتون، والشروح، والشروح على الشروح، والحواشي على الشروح. لذلك فإن دور الانتشار وهو الدور الأخير من مراحل تطور الفرقة الماتريدية قد ارتبط ذلك بظهور أشخاص أكثروا من التأليف والكتابة عن الماتريدي وأفكاره وأصوله والانتصار لها، ويمكن اعتبار هذا الدور ممتدا ما بين عام 400هـ حتى يومنا هذا، وقد ظهر فيه أمثال أبي اليسر البزدوي (493هـ)، وازداد انتشارها على يد أبي المعين النسفي (508هـ)، ونجم الدين عمر النسفي (537هـ)، وحافظ الدين عبد الله النسفي (710هـ).
ويبدو أن هذا الدور كان من أهم أدوار الماتريدية، وشهد مناظرات بين الماتريدية والأشعرية، وخصوصا عند نور الدين أحمد بن محمد الصابوني (580هـ) .
وتجدر بالإشارة إلي أن هناك مدراس مازالت تتبنى الدعوة الماتريدية في شبه القارة الهندية وتتمثل في ثلاث مدارس، وهي:
الأول : مدرسة "ديوبند" و "الندوية" (1283هـ ـ …) .
وتسمية ديوبند بهذا الإسم نسبة إلى جامعة ديوبند التي أسسها سنة (1283هـ) الشيخ محمد قاسم النانوتي الذي توفي سنة (1297هـ)، وفيها كثر الاهتمام بالتأليف في علم الحديث وشروحه، فالديوبندية أئمة في العلوم النقلية والعقلية؛ إلا أنهم متصوفة محضة، وعند كثير منهم بدعٌ قبورية ، كما يشهد عليهم كتابهم "المهنَّد على المفنَّد" للشيخ خليل أحمد السهارنفوري أحد أئمتهم، وهو من أهم كتب الديوبندية في العقيدة، ولا تختلف عنها المدرسة الندوية في كونها ماتريدية العقيدة.
الثاني : مدرسة "البريلوي" (1272هـ ـ…) .
نسبة إلى زعيمهم أحمد رضا خان الأفغاني الحنفي الماتريدي الصوفي الملقب بعبد المصطفي (1340هـ) ، وفي هذا الدور يظهر الإشراك الصريح، والدعوة إلى عبادة القبور، وشدة العداوة للديوبندية، وتكفيرهم فضلاً عن تكفير أهل السنة.
الثالث : مدرسة "الكوثري" (1296هـ ـ …) .
وتنسب إلى الشيخ محمد زاهد الكوثري الجركسي الحنفي الماتريدي (1371هـ)، ويظهر فيها شدة الطعن في أئمة الإسلام ولعنهم، وجعلهم مجسمة ومشبهة، وجعل كتب السلف ككتب: التوحيد، الإبانة، الشريعة، والصفات، والعلو، وغيرها من كتب أئمة السنة، كتب وثنيةٍ، وتجسيمٍ وتشبيهٍ، كما يظهر فيها أيضاً شدة الدعوة إلى البدع الشركية، وللتصوف من تعظيم القبور والمقبورين تحت ستار التوسل ( ) .
وعلى أية حال، فإن الماتريدية بلغت قمة قوتها وذروتها بتدعيم الدولة العثمانية لها وهي بالتحديد سنة (700 – 1300هـ)، إذ كانت دولة حنفية الفروع، ماتريدية العقيدة، ومن تركيا انتشرت العقيدة الماتريدية شرقا وغربا، ويعد الهند من أهم مراكز المذهب الماتريدي، منذ أن حكمها الملوك السامانيون قديما، ثم قوي المذهب الماتريدي في العصر الحديث بعد أن اعتنقها الديوبندية. ولا يزال في الأزهر الشريف تدريس العقيدة الماتريدية وبخاصة تدريس كتاب "شرخ العقائد النسفية" للتفتازاني ، وهو شرح لكتاب " العقائد النسفية" لنجم الدين عمر النسفي المتوفى سنة (537هـ) .
منهج الماتريدية
تميزت الماتريدية عن غيرها من الفرق الكلامية بمناهج وطرق في تقرير المسائل الإعتقادية، حيث ضموا منهجهم إلى مناهج الفرق الكلامية المختلفة، فتارة نرى منهجهم قريب من منهج المعتزلة، وتارة أخرى قريب من منهج الأشعرية، وأحيانا نرى أنهم يستخدمون المنهج السلفي. ومع هذا يمكننا القول بأن نهج الإمام الماتريدي هو نهج الإمام الأشعري في التوسط بين الغالين من المشبهة والمعتزلة.
ومن هنا اختلف الباحثون حول المنهج والاتجاه وانتماء الماتريدية في دراسة العقيدة إلى عدة أقوال:
القول الأول :
يرى الدكتور إبراهيم مدكور أن الماتريدية في حقيقتها شعبة من شعب أهل السنة والجماعة ( ) . بل صرح الدكتور علي عبد الفتاح المغربي بأن الإمام الماتريدي إمام أهل السنة والجماعة، هذا ما أورده في عنوان كتابه. وقد أكد الدكتور فتح الله خليف انتماء الماتريدية لمذهب أهل السنة والجماعة( ) . وأكد بذلك قبله الشيخ محمد زاهد الكوثري قائلا عن هذين الإمامين الأشعري والماتريدي: " ... فالأشعريّ والماتريدي هما إماما أهل السنّة والجماعة في مشارق الأرض ومغاربها، لهم كتب لا تحصى، وغالب ما وقع بين هذين الإمامين من الخلاف من قبيل اللّفظي " ( ) . وهذا ما ذهب إليه أستاذي الدكتور حسن الشافعي، حيث صرح بأن الماتريدية يشكلون مع الأشاعرة الجناح الكلامي لأهل السنة ( ) .
إذن، فقد أطلق على أهل السنة فرقتان أو مذهبان وهما: الأشعرية والماتريدية فقال صاحب كتاب ( مفتاح السعادة ):
" إنّ رئيس أهل السنّة والجماعة في علم الكلام رجلان: أحدهما حنفيّ، والآخر شافعي، أمّا الحنفي: فهو أبو منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي، وأمّا الآخر الشافعي: فهو شيخ السنّة أبو الحسن الأشعري البصري "( ). ويقول الزبيدي: « إذا اُطلق أهل السنّة والجماعة ، فالمراد هم الأشاعرة والماتريدية »( ) وفي حاشية الكستلي ( ) على شرح العقائد النسفية للتفتازاني : « المشهور من أهل السنّة في ديار خراسان والعراق والشام وأكثر الأقطار، هم الأشاعرة، وفي ديار ماوراءالنهر الماتريدية أصحاب أبي منصور الماتريدي تلميذ أبي نصر العياضي، تلميذ أبي بكر الجرجاني، تلميذ محمّد بن الحسن الشيباني من أصحاب الإمام أبي حنيفة »( ). وقد أشار أبو عذبة إلى أن مدار جميع عقائد أهل السنة والجماعة على كلا قطبين: أحدهما الإمام أبو الحسن الأشعري، والثاني الإمام أبو منصور الماتريدي ( ) .
وفي موضع آخر يقول صاحب (رسالة في الاختلاف بين الأشاعرة والماتريدية): "اعلم أن الشيخ أبا الحسن الأشعري إمام أهل السنة ومقدمهم، ثم الشيخ أبو منصور الماتريدي، وإن أصحاب الشافعيّ وأتباعه تابعون له، أي لأبي الحسن الأشعري في الأصول وللشافعيّ في الفروع. وإن أصحاب أبي حنيفة تابعون للشيخ أبو منصور الماتريدي في الأصول، ولأبي حنيفة في الفروع، كما أفادنا بعض مشايخنا رحمه الله تعالى، ولا نزاع بين الشيخين وأتباعه إلا في اثني عشر مسألة" ( ).
القول الثاني :
يرى الدكتور محمود قاسم أن الماتريدية أقرب إلى المعتزلة منها إلى الأشعرية ( ) .
القول الثالث:
يرى أحمد أمين أن لون الاعتزال أبرز في الأشعرية من الماتريدية، فقال: " لقد اتّفق الماتريدي والأشعري على كثير من المسائل الأساسية، وقد أُلِّفت كتب كثيرة وملخّصات، بعضها يشرح مذهب الماتريدي كالعقائد النسفية لنجم الدين النسفي، وبعضها يشرح عقيدة الأشعري كالسنوسية و الجوهرة، وقد أُلِّفت كتب في حصر المسائل الّتي اختلف فيها الماتريدي والأشعري، ربّما أوصلها بعضهم إلى أربعين مسألة، ثمّ قال: إنّ لون الإعتزال أظهر في الأشعريّة بحكم تتلمذ الأشعري للمعتزلة عهداً طويلاً " ( ) .
القول الرابع :
يرى الشيخ محمد زاهد الكوثري (تـ 1371هـ) أن الماتريدية هم الوسط بين الأشاعرة والمعتزلة، وقلّما يوجد بينهم متصوّف ( ) . وقد أكد هذا الرأي الشيخ أبو زهرة فقال: " عند الدراسة العميقة لآراء الماتريدية وآراء الأشعري في آخر ما أنتهي إليه، نجد ثمة فرقا في التفكير ، وفيما انتهى إليه الإمامان ... أن أحدهما كان يعطي العقل سلطانا أكثر مما يعطيه الآخر ... ولذلك نقرر أن منهاج الماتريدية للعقل سلطان كبير فيه ... فإن الماتريدية في خط بين المعتزلة والأشاعرة ... ولذا كان قول صديقنا الكوثري: إن الأشاعرة بين المعتزلة والمحدثين، والماتريدية بين المعتزلة والأشاعرة صادقا " ( ) .
ويبدو لي رجحان الرأي الأخير القائل بأن الماتريدية وسط بين الأشاعرة والماتريدية، حيث نهج الماتريدية منهجي الأشاعرة والمعتزلة معا في معالجتهم لقضايا العقدية، فالماتريدية اقتربوا من المعتزلة حينما أعلوا شأن العقل، وأعطوها سلطان أكبر ومجالا أوسع، واقتربوا من الأشعرية حينما رأوا أن النقل هو المصدر الوحيد للإنسان في معرفة عالم الغيب، حيث وافقت الماتريدية الأشعرية في الإيمان بالسمعيات مثل: أحوال البرزخ، وأمور الآخرة من: الحشر، والنشر، والميزان، والصراط، والشفاعة، والجنة، والنار، لأنهم جعلوا مصدر التلقي فيها السمع، لأنها من الأمور الممكنة التي أخبر بها النبي ، وأيدتها نصوص الكتاب والسنة. وبالتالي فإنهم – الماتريدية والأشعرية – أثبتوا رؤية الله تعالى في الآخرة .
ومن ناحية أخرى، يلاحظ أنه إذا كان الأشعري قد برز للتوفيق بين أهل الحديث وأهل العقل (المعتزلة)، فإن الماتريدي تميز بمحاولة التوفيق بين الأشاعرة والمعتزلة حيث إن الأشاعرة لم يقدّروا العقل حق قدره، والمعتزلة لم يقدروا الوحي حق قدره .
ويمكننا أن نحصر أهم مناهج الماتريدية الكلامية في الترتيب التالي :
الأول : عدم الركون إلى التقليد .
يذم الماتريدية التقليد لمعرفة الحقائق الدينية ، يقول الإمام الماتريدية: " إن التقليد ليس مما يعذر صاحبه لإصابة مثله ضده ... فالتقليد ليس فيه سوى كثرة العدد " ( ). يوضح هذا النص أن الماتريدية لا يرون مسوغا للتقليد.
والحقيقة أن منع التقليد في أصول الدين يراه معظم الفرق والمذاهب الإسلامية ، كالمعتزلة فيقول القاضي عبد الجبار الهمذاني في بيان فساد التقليد: " إن القول به يؤدي إلي جحد الضرورة؛ لأن تقليد من يقول بقدم الأجسام ليس بأولى من تقليد من يقول بحدوثها ، فيجب إما أن يعتقد حدوثها وقدمها وذلك محال، أو يخرج عن كلا الاعتقادين، وهو محال أيضاً ... ويدل على ذلك أنه تعالى لم يقتصر في كتابه في التوحيد والعدل وسائر المذاهب على ذكر الخبر عنها، بل نبه عن طريق الظن فيها، ولو كان التقليد حقاً لوجب تقليده تعالى، ولاستغنى عن طريق البيان في ذلك، ولوجب أن يقتصر صلى الله عليه أيضاً على الدعاوى دون إقامة البراهين " ( ) .
