Tuesday, January 5, 2010

-التيارات الكلامية - نشأتها وتطورها



مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّف
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. قال تعالى:
 يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مّسْلِمُونَ
 - آل عمران: 102- . وقال تعالى:  يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً  - الأحزاب: 70-71 -.
أما بعد ...
فقد اهتم كثيرٌ من المسلمين بدراسة علم العقيدة أو علم الكلام المتمثل في الفرق العقائدية، ولتوضيح هذه المذاهب العقائدية وبيان الخلاف الحاصل بينهم، أحببت جمع شتات تلك الفرق وترتيبها، ليسهل على الراغب في دراستها الاطلاع عليها بأقصر طريق وأقل مؤنة.
وهذا الكتاب يتحدث عن نشأة الفرق الكلامية بعنوان: "التيارات الكلامية"، وحاولت بقدر الإمكان أن أجمع أكبر الفرق الكلامية الموجودةاليوم، لذلك لا أكتفي بدارسة فرق أهل السنة -الأشعرية والماتريدية- والإباضية والمعتزلة والظاهرية فقط، بل أقوم بدراسة فرق الشيعية أهمها وأكبرها: الزيدية، الإمامية الإثنى عشرية، الإسماعيلية الباطنية.
وكما عرفنا أن كتب المقالات والفرق حفلت بذكر فرق الشيعة وطوائفهم، والملفت للنظر هو كثرة هذه الفرق، وتعددها بدرجة كبيرة حتى تكاد تنفرد الشيعة بهذه السمة، فعلى مدار التاريخ انبثق من الشيعة أفكار وطوائف ومذاهب وفرق منها من خرج على ما يؤمن به جمهور الشيعة وهم من يوصفون بالغلاة ومنهم من ظل تحت اسم التشيع العام. ومنها أيضا طوائف لم تلبث في تاريخ الدهر طويلا انقرضت وهي ما يعبر عنها بالطوائف المنقرضة، ونذكر بعضا منها:

