Wednesday, December 30, 2009

خلق العالم عند فلاسفة الإسلام

خلق العالم عند فلاسفة الإسلام
الدكتور/ كمال الدين نور الدين مرجوني
تُعدّ مسألة وجود العالم، من حيث هو قديم أم حادث، من بين أهم القضايا التي عرض لها مفكروا الإسلام على اختلاف فرقهم وتياراتهم الفكرية، وبخاصة الفلاسفة، والقول بقدم العالم على مذهب أرسطو قد انتشر في الأوساط الإسلامية أكثر منه على أي مذهب آخر، وكان أن اعتنقه بعض فلاسفة الإسلام، المعروف بـ "المشاؤون"، وعلى رأسهم الفارابي وابن سينا، فاعتنقوا آراء الفلاسفة اليونانية كأرسطو وأفلاطون وأفلوطين. ومن أجل توضيح هذا التأثير فأكتب هذه المقالة الوجيزة لبيان آراء فلاسفة الإسلام حول مسألة خلق العالم.
ومن المستحسن هنا أن نحدّد أولا معنى (الخلق) ، فالخلق في اللغة من خلق يخلق خلقا من باب نصر ، ويطلق لغة على عدّة معان :
- الأول : الإيجاد والإبداع والإختراع نحو خلق الله العالم ، أي أوجده وأبدعه عن تقدير وحكمة.
- والثاني : التقدير نحو خلق الجلد والثوب ونحوهما ، أي قدره وقاسه على ما يريد قبل العمل .
- والثالث : استمرار الأمر والمضي فيه نحو : فلان يخلق ثم يفري ، أي يقرر الأمر ثم يمضيه .
- والرابع : الافتراء نحو خلق فلان القول ، أي افتراه ومنه (ويخلقون إفكا) .
- والخامس : الملموسة والليونة نحو خلق الشيء أي ملسه ولينه ( ) .
وأما في الإصطلاح فالخلق (Creation) هو الإيجاد أى إيجاد الشيء من عدم أو من شيء سابق، فهو مجرد صنع وإحداث ، ومنه خلق الصورة الفنية .
وفرّق فلاسفة الإسلام بين الخلق بمعناه العام والإبداع الذي قصروه على الباري جل شأنه ، وهو إيجاد الشيء من عدم (Creation ex nihilo ) فهو خلق خاص ، وبقاء العالم مساو لوجوده ، فالله موجده وحافظه ( ) . إذن ، فللخلق معنيان : الأول هو إحداث شيء جديد من مواد موجودة سابق كخلق الأثر الفني ، أو خلق الصور الخيالية . والثاني هو الخلق المطلق هو صفة لله تعالى ، لأنه  موجد مبق وإبقاؤه مساو لإيجاده ، يحدث العالم بإرادته ، ويبقيه بإرادته ، ولو لم يرد بقاءه لبطل وجوده .
ومما سبق يتضح أن الخلق هو : الإبداع من لا شيء ، وهو مختص بالخالق  ، لأنه هو الخالق من غير مثال سابق . وقد وردت في القرآن الكريم آيات كثيرة تدل على قدرة الله  في الخلق ، لا على الخلق الأول من العدم فحسب ، بل تشمل كذلك خلق العالم والإنسان ، وكل ما هو كائن ، وكل ما سوف يكون ، فالله يخلق ما يشاء ، كقوله تعالى  :  هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ  ( ) . وقوله  :  إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ  ( ) . وقوله  :  يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً  ( ) . وقولـه  :  إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ  ( ) .
وقد اتفق علماء الإسلام على أن الله  خالق لهذا العالم ، وأن العالم مخلوق ، غير أنهم لم يقفوا عند هذا الحد ، بل تجاوزوه إلى الخوض في البحث عما إذا كان هذا العالم قد خلقه الله  بطريق مباشر أى من العدم فيكون محدَثا ، أو بطريق غير مباشر أى من المادة السابقة فيكون قديما . وانطلاقا من هذا انقسموا إلى قولين : منهم من يقول بحدوث العالم ، وآخرون يقولون بقدمه ؟ .
ومن هنا ، كانت مسألة وجود العالم ، من حيث هو قديم أم حادث ، من بين أهم المسائل الكلامية التي تحدث عنها الفلاسفة الإسلامية، فهي مشكلة رئيسة في الفكر الإسلامي ، وكانت دائما مثار نزاع وجدل بين الفرق الإسلامية وخاصة المتكلمون منهم والفلاسفة . أما المتكلمون فإنهم اعتبروا البحث في هذه القضية وإثبات حدوث العالم ووجوده بعد أن لم يكن موجودا ، مدخلا ضروريا لإثبات وجود الله  ووحدانيته ، وما يتصل بذاته من صفات باعتباره  خالقا موجدا ، أو صانعا لهذا العالم بما فيه . فأجمعوا على القول بحدوث العالم ( ) . ولهم على حدوثه أدلة كثيرة أشهرها دليل التميز بين الأعراض والأجسام معتمدين على الحركة والسكون والتغير في الأعراض ، وضرورة ملازمة الأعراض للأجسام وكلاهما حادث فالعالم حادث ( ) . إلا أن المعتزلة فرقوا بين الماهية والوجود ، قالوا : إن الماهية تسبق الوجود ، وإن المعدوم ذات شيء ، وقد نسب الشهرستاني هذا القول إلى الشحّام ( ) . وهذا القول يفضي إلى قدم المادة ( ) .
موقف فلاسفة الإسلام من خلق العالم.
وأما الفلاسفة الإسلاميون من أمثال (الفارابي) و (ابن سينا) فقد ولّوا وجوههم شطر الوجود بما هو وجود أولا ، سواء في جانبه المادي الطبيعي ، أو في جانبه الروحي العقلي ، أو الميتافيزيقي . فقالوا بقدم العالم، وكانوا متأثرين في هذا المنحى بما نقل إليهم من آراء ومذاهب فلاسفة اليونان ، وخاصة أفلاطون وأرسطو . ولخطورة رأي الفلاسفة تجاه هذه المسألة – أى القول بقدم العالم – قام الإمام الغزالي بتكفيرهم ( ) .
