Friday, February 19, 2010

العقيدة الإسلامية في ضوء الدراسات الكلامية

"الإباضية،المعتزلة،الأشعرية،الماتريدية،الظاهرية"
دراسة مقارنة
الدكتور/ كمال الدين نور الدين مرجوني
     محاضر مشارك بجامعة العلوم الإسلامية الماليزية   
:المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . قال تعالى: يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مّسْلِمُونَ - آل عمران: 102- . وقال تعالى:  يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً  - الأحزاب: 70-71 -.
أما بعد
فقد أخبرنا الله تعالى عن الأمم السابقة أنهم اختلفوا اختلافا شديدا وافترقوا افتراقا بعيدا، وفي ذلك أعظم واعظ وأكبر زاجر عن الاختلافات والتفرق، ولم يقتصر سبحانه في تذكيرنا بذلك، بل زجرنا عن الاختلاف زجرا شديدا ، وتوعد على ذلك وعيدا أكيدا فقال تعالى :وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِيْنَ تَفَرّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْبَيّنَاتُ وَأُوْلََئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِيْنَ اسْوَدّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ - آل عمران: 105- 106 -. قال ابن عباس رضي الله عنهما: تبيض وجوه أهل السنة والائتلاف، وتسودّ وجوه أهل البدع والاختلا ، ثم فصل تعالى مآل الفريقين، وأين توصل أهلها كل من الطريقين فقال تعالى:  فَأَمَّا الَّذِيْنَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيْمَانِكُمْ فَذُوْقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِيْنَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ - آل عمران: 106-107 -.
وقد حذرنا عن ذلك نبينا محمد  الذي هو أولى بنا من أنفسنا فقال : (ألا وإن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ، اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهم الجماعة، وفي بعض الروايات : (هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) ( ) .
وصدق الله تعالى وصدق رسوله الكريم، حيث حصل وتحقق هذا الافتراق والانقسام، بل تفاقم الأمر وعظم الشقاق فاشتد الاختلاف ونجمت البدع والنفاق. وهذا شأن سائر الفرق في الانقسام والتفرق والاختلاف في الأفكار والآراء والمعتقدات. وقد ظهرت بعد وفاته  فرق عديدة منها المعتزلة ويسمّون القدرية لإنكارهم القدر، ‏‏والجهمية ويسمّون الجبرية أتباع جهم بن صفوان يقولون إن العبد مجبور في أفعاله لا اختيار له، وإنما ‏هو ‏كالريشة المعلقة في الهواء يأخذها الهواء يمنة ويسرة، والخوارج الذين خرجوا على سيدنا علي ‏رضي الله ‏عنه ويكفرون مرتكب الكبيرة، والمرجئة الذين يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب ‏بمعنى لا يعاقب ‏عصاة المؤمنين في الآخرة، والكرّامية الذين يقولون إن الله تقوم به الحوادث في ذاته ‏وأقواله ويقولون بأن ‏الله ليس له نهاية من الجهات الخمس وله نهاية من الأسفل، والمشبهة والمجسمة الذين يتقوّلون في الله ما لا يجوّزه الشرع ولا العقل ‏من إثبات الحركة له والنقلة ‏والحد والجهة والقعود والإقعاد.
هكذا افترقوا في أسماء الله تعالى وصفاته إلى نفاة معطلة و مجسمة ممثلة. وفي باب الإيمان والوعد والوعيد إلى مرجئة ووعيدية من خوارج ومعتزلة. وفي باب أفعال الله وأقداره إلى جبرية غلاة وقدرية نفاة، وكل طائفة من هذه الطوائف قد تحزبت فرقا وتشعبت طرقا، وكل فرقة تكفر صاحبتها وتزعم أنها هي الفرقة الناجية المنصورة .
وما دام البحث في الأمور الإلهية يكثر فيها الجدل والنقاش ولا ينتهي أبدا، ولا تحسم الموضوعات، بل يستمر النزاع والجدل فيها مدى الحياة الإنسانية، إذ اعتمد النزاع على العقل وحده، لأن العقول الإنسانية مختلفة الإدراك، وقاصرة عن استيعاب ما وراء الطبيعة بالكامل، والبحث فيما وراء الطبيعة عن طريق العقل كان عاملا قويا في تفريق المسلمين. والعقل رغم كل مكانته وإمكاناته في حياة البشر يظل محدودا، فأخطأ من ظن أن العقل قد أحاط بكل شيء في العالم المشهود، وأبعد من ذلك في الخطأ الاعتقاد بأنه قادر على اقتحام عالم الغيب، فالعقل وإن أدرك شيئا من المادة، فلن يدرك إلا بعض الظواهر، أما أعماقها وأغوارها فلا يصل إلى شيء منها، ومن ثم فحقائق الغيب لا سبيل إلى معرفتها معرفة عقلية، وإنما طريق معرفتها الوحي. وقد نبه إليه الإمام القرطبي أن للعقل التعرف على الأمور فحسب، لأن الشرع إذا جاء أن يحكم بما شاء، وإن العقل لا يحكم بوجوب ولا غيره، وإنما حظه تعرف الأمور على ما هي عليه ( ) .