1) السبئية: وهم أتباع عبدا لله بن سبأ اليهودي قيل أنه من الحيرة وهو الأرجح أو من اليمن، أظهر الإسلام في عهد عثمان  مكرا لإشعال الفتنة و قد نجح، ويعتبر هو أول من نادي بالغلو في أهل البيت و هو أول من وضع أساس ذلك، و لذلك ينسب إليه كل طوائف الشيعة.
2) الكيسانية: ظهرت هذه الطائفة بعد مقتل الإمام علي  وعرفوا بموالاتهم لابن الحنفية وقد اشتد ظهورهم مع تنازل الحسن لمعاوية، فقد أسقطوا خلافة الحسن والحسين ، ودعوا إلى خلافة محمد بن الحنفية، وأنه وصي أبيه وان كانت فرقة منهم أثبتت إمامة الحسن ثم الحسين ثم ابن الحنفية إلا أن الأكثرية دعوا إلى إمامة ابن الحنفية مباشرة وكفروا مخالفه، وتنسب تسمية الكيسانية إلى كيسان مولى علي  أو إلى كيسان تلميذ ابن الحنفية ومع مرور الوقت تحول الكثير من طوائف الكيسانية إلى المختارية.
3) المختارية: يتزعمها المختار بن أبي عبيد الثقفي وقد بدأ بجماعة صغيرة ثم تجمع معه الكثير من أتباع الكيسانية كما ذكرنا، كان المختار ذكي وماكر وعمه والي الكوفة من قبل علي  وقد سمي فيما بعد بكيسان، فقد أطلق ابن الحنفية كما يزعمون عليه هذا اللقب تكريما له وتشبيها بأفضل تلامذته وقد دخل الكثير من المعارك باسم ابن الحنفية و انتصر بها ثم تمادى حتى ادعى أنه يوحى إليه ويعتقد أنه كذاب ثقيف الذي روته حديثه أسماء عن الرسول ، وقد ادعت هذه الطائف بأن ابن الحنفية لم يمت بل حبسه الله وسوف يخرج في آخر الزمان بل، و قد حاول المختار جاهداً إقناع بن الحنيفة بتأييده فرفض هذا الأخير. فلم يجد المختار بداً من طلب الخلافة لنفسه. و قد كانت نهايته على يد مصعب بن الزبير.
4) المحمدية: هم طائفة شيعية نسبة إلى محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب (محمد النفس الزكية)، الذي يعتقدون أنه الإمام و المهدي المنتظر، وأن محمداً ذا النفس الزكية لا يزال حياً في جبل حاجر بنجد، ولا بد أن يظهر مرة أخرى، ويملأ الأرض عدلاً، وأن البيعة ستعقد له بين الركن والمقام في بيت الله الحرام بمكة. وكان المغيرة بن سعيد العجلي على هذا المذهب وكان يدعو الناس إليه.
5) السميطية: هي طائفة شيعية قالت بإمامة محمد بن جعفر الصادق وولده من بعده.
6) الفطحية: هم أتباع عبدا لله الأفطح بن جعفر الصادق.
7) الواقفية: هم الذين وقفوا على الإمام السابع للشيعة موسى الكاظم، فلم يقولوا بإمامة من بعده، حيث زعموا أنَّ موسى الكاظم لم يمت وأنه حيٌّ ، وأنهم ينتظرون خروجه حيث إنه دخل في غيبة. كما أن الطائفة الواقفية الشيعية استندت في أقوالها إلى روايات وأدلة كثيرة من أن الإمام موسى الكاظم هو المهدي وهو القائم .
وهذه هي الفرق الأوائل للشيعة، وقد انقرضوا بمرور الزمن وعبر التاريخ. وأما اليوم فتنقسم الشيعة إلى ثلاثة أجنحة كبيرة رئيسية وهي: الزيدية، والإمامية الإثنى عشرية، والإسماعيلية الباطنية. ولأهمية هذه الفرق الشيعية الباقية إلى يومنا هذا، فسنقوم بدراستها كباقي الفرق الإسلامية الأخرى.
إذن، فدراسة الفرق في هذا الكتاب المتواضع -من حيث نشأتها وتطورها- تكون بالترتيب الآتي: تبدأ من فرق الشيعية الثلاث وهي: فرق الزيدية، فرقة الإمامية الإثنى عشرية، فرقة الإسماعيلية الباطنية، ثم فرق غير الشيعة: تبدأ من فرقة الإباضية، فرقة المعتزلة، فرقة الأشعرية، فرقة الماتريدية، فرقة الظاهرية.
ومن المعلوم أن من أقدم على عمل قبل سبره وغوره، فإنه يجد من الصعوبات ما قد يعوق سيره، ويكدر أفكاره، وأنا واحد ممن ينطبق عليه هذا لأمور منها: إني أقدمت على كتابة الفرق الكلامية الثمانية، وهذا موضوع كبير وشامل مه حيث نشأتها وتطورها والمنهج الذي سار به لكل مذهب، ودراسة بعض الأفكار فيه مع مراعاة الاختلاف داخل المذهب الواحد.
وقد كان استخدامي للمصادر في كل فكر يحاول العودة إلى الينابيع الأولى للأفكار قدر الطاقة مرتكز في ذلك على المصادر الأصلية لها، إذن فحرصت الرجوع إلى المصادر الأصلية لكل رأي أو ومذهب، فلم أعتمد في التعرف على رأي إمام أو مذهب ما تناقلته بعض الكتب عنه أو نسبوه إليه في غير كتب مذهبه، إلا إذا عزّ الطلب. وهذا بالإضافة إلى الاستفادة من الشروحات والتفاسير حول هذه المصادر سواء كانت قديمة أم معاصرة، أما بخصوص المصدرين الأساسيين (القرآن والسنة) فقد اعتمدت بصورة كبيرة وكثفنا الاستدلالات القرآنية والحديثية، مع التوثيق بالعودة إلى اسم السورة ورقم الآية، فيما يخص النص القرآني، وقمت أيضا بترجمة بعض الأعلام الواردة في الكتاب.
أما البناء العام للكتاب، فقد توزع على: المقدمة، والتمهيد، وثمانية فصول وخاتمة وتفاصيل المحتويات كالاتي:
ففي التمهيد تحدثت عن علم الكلام، وفيها الحديث عن تعريف علم الكلام، أسماء علم الكلام، الفرق بين علم الكلام والفلسفة، الأصول المنهجية لعلم الكلام، موقف العلماء من علم الكلام.
وأما فصول الكتاب فتحتوي سبعة فصول:
- الفصل الأول: فرقة الزيدية. ويشتمل على تعريف الزيدية، فرق الزيدية، موقع الزيدية من فرق الإسلامية.
- الفصل الثاني: فرقة الإمامية الإثنى عشرية. ويشتمل على تعريف الإمامية، فرق الإمامية، أصول الإمامية.
- الفصل الثالث: فرقة الإسماعيلية الباطنية. ويشتمل على تعريف الإسماعيلية الباطنية، ألقاب الإسماعيلية، أهداف الإسماعيلية، أساليب الدعوة الإسماعيلية.
- الفصل الرابع: فرقة الإباضية. ويشتمل على تعريف الإباضية، فرق الإباضية، منهج الإباضية.
- الفصل الخامس: فرقة المعتزلة. ويشتمل على تعريف المعتزلة، فرق المعتزلة، منهج المعتزلة.
- الفصل السادس: فرقة الأشعرية. ويشتمل على تعريف الأشعرية. تطور الأشعرية، منهج الأشعرية.
- الفصل السابع: فرقة الماتريدية. ويشتمل على تعريف الماتريدية، تطور الماتريدية، منهج الماتريدية.
- الفصل الثامن: فرقة الظاهرية. ويشتمل على تعريف الظاهرية، منهج الظاهرية.
واستكمالا لهذا الكتاب، فقمت بتأليف كتاب آخر لدراسة القضايا والمسائل العقائدية عند التيارات الكلامية بعنوان : "العقيدة الإسلامية في ضوء الفرق الكلامية" فعالج هذا الكتاب آراء علماء الكلام في القضايا العقائدية، كالتوحيد، وخلق القرآن، والإيمان، والقضاء والقدر، والنبوة، والإمامة، والسمعيات، بالإضافة إلى عرض المسائل المتفق والمختلف فيها بين علماء الكلام.
فالله أسأل التوفيق والسداد بما بذلت من جهد في هذا الكتاب، وأن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.