وفي موضع آخر يوضح الزيدية أهمية النظر في المسائل الأصولية، إذ يذهبون إلى أن التقليد مطلقا مذموم عقلا وشرعا، أما العقل فلأن المقلد لا يأمن من الهلاك بسبب ترك النظر، ولأن العقلاء يذمون من لم ينظر في أمور دينه، كما يذمونه على ترك النظر في أمور دنياه. وأما السمع فهناك آيات كثيرة تدل على وجوب النظر منها : قوله :  أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ  - الغاشية: 17 - . وقوله :  أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا  - الروم: 8 - . وقوله  :  أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ  - العنكبوت: 19 - . وأما السنة فبقوله  عن جابر بن عبد الله: » قوام المرء عقله ، ولا دين لمن لا عقل له « ( ) ، وقوله : » إنما يدرك الخير كله بالعقل ، ولا دين لمن لا عقل له « ( ) . وبالإضافة إلى ذلك، فإن في الكتاب محكما ومتشابها، وناسخا ومنسوخا، ولا يعلم المحكم من المتشابه، ولا الناسخ من المنسوخ إلا بنظر واستدلال عقليّ. هذه هي أهم استدلال الزيدية على وجوب النظر، وعدم جواز التقليد مطلقا ( ) .
ومن هنا، يرى الإمام الشوكاني إجماع العلماء على منع التقليد في أصول الدين، حيث إنه نقل عن أبي الحسين القطان قوله : " لا نعلم خلافاً في امتناع التقليد في التوحيد. وحكاه السمعاني عن جميع المتكلمين وطائفة من الفقهاء. وقال إمام الحرمين في الشامل: لم يقل أحد بالتقليد في الأصول إلاّ الحنابل . وقال الاسفراييني: لا يخالف فيه إلا أهل الظاهر " ( ) .
الثاني : مصدر تلقى العقيدة بالعقل والنقل .
يوضح الإمام الماتريدي أن مصادر المعرفة الإنسانية تكون في ثلاثة طرق، وهي بالعيان، والأخبار، والنظر، والعيان هنا يراد به المعرفة الحسية، وأهمها الرؤية البصرية بالعين، وأما الأخبار فهي المعرفة السمعية أو النقل، وأما النظر فالمراد به نظر العقل أو المعرفة العقلية. ولكل مصدر من هذه المصادر يختص بإدراك موضوعاته وحدها، فلا يمكن لأحد أن يدرك موضوعات مصدر آخر، فمن أراد أن يدرك مسألة عقلية بالحس فقد أراد محالا، لأنه طلب معرفة ما ليس طريقه الحس بالحس، فهو كمن يريد أن يميز الأصوات بالبصر، وبين الألوان بالسمع، وكذا كل معروف بحس، أحب أن يعقل ذلك غيره ، فيقصر عنه عقله ، فمثله ما كان طريق العلم به غير الحواس، فأراد الوصول إليه بها، لم سعه عقله ( ) .
وأما بخصوص المعرفة الدينية فتعتمد على مصدرين فقط لا غير، وهما: السمع والعقل، وفي ذلك يقول الإمام الماتريدي: " أصل ما يعرف به الدين ... وجهان: أحدهما السمع والآخر العقل "( ).
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو ما موقف الإمام الماتريدي من قضية العقل والنقل ، فهل كان يقدم العقل على النقل – كما عليه المعتزلة – أو أنه يقدم النقل على العقل – كما عليه السلف – ؟ .
والحقيقة أن موقف الإمام الماتريدي تجاه هذه المسألة أي العقل والنقل متضارب، حيث ورد نص صريح يدل على أنه كان يقدم النقل على العقل، وذلك في قوله: " لزم قبول أخبار الرسل، إذ لا خبر أظهر صدقا من خبرهم بما معهم من الآيات الموضحة صدقهم ... فمن أنكر ذلك، فهو أحق من يقضي عليه بالتعنت والمكابرة " ( ) .
فهذا النص يوضح لنا أهمية النقل لتلقى العلوم الدينية، إذ أنه المصدر الوحيد للإنسان من معرفة عالم الغيب، فالناس يعرفون السمعيات أو الأخرويات بالنقل، سواء كان من الآيات القرآنية أو من الأحاديث النبوية . وأكد بذلك المتكلم المـاتريدي الملا علي القاري (تـ 1014هـ)، فقال: " ثم العقائد يجب أن تؤخذ من الشرع الذي هو الأصل، وإن كانت مما يستقل فيه العقل، وإلا فعلم إثبات الصانع، وعلمه وقدرته لا تتوقف – من حيث ذاتها – على الكتاب والسنة، ولكنها تتوقف عليها من حيث الاعتداد بها، لأن هذه المباحث إذا لم يعتبر مطابقتها للكتاب والسنة، كانت بمنزلة العلم الإلهي للفلاسفة، لا عبرة بها على ما ذكره المحققون " ( ) .
ومن ناحية آخر أثنى على منهج أهل السنة القاضي كمال الدين البياضي الماتريدي (تـ1098هـ) قائلا : " لأنهم – أهل السنة – السواد الأعظم، المتبعون لظواهر محكمات الكتاب والسنة، المتفقون في أصول العقائد، الآخذون لها عن المحكمات دون مجرد العقول كالمعتزلة ومن يحذو حذوهم، لأن جعل العقل موجبا ينزع إلى التشريع، دون المنقول من غير الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ... ( ) .
وهناك نص آخر يشير إلى أن الإمام الماتريدي يقدم العقل على النقل، حيث أنه رفع من شأن العقل ومنزلته فوق النقل، كما رأينا موقفه من التحسين والتقبيح، فهو في هذه القضية مقلدا تماما للمعتزلة الذين يرون أن العقل مصدر للتحسين والتقبيح، فليس للنقل دور أو نصيب في هذا الصدد، بل دافع الماتريدي عن النظر العقلي بشدة، لأن التعقل أو النظر في رأيه أمر ضروري للغالية، بل ذهب إلى أن النظر يفضي بصاحبه إلى معرفة الباري عز وجل، وأنه تعالى سوف يجزيه بالإحسان خيرا، ويعاقبه بالإساءة، فبالنظر يجتنب الإنسان ما يسخطه تعالى، ويقبل ما يرضيه، وينال شرف الدارين، ولا يجوز أن يقال: إن الله يأمر العبد بما لا يفهم، فما من شيء يأمر الله به، إلا وقد جعل تعالى لفهم ذلك سبيلا، ولكن جهات الأصول مختلفة، فتعلم إما بالنظر والفكر، وإما بخطاب السمع " ( ) .
وقد غلا بعض أتباع الماتريدية في النزعة العقلية كغلو المعتزلة والفلاسفة من أمثال ابن سينا، فقال عبد الحميد بن عبد الله الآلوسي الماتريدي: " قد صرح غير واحد من علماء الحنفية (يريد الماتريدية) بأن العقل حجة من حجج الله تعالى ، ويجب الاستدلال به قبل ورود الشرع، وعليه فيكون إرسال الرسل، وإنزال الكتب تتمة للدين من بيان ما لا يهتدي العقول إليه من أنواع العبادات والحدود، وأمر البعث والجزاء، فإن ذلك مما يشكل مع العقل وحده، لا لنفس معرفة الخالق، فإنها تنال ببداية العقول " ( ) . بالإضافة إلى قول ابن الهمام الماتريدي (تـ861هـ): " إن الشرع إنما ثبت بالعقل، فإن ثبوته يتوقف على دلالة المعجزة على صدق المبلغ، وإنما تثبت هذه الدلالة بالعقل، فلو أتى الشرع بما يكذبه العقل، وهو شاهده، لبطل الشرع والعقل معا " ( ) .
فهذا النص هو نفس العبارة لمتكلمي المعتزلة، وعلى هذا يمكن القول بأن الماتريدية يعولون في تقرير المسائل العقائدية على العقل ثم النقل، فيقدمون العقل على النقل، وبخاصة عند التعارض بينهما. يقول أحد أئمة الماتريدية: "وقد تقرر أن الأمر الممكن الذي أخبر به الشارع يجب الإيمان به من غير تأويل، وأما الأمر المحال عقلا فالنص الوارد فيه مصروف عن ظاهره، كالنصوص الموهمة لإثبات جسمية، أو جهة للواجب تعالى، نحو قوله: يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ - الفتح : 10 -، فإنها مؤولة بالقدرة، وقوله : اَلرّحْمَـَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىَ - طه : 5 - فالاستواء مؤول بالعظمة التامة، والقدرة القاهرة" ( ) . من هنا يمكننا القول بأن الماتريدية كانوا أكثر اعتدادا بالنظر العقلي من الأشاعرة .
الثالث: التأويل والتفويض.
ومفهوم التأويل عند الماتريدية لا يختلف عن مفهومه عند المتكلمين الآخرين كالأشعرية والمعتزلة والزيدي، فهو: " صرف ظاهر اللفظ عن معناه اللغوي إلى معنى يحتمله "، وأورد الإمام الماتريدي الفرق بين التفسير والتأويل، فيقول: "التفسير للصحابة رضي الله عنهم"، والتأويل للفقهاء"، ومعنى ذلك أن الصحابة شهدوا وعلموا الأمر الذي نزل فيه القرآن، ومنه قيل: (من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)، لأنه فيما فسر يشهد على الله به. وأما التأويل فهو بيان منتهى الأمر، مأخوذ من آل يؤول، أي يرجع وهو توجيه الكلام إلى ما يتوجه إليه، ولا يقع التشديد في التأويل مثل ما يقع في التفسير، إذ ليس في التأويل الشهادة على الله، لأن المتأول لا يقول: أراد الله به كذا، ولكنه يقول: يتوجه هذا إلى كذا وكذا من الوجوه، فالتفسير ذو وجه واحد، والتأويل ذو وجوه " ( ) .
وكما أوضحنا سابقا أن الماتريدية قدموا العقل على النقل عند التعارض بينهما، ومن هنا فإنهم أوجبوا اللجوء في هذه الحالة إلى التأويل المعروف بصرف ظاهر اللفظ عن معناه اللغوي إلى معنى يحتمله، وذلك دفعا للتعارض بين النصوص الشرعية مع الأدلة العقلية، كما في مسألة الصفات الإلهية، وفي هذا يقول أبو المعين النسفي: " إن هذه الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة المروية التي يوهم ظاهرها التشبيه، وكون الباري تعالى جسما متبعضا متجزئا، كانت كلها محتملة لمعاني وراء الظاهر، والحجج المعقولة ... غير محملة، والعقول من أسباب المعارف، وهي حجة الله تعالى، وفي حمل هذه الآيات على ظواهرها ... إثبات المناقضة بين الكتاب والدلائل المعقولة، وهي كلها حجج الله تعالى، ومن تناقضت حججه فهو سفيه جاهل ... والله تعالى حكيم لا يجوز عليه السفه ... فحمل تلك الدلائل السمعية على ظواهرها كان محالا ممتنعا " ( ) . وقول آخر له: "إن حمل الآيات على ظواهرها والامتناع عن صرفها إلى ما يحتمله من التأويل يوجب تناقضا فاحشا في كتاب الله تعالى ... فلا يجوز أن يفهم مما أضيف من الألفاظ إلى الله تعالى ما يستحيل عليه ، ويجب صرفه إلى ما لا يستحيل فيه أو تفويض المراد إليه.. ( ) . وخير مثال على ذلك فقد أول الماتريدية الصفات الخبرية كالمجيء ، والإتيان ، والإستواء على العرش ، والعلو.
المجيء والإتيان :
أول الماتريدي قول الله تعالى:  وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا  – الفجر : 22 –، حيث قال: "أي بالملك، وذلك كقوله :  اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتَلاَ  – المائدة : 24 –، إذ معلوم أنه يقاتل بربه، ففهم منه ذلك" ( ) . وكذلك أول قوله تعالى:  هَلْ يَنْظُرُوْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَـامِ وَالْمَلاَئِكَةِ  – البقرة : 210 –، أي أمر الله ( ) . ويناقش الماتريدية الجهمية فى تعطيلهم لصفة "نزول " الله إلى السماء الدنيا ( ) . فقالوا : لو تركنا هذه النصوص على ظاهرها لزم الانتقال والأعراض و الأجسام وهذا يستلزم التغير و الزوال له تعالى، فيكون الله من الآفلين، فيجب صرف ذلك إلى ما يستحق بالربوبية. و بناء على هذا الأساس الباطل المنهار عطلوا صفات الله تعالى " النزول " و الإتيان " و " المجيء". حرفوا نصوصها، فقالوا : المراد بالنزول اللطف و الرحمة على سبيل التمثيل ( ) . أو نزول بره و عطائه، أو نزول الملك، أو المراد الإطلاع و الإقبال على العباد بالرحمة ( ) .