وفي موضع آخر أوضح ابن خلدون قصور العقل في الأمور الإلهية، فقال: "العقل ميزان صحيح، فأحكامه يقينية لا كذب فيها، غير أنك لا تطمع أن تزن به أمور التوحيد والآخرة، وحقائق النبوة، وحقائق الصفات الإلهية، وكل ما وراء طوره، فإن ذلك طمع في محال" ( ) .
وقد اهتم كثيرٌ من المسلمين بدراسة علم العقيدة أو علم الكلام المتمثل في الفرق العقائدية، ومن منطلق توضيح مسائل الاعتقاد وبيان الخلاف الحاصل بين الفرق والمذاهب العقائدية الإسلامية فيها، أحببت جمع شتات تلك المسائل وترتيبها، ليسهل على الراغب في دراستها الاطلاع عليها بأقصر طريق وأقل مؤنة. واكتفينا في هذا الكتاب بدراسة أهم الفرق والمذاهب العقائدية أو الفرق الكلامية وهي: "الإباضية" من فرق الخوارج، والمعتزلة، والأشاعرة، والماتريدية، والظاهرية .
ويحب أن أنبّه إلى أنني لم أتطرّق في هذا الكتاب إلى عرض بعض الموضوعات الكلامية كالنبوة والإمامة، وذلك لضيق الوقت، وعدم الفرص المتاحة لي حاليا، ولكنني عزمت نفسي بأن أكمل هذاالبحث المتواضع في المستقبل-إن شاء الله- في كتاب مستقل، وذلك بدراسة آراء أهل السنة والشيعةفي مسألة  النبوة والإمامة،وعنوانه "النبوة والإمامة بين السنة والشيعة"دراسة مقارنة 
ومن المعلوم أن من أقدم على عمل قبل سبره وغوره، فإنه يجد من الصعوبات ما قد يعوق سيره، ويكدر أفكاره، وأنا واحد ممن ينطبق عليه هذا لأمور منها: إني أقدمت على كتابة موضوع كبير وشامل لآراء المذاهب الكلامية من نواحي عدة: دراسة الآراء والأفكار فيه مع مراعاة الاختلاف داخل المذهب الواحد. وطول الموضوع لكثرة التفريعات الكلامية فيه مع الجدال والمناقشات والردود المملة.
وهذا الكتاب يتحدث عن العقيدة الإسلامية في ضوء الدراسات الكلامية، وهو عبارة عن موقف علماء الكلام من القضايا الكلامية منها: التوحيد، وأسماء الله وصفاته، والإيمان، ومرتكب الكبيرة، والشفاعة، ورؤية الله سبحانه وتعالى ... إلخ.
وطريقي في دراسة القضايا الكلامية قائم على أساس ردّ كل مشكلة من تلك التي عرضنا لها إلى أصلها الكتاب والسنة، ثم نمضى معها في أدوارها ومراحلها المختلفة، مع المقارنة بين آراء الفرق المختلفة فيها، ومع مراعاة التطور التاريخي لها داخل الفرقة الواحدة أو المذهب الواحد. وقد حرصت الرجوع إلى المصادر الأصلية لكل رأي أو ومذهب، فلم أعتمد في التعرف على رأي إمام أو مذهب ما تناقلته بعض الكتب عنه أو نسبوه إليه في غير كتب مذهبه، إلا إذا عزّ الطلب. وقمت بترجمة بعض الأعلام الواردة في الكتاب.
فالله أسأل التوفيق والسداد بما بذلت من جهد في هذا الكتاب، وأن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.
فهرس محتويات الكتاب
المقدمة: أ - د
الفصل الأول: قضية التوحيد
تمهيد: .......................................................... 2 – 7
- المبحث الأول : مفهوم التوحيد عند الإباضية ، معرفة الله سبحانه وتعالى ، الأسماء والصفات عند الإباضية واختلافهم فيها .............................................. 8 - 16.
- المبحث الثاني : مفهوم التوحيد عند المعتزلة ، معرفة الله سبحانه وتعالى ، الأسماء والصفات عند المعتزلة واختلافهم فيها ............................................... 17 - 24.
- المبحث الثالث : مفهوم التوحيد عند الأشاعرة ، معرفة الله سبحانه وتعالى ، الأسماء والصفات عند الأشاعرة واختلافهم فيها .................................. 25 - 32.
- المبحث الرابع : مفهوم التوحيد عند الماتريدية ، معرفة الله سبحانه وتعالى ، الأسماء والصفات عند الماتريدية واختلافهم فيها ............................................. 33 - 35.