فهرس الكتاب
المقدمة: أ-ج
اهتمام العلماء قديما وحديثا بدراسة التيارات الكلامية، أسباب تأليف الموضوع وصعوبة دراسته
التمهيد: نبذة عن علم الكلام (1-24)
أسماء علم الكلام، الأصول المنهجية لعلم الكلام، موقف العلماء من علم الكلام.
الفصل الأول: الشيعة الزيدية (26-39)
تعريف الزيدية، المراد بلقب "الرافضة"، فرق الزيدية، موقع الزيدية من الفرق الإسلامية.
الفصل الثاني: الشيعة الإمامية (41-49)
تعريف الشيعة الإمامية، لقب "الإمامية" بـ "الإثنى عشرية"، فرق الإمامية اليوم (الأخبارية، الأصولية، الشيخية) ومدى خلافاتهم، أصول العقيدة عند الإمامية.
الفصل الثالث: الشيعة الإسماعيلية الباطنية (51-70)
تعريف الإسماعيلية الباطنية، المراد بالباطنية عند ابن تيمية، ألقاب الإسماعيلية الباطنية، أهداف الإسماعيلية الباطنية، أساليب الدعوة الإسماعيلية الباطنية.
الفصل الرابع: الإباضية (72-90)
تعريف الإباضية، الخوارج والإباضية، أشهر فرق الخوارج، نشأة الإباضية وتطورها، فرق الإباضية، منهج الإباضية.
الفصل الخامس: المعتزلة (92-122)
تعريف المعتزلة، أصول المعتزلة، فرق المعتزلة، منهج المعتزلة
الفصل السادس: الأشعرية (124-146)
تعريف الأشعرية، مراحل مذهب الأشعري، منهج الأشعرية المأخرين
الفصل السابع: الماتريدية (148-164)
تعريف الماتريدية، مراحل مذهب الماتريدية، المدارس الماتريدية المعاصرة، منهج الماتريدية
الفصل الثامن: الظاهرية (166-186)
تعريف الظاهرية، الظاهرية بين المذهب الفقهي والمذهب العقائدي، منهج الظاهرية
الخاتمة 188-189
المصادر والمراجع 191-201
فهرس الكتاب 203-204

0 komentar:

Post a Comment