و هكذا عطلوا صفة " الإتيان " لله تعالى، و حرفوا نصوصها أو معناها: فقالوا المراد: إتيان عذاب، أو إتيان ملائكته، أو مجاز عن التجلي أو معناه: أن يأتي الله بأمره، و بأسه، فحذف المفعول به و غيرها ( ) .
المكان والعلو والاستواء على العرش :
أشار الماتريدي آراء العلماء في هذه المسألة إلى ثلاثة أقوال: فمنهم من زعم أنه تعالى يوصف بأنه على العرش مستو، والعرش عندهم السرير المحمول بالملائكة المحفوف بهم، ومنهم من يقول هو بكل مكان، ومنهم من قال بنفي الوصف بالمكان، وكذلك الأمكنة كلها إلا على مجاز اللغة. وبعد أن استعرض كل هذه الأقوال فيرى من جهته أن إثبات المكان لله والاستواء على العرش يتعارض مع الوصف له بالعلو والرفعة والتعظيم والجـلال ويتعارض مع قوله تعالى :  لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ  – الفرقان : 2 – ، وقوله تعالى :  رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ  – الصافات : 5 – . ويقول الماتريدي مؤكدا على عدم ثبوت المكان لله تعالى:
"إن الله سبحانه كان ولا مكان، وجائز ارتفاع الأمكنة وبقاؤه على ما كان، فهو على ما كان وكان على ما عليه الآن، جل عن التغير والزوال والاستحالة والبطلان، إذ ذلك أمارات الحدث التي بها عرف حدث العالم، ودلالة احتمال الفناء". وأنهى الماتريدي حديثه في هذه المسألة فقال: "وأما الأصل عندنا في ذلك أن الله تعالى قال :  لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ  – الشورى : 11 ، فنفى عن نفسه شبه الخلق، وقد بينا أن فعله وصفته متعال عن الأشباه، فيجب القول بالرحمن على العرش استوى على ما جاء به التنزيل، وثبت ذلك في العقل، ثم لا نقطع تأويله على شيء لاحتماله غيره مما ذكرناه، واحتماله أيضا ما لم يبلغنا مما يعلم أنه غير محتمل شبه الخلق، ونؤمن بما أراد الله به، وكذلك في كل أمر ثبت التنزيل فيه، نحو الرؤية وغير ذلك، يجب نفي الشبه عنه، والإيمان بما أراده من غير تحقيق على شيء دون شيء، والله الموفق" ( ) .
وقال الماتريدي في موضع آخر: "... وقد بينا أنه في فعله وصفته متعال عن الأشباه، فيجب القول بـ (الرحمن على العرش استوى) – طه – على ما جاء به التنزيل وثبت ذلك في العقل، ثم لا نقطع تأويله على شيء لاحتماله غيره مما ذكرنا ... ونؤمن بما أراده من غير تحقيق على شيء دون شيء ... فإن الله يمتحن بالوقوف في أشياء كما جاء من نعوت الوعد والوعيد، وما جاء من الحروف المقطعة وغير ذلك مما يؤمن المرء أن يكون ذا مما المحنة فيه الوقف لا القطع"( ) .
ونظرا لاضطراب قول الماتريدي بين التأويل والتفويض اضطربت الماتريدية بعده، فرحج بعضهم بالتأويل، ورحج آخرون التفويض ، ومنهم من أجاز الأمرين، ومنهم من خص التفويض بفئة من الناس والتأويل بفئة أخرى، قال أبو المعين النسفي الماتريدي عن آيات الصفات: "إما أن نؤمن بتنزيلها ولا ننشغل بتأويلها ... وإما أن تصرف إلى وجه من التأويل يوافق التوحد" ( ) .
وقال الكمال بن همام الحنفي الماتريدي: "إنه تعالى استوى على العرش مع الحكم بأنه ليس كاستواء الأجسام على الأجسام من التمكن والمماسة والمحاذاة، بل بمعنى يليق به سبحانه، وحصاله: وجوب الإيمان بأنه استوى على العرش مع نفي التشبيه، فأما كون المراد أنه استيلاؤه على العرش فأمر جائز الإرادة ، إذ لا دليل على إرادته عينا، فالواجب عينا ما ذكرنا، وإذا خيف على العامة عدم فهم الاستواء إذا لم يكن بمعنى الاستيلاء إلا باتصال ونحوه من الوازم الجسمية وأن لاينفوه فلا بأس بصرف فهمهم إلى الاستيلاء" ( ) .
وفي موضع آخر يقول ابن قطلوبغا الحنفي الماتريدي: "فاللائق بالعوام سلوك طريق التسليم، واللائق بأهل النظر طريق التأويل لدفع تمسكات المبتدعة" ( ) . فالماتريدية إذا ليس لهم قانون موحد مستقيم يسيرون عليه في التأويل ولا في التفويض فأقوالهم فيه مختلفة مضطربة( ).
وعلى أية حال، فإن الإمام الماتريدي قد اتبع منهاج السلف، حيث رأى ضرورة التفويض وعدم التأويل في هذه الحالة. وأما الماتريديون الذين جاؤا بعده فلا يتابعون إمامهم، وإنما يتابعون المعتزلة في هذه المسألة متابعة تامة. وهذا ما حدث لمتأخري الأشاعرة فإنهم – كذلك – يتابعون المعتزلة في تأويل جميع الصفات الإلهية.
__________________________________________________________________________________
) نهر جيحون ، وحديث يسمى هذا النهر آمودريا ، وعرفت بلاد ما وراء النهر فيما بعد باسم " تركستان " ، وعرف تحت حكم الاتحاد السوفيتي السابق باسم جمهوريات آسيا الوسطى السوفيتية ، وتتكون من خمس جمهوريات ، وهي : أوزبكستان ، وقازاقستان ، وتركمانستان ، وطاجكستان ، وقرغيزستان .
( ) ولكن يرجح بعض الباحثين أنه ولد حوالي سنة 238 هـ ، لأن أحد شيوخه وهو محمد بن مقاتل الرازي توفى سنة 248 هـ ، ومن غير المحتمل أن يكون عمره أقل من عشر سنوات حين وفات شيخه ، على الرغم من ذلك شكك الباحث الشمس الأفغاني في كون الرازي المذكور شيخا للماتريدي ، فيرى من جهته أن الأولى أن يكون ميلاده بالتحديد سنة 258 هـ ، لأن من الثابت أن أحد شيوخ الماتريدي هو نصير بن يحي البلخي توفي سنة 268هـ . انظر: عداء الماتريدية للعقيدة السلفية ، 1/213 .
( ) عبد الله المرائي ، الفتح المبين في طبقات الأصوليين ، 1/193، 194 .
( ) أبو الحسن الندوي ، رجال الفكر والدعوة ، ص 139 . بل ، كان الشيخ الندوي في كتاب آخر له بعنوان " تاريخ الدعوة والعزيمة " يرجِّح الإمام الماتريدي على الإمام الأشعري ، انظر : 1/114ـ115 من الكتاب .
( ) وقد طبع هذا الكتاب بكامله بمؤسسة الرسالة، بيروت – لبنان سنة 2005م .
( ) للتفاصيل راجع : تعليقات الكوثري على كتاب الأسماء والصفات للبيهقي ، وكتاب مقالات الكوثري .
( ) للتفاصيل راجع : تعليقات الكوثري على كتاب الأسماء والصفات للبيهقي ، وكتاب مقالات الكوثري .
( ) د. علي عبد الفتاح المغربي ، مقدمة كتاب التوحيد ، ص 10 .
( ) محمد زاهد الكوثري ، مقدمة كتاب تبيين كذب المفتري : ص 19.
( ) د. حسن الشافعي ، المدخل إلى دراسة علم الكلام ، ص 89 ، مكتبة وهبة ، مصر ، ط2/1991م .
( ) انظر : مقدمة كتاب تبيين كذب المفتري : ص 19.
( ) محمد بن محمد بن الحسيني ، إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار أحيـاء علوم الدين ، 2/8 ، طبع القاهرة .
( ) هو مصلح الدين مصطفى القسطلاني ( م 902 ).
( ) بهامش شرح العقائد النسفية ، ص 17.
( ) أبو عذبة ، الروضة البهية في ما بين الأشاعرة والماتريدية ، ص 81 ، دار ابن حزم ، ط1/2002م ، نشره بسام عبد الوهاب الجابي .
( ) انظر : رسالة في الاختلاف بين الأشاعرة والماتريدية ، صفحة 57 ، طبعت باستنابول ، تركيا ، 1304هـ .
( ) د. محمود قاسم ، مقدمة كتاب مناهج الأدلة ، ص 18 - 19 .
( ) أحمد أمين ، ظهر الإسلام ، 4/ 91 - 95 .
( ) محمد زاهد الكوثري ، مقدمة كتاب تبيين كذب المفترى ، ص 19 .
( ) محمد أبو زهرة ، تاريخ المذاهب الإسلامية ، 1/176 - 177 .
( ) الماتريدي ، كتاب التوحيد ، ص 3 .
( ) عبد الجبار ، المغني في أبواب التوحيد والعدل : النظر والمعارف . تحقيق : د. إبراهيم مدكور . 12/123- 126.
( ) حديث ضعيف ، أورده ابن شيرويه الديلمي في ( الفردوس بمأثور الخطاب ، رقم : 4629 ، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان ، ط1/1986م ، تحقيق : السعيد بن بسيوني زغلول ) . وابن القيسراني في ( كتاب معرفة التذكرة ، رقم : 3858 ، مؤسسة الكتب الثقافية، ط1/1406هـ ، تحقيق : الشيخ عماد الدين أحمد حيدر ) . ويقول البيهقي: تفرد حامد بن آدم في روايته لهذا الحديث وأنه كان متهما بالكذب . انظر : شعب الإيمان ، 4/157 ، رقم : 4644. ويقول ابن عدي : إن هذا الحديث منكر المتن والإسنـاد . انظر : الكامل في ضعفاء الرجال ، 3/100 ، دار الفكر ، بيروت ، 1409هـ ، تحقيق : يحيى مختار غزاوي .
( ) حديث ضعيف ، أورده ابن شيرويه الديلمي في ( الفردوس بمأثور الخطاب ، رقم : 2764 ) .
( ) انظر : أحمد بن سليمان ، كتاب حقائق المعرفة في علم الكلام ، ص 67 – 68 . شرف الدين بن بدر الدين ، كتاب ينابيع النصيحة في العقائد الصحيحة ، ص 27 . أحمد الشرفي ، شرح الأساس الكبير ، 1/209 – 210 .
( ) الشوكاني ، إرشاد الفحول ، ص265 - 266 .
( ) انظر : الماتريدي ، كتاب التوحيد ، ص 7 ، 32 .
( ) الماتريدي ، كتاب التوحيد ، ص 4 .
( ) المصدر السابق ، ص 4 .
( ) الملا علي القاريء ، شرح الفقه الأكبر ، ص 17 .
( ) البياضي ، إشارات المرام ، ص 52 .
( ) انظر : الماتريدي ، كتاب التوحيد ، ص 135 - 137 .
( ) عبد الحميد بن عبد الله الآلوسي ، نثر اللالي على نظم الأمالي ، ص 204 .
( ) الكمال بن الهمام ، شرح المسايرة ، ص 31 – 32 ، طبعة بولاق ، مصر .
( ) عبد العزيز الفريهاري ، النبراس ، ص 316 – 317 ، كتبخانة إكرامية ، بشاور . بدون تاريخ .
( ) الماتريدي ، تأويلات أهل السنة ، ص 5 - 6 .
( ) أيو المعين النسفي ، تبصرة الأدلة ، مخطوط ، لوحة 77 – 78 .
( ) المصدر السابق ، لوحة 110 وما بعدها . الباقلاني ، التمهيد ، ص 19.
( ) الماتريدي ، تأويلات أهل السنة ، ص 83 .
( ) انظر : الماتريدي ، تأويلات أهل السنة ، 435 – 436 .
( ) يلاحظ أن الماتريدية و غيرهم من المعطلة فهم من نصوص " الإتيان" و "النزول" و "المجئ" ما يفهم من صفات المخلوق .
( ) الجرجانى ، شرح المواقف ، 8/25 .
( ) أبو المعين النسفي ، بحر الكلام ، ص 23 .