ويعتبر الفارابي -هذا ما ذهب إليه دي بور( )- أول من أدخل مذهب الصدور في الفلسفة الإسلامية، ويراد بها فيض الكائنات على مراتب متدرجة من مبدأ واحد ، ومنها يتألف العالم لجميعه ، وهذه النظرية قال بها أفلوطين (203 – 269م) ، وأخذ بها الفارابي وابن سينا ، تفسيرا للوجود ، وتقابل نظرية الخلق ، وتسمى أيضا نظرية الصدور ( ) . يقول الفاربي في تصرير هذه النظرية: "يفيض من الأول وجود الثاني، فهذا الثاني هو أيضا جوهر غير متجسم أصلا، وهو في مادة، فهو يعقل ذاته ويعقل الأول، وليس ما يعقل من ذاته هو شيء غير ذلك، فيما يعقل من الأول يلزم عنه وجود ثالث، وبما هو متجوهر بذاته التي تخصه يلزن عنه وجود السماء الأولى، والثالث أيضا وجوده لا في مادة، وهو بجوهره عقل، وهو يعقل ذاته ويعقل الأول. فيما يتجوهر به من ذاته التي تخصه بلزم عنه وجود كرة الكواكب الثابتة، وبما يعقله من الأول يلزم عنه وجود رابع، وهذا أيضا لا في مادة، فهو يعقل ذاته ويعقل الأول. فيما يتجوهر به من ذاته التي نخصه يلزم عنه وجود كرة زحل، وبما يعقله من الأول يلزم عنه وجود خامس. وهذا الخامس أيضا وجوده لا في مادة، فهو يعقل ذاته ويعقل الأول، فبما يتجوهر به من ذاته يلزم عنه وجود كرة المشتري، وبما يعقله من الأول يلزم عنه وجود سادس، وهذا أيضا وجوده لا في مادة، وهو يعقل ذاته ويعقل الأول، فيما يتجوهر به من ذاته يلزم عنه وجود كرة المريخ، وبما يعقله من الأول يلزم عنه وجود سابع. وهذا أيضا وجوده لا في مادة، وهو يعقل ذاته ويعقل الأول. فبما يتجوهر به من ذاته بلزم عنه وجود كرة الشمس، وبما يعقل من الأول يلزم عنه وجود ثامن، وهو أيضا وجوده لا في مادة، فهو يعقل ذاته ويعقل الأول. فبما يتجوهر به من ذاته التي تخصه يلزم عنه وجود كرة الزهرة، وبما يعقل من الأول يلزم عنه وجود تاسع. وهذا أيضا وجوده لا في مادة، فهو يعقل ذاته ويعقل الأول. فبما يتجوهر به من ذاته يلزم عنه وجود كرة عطارد، وبما يعقل من الأول يلزم عنه وجود عاشر. وهذا أيضا وجوده لا في مادة، وهو يعقل ذاته ويعقل الأول. فيما يتجوهر به من ذاته يلزم عنه وجود كرة القمر، وبما يعقل من الأول يلزم عنه وجود حادي عشر. وهذا الحادي عشر هو أيضا وجوده لا في مادة، وهو يعقل ذاته ويعقل الأول. ولكن عنده ينتهي الوجود الذي لا يحتاج ما يوجد ذلك إلى مادة وموضوع أصلا، وهي الأشياء المفارقة التي هي في جواهرها عقول ومعقولات، وعند كرة القمر ينتهي وجود الأجسام السماوية، وهي التي بطبيعتها تتحرك دورا( ).
وأما مراتب الوجود، فقد صورها الفارابي في كتابه (فصوص الحكم) حيث قرر أن للوجود مراتب ست هي:
- الوجود الأول: وهو خاص بالذات الإلهية.
- الوجود الثاني: وهو عقول الأفلات الثمانية.
- الوجود الثالث: وهو للعقل الفعال.
- الوجود الرابع: وهو وجود النفس.
- الوجود الخامس: صور الكائنات المادية.
- الوجود السادس: صور المادة.
والمراتب الثلاث الأولى -الله وعقول الأفلاك والعقل الفعال- ليست أجساما ولا في أجسام، أما الأخيرة وهي -النفس، والصورة، والمادة- فيه تلابس الأجسام( ). وهذه الوجودات كما يذكرها الدكتور/ البهي جاء وفق ما قرره (برقلس) ( ).
والواقع أن نظرية الفيض أو الصدور، أو العقول العشرة ، نظرية متهافتة وهي في أساسها فلكية طبيعية ، وقد ازداد تهافتها باستخدامها في الإلهيات . وقد انقضى الزمن الذي كانت تفسر فيه حركات الأفلاك تفسيرا غيبيا أسطوريا بعد أن كشف نيوتن قانون الجذب العام ( ) . وأهم من ذلك فإنها تتعارض مع الإسلام ، وذلك كما يبدو أن هذه النظرية تؤدي إلى القول بأن العالم مثل المبدِع ، لأن ما يصدر عن المبدِع صدورا ضروريا فهو مثله في الذات ، فالعالم إذن مظهر للمبدِع ، وهما ليسا في حقيقتهما إلا شيئا واحدا ، وهذا هو مذهب وحدة الوجود . وأن العقل الأول قبل أن يفيض من المبدِع، فإنه لا يخلو من أن يكون إما مستكنا في ذات المبدِع مع مغايرته لها ، وإما كان جزءا منها . وكلا الإحتمالين يؤدي إلى نفي البساطة المبدِع . وبالإضافة إلى ذلك ، فإن القول بهذه النظرية تؤدي إلى القول بقدم العالم من ناحية ، لأنه فائض من القديم ، وإلى نفي الإرادة والإختيار عن المبدِع ، مادام العلم قد وجد عن طريق اللزوم من ناحية أخرى .
ويرى أفلوطين أن القول بقدم العالم على ما قال أرسطو يقود إلى الكفر ، وأن القول بخلق العالم حسب ما وردت به الروايات الدينية مناقض للفلسفة ، فأراد أن يلفّق مذهبا لا يثير رجال الدين ، ولا يخالف الفلسفة في الظاهر ، فتبنّى رأى أفلاطون في الفيض بعد أن خرج به من نطاق الفلسفة إلى نطاق الدين ، فقال : إن الوجود الأول هو الله. إن الله يتأمل ذاته فيعقل بذلك نفسَه (يعلم إنه موجود) حينئذ يفيض أو يصدر عنه كائن واحد هو (العقل) الأول . هذا العقل هو صورة الله ولكنه ليس الله نفسَه . ويعود هذا العقل الأول فيتأمل ذاته فيصدر عنه كائن آخر هو (النفس الكلية) التي تملأ العالم . وترجع النفس الكلية بالتأمل في العقل الأول فيفيض منها كوائن متعددة هي نفوس الكواكب ... ثم يستمرّ الفيض فيصدر عن كل كائن كائنات أخر أقلّ شبها بالعقل الأول المطلق (البريء من المادة) وأكثر صلة بالمحسوسات ، حتى تفيض الهيولي ، وهي أدنى دركات الفيض لأنها مادة مطلقة فوضى لا صورة لها ألبتّة. وهكذا نلاحظ أن الفيض إنما هو تسوية بين الروايات الدينية في خلق العالم وبين الرأي الفلسفي ورأي أرسطو على الأخص ( ) .