- المبحث الخامس : مفهوم التوحيد عند الظاهرية ، معرفة الله سبحانه وتعالى ، الأسماء والصفات عند الظاهرية واختلافهم فيها .................................... 36 - 40.
الخلاصةوالتعليق ........................................................ 41 - 45.
الفصل الثاني: قضية خلق القرآن
تمهيد: ........................................................................... 47 – 51.
- المبحث الأول : الإباضية وخلق القرآن واختلافهم فيه – بين إباضية المشرق وإباضية المغرب – ..................................................................... 52 - 54 .
- المبحث الثاني : المعتزلة وخلق القرآن ....................................... 55 - 61.
- المبحث الثالث : موقف الأشاعرة من قضية خلق القرآن والرد على المعتزلة .... 62 – 67.
- المبحث الرابع : موقف الماتريدية من قضية خلق القرآن ...................... 68 - 69.
- المبحث الخامس : موقف الظاهرية من قضية خلق القرآن ................... 70 - 73 .
- الخلاصة والتعليق : ..................................................... 74 - 78 .
 الفصل الثالث: قضية أفعال العباد
تمهيد: ...........................................................................80 – 81.
- المبحث الأول : أفعال العباد عند الإباضية .................................. 82- 83 .
- المبحث الثاني : أفعال العباد عند المعتزلة وعلاقتها بالجانب الأخلاقي ومدى مسؤلية الإنسان عن هذه الأفعال ......................................................... 84 - 91.
- المبحث الثالث : أفعال العباد عند الأشاعرة ونظرية الكسب ................ 92 - 97 .
- المبحث الرابع : أفعال العباد عند الماتريدية وعلاقتها باستطاعة الأحوال والأسباب، واستطاعة الأفعال ...................................................... 98 - 103.
- المبحث الخامس : أفعال العباد عند الظاهرية ............................ 104 - 107.
الفصل الرابع: قضية الإيمان والإسلام
تمهيد: .................................................................. 109 – 113.
- المبحث الأول : معنى الإيمان والإسلام عند الإباضية واختلافهم في زيادة الإيمان ونقصانه، وتقسيم الذنوب ، وموقفهم من الصغائر والكبائر ........................ 114 - 122.
- المبحث الثاني : معنى الإيمان والإسلام عند المعتزلة ، واختلافهم في زيادة الإيمان ونقصانه، وموقفهم من مرتكب الكبيرة ......................................... 123 - 130.
- المبحث الثالث : حقيقة الإيمان والإسلام عند الأشاعرة ، وموقفهم من مرتكب الكبيرة ، واختلافهم في زيادة الإيمان ونقصانه .................................... 131 - 137.
- المبحث الرابع : حقيقة الإيمان والإسلام وعلاقتهما عند الماتريدية ، وموقفهم من مرتكب الكبيرة ، ومناقشة الماتريدية للكرامية الذين يقولون بأن الإيمان هو الإقرار باللسان وليس في القلب شيء ، ونقد الماتريدية للمعتزلة في هذه المسألة ، ومراتب الناس في التصديق بالله تعالى ..................................................................... 138 - 147.
- المبحث الخامس : حقيقة الإيمان والإسلام وعلاقتهما عند الظاهرية ، ورأيهم في مصيرة مرتكب الكبييرة ...................................................... 148 - 153.
 الخلاصة والتعليق ..................................................... 154 - 160.
الفصل الخامس: قضية السمعيات
تمهيد: ....................................................................... 162 – 165.
- المبحث الأول : موقف الإباضية من البعث والميزان والصراط والشفاعة ورؤية الله عز وجل ...................................................................... 166 - 170.
- المبحث الثاني : موقف المعتزلة من البعث والميزان والصراط والشفاعة ورؤية الله عز وجل ...................................................................... 171 - 186.
- المبحث الثالث : موقف الأشاعرة من البعث والميزان والصراط والشفاعة ورؤية الله عز وجل ...................................................................... 187 - 197.
- المبحث الرايع : موقف الماتريدية من البعث والميزان والصراط والشفاعة ورؤية الله عز وجل ...................................................................... 198 - 202.
- المبحث الخامس : موقف الظاهرية من البعث والميزان والصراط والشفاعة ورؤية الله عز وجل ................................................................ 202 - 208.
- الخلاصة والتعليق : ................................................... 209 - 212.
الفصل السادس: المسائل المتفقة والمختلفة بين التيارات الكلامية
- المبحث الأول : المسائل المختلفة بين الأشاعرة والماتريدية ................. 213 - 219.
- المبحث الثاني : الخلاف بين الماتريدية والمعتزلة ........................... 220 - 221.
- المبحث الثالث : الإتفاق بين الماتريدية والمعتزلة .......................... 222 - 222.
الخاتمة : ..................................................................... 224 – 227.
المصادر والمراجع : ............................................................ 229 - 242.
فهرس الكتاب : ............................................................. 243 - 247.

0 komentar:

Post a Comment