( ) الماتريدى ، تأويلات أهل السنة ، 1/83-85 .
( ) الماتريدي ، التوحيد ، 72 – 73 .
( ) الماتريدي ، التوحيد ، ص 68 – 69 .
( ) أبو المعين النسفي ، التمهيد في أصول الدين ، ص 19 ، القاهرة ، 1407، تحقيق : عبد الرحمن قابيل .
( ) الكمال ابن همام ، شرح المسايرة ، ص 30 – 33 ، مطبعة السعادة ، القاهرة ، ط2/1347هـ .
( ) المصدر السابق ، ص 33 .
( ) أحمد عوض الله الحربي، الماتريدية – دراسة وتقويما – ، دار العاصمة ، الرياض ، 1413هـ .

Sunday, March 7, 2010

DI KAMPUS USIM (Luas Tanah 600 Hektar)

Gedung Rektorat USIM
Taman Rektorat 
Ruang Kantor
No:19,Lantai 2.FKP,Tlp:06-798-8738
 Koleksi Buku Dosen Fakulti Kepimpinan & Pengurusan
 Depan Fakulti Kepimpinan & Pengurusan
 
Halaman Fakulti Kepimpinan & Pengurusan
Depan Fakulti Ekonomi & Muamalat
Depan Fakulti Qur'an & Sunnah
 

Tuesday, March 2, 2010

الأشعرية، النشأة والمنهج

الأشعرية، النشأة والمنهج
الدكتور/ كمال الدين نور الدين مرجوني
تعريف الأشعرية
هي فرقة كلامية إسلامية، تنسب لأبي الحسن الأشعري الذي خرج على المعتزلة. والانتساب إلى هذا المذهب هو ما عليه أكثر الناس في البلدان المسلمين، وقد اتخذت الأشاعرة البراهين والدلائل العقلية والكلامية وسيلة في محاجة خصومها من المعتزلة والفلاسفة وغيرهم، لإثبات حقائق الدين والعقيدة الإسلامية. وهي تنتهج أسلوب أهل الكلام في تقرير العقائد والرد على المخالفين.
ولد الإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري بالبصرة سنة 260هـ ( ) ، ويذكر ابن خلكان أن مولده كان عام 270هـ وليس 260هـ . وأن شهرته تغني عن الإطالة في تعريفه ، وقد صنف الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في مناقبه مجلدا، وسكن – رحمه الله – بغداد وتوفي بها سنة 324هـ. وعاش – رحمه الله - ملازما لزوج أمه شيخ المعتزلة في زمنه أبي علي الجبائي، فعنه أخذ الاعتزال حتى تبحر فيه وصار من أئمته ودعاته. إلا أنه تحول عن الاعتزال، حيث أجمع المؤرخون لحياة أبي الحسن على التحول الأول في حياته، وهو خروجه من مذهب الاعتزال ونبذه له ( ) .
ويذكر ابن عساكر وغيره أن أبا الحسن الأشعري اعتزل الناس مدة خمسة عشر يوما، وتفرغ في بيته للبحث والمطالعة، ثم خرج إلى الناس في المسجد الجامع، وأخبرهم أنه انخلع مما كان يعتقده، كما ينخلع من ثوبه، ثم خلع ثوبا كان عليه ورمى بكتبه الجديدة للناس.
ومع اتفاق الباحثين على رجوعه عن مذهب الاعتزال، إلا أنهم اختلفوا في تحديد سبب ذلك الرجوع، فاختلفوا إلى ثلاثة آراء :
الرأي الأول :
ذهبوا إلى أن سبب رجوعه ما رآه في مذهب المعتزلة من عجز ظاهر في بعض جوانبه ، فقد كان الإمام الأشعري دائم السؤال لأساتذته عما أشكل عليه من مذهبهم، ومما يروى في ذلك أن رجلا دخل على أبي علي الجبائي وفي حضرته أبو الحسن الأشعري، فقال الرجل لأبي علي: هل يجـوز أن يسمى الله عاقلا ؟ فقال: الجبائي: لا، لأن العقل مشتق من العقال، وهو المنع، والمنع في حق الله محال، فامتنع الإطلاق، فاعترض أبو الحسن على جواب أبي علي قائلا: لو كان قياسك المذكور صحيحا، لامتنع إطلاق اسم الحكيم على الله، لأنه مشتق من حَكَمَةِ اللجام، وهي حديدة تمنع الدابة من الخروج، وذكر شواهد من الشعر على ذلك، فلم يحر أبو علي الجبائي جوابا، إلا أنه قال لأبي الحسن، فَلِمَ منعت أنت أن يسمى الله عاقلا، وأجزت أن يسمى حكيما ؟ فقال: لأن طريقي في مأخذ أسماء الله الإذن الشرعي دون القياس اللغوي، فأطلقت حكيما لأن الشرع أطلقه، ومنعت عاقلا لأن الشرع منعه، ولو أطلقه الشرع لأطلقته، وهكذا سار بينهما الجدل حتى انفصل الأشعري عنه" ( ) .
الرأي الثاني :
ذهبوا إلى أن سبب رجوعه عن مذهب الاعتزال - مع ما سبق - رؤيا رأى فيها النبي  ، وهذا ما ذهب إليه ابن عساكر وأورد روايات هذا الرؤيا فقال : "إن الشيخ أبا الحسن رحمه الله لما تبحر في كلام الاعتزال، وبلغ غاية كان يورد الأسئلة على أستاذه في الدرس، ولا يجد فيها جوابا شافيا فتحير في ذلك فحكى عنه أنه قال: وقع في صدري في بعض الليالي شيء مما كنت فيه من العقائد ، فقمت وصليت ركعتين، وسألت الله أن يهديني الصراط المستقيم، ونمت فرأيت النبي ، فشكوت إليه بعض ما بي من الأمر ، فقال  (عليك بسنتي)، قال: فانتبهت وعارضت مسائل الكلام بما وجدت من القرآن والأخبار، فأثبته ونبذت ما سواه ورائي ظهريا "( ) .
ولو صحت هذه القصة لكانت نصا في بيان سبب رجوعه، إلا أنه من الملاحظ من خلال مناظرات أبي الحسن للمعتزلة أنه بدأت تتشكل عنده رؤية خاصة به في بعض المسائل وهو ما زال منضويا في عباءة المعتزلة، ولعل الرؤيا التي رآها هي التي وضعت حدا لإنهاء تلك الحيرة، ورسمت له طريق التخلص كليا من مذهب الاعتزال. وليس المذهب معدّلا كما يراه الأستاذ أحمد أمين، إذ قال: "نحن إذا أنصفنا ، قلنا: إن مذهبه هو مذهب المعتزلة معدلا في بعض مسائله، ولكنه استطاع أن يحول كثيرا من الناس من الاعتزال إلى مذهبه الجديد ، ونجح في ذلك إلى حد كبير"( ) .
الرأي الثالث :
ذهبوا إلى أن الأشعري أراد الإصلاح والتوسط بين الفرق والمذاهب، ذلك أنه في الكثير من آرائه يتوسط بين العقل والنقل، ومن هنا فإنه يكون وسيطا بين الفقهاء والمتكلمين ، ووسيطا بين المعتزلة والحنابلة والحشوية، وممن ذهب إلى هذا الرأي الإمام الكوثري، حيث قال : "فسعى أولا للإصلاح بين الفريقين من الأمة بإرجاعهما عن تطرفهما إلى الوسط العدل" ( ) . وفي نفس الرأي يقول الدكتور غرابة: "لأنه رأى أن طريقة المعتزلة ستؤدي بالإسلام إلى الدمار، كما أن طريقة المحدثين والمشبهة ستؤدي إلى الجمود والانهيار مع في ذلك من تفرقة كلمة الأمة، وغرس بذور الشقاق بينها، وأنه من الخير لهذه الجماعة أن يلتقي العقليون والنصيون على مذهب وسط يوحد القلوب ويعيد الوحدة إلى الصفوف مع احترام النص والعقل معا" ( ) . ذلك لأن الاقتصار على قضايا الفقهاء والمحدثين يجعل الدين قضايا جامدة، والاقتصار على آراء المعتزلة الكلامية يجعل الدين قضايا عقلية وبراهين منطقية. ولما كان الدين يخاطب العامة والخاصة لزمه منهج وسط وشخص وسط يجمع بين الطريقتين، فكان أبو الحسن الأشعري هو هذا الشخص ( ) . ومن هنا، على الرغم من أن الإمام الأشعري احتفظ ببعض مباديء الاعتزال إلا أنه كان حريصا على إظهار تمسكه الشديد بمذهب السلف، ويذكر ابن عساكر أنه ليس له في مذهب السنة أكثر من بسطه وشرحه وتأليفه في نصرته ( ). فرفض أن يكون له مذهبه مذهبا جديدا يضاف إلى المذاهب الفقهية الأربعة، فهو يرى أن هذه المذاهب جميعا على حق لاختلافها في الفروع دون الأصول ، ولهذا فقد جهد في أن يظهر مذهبه في صورة تندرج تحتها هذه المذاهب الأربعة، فهو مع مالك ومع الشافعي رغم تنكر الشافعية له، وكذلك فقد حاول استمالة الحنابلة زاعما أنه إنما يبطق بالسانهم، ولكن فريقا منهم تعصبوا ضده ورفضوا انتسابه إليهم متهمين إياه بأنه ما زال على عقيدة المعتزلة الباطلة، وقد جاءت ثورة الحنابلة ضد الأشاعرة في بغداد عام 469هـ لكى تشجب أي محاولة لتسلل الأشاعرة إلى صفوفهم، وقد اعتبر ابن تيمية قيما بعد عن هذا الموقف الحنبلي المعارض للأشعرية في ردوده الحاسمة عليهم ( ) .
وخير مثال على وسطية منهج الأشعري واضح في مقولته المعروفة بنظرية "الكسب"، فتوسط الأشعري بين الجبرية والقدرية، وسيأتي الحديث عنها فيما بعد. وحاولت المعتزلة أن تقف موقفا وسطا بين المغالين في التمسك بظواهر النصوص كالمشبهة والمجسمة أو في التمسك بالعقل كالمعتزلة، وذكر ابن عساكر وغيره أمثلة كثيرة لمنهج الأشعري الوسطي في إثبات المسائل الاعتقادية، فرأيه في الصفات الإلهية أنه وسط بين المعتزلة الذين نفوا صفات المعاني التي وردت في القرآن الكريم وبين المشبهة الذين شبهوا ذاته تعالى في أوصافها بصفات الحوادث، وجاء الأشعري فأثبات الصفات التي وردت كلها في القرآن الكريم والسنة، وقرر أنها صفات ليست كصفات الحوادث، بل هي صفات تليق بذاته تعالى. أما رؤية الله تعالى فأنكر المعتزلة رؤيته سبحانه وتعالى يوم القيامة، وقال المشبهة إن الله يرى يوم القيامة مكيفا محدودا، وذهب الأشعري إلى التوسط فقال إنه تعالى يرى من غير حلول ولا حدود.
واختلف الباحثون كذلك حول المذهب الذي تحول إليه أبو الحسن الأشعري إلى أقوال:
- القول الأول: قالوا بأن الإمام الأشعري تحول إلى مذهب الكلابية، وعنه إلى مذهب السلف، وهذا قول جمع من العلماء .
- القول الثاني: قالوا بأنه تحول إلى مذهب الكلابية وبقي عليه، وكانت له آراء مستقلة توسط فيها بين المعتزلة والمثبتة نشأ عنها المذهب الأشعري وهو قول الأشعرية .
ويعتمد أصحاب القول الأول - القائلين بتحوله إلى الكلابية ومنها إلى مذهب السلف - على ما كتبه الأشعري في الإبانة، ويقولون : إنها من آخر كتبه ، وفيها نصَّ على أنه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل. إلا أن مقارنة دقيقة بين ما كتبه - رحمه الله - في الإبانة ومذهب الكلابية لا تظهر كبير فرق بين المذهبين، فما قال به الكلابية قال به الأشعري، كإثبات الصفات الخبرية كالوجه واليدين وغيرهما، وما نفاه الكلابية نفاه الأشعري كنفيه قيام الأفعال الاختيارية بالله سبحانه، حيث ذهب إلى أن صفة الإرادة صفة أزلية قديمة، لا تتجدد لفعل فعل ولا لإنشائه. وكذلك قال - في غير الإبانة - إن الكلام صفة ذات، وأنكر على من قال: إن الله تكلم بالقرآن.