وأما ابن سينا فيصور ذلك بقوله: "إن العقل الأول بذاته ممكن الوجود، وبالأول واجب الوجود، ووجوب وجوده بأنه عقل، وهو يعقل ذاته ويعقل الأول ضرورة، فيجب أن يكون فيه من الكثرة معنى عقله لذات ممكنة الوجود في حد نفسها، وعقله وجوب وجوده من الأول المعقول بذاته، وعقله الأول، وليست الكثرة له عن الأول، فإن إمكان وجوده أمر له بذاته لا يسبب الأول. بل له من الأول وجوب وجوده، ثم كثرة أنه يعقل الأول ويعقل ذاته، كثرة لازمة لوجوب حدوثه عن الأول( ).
ويلاحظ أن فيض الموجودات عن المبدأ الأول عندهم عملية ضروية لازمة لذات الواجب، وابن سينا يقول بذلك صراحة. ويترتب على هذا القول أن يكون واجب الوجود فاعلا بالاضطرار وهذا يتنافى مع وصف يعتبر من أخص خصائص الذات الإلهية، وهو (الإرادة)، ذلك الوصف الذي يخصص إيجاد أو إعدام الممكن في وقت دون غيره، والقرآن الكريم قد اشتمل على بعض الآيات التي تبرز هذا الوصف وتقرره، مثل قوله تعالى: (قَلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْر إِنَّكَ عَلَى كُلَّ شَيْءٍ قَدِيْر) وقوله تعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) وقوله تعالى (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيْدُ).
وخلاصة قول الفلاسفة -من أمثال الفارابي وابن سينا- في ذلك : إن العالم موجود عن الباري تعـالى – أو واجب الوجود بذاته – على سبيل الوجوب واللزوم ، لا بمعنى أنه لم يكن ثم كان ، بل بمعنى أنه وجب وجوده بوجود ذات البـاري ، فلم تتقدمه ذات الباري بالزمان ، وإنما تقدمت عليه بالذات ، تقدم العلة على المعلول . وحجتهم في هذا ، هي أن العالم إذا كان ممكنا في ذاته ووجد بغيره ، فقد وجب به ، وهذا حكم كل علة ومعلول ، وسبب ومسبب ، فإن المسبب أبدا يجب بالسبب ، فيكون جائزا باعتبار ذاته واجبا باعتبار سببه ، ثم السبب يتقدم المسبب بالذات وإن كانا معا في الوجود ، وذلك مثلما تقول تحركت يدي فتحرك المفتاح في كفي ، ولا يمكنك أن تقول تحرك المفتاح في كفي فتحركت يدي ، وإن كانت الحركتان معا في الوجود ( ) .
ولا نجد فرقا كبيرا بين رأي الفارابي وابن سينا في هذه النظرية غير أن ابن سينا يرى أن لكل عقل ثلاث تعقلات هي: تعقله لمصدره وعن هذا يصدر العقل الذي يليه، وتعقله لذاته من حيث كونه واجب الوجود بغيره، وعن هذا التعقل يصدر نفس الفلك، وتعقله لذاته من حيث كونه ممكنا في ذاته ويصدر عنه حيئنذ جرم الفلك. أما الفارابي فيرى بالثنائية فقط، هي تعني عنده المصدر والذات، ولكن في نهاية المطاف يصل كل منها إلى العقل العاشر (العقل الفعال)، فالخلاف بينهما في درجات التعقل لا في مضمون النظرية.
وقد اعترض على هذا الرأي (الكندي) فقرر بأن العالم حادث، لأنه من إبداع الفاعل الأول، والإبداع هو الخلق من العدم أو على حدّ قوله : " تأييس الأيسات عن ليس " ( ) . فالعالم محدَث من لا شيء ضربة واحدة في غير زمان ومن غير مادة ، وهذا كله صدر بفعل القدرة المبدِعة المطلقة من جانب علة فعالة أولى هي الله تعالى ، ووجود هذا العالم وبقاؤه ومدة هذا البقاء ، متوقفة كلها على الإرادة الإلهية الفاعلة لذلك، بحيث لو توقف الفعل الإرادي من جانب الله لانعدم العالم بضربة واحدة وفي غير زمان أيضا ( ) . ففسر الكندي كلمة "الخلق" من خلال فهمه لمعنى الآية (إِنَمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُوْلَ لَهُ كُنْ فَيَكُونْ)، وهذه الآية في رأي الكندي، كانت إجابة عن مافي قلوب الكفار من إنكارهم خلق السموات، ومرجع ذلك إلى ظنهم -أي الكفار- إلى أن فعل الإلهة يحتاج إلى مدة وزمان قياسا منهم على فعل البشر. وفي ذلك يقول الكندي: "ثم قال لما في قلوب الكافرين من الانكار من خلق السموات لما ظنوا من مدة زمان خلقها -قياسا على أفعال البشر- إذ كان عندهم عمل الأعظم يحتاج مدة أطول في عمل البشر، فكان عندهم أعظم المحسوسات أطولها زمانا في العمل. أنه جل ثناؤه، لا يحتاج إلى مدة لابداعه لأنه جعل (هو) من (لاهو)" ( ) .
والذي يميز الكندي عن المتكلمين هو طريقته في الاستدلال على حدوث العالم، فبينما نراهم يستخدمون طريقة إثبات حدوث الجواهر والأعراض تارة، وبرهان التسلسل والتطبيق نارة أخرى، نرى الكندي لا يقف عند هذا النمط من طرق الاستدلال، وذلك لأنه في نظره طريق جدلي. فبنى الكندي أدلته على ما أسماه (المقدمات الأولى الواضحة المعقولة بغير متوسط) وهي:
- أن كل الأجرام التي ليس منها شيء أعظم من شيء، متساوية.
- والمتساوية، أبعاد ما بين نهاياتها واحدة بالفعل والقوة.
- وذو النهاية ليس لا نهاية له.
- وكل الأجرام المتساوية، إذا زيد على واحد منها جرم، كان أعظمها، وكان أعظم مما كان من قبل أن يزاد عليه ذلك الجرم.
- وكل جرمين متناهي العظم، إذا جمعا، كان الجرم الكائن عنهما متناهي العظم، وهذا واجب في كل عظم وكل ذي عظيم.
- وأن الأصغر من كل شيئين متجانسين، بعد الأعظم منهما أو بعد بعضه( ) .
ويلاحظ أن رأي الكندي يشبه رأي أفلاطون في القول بفكرة الحدوث، وإن كانت الداوفع والغاية، ليست واحدة عند الإثنين، ذلك أنه فيلسوف إسلامي يرفض وجود شيء أيا كان قبل وجود هذا العالم الحادث. أما أفلاطون فيقول بشيه مادة سابقة على وجود هذا العالم، لينة وغير معينة، لا هي روحانية معقولة ولا مادية محسوسة، وهو يسميها (اللاموجود) أو (القابل) أي الذي يقبل فعل الممثل، بحيث ينشأ عن هذا الفعل عالمنا المادي المحسوس المتغير الزائل، وقد بين فكرته هذه في محاورة "طيماوس"( ) . ويقرر الكندي نفس ما رأي به أرسطو من التلازم بين الزمان، والحركة، والجرم، فعنده الزمان وجود الجرم، لأنه ليس للزمان وجود مستقل، والحركة هي حركة الجرم، وليس لها وجود مستقل كذلك، ولكن أرسطو لم يستطع أن يتخلص من وهم قدم الزمان الفلكي وقدم الحركة والمتحرك، بحيث لا نستطيع أن نعرف حقيقة استدلاله بينما نجد الكندي الفيلسوف الإسلامي يقرر بداية الزمان، مخالف في ذلك أرسط وهو إثباته يطبق مبدأ استحالة اللاتناهي الفعلي تطبيقا دقيقا، ولذلك كان مذهبه –أي الكندي- بعدا عن الوهم الذي وقع فيه أرسطو، كما أن هناك فجوة عميقة ما ذهب إليه أرسطو من أن الإله عنده فكرة مجردة لا شأن لها بالعالم، وبين عالم مادي، أما الكندي فإنه يرى أن العالم صنع إله حكيم وأنه منتهى لامره( ) .
وأما ابن رشد ، فقد أوضح رأيه في مسألة قدم العالم أو حدوثه في كتابه "فصل المقال" حيث قال: "وأما مسألة قدم العالم أو حدوثه، فإن الاختلاف فيها عندي بين المتكلمين من الأشعرية، وبين الحكماء المتقدمين بكاد يكون راجعا للإختلاف في التسمية، وبخاصة عند بعض القدماء، وذلك أنهم اتفقهوا على أن ههنا ثلاثة أصناف من الموجودات: طرفان، وواسطة بين الطرفين، فاتفقوا في تسمية الطرفين، واختلفوا في الواسطة ... فالمذاهب في العالم ليست تتباعد كل التباعد حتى يكفر بعضها ولا يكفر( ) .
وحاول ابن رشد أن يوفق بين رأي أرسطو في قدم العالم ورأي علماء الكلام، حيث ذهب إلى أن الخلاف بين الرأيين لا يعدو أن يكون لفظيا ، لأن الموجود على ثلاثة أنواع ، الأول : موجود محدَث، وهو ما يشاهد في العالم من الأشياء المتغيرة . والثاني : موجود قديم باتفاق الكل وهو الله تعالى . والثالث: موجود فيه شبه من الحادث والقديم وهو العالم ، فشبهه للحادث لاحتياجـه إلى علة ، وشبهه للقديم لوجوده من غير مادة سابقة ولا زمان ( ) . إذن فالعالم عنده محدَث من حيث أنه معلول (عن الله ) ، وأنه قديم باعتبار أنه وجد عن الله  منذ الأزل (من غير تراخ في الزمن) ، أو بعبارة أخرى أن العالم بالإضافة إلى الله  محدَث ، وأما بالإضافة إلى أعيان الموجودات فقديم ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن ابن رشد يعتقد بقدم العالم بالمعنى الفلسفي ( ) .
وأما مراتب الموجودات فيرى ابن رشد أن أعلاها الذات الإلهية ثم تليها الأعراض المجردة (عقول الأفلاك)، ثم الصور الخالصة، ثم الصورة الجوهرية أو المادية وأدناها الهيولانية، وهي كلها تؤلف سلسلة واحدة متصلة بعض أجزائها فوق بعض( ) .
والله أعلم بالصواب

Tuesday, December 29, 2009

العصمة الشيعية وموقف أهل السنة منها - الزيدية، الإمامية- الإسماعيلية-

العصمة الشيعية وموقف أهل السنة منها
الدكتور/ كمال الدين نور الدين مرجوني
إنه ليشرفني أن أتقدم بالدراسة لهذه القضية - أي قضية العصمة - في الفكر الشيعي ، حيث إن فكرة العصمة في حدّ ذاتها قضيـة مهمة وخطيرة اهتم بها أهل السنة والشيعة معا ، ولكنهم اختلفوا في التفاصيل ، إذ جعل أهل السنة العصمة للأنبياء دون غيرهم، وأما الشيعة فقد جعلوها للأنبياء وسائر أئمتهم ، وهي شرط من شروط الإمامة .. وهى من المبادئ الأولية في كيانها العقدي . ويزعمون أن علّة جَعْل العصمة شرطاً للإمامة هو أن أفراد الأمة كلها يمكن أن يقع منها ما يُنافي مقام الإمامة في نيّة أو قول أو عمل ، أما المعصوم الذي صارت العصمة ملكة ذاتية واجبة فيه فلا يمكن أن يقع منه ما يُنافيها ، فاحتمال الوقوع يمنع صاحبه من مقام الإمامة ويخصّها بالمعصوم فقط ، لكونه هو وحده مأمون الجانب دائماً ، وبهذا التأمين استحق منصب الإمامة الدينية في الإسلام .
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا ، هل الشيعة على فرقها المختلفة – زيدية ، إمامية ، إسماعيلية – يعتقدون بالعصمة – أي عصمة أئمتهم – ؟ هذا هو موضوع البحث، وقبل أن نعرض آراءهم في هذه القضية يجدر بنا الإشارة إلى أن الشيعة مرت على ثلاث مراحل وهي كالآتي :
المرحلة الأولى : كان التشيع عبارة عن حب علي – رضي الله عنه – وأهل البيت بدون انتقاص أحد من إخوانه صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم.
المرحلة الثانية : ثم تطور التشيع إلى الرفض وهو الغلو في علي – رضي الله عنه –وطائفة .
المرحلة الثالثة : تأليه علي بن أبي طالب والأئمة من بعده ، والقول بالتناسخ ، وغير ذلك من عقائد الكفر والإلحاد المتسترة بالتشيع والتي انتهت بعقائد الباطنيـة الفاسدة .