أما انتسابه لمذهب الإمام أحمد فلا يمكن أن ينسب إليه بمجرد الانتساب، مع أن أقواله وأرائه تخالف ما قال به أحمد، فالإمام أحمد لم يقل بنفي اتصاف الله بالأفعال الاختيارية كالنزول والمجيء.
أما قوله بإثبات الاستواء والعلو فهو أيضا مذهب ابن كلاب، وعليه فلا ينقض هذا الاستشهاد قول من قال: بأنه تحول عن الاعتزال إلى الكلابية وبقي عليها.
وعلى كل حال بإمكان نقول بأن حياة الإمام الأشعري الفكرية قد مرت بثلاث مراحل:
- المرحلة الأولى :
إن الإمام الأشعري عاش في هذه المرحلة في كنف أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة في عصره وتلقى علومه حتى صار نائبه وموضع ثقته. ولم يزل أبو الحسن يتزعم المعتزلة أربعين سنة.
- المرحلة الثانية :
إن الإمام الأشعري ثار في هذه المرحلة على مذهب الاعتزال الذي كان ينافح عنه، بعد أن اعتكف في بيته خمسة عشر يوماً، يفكر ويدرس ويستخير الله تعالى حتى اطمأنت نفسه، وأعلن البراءة من الاعتزال، وخط لنفسه منهجاً جديداً يلجأ فيه إلى تأويل النصوص بما ظن أنه يتفق مع أحكام العقل، وفيها اتبع طريقة عبد الله بن سعيد بن كلاب في إثبات الصفات السبع عن طريق العقل: الحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام، أما الصفات الخبرية كالوجه واليدين والقدم والساق فتأولها على ما ظن أنها تتفق مع أحكام العقل وهذه هي المرحلة التي ما زال الأشاعرة عليها. فأثبت الإمام الأشعري في هذه المرحلة الصفات العقلية السبع، وهى: الحياة- والعلم- والقدرة- والإرادة- والسمع- والبصر- والكلام، وتأول الصفات الخبرية كالوجه واليدين والقدم والساق ونحو ذلك.
- المرحلة الثالثة :
إن الإمام الأشعري في هذه المرحلة أثبت الصفات جميعها لله تعالى من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تحريف ولا تبديل ولا تمثيل، وفي هذه المرحلة كتب كتاب الإبانة عن أصول الديانة الذي عبر فيه عن تفضيله لعقيدة السلف ومنهجهم والذي كان حامل لوائه الإمام أحمد بن حنبل. وبهذا مدحه صاحب كتاب تبيين كذب المفترى قائلا:
لـو لم يصنف عمـره
لكفـى فكيف وقـد
مجموعة تربى على المئين
لم يـأل فى تصنيفهـا
فهـدى بها المسترشـد
تتلـى معـانى كتبـه
ويخـاف من إفحامـه
فهو الشجا فى حلق من غيـر الإبانة واللمـع
تفنن فى العلوم بما جمع
ممـا قــد صنــع
أخذاً بأحسن ما استمع
ين ومن تصفحها انتفع
فوق المنابر فى الجمـع
أهل الكنائس والبيـع
ترك المحجة وابتـدع( )
ولم يقتصر على ذلك بل خلف مكتبة كبيرة في الدفاع عن السنة وشرح العقيدة تقدر بثمانية وستين مؤلفاً، توفي سنة 324هـ ودفن ببغداد ونودي على جنازته: " اليوم مات ناصر السنة ".
ويلاحظ أن بعد وفاة الإمام الأشعري، وعلى يد أئمة المذهب وواضعي أصوله وأركانه، أخذ المذهب الأشعري أكثر من طور، تعددت فيها اجتهاداتهم ومناهجهم في أصول المذهب وعقائده ، ومن أبرز مظاهر ذلك التطور:
- القرب من أهل الكلام والاعتزال .
- الدخول في التصوف، والتصاق المذهب الأشعري به .
- الدخول في الفلسفة وجعلها جزء من المذهب ( ) .
ومن هنا ، فيمكننا أن نفرق بين متقدمي الأشاعرة ومتأخريهم، حيث يتضح لدى دارسي المذهب الأشعري أن ثمة تباين ظاهر بين ما كان عليه متقدموا الأشاعرة في بعض المسائل، وبين ما استقر عليه الرأي عند المتأخرين منهم في تلك المسائل، وهو ما يؤدي بنا إلى القول بأن الأشاعرة المتأخرين لم يكونوا متبعين تماما لأبي الحسن الأشعري - رحمه الله - وإنما خالفوه في مسائل من الأهمية بمكان، حتى قال بعضهم : لو حدث الأشعري عمن له إلى رأيه انتماء لقال: أخبرهم بأني مما يقولونه براء.
ويمكننا التمثيل لهذه المسائل بمثالين:
- المثال الأول:
القول في الصفات الخبرية كصفة الوجه واليدين والعينين، فقد كان رأي الإمام أبي الحسن في هذه الصفات موافقا لرأي الكلابية الذين يثبتون هذه الصفات لله عز وجل، وقد نص أبو الحسن الأشعري على إثباتها في الإبانة ( ). وفي رسالته لأهل الثغر ( ) .
في حين ذهب متأخروا الأشعرية إلى تأويل تلك الصفات، فعلى سبيل المثال يقول الإيجي في صفة اليد: " الخامسة اليد: قال تعالى : إِنّ الّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنّمَا يُبَايِعُونَ اللّهَ يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نّكَثَ فَإِنّمَا يَنكُثُ عَلَىَ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىَ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً - الفتح:10 -  قَالَ يَإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ  - ص : 75 – ، فأثبت الشيخ صفتين ثبوتيتين زائدتين وعليه السلف وإليه ميل القاضي في بعض كتبه ، وقال الأكثر إنها مجاز عن القدرة فإنه شائع، وخلقته بيدي أي بقدرة كاملة " ( ). وفي موضع آخر يقول الإمام الجويني: "ذهب بعض أئمتنا إلى أن اليدين والعينين والوجه صفات ثابتة للرب تعالى، والسبيل إلى إثباتها السمع دون قضية العقل، والذي يصح عندنا حمل اليدين على القدرة، وحمل العينين على الصبر، وحمل الوجه على الوجود" ( ).
وقرر الرازي أنه إذا كان لفظ الآية والخبر ظاهرا في معنى، فإنم يجوز لنا ترك الظاهر بدليل منفصل، وإلا لخرج الكلام عن أن يكون مقيدا ولخرج القرآن من أن يكون حجة، ومن قول الرازي نلاحظ جواز التأويل لكنه لا يفتح باب التأويل على مصراعيه، فلا يجب أن نترك الأخذ بالظاهر إن لم يقم دليل يقضي بتركه ( ).
- المثال الثاني :
صفة العلو والاستواء، حيث أثبت الإمام أبو الحسن الأشعري صفة علو الله واستوائه على عرشه، فقال: " إن قيل : ما تقولون في الاستواء ؟ قيل له : نقول : إن الله عز وجل يستوي على عرشه استواء يليق به ... كما قال: اَلرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى - طه : 5 – ( ). وفي موضع آخر يقول: " جملة ما عليه أهل الحديث والسنة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله ... وأن الله سبحانه على عرشه، كما قال :  اَلرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى  - طه : 5 – ( ) .
بل إن الإمام الأشعري رد على من أوّل استواءه سبحانه بالقهر، حيث قال: " وقد قال قائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية إن معنى قول الله تعالى:  اَلرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى  - طه : 5 ، أنه استولى وملك وقهر وأن الله تعالى في كل مكان وجحدوا أن يكون الله عز وجل مستو على عرشه كما قال أهل الحق وذهبوا في الاستواء إلى القدرة، ولو كان هذا كما ذكروه، كان لا فرق بين العرش والأرض السابعة لأن الله تعالى قادر على كل شيء"( ).
فهذا كان رأي الإمام الأشعري، أما متأخروا الأشاعرة ، فرأيهم غير رأي الإمام الأشعري، حيث يقول الإيجي: " الصفة الثالثة: الاستواء لما وصف تعالى بالاستواء في قوله تعالى :  اَلرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى  - طه : 5 - اختلف الأصحاب فيه، فقال الأكثرون: هو الاستيلاء ويعود الاستواء حينئذ إلى صفة القدرة، قال الشاعر :
قد استوى عمرو على العراق من غير سيف ودم مهراق
أي استولى ... وقيل هو أي الاستواء ههنا القصد فيعود إلى صفة الإرادة نحو قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ - البقرة : 29 ، فصلت : 11 – أي قصد إليها وهو بعيد " ( ).
فهذان مثالان يوضحان الفرق بين ما كان عليه الأشعري نفسه، وبين ما استقر عليه الرأي عند متأخري الأشاعرة، إذن فمتأخروا الأشاعرة كالجويني، والرازي، والإيجي وغيرهم قد ابتعدوا عن منهج الأشعري، ولم يقفوا عند الأخذ بما جاء به الكتاب والسنة بدون تأويل، واقتربوا من مذهب المعتزلة، فتأولوا النصوص الواردة في صفات الله تعالى على وجوه تليق بذات الله سبحانه، وبما ينبغي له من التنزه عن مشابهة الحوادث ( ) .
ويزخر المذهب الأشعري بأئمة أعلام ، هم الذي رسخوا المذهب وقووا دعائمه، وقعَّدوا له القواعد، ووضعوا له المقدمات، ونشروا آراءه، ودافعوا عنه ضد خصومه، إلا أن كثيرا منهم - لسعة علمه - تبين له ضعف مسلك أهل الكلام، فرجع في آخر عمره إلى مذهب السلف، وعلم أن مذهبهم هو الأسلم والأعلم والأحكم، ونحن نذكر بعض أشهر علماء الأشاعرة، ونبين رجوع من رجع منهم إلى مذهب السلف، فمن علمائهم:
1) أبو الحسن الطبري، توفي بحدود سنة 380هـ، وكان من تلامذة أبي الحسن الأشعري - رحمه الله - ذكر الأسنوي عن أبي عبدا لله الأسدي أنه قال في كتاب مناقب الشافعي: "كان شيخنا وأستاذنا أبو الحسن بن مهدي - الطبري - حافظا للفقه والكلام والتفاسير والمعاني وأيام العرب، فصيحا مبارزا في النظر ما شوهد في أيامه مثله، مصنفا للكتب في أنواع العلم، صحب أبا الحسن الأشعري في البصرة مدة " ( ).
2) أبو بكر الباقلاني، توفي 403هـ، وكان الباقلاني في الفقه مالكي المذهب، قال الإمام الذهبي في ترجمته: " وانتصر لطريقة أبي الحسن الأشعري، وقد يخالفه في مضائق فإنه من نظرائه، وقد أخذ علم النظر عن أصحابه " ( ). ويعده الباحثون المؤسس الثاني للمذهب الأشعري، فهو الذي قعد له القواعد ، ووضع له المقدمات الكلامية، وقد تتلمذ على تلامذة الأشعري، وفاقهم علما ومعرفة. وعلى الرغم من هجومه الشديد على الفلسفة، إلا أنه تأثر بالمنهج العقلي لدى الفلاسفة، بل وتأثر بالمصطلحات الفلسفية أيضا واستخدمها( ).
3) محمد بن الحسن بن فورك، توفي 406هـ، درس المذهب الأشعري على أبي الحسن الباهلي تلميذ أبي الحسن الأشعري، وكان من كبار أئمة الأشعرية .
4) أبو المعالي إمام الحرمين عبدا لملك بن عبدا لله الجويني، ولد سنة 419هـ وتتلمذ على يدي والده، وكان أحد أعلام الشافعية والأشاعرة، ويعد من المجددين داخل المذهب، وقد انتقد على الأشاعرة مسائل وردها عليهم، وتبحر في علم الكلام حتى بلغ الغاية فيه، إلا أنه رجع عنه أخيرا، كما حكاه عنه غير واحد منهم أبو الفتح الطبري الفقيه، قال: دخلت على أبي المعالي في مرضه، فقال: اشهدوا علي أني قد رجعت عن كل مقالة تخالف السنة، وأني أموت على ما يموت عليه عجائز نيسابور" ( ). وقد أوصى الإمام الجويني بالتزام مذهب السلف فهو المذهب الحق قبل نبوغ الأهواء وزيغان الآراء، وذكر من حال السلف في الحرص على الطاعة والاجتهاد في أعمال البر، والابتعاد عن التعرض للغوامض والتعمق في المشكلات، ما يُلزم المرء باتباع منهجهم، والسير على طريقتهم ( ) .