وتضم الشيعة ثلاث فرق رئيسية ، وينص على ذلك أحد كبار أئمة الزيدية الإمام أحمد بن يحيى المرتضى (تـ840هـ) ، بقوله : " والشيعة ثلاث فرق : زيدية ، وإماميـة ( إثنى عشرية) ، وباطنية (إسماعيلية) " ( ) .
وقد أطلق على الإثنى عشرية والإسماعيلية بـ " الإمامية " ، إضافة إلى تسمية الإثنى عشرية بـ " الرافضة " ، وذلك لرفضهم ثورة الإمام زيد ودعوته للخروج على والي العراق في عصره وهو يوسف بن عمر الثقفي . يقول نشوان الحميري الزيدي المعتزلي (تـ573هـ) ( ) : " وسميت الرافضة من الشيعة رافضة ، لرفضهم زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وتركهم الخروج معه ، حين سألوه البراءة من أبي بكر وعمر ، فلم يجبهم إلى ذلك ( ) . ولعل هذا الذي جعل الجاحظ من المعتزلة يقسم الشيعة إلى فرقتين ، إذ يقول : " اعلم رحمك الله أن الشيعة رجلان : زيدي ورافضي ، وبقيتهم بدد لا نظام لهم " ( ) . ويبدو أنه كان يقصد بالرافضة هنا فرقتين من الشيعة : الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية .
فعلى هذا الأساس ، أخطأ من ذهب إلى إطلاق لفظ (الرافضة) على جميع فرق الشيعة من غير استثناء ، فقالوا بأن كل من عرف بتشيعه فهو رافضي ، كما ذهب إليه عبد القاهر البغدادي الأشعري ، حيث يقول : " وأما الروافض ، فإن السبئبية منهم أظهروا بدعتهم في زمان عليّ  ، فقال بعضهم لعليّ : أنت الأمة فأحرق عليّ قوما منهم ونفى ابن سبأ إلى ساباط المدائن ، وهذه الفرقة ليست من فرق أمة الإسلام لتسميتهم عليّا إلها ، ثم افترقت الرافضة بعد زمان عليّ  أربعة أصناف : زيدية ، وإمامية ، وكيسانية ، وغلاة " ( ) . وتابعه في ذلك أبو المظفر الإسفرايني الأشعري ، حيث قال : " إن الروافض يجمعهم ثلاث فرق : الزيدية ، والإمامية ، والكيسانية " ( ) .
وقد أشار إلى هذا الخطأ الإمام الزيدي أحمد بن موسى الطبري (ت340هـ) ( ) ، فقال : " وأما قول الحشوية للشيعة : إنهم روافض ، فهم غير مصيبين في هذا القول ، إنما الروافض هم الإمامية ، رفضوا زيد بن علي  بعد البيعة له ..والإمامية فرق كثيرة ، منهم : القرامطة " ( ) . ويقول في موضـع آخـر : " الإماميـة بين الموسوي والإسماعيلي " ( ) .
وقد أكد الإمام صالح المقبلي (تـ1108هـ) ( ) على أن الزيدية ليست من الرافضة ولا من غلاة الشيعة ، فقال : " إن الزيدية ليسوا من الرافضة ، بل ولا من غلاة الشيعة في عرف المتأخرين ، ولا في عرف السلف ، فإنهم الآن مستقر مذهبهم الترضي على عثمان ، وطلحة ، والزبير وعائشة  فضلا عن الشيخين " ( ) .
والآن نعود إلى نقطة دراستنا وهي العصمة الشيعية وموقف أهل السنة منها ، ولمنهجية هذا البحث فنقوم بتقسيمها إلى خمس نقاط هي :
أولا : فكرة العصمة وتاريخها .
ثانيا : تعريف العصمة عند أهل السنة وفرق الشيعة .
ثالثا : عصمة الأئمة عند الفرق الشيعية – زيدية ، إمامية ، إسماعيلية .
رابعا : موقف الزيدية من عصمة الأئمة عند الإمامية والإسماعيلية .
خامسا : موقف أهل السنة من عصمة الأئمة عند الشيعة .
وفيما يلي بيان البحث بالتفصيل مستعينا بالله العلي العظيم .

أولا : فكرة العصمة وتاريخها
اتفقت الأمة على عصمة الأنبياء والرسل دون غيرهم في التبليغ عن الله . غير أن الشيعة جعلوا العصمة للأئمة ، فهي من أهم الأمور في العقائد الدينية عندهم ، حيث نجدهم لم يمدّدوا عصمة الأنبياء والمرسلين إلى أئمتهم فحسب ، بل إنهم أضافوا إلى عصمة أئمتهم من الإضافات ، لذلك جعلوها شرطا أساسيا في الإمامة ، حتى صارت وصفا ملازما لها . والقول بالعصمة جاءت أولا من غلاة الشيعة ، ولم يكن يسلّم به الأئمة الأوّلون ، ثم زاد القول في آخر الدولة الأموية ، وكانت العصمة مسلكا من مسالك الدعوة لآل البيت ( ) .
ويبدو أن السبب الذي أدّت الشيعة إلى القول بعصمة الأئمة ، هو أنه عندما كفروا الصحابة ، وجرحوا في عدالتهم ، وأصبحت سنة رسول الله  التي جاءت عن طريقهم غير ذات جدوى ، ولا قيمة لها بعد التشكيك في أصحاب الرسول  ، وجدوا الحاجة ماسة إلى من يشرع لهم ما يعفيهم من اللجوء إلى الأحاديث النبوية ، فكانت فكرة الإمام (المعصوم) هو البديل الذي سيقوم بتغطية العجز ، وإعطاء ما يحتاج إليه المذهب من المواعظ والحكم .
ولا شك أن هذا عبء يتطلب من الإمام أن يتحلى بصفة العصمة ، لأنه لا مبرر للأخذ بكلامه كعقيـدة، ما لم يكن خاليا من الخطأ ، معصوما من الزلل ، فقالوا بعصمته . وأخطر من ذلك أن قولهم بالعصمة يؤدي إلى الاعتبار بأن ما يصدر عن الأئمة الشيعية هو كقول الله تعالى ورسوله ، ولذلك فإن مصادرهم في الحديث تنتهي أكثر أسانيدها إلى الإمام دون الوصول إلى رسول الله  .
ومن هنا ، أشار دون لدسن إلى أن العصمة فكرة شيعية أصيلة لم تتطرق إليها الأسفار الدينية المسيحية واليهودية ، ولم يقل بها المسلمون الأوّلون في جدالهم المسيحيين ، وأن القرآن نفسه لم يذكر عصمة الأنبياء ( ) . ولكن القاضي عبد الجبار يرى أن مبدأ العصمة قد يكون ورثته الشيعة عن المذهب المجوسي ، ذلك أن المجوس تدّعي في منتظرهم الذي ينتظره أصحابه أنهم لا يكذبون ، ولا يعصون الله ، ولا يقع منهم خطيئة صغيرة ولا كبيرة ( ) .