وأورد شارح الطحاوية وصية الإمام الجويني : "يا أصحابنا، لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بن إلى ما بلغ ، ما اشتغلت به، وقال عند موته: لقد حضت البحر الخضم، وخليت أهل الإسلام وعلومهم، ودخلت في الذي نهوني عنه، والآن فإن لم يتداركني ربي برحمته، فالويل لابن الجويني، وهأنذا أموت على عقيدة أمي، أو قال: على عقيدة عجائز نيسابور" ( ).
5) أبو حامد محمد بن محمد الغزالي توفي 505هـ ، وقد ناظر مذهب الشيعة الباطنية وألف كتابا للرد عليهم سماه :"فضائح الباطنية" ، وقال الإمام الذهبي : " وكان خاتمة أمره إقباله على حديث المصطفى  ومجالسة أهله، ومطالعة الصحيحين - البخاري ومسلم - اللذين هما حجة الإسلام ولو عاش لسبق الكل في ذلك الفن " ( ). وأورد شارح الطحاوية أن الإمام الغزالي انتهى آخر أمره إلى الوقف والحيرة في المسائل الكلامية، ثم أعرض عن تلك الطرق، وأقبل على أحاديث الرسول ، فمات والبخاري على صدره ( ).
6) أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أحمد الشهرستاني ، ولد في بيئة فارسية ومن أبوين فارسيين، وتوفي سنة 548هـ، وله ألقاب كثيرة منها: "الإمام، والعلامة، والأفضل، وتاج الملة والدين، كما لقب بـ "الشهرستاني" ( ). وله مناظرات جرت بينه وبين بعض الشيعة الباطنية ( ). – كما حدث للإمام الغزالي قبله – ، وقام بترجمة كتاب فارسي – أربعة فصول – لـ "الحسن بن الصباح" إلى اللغة العربية وضمنها إلى كتابه "الملل والنحل" وقد رجع عن المذاهب الكلامية إلى دين الفطرة، حيث قال : " عليكم بدين العجائز فإنه من أسنى الجوائز " ( ).
7) أبو عبدا لله محمد بن عمر بن الحسين الرازي، ويعرف بابن خطيب الري توفي سنة 606هـ ، جاء في لسان الميزان: " وكان مع تبحره في الأصول يقول : " من التزم دين العجائز فهو الفائز " ( ). وقال ابن الصلاح " أخبرني القطب الطوعاني مرتين أنه سمع فخر الدين الرازي يقول: " يا ليتني لم أشتغل بعلم الكلام وبكى، وروى عنه أنه قال: " لقد اختبرت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فلم أجدها تروي غليلا ولا تشفي عليلا، ورأيت أصح الطرق طريقة القرآن". وأكد الفخر الرازي أن مذهبه لا يخرج عن مذهب أهل السنة والجماعة، فقال : "ومع هذا فإن الأعداء والحساد يطعنون فينا وفي ديننا ، مع ما بذلنا من الجد والاجتهاد في نصرة اعتقاد أهل السنة والجماعة ، ويعتقدون أني لست على مذهب أهل السنة والجماعة، وقد علم العالمون أنه ليس مذهبي ولا مذهب أسلافي إلى مذهب أهل السنة والجماعة، ولم تزل تلامذتي ولا تلامذة والدي في سائر أطراف العالم يدعون الخلق إلى الدين الحق والمذهب الحق، وقد أبطلوا جميع البدع ... "( ).
منهج الأشعرية
ويهمنا هنا عرض مناهج الأشاعرة المتأخرين، لأنهم كانوا أقرب إلى مذهب المعتزلة وطريقهم في البحث. فخلطوا عقيدة شيخهم بكثير من العناصر الكلامية والصوفية والفلسفة، حتى ذابت على أيدي الأشعرية المتأخرين الفروق بين الفلسفة وعلم الكلام، وامتزج كل منهم بالآخر امتزاجا كاملا، فضلا عن تداخل منهج الأشاعرة وعقائدهم بمنهج المعتزلة وعقائدهم ( ).
وأما الإمام الأشعري نفسه ومن تبعه من المتقدمين كالباقلاين والجويني، فإنهم ساروا على منهج السلف، فلم يقل بتقديم العقل، فيرى الجويني ضرورة الاعتماد على النص والعقل في المسائل الاعتقادية، فلكي يصل المرء إلى اليقين ينبغي عليه أن ينظر في الشرع، وهذا ما يعده الجويني واجبا شرعيا، أما في غير مسائل الاعتقاد فيمكن للعقل أن يصل إلى مرتبة اليقين فيها بنفسه، وهذه الرؤية من قبل الجويني لعلاقة النص والعقل، هي التي جعلته يستفيد منها في دراسته لقضايا كلامية، وكذلك فقد أكد الاسفراييني هذه العلاقة بين النص والعقل في وجوب التكليف بعد ورود الشرع لا قبل بلوغه ( ). إلا أن الكوثري يرى أن الإمام الأشعري لم يلتزم هذا المنهج في بعض المسائل، وإنما كان يميل إلى طرف من الطرفين أكثر من الآخر كقوله في التحسين والتقبيح والتعليل ( ).وقد عرض لنا الشيخ أبو زهرة منهاج الإمام الأشعري في مسائل الاعتقاد، فقال: "قد سلك في الاستدلال على العقائد مسلك النقل والعقل، فهو يثبت ما جاء به القرآن والسنة من أوصاف الله ورسوله واليوم الآخر والملائكة والحساب والعقاب والثواب ، ويتجه إلى الأدلة العقلية والبراهين المنطقية يستدل بها على صفات الله، وقد استعان في ذلك بقضايا فلسفية ومسائل عقلية خاض فيها الفلاسفة وسلكها المناطقة" ( ). فذكر – رحمه تعالى – النقل أولا، فهذا دليل واضح على أن النص عند الأشعري يتقدم على العقل، والسبب الذي دعى الأشعري إلى اتخاذ هذا الموقف الوسط بين المعتزلة والحشوية كما يراه الشيخ أبو زهرة أنه تصدى للمعتزلة والحشوية والروافض والباطنية وسائر فرق الإلحاد، وهؤلاء لا يقطعهم إلا دليل العقل ( ).
ويتضح هنا، أن منهح الإمام الأشعري في العقيدة وسط لا هو مغرق في العقل وفي التأويل إغراق المعتزلة، ولا هو واقف عند حدود النص وحروفه عازف عن علم الكلام جملة عزوف الحشوية، ولذا نقد المعتزلة ونقد الحنابلة ووقف بمنهجه ومذهبه وسطا بين هؤلاء وهؤلاء.
وعلى أية حال يمكننا القول بأن منهج الأشاعرة في الصفات قائم على اتجاهين :
- الأول: يخص المؤسسين للمذهب وتلاميذهم ومريديهم، كالأشعري أوضح في الإبانة أنه رفض التأويل وأثبت الصفات كلها حسب ما تنطق به النصوص دون التعرض لها بالتفسير أو التأويل بحجة أن الله أثبتها ونحن نثبتها، ولكن تحت كلمة التوحيد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
- الثاني: الأشاعرة المتأخرون، فإنهم أثبتوا الصفات السبع التي يطلقون عليها صفات المعاني من دون تأويل لكنهم في مسألة صفات الأفعال لا يستطيعون أن يمروا بسلام، فقد خاضوا غمار التأويل وأثبتوا أن الله لا يمكن أن نصفه بهذه الصفات على ما هي عليه في ظاهرها ونتيجة لهذا ازدادت حدة الصراع بينهم وبين المذهب السلفي من جانب والمعتزلة من جانب آخر إلى يومنا هذا ( ).
والسؤال المطروح بنفسه، لماذا لم يقبل أهل الحديث أبا الحسن الأشعري حين ظهر بمنهجه هذا الذي يزاوج بين العقل والنقل، وقد كان لنصرة أهل السنة، ويبدو أن السبب في ذلك راجع أصلا إلى كراهية أهل الحديث لعلم الكلام والمتكلمين، وقد كان الأشعري متبحرا في علم الكلام، وقد يكون ذلك راجعا إلى نشأة الأشعري في أحضان المعتزلة وأخذه عنهم طرق الجدال والنقاش( ).
والآن نعرض أهم منهج الأشاعرة (المتأخرون) في تناول القضايا العقدية :
الأول: تقديم العقل على النقل عند التعارض بينهما.
وهو منهج يقوم على افتراض التعارض بين الأدلة النقلية والعقلية، ما يستدعي ضرورة تقديم أحدهما، فصاغ الأشاعرة للتعامل مع هذا التعارض الموهوم قانونا قدموا بموجبه العقل، وجعلوه الحكم على أدلة الشرع، بدعوى أن العقل شاهد للشرع بالتصديق، فإذا قدمنا النقل عليه فقد طعنا في صدق وصحة شهادة العقل، مما يعود على عموم الشرع بالنقض والإبطال. وفي هذا يتساءل الرازي: " إن البراهين العقلية إذا صارت معارضة بالظواهر النقلية ، فكيف يكون الحال فيها ؟، ثم يناقش الاحتمالات أو الأمور الأربعة التي لا يخلو الحال من أحدها:
1) إما تصديق العقل والنقل معا، فيلزم تصديق النقيضين، وهذا محال.
2) وإما تكذيبهما معا، وهذا محال أيضا.
3) وإما تصديق الظواهر النقلية ، وتكذيب الظواهر العقلية، وهذا باطل، لأن معرفة صحة الظواهر النقلية لا تتم إلا بالأدلة العقلية، ومن ثم فإن القدح في العقل لتصحيح النقل، يفضي إلى القدح فيهما معا.
4) ولما بطلت الأقسام الثلاثة، لم يبق إلا أن يقطع بمقتضى الدلائل العقلية القاطعة، بأن هذه الدلائل النقلية، إما أن يقال: إنها غير صحيحة، أو يقال: إنها صحيحة. إلا أن المراد منها غير ظواهرها. ولكن ما السبيل إلى معرفة المراد منها ؟ وهنا يوضح لنا الرازي بأن أمامنا أحد خيارين: التأويل أو التفويض، فإن جوزنا التأويل اشتغلنا بالبحث عن التأويلات المحتملة، وإن لم نجوز التأويل فوضنا العلم بها إلى الله. ثم يقول الرازي: " فهذا هو القانون الكلي المرجوع إليه في جميع المتشابهات " ( ).
ومن هنا يرى فخر الدين الرازي أن الأدلة النقلية، وهي نصوص الوحي أدلة لفظية لا تفيد اليقين أو القطع، قوله في ذلك: " الدلائل اللفظية لا تكون قطيعة " ( ). ويؤكد في موضع آخر: "إن الاستدلال بالأدلة اللفظية مبني على مقدمات ظنية، والمبني على المقدمات الظنية ظني " ( ).
ويوضح الرازي أن الأدلة النقلية لا تفيد اليقين وإنما تفيد الظن لعدة أسباب، منها أن الدلائل اللفظية (أي النقلية) موقوفة على نقل اللغات، أي ما يفهم من ألفاظ القرآن والسنة، وهي ألفاظ حمالة أوجه، وقد يشكل على كثير من الناس فهم معاني هذه الألفاظ، فالمرجع في ذلك إلى روايات أئمة اللغة وعلماء النحو والصرف، وهم غير معصومين من الخطأ، فما ينقل عنهم لا يفيد إلا الظن، كما أن عدم اليقين قد يحصل بسبب الاشتراك في الألفاظ (كلفظ العين له معاني عدة)، فيجوز أن يكون مراد الله تعالى من آية ما معنى غير المعنى الذي عرفناه من اللغة. وقد تكون ألفاظ نصوص الوحي نقلت من معانيها اللغوية إلى معان شرعية .
وهذا ما ذهب إليه الإيجي من الأشاعرة المتأخرين، حيث قال متسائلا: " الدلائل النقلية: هل تفيد اليقين ؟ قيل: لا أن دلالتها تتوقف على أمور ظنية فتكون ظنية، لأن الفرع لا يزيد على الأصل في القوة ( ).
ويرى الإمام ابن تيمية أن فخر الدين الرازي أول من وضع هذا الأصل المنهجي، حيث يقول عنه: " الرازي ... من أعظم الناس طعنا في الأدلة السمعية، حتى ابتدع قولا ما عرف به قائل مشهور غيره، وهو أنها لا تفيد اليقين "( ).
والحقيقة أن قول الأشاعرة وكذلك المعتزلة بتقديم العقل على النقل فإن المسألة مصادرة من أساسها، فأهل السنة يقولون على وجه القطع: إنه لا يمكن أن يتعارض عقل صريح مع نقل صحيح، فالمسألة غير واقعة أساساً، ذلك أن العقل قد شهد بصدق الرسول وصحة نبوته، فالواجب بناء على هذه الشهادة الحقة تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، فإذا أخبر أن الله في السماء وجب تصديق خبره، وكان تقديم العقل على النقل طعن في شهادة العقل، وفي ذلك إبطال لشهادته بصدق الرسول، ونقض للدين.
الثاني : التأويل العقلي.
إن حقيقة التأويل وجوهره حمل النص على معناه المجازي لا الحقيقي، وإقرار النص على ظاهره اعتقادا أو عملا كما يتنافى مع تأويله يتنافى كذلك مع حمله على المجاز، ومن هنا فإن القانون الكلي الذي وضعه الرازي يقتضي أن يكون التأويل أصلا منهجيا ضروريا، حيث أشار إلى أن: "المصير إلى التأويل أمر لا بد منه لكل عاقل" ( ).
وأوضح الرازي أن التأويل لا يقتصر على الآيات القرآنية فقط، بل يشمل أيضا الأحاديث، إذا كانت متونها مما يجوز في العقل، وفي ذلك يقول: " فإن روي الراوي ما يحيله العقل، ولم يحتمل تأويلا صحيحا فخبره مردود ... وإن كان ما رواه الراوي الثقة يروع ظاهره في العقول ، ولكنه يحتمل تأويلا يوافق قضايا العقول ، قبلنا روايته، وتأولناه على موافقة العقول " ( ) .
الثالث : تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز ( ) .
وعلاقة المجاز بالتأويل علاقة وثيقة يقول الغزالي: "ويشبه أن يكون كل تأويل صرفا للفط عن الحقيقة إلى المجاز" ( ) . ويزعم الجرجاني أن المجاز وسيلة للسلام من الشبهات قائلا: "ولوم لم يجب البحث عن حقيقة المجاز، والعناية به، حتى تحصل ضروبه، وتضبط أقسامه، إلا للسلامة من هذه المقالة، والخلاص مما نحا نحو هذه الشبهة ( ) .
ويبدو أن أول من قال بتقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز المعتزلة ومن تبعهم من المتكلمين ، أما الأشاعرة فقد أنكرت طائفة منهم هذه التفرقة كأبي إسحاق الإسفراييني ( ). وانطلاقا من هذا التقسيم، فكان من أهم وسائل التأويل عند الأشاعرة المتأخرين تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز، ومن هؤلاء الفخر الرازي، إذ يرى أن الدلائل اللفظية لا تكون قطيعة، لأنها موقوفة على عدة أمور منها أن اللفظ قد يقال على سبيل المجاز ( ). وقد طبق الرازي هذا الأصل المنهجي في مسألة الصفات الإلهية، كلفظ اليد في كتاب الله تعالى، يقرر الرازي أن لفظ اليد يعني في الحقيقة الجارحة المخصوصة، " إلا أنه يستعمل على سبيل المجاز في أمور غيرها "، إذ يستعمل تارة بمعنى القدرة، وتارة أخرى يراد به النعمة( ).
الثالث : لا يحتج بأخبار الآحاد في العقائد، لأنها ظنية.
قسم البغدادي - وغيره من الأشاعرة - الأخبار الواردة عن الرسول  إلى ثلاثة أقسام: تواتر، وآحاد، ومتوسط بينهما مستفيض جار مجرى التواتر في بعض أحكامه، أي أن الأخبار – من حيث أحكامها – تنقسم إلى قسمين :
1) المتواتر: "هو الذي يستحيل التواطىء على وضعه، وهو موجب للعلم الضروري بصحة مخبر".
2) أخبار الآحاد: " متى صح إسنادها، وكانت متونها غير مستحيلة في العقل، كانت موجبة للعمل بها دون العلم، وكانت بمنزلة شهادة العدول عند الحاكم، يلزمه الحكم بها في الظاهر، وإن لم يعلم صدقهم في الشهادة " ( ) .
وقد سبق البغدادي في تقرير هذا الأصل شيخه الباقلاني ( ). وأبو بكر بن فورك ( ). كما قرره من بعده الإمام الحرمين ( ). وكذلك الفخر الرازي الذي يقول: " إن أخبار الآحاد مظنونة، فلم يجز التمسك بها في معرفة الله وصفاته، وإنما قلنا: إنها مظنونة لأنا أجمعنا على أن الرواة ليسوا معصومين ( ).
الرابع : النظر العقلي والاستدلال أول الواجبات ( ).
يرى الأشاعرة المتأخرين أن التعقل أول الواجبات على الإطلاق، وقد أشار إلى ذلك البغدادي:"الصحيح عندنا قول من يقول: إن أول الواجبات على المكلف النظر والاستدلال المؤدي إلى المعرفة بالله تعالى، وبصفاته، وتوحيده، وعدله، وحكمته، ثم النظر والاستدلال المؤدي إلى جواز إرسال الرسل منه، وجواز تكليف العباد ما شاء، ثم النظر المؤدي إلى وجوب الإرسال، والتكليف منه، ثم النظر المؤدي إلى تفضيل أركان الشريعة ..." ( ) .
ومن الآيات التي استدل بها الأشاعرة على وجوب النظر بالشرع، قوله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِيْنَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُوْلاً -الإسراء : 15- . وقوله تعالى: وَتَرَى كُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٍ ، كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا - الجاثية : 28- .
وهناك نصوص أشعرية كثيرة تشير إلى ذلك: فعلى سبيل المثال يقول الإمام الجويني: " النظر والاستدلال المؤديان إلى معرفة الله سبحانه واجبان، ثم الذي اتفق عليه أهل الحق: أنه لا يدرك وجوب واجب في حكم التكليف عقلا، ومدارك موجبات التكليف الشرائع، ولا نتوصل بقضية العقل – قبل استقرار الشريعة – إلى درك واجب، ولا حظر، ولا مباح، ولا ندب " ( ). ويقول الآمدي: " أجمعت الأمة على وجوب معرفة الله تعالى، ومعرفة الله لا تتم إلا بالنظر، إذ هي أمر غير بديهي، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب " ( ) .
وعلى أية حال، فإن للأشعري أتباع جمٌّ عندما أدخل على معتقدات فرقة أهل الحديث تعديلات وإصلاحات بإضافة العنصر العقلي في البرهان والإثبات، ذلك أن أهل الحديث كانوا يحرمون الخوض في العقائد الإسلامية عن طريق تقديم الأدلة العقلية والبراهين الفلسفية، ويكتفون بالمعاني الظاهرية للنصوص حتى لو خالفت المنطق والعقل، وهم بذلك على عكس المنهج الاعتزالي الذي يعطي العقل الوزن الأكبر في إثبات العقائد، وتأويل الآيات والروايات في حال مخالفة معانيها الظاهرية للمنطق العقلي.
وقد لاقت إصلاحات الأشعري قبول عامة الناس والسلطة الحاكمة حتى أصبح مذهب الأشاعرة المذهب الرسمي للدولة العباسية. ومن أمثلة هذه الإصلاحات:
- تنزيه الله سبحانه وتعالى عن كونه جسماً بالصورة التي يعتقدها أهل الحديث، فبالرغم من أن الأشعري لم يؤول الآيات والأحاديث التي يقول ظاهرها بأن لله يداً ورجلاً واستواء على العرش، إلا أنه أضاف كلمة خاصة أخرجته من مغبة التجسيم والتشبيه وهي أن لله سبحانه هذه الصفات لكن بلا تشبيه ولا تكييف، وقال: النزول صفة من صفاته. والاستواء صفة من صفاته، وفعل من أفعاله في العرش يسمى الاستواء، وبشأن رؤية الله قال: يرى من غير حلول ولا حدود ولا تكييف.
- ومن إصلاحاته في فهم القضاء والقدر، فإنه لما كان قول أهل الحديث بأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق لأفعال العباد خيرها وشرها، يعني أن الإنسان مجبور في أفعاله ولا معنى عندئذ للحساب والعقاب، فإن الأشعري حاول أن يعالجه بنظريته المعروفة "الكسب" وهي القول بأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق للفعل، ولكن العبد هو الكاسب له. ويقصد بذلك أن كل فعل صادر من الإنسان يشتمل على جهتين: جهة الخلق وجهة الكسب، فالخلق والإيجاد منه سبحانه وتعالى ، والاكتساب من الإنسان .
_________________________________________________________________


( ) انظر : دائرة المعارف الإسلامية ، مادة الأشعري .
( ) ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، 2/446 ، طبعة القاهرة ، 1320هـ .
( ) انظر : أحمد أمين ، ظهر الإسلام ، 4/68 - 69 .
( ) ابن عساكر ، تبيين كذب المفترى ، ص 38 .
( ) أحمد أمين ، ظهر الإسلام ، 4/65 ، طبعة القاهرة ، سنة 1374هـ .
( ) مقدمة كتاب تبيين كذب المفترى ، ص 15 .
( ) د. غرابة ، الأشعري ، ص 67 .
( ) د. جلال محمد عبد الحميد موسى ، نشأة الأشعرية وتطورها ، ص 187 ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، ط1/1975م .
( ) انظر : ابن عساكر ، تبيين كذب المفترى ، ص 362 .
( ) د. محمد علي أبو ريان ، تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام ، ص 197- 198 ، دار النهضة العربية ، بيروت – لبنان ، ط2/1973م.
( ) ابن عساكر ، تبيين كذب المفترى ، ص 152 .
( ) ولمزيد من التفاصيل راجع كتابات المتعلقة بطور المذهب الأشعري ، كبحث جامعي لأستاذي المرحوم الأستاذ الدكتور عبد المقصود عبد الغني عبد المقصود بعنوان "تطور المذهب الأشعري على يد الباقلاني" . وهو في الأصل رسالة ماجستير قدمها – رحمه الله – إلى قسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة . وبحث الدكتور جلال موسى بعنوان "نشأة الأشعرية وتطورها" ، رسالة ماجستير قدمها إلى كلية الآداب بجامعة الإسكندرية . وتحدث فيها عن تطور الأشعرية على يد الباقلاني ، والجويني والغزالي .
( ) الأشعري ، الإبانة ، ص 51 – 58 .
( ) الأشعري ، رسالة إلى أهل الثغر ، 72 – 73 .
( ) الإيجي ، كتاب المواقف ، 3/145 .
( ) الجويني ، الإرشاد ، ص 155 .
( ) الرازي ، أساس التقديس ، ص 221 ، مطبعة كردستان ، مصر ، 1328هـ .
( ) الأشعري ، الإبانة ، 1/105 .
( ) الأشعري ، مقالات الإسلاميين ، 1/290 .
( ) الأشعري ، الإبانة ، 1/108 .
( ) الإيجي ، كتاب المواقف ، 1/150-151 .
( ) وأورد الدكتور الأستاذ أحمد محمود صبحي مراحل التي مر بها المذهب الأشعري كما يلي :
الأول : مرحلة النشأة والصياغة . وأهم الشخصيات في هذه المرحلة :
1) أبو الحسن الأشعري . فعلى يده أصبحت أغلبيـة أهل السنة وهم يدورهم يمثلون أكثر المسلمين تدين بمذهبه . ومن جهة أخرى أصبح علم الكلام معترفا به كعلم من علوم الدين منذ أن استحسن أبو الحسن الخوض فيه ، وذلك بعد أن كان المحدثون وأئمة الفقه ينفرون الناس من الاقتراب منه .
2) أبو بكر الباقلاني ، ويعد من أهم شخصيات المذهب الذين أسهموا في تطويره منهجا وموضوعا .
3) عبد القاهر البغدادي ، وقام بصياغة آراء الأشاعرة لا على أنها مجرد فكر لفرقة من فرق المتكلمين ، وإنما على أنها عقيدة لجمهور أهل السنة من المسلمين .
4) أبو المعالي الجويني ، وقد توثقت في شخصه الصلة بين الأشعرية كمذهب كلامي وبين الشافعي كمذهب فقهي
الثاني : مرحلة اكتمال العقيدة . وأهم الشخصيات في هذه المرحلة :
1) أبو حامد الغزالي ، وهو قد أزال الجفوة بين الفقهاء والصوفية ، إذ وزاج بين الفقه والتصوف ، وقدمها كوجهين لحقيقة واحدة ، حيث أرسى قواعد التصوف السني الذي لا يجنح إلى شطحات البسطامي ولا إلى نظريات الحلاج ، وحدد مصير علم الكلام حين أبعده عن العوام وأبعد العوام عنه مطالبا بالاقتصاد في الاعتقاد وبإلجام العوام عن علم الكلام .