وإذا كان الأمر كذلك ، فمن الذي يقرر هذه العقيدة من الشيعة لأول مرة ؟ اختلف العلماء في الإجابة على هذا السؤال إلى رأيين :
الرأي الأول :
ذهب بعضهم إلى أن القول بعصمة الأئمة إنما ظهر على يد عبد الله بن سبأ ، وأشار إليه الإمام ابن تيمية بقوله : " أول ما ابتدعت مقالة الغالية في الإسلام من جهة بعض من كان دخل في الإسلام وانتحل التشيع ، وقيل: إن أول من أظهر ذلك عبد الله بن سبأ ... وحينئذ ابتدع القول بأن عليّا إمام منصوص على إمامته ، وابتدع أيضا القول بأنه معصوم " ( ) .
والرأي الثاني :
ذهب بعضهم إلى القول بأن الكلام عن العصمة بدأ من هشام بن الحكم ، حيث نقل الشهرستاني قول هشام أنه كان يجيز على الأنبياء العصيان مع قوله بعصمة الأئمة ، ذلك لأن النبي يوحي إليه فينبه على وجـه الخطأ، والإمام لا يوحي إليه فتجب عصمتـه ( ) . وإليه ذهب القاضي عبد الجبار ، فيرى أن القول بعصمة الإمام وأنه لا يجوز عليه الخطأ والزلل في حال من الأحوال ، ولا يلحقه سهو ولا غفلة .لم يعرف في عصر الصحابة والتابعين لهم إلى زمن هشام بن الحكم ، حيث ابتدع هذا القول ( ) . وقد أكد ذلك الباحثـون المعاصرون ( ) . ويلاحظ الدكتور ضياء الدين الريس ، أن هشاما لم يكن أول من قال بالعصمة فقط ، بل أنه أول من قرّر مجمل باقي العقائد الإمامية في صورة علمية منظّمة ، كإثبات نظرية النص ( ) .
وهكذا ، اختلف العلماء في تحديد الحقبة الزمنية التي نشأت فيها عقيدة العصمة ، فالرأي الأول ترجع فكرة العصمة إلى عليّ بن أبي طالب على يد عبد الله بن سبأ ، وأما الرأي الثاني فترجعها إلى عهد الصّادق على يد هشام بن الحكم . ونرى من جهتنا رجحان الرأي الأول ، لأن عبد الله بن سبأ يعتبر أول من قال بالعصمة وكذا القول بالنص كما قلنا في الفصل السابق ، وأما هشام بن الحكم فيعتبر أول من نظم نظرية الشيعة ، فليس هو من قال بالعصمة لأول مرة .
وبعد عرضنا لفكرة العصمة الشيعية وتاريخها ننتقل الآن إلى الحديث عن معنى المراد بالعصمة ، سواء كان من أهل السنة أو من الشيعة على فرقها المختلفة – زيدية ، إمامية ، إسماعيلية .
ثانيا : تعريف العصمة عند أهل السنة والفرق الشيعية
والعصمة لغـة : هي المنع ، وعصمة الله عبده : أن يعصمه مما يوبقه ، وعصمه يعصمه عصما : منعه ووقاه . والعصمة : الحفظ ، واعتصم بالله أي امتنع بلطفه من المعصية ( ) .
وأما في الاصطلاح ، فقد اختلف أقوال المذاهب والفرق في التعريف بها :
تعريف أهل السنة :
اختلف أهل السنة في التعريف بالعصمة إلى قولين : فقول عرفها بأنها ملكة أو لطف يفعله الله بالمعصوم مع بقاء اختياره . وقول عرفها بأنها خاصية في النفس أو البدن ، بحيث يمتنع عن المعصوم الذنب . ويحدثنا ذلك الإمام فخر الدين الرازي الأشعري ، حيث يرى انقسام العلماء في التعريف بالعصمة فمنهم على حدّ قوله : " من زعم أن المعصوم هو الذي لا يمكنه الإتيان بالمعاصي ، ومنهم من زعم أنه يكون متمكنا منها . والأوّلون منهم من زعم أن المعصوم هو المختص في بدنه أو نفسه بخاصية تقتضي امتناع إقدامه على المعاصي ، ومنهم من ساعد على كونه مساويا لغيره في الخواص البدنيـة ، لكن فسر العصمة بالقدرة على الطاعة ، وهو قول الحسن الأشعري . والذين لم يسلبوا الاختيار فسروها بأنه الأمر الذي يفعله الله تعالى بالعبد ، وعلم أنه لا يقدم مع ذلك الأمر على المعصية ، بشرط ألا ينتهي فعل ذلك الأمر إلى حدّ الإلجاء " ( ) . ويقول صاحب المواقف عن حقيقة العصمة : " وهي عندنا أن لا يخلق الله فيهم ذنبا ، وعند الحكماء ملكة تمنع عن الفجور ، وتحصل بالعلم بمثالب المعاصي ، ومناقب الطاعات ، وتتأكد بتتابع الوحي بالأوامر والنواهي ، والاعتراض على ما يصدر عنهم من الصغائر ، وترك الأولى ، فإن الصفات النفسانية تكون أحوالا ثم تصير ملكات بالتدريج ، وقال قوم تكون خاصية في نفس الشخص أو في بدنه يمتنع بسببها " ( ) .
تعريف الشيعة الزيدية :
وأما الشيعة الزيدية ، فالعصمة – على حدّ قول الإمام أحمد الشرفي الزيدي (تـ1055هـ) – هي : " رد النفس عن تعمد فعل المعصية أو تعمد ترك الطاعة مستمرا ، أي يمنع نفسه من فعل المعصية ، وترك الطاعة عمدا أبدا ، وذلك لحصول اللطف الحامل على ذلك ، وحصول التنوير للقلب عند عروضها ، أي عروض الطاعة والمعصية " ( ) . فهي تأييد إلهي يساعد العبد على ترك المعاصي ، ولكن لا تجبره على ذلك ، ولذلك لا تتنافى مع الاختيار ، كما أنها لا تتعلق بالخطأ ، أو السهو ، أو النسيان ( ) . وإنما تتعلق برجس الذنوب ( ) .
ومن هنا ، يرى الزيدية أن الأنبياء معصومون عن النسيان والخطأ والغفلة والسهو في التبليغ ، وأما في غير التبليغ فغير معصومين ، لأن الله  قد اختارهم لتبليغ رسالته وأداء أمانته ، ولا يجـوز أن يرسل من ينسى شيئا من تبليغ الرسالة أو يسهو عنها أو يكذب ( ) .
تعريف الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية .
وأما عند الشيعة الإمامية الإثنى عشرية ، فتعريفها على حدّ قول الشيخ المفيـد (تـ413هـ) إنها : " الامتناع بالاختيار عن فعل الذنوب والقبـائح عند اللطف الذي يحصل من الله تعالى في حقـه ، وهو لطف يمتنع من يختص به عن فعل المعصية ولا يمنعه على وجه القهر ، أي لا يكون له حينئذ داع إلى فعل المعصية وترك الطاعة مع القدرة عليها " ( ) . وفي نفس المعنى يقول الشريف المرتضى (تـ436هـ) ( ) : " العصمة هي اللطف الذي يفعله الله تعالى ، فيختار العبد عنده الامتناع من فعل القبيح ، فيقال على هذا : إن الله تعالى عصمه بأن فعل له ما اختار عنده العدول عن القبيح ، ويقال : إن العبد معصوم ، لأنه اختار عند هذا الداعي الذي فعل له الامتناع من القبيح " ( ) . والعصمة عندهم مطلقا ، فتتعلق بالخطأ والسهو والنسيان وغيرها ( ) ، لذلك قالوا إنه لم يعرف عن الإمام عليّ  أنه أخطأ في تصوّره أو وقع في خطأ وزلة ( ) .
ويحدثنا الإمام أحمد بن يحيى الرتضى الزيدي (تـ840هـ) عن رأي الزيدية والإمامية الإثنى عشرية في العصمة ، فيقول : " ولا تبطل – الإمامة – بالخطأ والنسيان خلاف الإمامية ، وجوزوا الصغائر على الأنبياء لا على الأئمة " ( ) . ولا خلاف في هذه النقطة بين الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية كما يتضح فيما بعد .
والملاحظ من كل هذه التعريفات أن تعريف العصمة عند الزيدية والإمامية يتفق ظاهرا مع القول الأول لأهل السنة وهو التعريف الذي أثبت للمعصوم الاختيار . وكذلك اتفقوا على أن العصمة لطف من الله  للمعصوم ، إلا أن الزيدية والإمامية يقولون بوجوب ذلك على الله ( ) . وأما أهل السنة فيرون أن اللطف تفضّل من الله تعالى للعباد ، وليس واجبا عليه  . فقالوا إن اللطف هو خلق قدرة على الطاعة ، وذلك مقدور لله تعالى أبدا ( ) .
وهذا يعني أن اللطف منحة يمنحها الله  لمن يشاء من عباده ، وأنه تعالى غير ملزم بمنح هذا اللطف أصلا . ويذهب إلى هذا القول من الزيدية الإمام القاسم بن محمد (تـ1029هـ) والإمام أحمـد الشرفي (تـ1055هـ) ويحكيان أن مذهب أهل البيت لا يقول بهذا الوجوب على الله ( ) .
فيما سبق تحدثنا عن تعريف العصمة عند أهل السنة والشيعة على فرقها المختلفة ، أما الآن فسنتكلم عن مكانة العصمة وضرورتها عند الشيعة .
ثالثا : عصمة الأئمة عند الفرق الشيعية
عصمة الأئمة عند الإثنى عشرية والإسماعيلية .
اتفقت الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية على ضرورة وجود الإمام المعصوم المنصوص عليه من نسل عليّ بن أبي طالب ، لأن العصمة من المبادئ الأولية في كيانهم العقدي ولها أهمية كبرى عندهم ، إذن فلا بد أن يكون الإمام معصوما ( ) ، يقول الداعي علي بن الوليد الباطني (تـ612هـ) : " وأصل الدين والشرع محمول على التعلّم والعصمة " ( ) . وذلك قياسا على النبي ، يقول الشيخ محمد رضا المظفر – إمامي معاصر – : " إن الإمام كالنبي ، يجب أن يكون معصوما من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن ، من سن الطفولة إلى الموت ، عمدا وسهوا ، كما يجب أن يكون معصوما من السهو والخطأ والنسيان ، لأن الأئمة حفظة الشرع والقوّامون عليه حالهم في ذلك حال النبي " ( ) .
إذن ، فإنهم يرون أن للإمام جميع ما في النبيّ من صفات ومؤهّلات ، وله ما للنبيّ على الناس من ولاية وسلطان ، ولا يفترق عنه في شيء إلا في نزول الوحي ، على أن الإمام قد أخذ عن الرسول ما نزل عليه من ربّه ، والنتيجة الحتمية لذلك أن الإمام بهذا المعنى معصوم لا محـالة تماما كالنبي ، وأن من نفى عنه العصمة فقد نفى عنه الإمامة ، كما هي الحال بالقياس إلى النبوة ( ) .
إذن ، - في رأيهم - فإذا ما ثبت أن الأنبياء معصومون ، فإن الأئمة أيضا معصومون لاشتراكهم في العلة التي من أجلها خلقهم الله . يقول دونا لدسن : " فإن الشيعة الناقمين لكي يثبتوا دعوة الأئمة ... أظهروا عقيدة عصمة الرسل بصفتهم أئمة أيضا " ( ) . فيعتقدون أن الفرع مشارك للأصل في الأحكام ، لذا اعتقدوا العصمة في الأئمة بناء على أنهم خلفاء المعصوم ( ) .
والأئمة في نظر الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية ليسوا معصومين من الكبائر والصغائر فقط ، بل من كل شيء ، وبهذا فإنهم أثبتوا العصمة المطلقة للأئمة ، ومن أقوال الإمامية الإثنى عشرية في ذلك يقول السيد محسن الأمين الحسيني العاملي : " يجب في الإمام أن يكون معصوما من الذنوب والخطأ والنسيان كالنبي ، وأن يكون متصفا بجميع الكمالات منزها عن جميع النقائص ، وأن يكون أفضل أهل زمانه " ( ) . ويقول ابن المطهر الحلي (تـ726هـ) : " لابد من إمام منصوب من الله تعالى ، معصوم من الزلل والخطأ ، لئلاّ يترك بعض الأحكام أو يزيد فيها عمدا أو سهوا " ( ) .
وأما أقوال الإسماعيلية الباطنية في العصمة ، فيقول الداعي أحمد النيسابوري : " لم يكن لأحد مثلها من الطهارة ، والأخلاق المرضية ، والجود ، والسخاء ، والحلم ، والشجاعة مما لا يمكن لأمثالنـا تعداده ، ثم البعـد والعصمة عن كل ذنب وعيب ونقص " ( ) . وفي موضع آخر يقول إن الأئمة : " معصومون عن الفسق ، والفجور، والطغيان ، والانفلات ، والعدوان ، لأنه تعالى طهرهم من كل دنس وعيب " ( ) .