2) محمد بن تومرت ، وقد تأثر بآراء ابن حزم في الفقه دون الكلام ، وأنه جمع في مذهبه أفكارا من مصادر مختلفة بين معتزلة وأشاعرة وشيعة وخوارج ، وإذا صرفنا النظر عن أفكاره السياسية في المهدية والإمامة وتكفير أعدائه ، فإن الملامح العامة لمذهبه الكلامي تبقيه آخر الأمر في نطاق مذهب الأشاعرة ، وهذا واضح في انتقاداته للمجسمة والمعتزلة معا .
3) الشهرستاني ، وقد اشتهر كمؤرخ للفرق والديانات بأكثر من شهرته كمتكلم ، وكان شديد المعارضة للفلاسفة، وألف كتابا خاصا في الرد على الفلاسفة بعنوان "مصارعة الفلاسفة" ، وتصـدى له نصير الدين الطوسي في كتابه "مصارع المصارع" ، والجدير بالذكر أن موقف الشهرستاني من الفلاسفة كان أخف من موقف الغزالي من الفلاسفة في كتابه "تهافت الفلاسفة" ، وتصدى له ابن رشد في "تهافت التهافت" .
الثالثة : مرحلة علم الكلام الفلسفي . وأهم الشخصيات في هذه المرحلة :
1) فخر الدين الرازي ، وهو مفسر متكلم فقيه طبيب واعظ أصولي كيمائي ، ولكن شهرته أولا كمفسر وثانيا كمتكلم ، واختط في علم الكلام منهجا وإن لم يكن مستحدثا تماما إلا أنه قد عدل فيه عن منهج سابقيه من متكلمي الأشاعرة ، فتوسع في المقدمات والمصطلحات المقتبسة من كلام الفلاسفة في الطبيعيات والإلهيات كالإشارة إلى تعريف الواجب والممكن ، والاستدلال على وجود الله بدليل الإمكان وضرورة استناد الممكن إلى الواجب . لذلك نجد لديه مضمونا أشعريا في قالب فلسفي .
2) عضد الدين الإيجي ، وهو يمثل الصياغة النهائية لفكر الأشاعرة ، فعلى يده بلغت ذروة علم الكلام عند الأشاعرة بكتابه "المواقف"، وهو يضارع كتاب "المغني" للقاضي عبد الجبار بالنسبة للمعتزلة ، كما يضارع ما بلغه كتاب "الشفاء" لابن سينا بالنسبة للفلاسفة. راجع : د. أحمد محمود صبحي ، في علم الكلام ، 2/43 ، 89 ، 115 ، 147 ، 165 ، 211 ، 239 ، 277 ، 357 ، دار النهضة العربية ، بيروت – لبنان ، ط5/1985م .
( ) الأسنوي ، طبقات الشافعية ، 2/398 .
( ) راجع : الذهبي ، سيرة أعلام النبلاء. يحكى عنه أنه ذهب إلى بلاد الروم من جانب خليفة بغداد بطريق السفارة، ولما وصل إلى دار عظيمهم ، قالوا أنه : إن أهل الإسلام لا يتواضعون ، ولا يعظمون السلاطين بالانحناء والخرور ، فلا بد أن يدعو هذا السفير من باب صغير قصير ، فلما رأى الباقـلاني الباب ، تفطن الحال ، فقعد عنده ، ودخله زاحفا ، ولما لاقاه عظيم الروم ، سأله عن إفك عائشة رضي الله عنها استهانة وتحقيرا ، فأجابه الباقلاني قائلا : "قد افترى على امرأتين يعني مريم وعائشة واتهمتا بالزنا بلسان الأفاكين ، ولكن ولدت إحداهما دون الآخر ، فانخجل العظيم وحضار مجلسه" . انظر : ابن كثير ، البداية والنهاية ، 11/376 .
( ) د . عبد الفتاح أحمد فؤاد ، الفرق الإسلامية وأصولها الإيمانية ، ص 213 .
( ) الذهبي ، سيرة أعلام النبلاء ، 18/474 .
( ) انظر : الجويني ، غياث الأمم ، ص .
( ) ابن أبي العز ، شرح العقيدة الطحاوية ، 1/245 .
( ) الذهبي ، سير أعلام النبلاء 19/323-324 .
( ) ابن أبي العز ، شرح العقيدة الطحاوية ، 1/243 –244 .
( ) انظر : ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، 3/403 . السبكي ، طبقات الشافعية ، 4/78 .
( )ولمزيد عن آراء الباطنية راجع رسالتنا للدكتوراه بعنوان "موقف الزيدية من العقيدة الإسماعيلية الباطنية وفلسفتها" . قدمت بها إلى قسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة سنة 2005م . وقام بالإشراف فضيلة أستاذي الدكتور السيد محمد الجليند . وقام بنشرها دار الكتب العلمية ، بيروت، 2009م .
( ) الشهرستاني ، نهاية الإقدام ، ص 4 . ولمزيد من التفاصيل عن آراءه الكلامية راجع رسالة دكتوراه بكلية الآداب جامعة القاهرة تحت عنوان "الشهرستاني وآرؤه الكلامية والفلسفية" ، للدكتورة سهير مختار . وكتاب الدكتور محمد حسيني أبو سعده "الشهرستاني ومنهجه النقدي "، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت – لبنان ، ط1/2002م ، وأصله رسالة الدكتوراه للمؤلف قدمها إلى قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة .
( ) ابن حجر العسقلاني ، لسان الميزان، 4/427 .
( ) الرازي ، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين، ص 91 –91 ، تحقيق : د. علي سامي النشار .
( ) د. عبد الفتاح أحمد فؤاد ، الفرق الإسلامية وأصولها الإيمانية ، ص 210 .
( ) انظر : التبصير في الدين، ص 153.
( ) انظر : مقدمة كتاب تبيين كذب المفترى ، ص 19 .
( ) محمد أبو زهرة ، ابن تيمية ، ص 189 .
( ) د. جلال موسى ، نشأة الأشعرية وتطورها ، ص 201 .
( ) د. محمد محمد الحاج حسن الكمالي ، الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى وأثره في الفكر الإسلامي ، دار الحكمة اليمانية ، صنعا – اليمن ، ط1/1991م .
( ) د. جلال موسى ، نشأة الأشعرية وتطورها ، ص 200 .
( ) الرازي ، أساس التقديس ، ص 220 - 221 ، تحقيق : د. أحمد حجازي السقا ، القاهرة ، مكتبة الكليات الأزهرية ، 1986م .
( ) المصدر السابق ، ص 234 .
( ) الرازي ، أصول الفقه ، 1/547 – 548 ، تحقيق : طه جابر العلواني ، الرياض ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، 1979م . .
( ) الرازي ، أساس التقديس ، ص 220 - 221 .
( ) ابن تيمية ، الفرقان بين الحق والباطل ، ص 165 ، تحقيق : حسين يوسف غزال . ولمزيد من التفاصيل راجع كتاب "الفرق الإسلامية وأصولها الإيمانية" للدكتور / عبد الفتاح أحمد فؤاد ، ص 260 وما بعدها ، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر ، الإسكندرية ، 2002م .
( ) الرازي ، أساس التقديس ، ص 109 .
( ) الرازي، أساس التقديس ، ص105 .
( ) والجدير بالذكر هنا اختلاف العلماء في هذا التقسيم :
- فمنهم من أثبت أن المجاز ثابت في اللغة العربية وأسلوب من أساليبها وواقع في الكتاب والسنـة ، وهم المتكلمون من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والمرجئة ، وإليه ذهب الزيدية .
- ومنهم من أنكر وجوده في القرآن دون اللغة العربية ، وممن قال بهذا داود بن عي الأصفهان تـ 270هـ، وابنه أبو بكر تـ 297هـ ، ومنذر بن سعيد البلوطي تـ 355هـ ، وابن عبد البر النمري المالكي تـ 465هـ .
- ومنهم من أنكر هذا التقسيم أصلا ، وقالوا أنه حادث بعد انقضاء القرون الثلاثة الأولى ، وممن ذهب إلى هذا الرأي المتكلم الأشعري أبو إسحاق الإسفراييني تـ 418هـ ، ابن تيميـة ، ابن القيم . راجع : ابن تيمية ، مجموع الفتاوى ، 7/88 . الغزالي ، المستصفى ، ص 84 وما بعدها ، تحقيق : محمد عبد السلام الشافي ، دار الكتب العلمية ، بيروت - لبنان ، ط1/1413هـ .
ويذكر الإمام أحمد الشرفي أن ابن جني صاحب كتاب ( الخصائص ) يقول إن : الأغلب في اللغة وأشعار العرب مجاز ، وكلاهما مشحون به . أحمد الشرفي ، شرح الأساس الكبير ، 1/516 .
والحقيقة أن هذا التقسيم كان من الأصول الأولى التي بنى عليها " المرجئـة " أصول مذهبهم ، في أن الإيمان مجاز في الأعمال حقيقة في التصديق القلبي ، والذين قسموا اللفظ إلى حقيقة ومجاز ، قالوا : الحقيقة : هي اللفظ المستعمل فيما وضع له . والمجاز : هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له. وتعريف الحقيقة والمجاز بما سبق يستلزم أن يكون اللفظ قد وضع أولا ثم بعد ذلك قد يستعمل في موضوعه ، وقد يستعمل في غير موضوعه ، ولهذا كان المشهور عند هؤلاء أن كل مجاز لا بد له من حقيقة ، وليس الأمر بالعكس ، وهذا الفرض يكون صحيحا لو علم أن الألفاظ العربية قد وضعت أولا لمعنى ثم بعد ذلك استعملت فيها ، فيكون لها وضع متقـدم على الاستعمال ، وهذا لا يصح إلا على رأي من يجعل اللغات اصطلاحية ، حيث يقول هؤلاء : إن قوما من العقلاء اجتمعوا واصطلحوا على أن يسموا هذا بكذا، ويجعل هذا عاما في جميع اللغات . د. محمد السيد الجليند ، الإمام ابن تيمية وقضية التأوي ، ص 318، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة ط5/2000م .
( ) الغزالي ، المستصفى ، 1/387 .
( ) الجرجاني ، أسرار البلاغة ، ص 391 .
( ) ابن تيمية ، كتاب الإيمان ، 79 - 80 .
( ) الرازي ، أساس التقديس ، ص 234 - 235 .
( ) المصدر السابق ، ص 162 .
( ) البغدادي ، الفرق بين الفرق ، ص .
( ) انظر : الباقلاني ، التمهيد ، ص 164 ، تحقيق : الخضري وأبو ريدة ، دار الفكر العربي ، 1947م ،
( ) انظر : ابن فورك ، مشكل الحديث وبيانه ، ص 12.
( ) انظر : الجويني ، الإرشاد ، ص 168 وما بعدها . وله كتاب "الشامل" ، ص 100 ، 557 .
( ) الرازي ، أساس التقديس : ص 168 وما بعدها .
( ) اتفق العلماء في جواز التقليد في مسائل الفروع ، وأما في مسائل الأصول فاختلفوا فيها :
الأول : ذهب المعتزلة إلى أن النظر واجب عقلا ، واستدلوا على ذلك بأن معرفة الله واجبة إجمـاعا ، وهي لا تتم إلا بالنظر ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . انظر : شرح الأصول الخمسة ، ص 39 ، 88 . المحيط بالتكليف ، ص 33 .
الثاني : ذهب الأشاعرة إلى القول بوجوب النظر ، لكن الوجوب لا يكون عن طريق العقل استقلالا عن الشرع ، كما رأينا عند المعتزلة . انظر : الإيجي ، كتاب المواقف ، ص 147 وما بعدها .
فالأشاعرة والمعتزلة متفقون على رفض التقليد ، وقالوا : إن التقليد مذموم ، وما لم يكن يعرف باستدلال فإنما هو تقليد لا واسطة بينهما . انظر : ابن حزم ، الفصل في الملل والنحل ، 4/29، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، بدون تاريخ.
( ) البغدادي ، كتاب أصول الدين ، ص 210 .
( ) الجويني ، الشامل في أصول الدين ، ص 115 ، تحقيق : د/ علي سامي النشار ، منشـأة المعارف ، الإسكندرية ، 1969م .
( ) الآمدي ، أبكار الأفكار ، 1/125 ، نقلا عن : د/ حسن الشافعي ، المدخـل إلى دراسة علم الكلام ، ص 141 .