وقد ورد في كتـاب ( المجالس والمسايرات ) قول للمعز لدين الله ( ) : " فالحمد لله الذي منّ علينا بالعصمة ، ولم يجعل لنا فيما حرّمه علينا من شهوة " ( ) .
ويتبدى لنا من خلال هذه الأقوال مدى نظرتهم إلى الإمام وعصمته ، فالإمام عندهم لا بد أن يكون معصوما كالنبي  بلا فرق ، لأنه حافظ للشرع والمنفرد بالتبليغ عن الله  بعد رحيل النبي  ، وأنه وحده مصدر العلم . إلا أنه لا يتلقى الوحي ، وهذا الأخير ما يميزه عن النبي  .
ومن الأدلة التي استدل بها الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية على وجوب العصمة للأئمة قوله :  إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا  ( ) .
فقالت الشيعة في تقرير الاستدلال بهذه الآية : " إن المفسرين أجمعوا على نزول هذه الآية في حق عليّ وفاطمة والحسن والحسين  ، وهي تدل على عصمتهم دلالة مؤكدة ، وغير المعصوم لا يكون إماما " ( ) . ذلك – في رأيهم – أن تلك الآية صريحة في عصمتهم عن المعاصي كما يثبت من كلمة (إنما) ، وهي من أقوى أدوات الحصر والدلالة على الاختصاص ( ) . يقول ابن المطهر الحلي الإمامي (تـ726هـ) : " وفي هذه الآية دلالة على العصمة ، مع التأكيد بلفظ (إنما) ، وبإدخال اللام في الخبر ، والاختصاص في الخطاب بقوله (أهل البيت) ، والتكرير بقوله (يطهركم) والتأكيد بقوله : (تطهيرا) ، وغيرهم ليس بمعصوم ( ) . ويقول الفيض الكاشاني المفسر الإمامي (تـ1091هـ) ( ) في تفسيره المسمى بـ (الصافي) عن الإمام الباقر : " نزلت هذه الآيـة في رسول الله  وآله، وعليّ بن أبي طالب ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين عليهم السلام في بيت أم سلمة ( ) .
وفي موضع آخر ورد في أحد كتاب للباطنية ومؤلفه مجهول (مسائل مجموعة من الحقائق العالية والدقائق والأسرار السامية)، قوله عن تأويل هذه الآيـة موضحا عصمة الإمام وأن أمهات الأئمة منـزّهة عن الطمث : " يعني بالرجس دم الطمث ، وإذا كملت مدّة حمل الجنين ظهر ذلك الشخص مولودا مثل أولاد البشر ، إلا أن فيه من الصفاء والإشراق والنور والضياء ما يفوق الوصف ، مع أنه جسم ... ولا يكون ظهور المعجزات منه وإبداء الآيات الباهرات إلا بعد أن ينص عليه والده ، ويتصل به المادّة بوساطة من العقل الأول بوساطة العاشر " ( ) .
ومن ذلك كله ، يذهب الشيعة إلى عصمة الأئمة ، لطهارتهم من الذنوب ، سواء كانت كبيرة أو صغيرة. فهم معصومون عن الذنب سهوا أو عمدا وما إلى ذلك من أقوال وادّعاءات .
واستدل الإسماعيلية الباطنية أيضا على عصمة الأئمة بقوله  :  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ  ( ) . فقد أوجب الله تعالى طاعة الإمام بهذه الآية ، ووصلها بطاعته وطاعة رسوله ، وكان في الحكمة غير موجود وصل الدرة بالبعرة ، ولا الشريف بالدنيء ، ولا الطاهر بالنجس ، كان من ذلك الإيجاب أن وصل طاعة الإمام بطاعة الرسول الإمام المعصوم لم يكن إلا لكونها مثلها ، وإذا كان وصل طاعة الإمام بطاعة الرسول المعصوم لم تكن لكونها مثلها ، وكان طاعة الرسول  وآله وافتراضها لعصمته ، وجب أن تكون طاعة الإمـام  لم تفترض إلا لعصمته ، إذا الإمام معصوم ( ) .
ومما سبق يتضح ، أن كل ما دل على وجوب النبوة ، فهو دال على وجوب الإمامة ، وبما أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون ، فالأئمة كذلك معصومون . والحقيقة ، أن العصمة التي نسبوها إلى أئمتهم كان الغرض منها تثبيت الروايات التي تتنافى مع العقل والمنطق ، والتي نسبت إلى الإمام كي يُسد باب النقاش في محتواها على العقلاء والأذكياء ويرغم الناس على قبولها ، لأنها صدرت من إمام معصوم لا يخطئ ( ) .
هذا هو رأي الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية في قضية العصمة ، وأما الزيدية فلها أقوال متفاوتة ومتباينة تجاه العصمة ، بالإضافة إلى مخالفتهم لفكرة العصمة عند الفرق الشيعية الأخرى ، ومن هنا جعلنا موضوع الفقرة التالية بموقف الزيدية من عصمة الأئمة عند الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية .
رابعا : موقف الزيدية من عصمة الأئمة عند الإثنى عشرية والإسماعيلية
كما سبقت الإشارة إلى أن الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية هم الذين ذهبوا إلى القول بالعصمة على الأئمة ، ذلك لاعتقادهم بأن الأئمة كالأنبياء ، فلا يصدر عنهم خطأ ، ولا يرتكب واحد منهم معصية ، وقد نص على ذلك ابن المطهر الحلي (تـ726هـ) ، فقال : " وذهب جميع من عدا الإمامية والإسماعيلية إلى أن الأنبياء والأئمة غير معصومين " ( ) .
والسؤال الذي يطرح نفسه ، هل يقول الزيدية بعصمة الإمام ، أم لا ؟ .
لا خلاف بين العلماء أن الإمام زيدا لم يقل بعصمة الإمام ، فلم ينسب واحد من مؤرخي الفرق إليه القول بهذه العقيدة ، لا بالنسبة لنفسه ، ولا بالنسبة لغيره من أئمة آل البيت ، بل إنهم يبرؤنه منها ، يقول الشيخ أبو زهرة : " إن الإمام زيدا يرى أن الإمام من بني فاطمة ، رجل ككل الناس ليس بمعصوم عن الخطأ ، وليس علمه فيضا ، ولا إشراقا ، بل علمه بالدرس والبحث ويخطئ ، ويصيب كغيره من الناس " ( ) . وقد أكد ذلك الدكتور علي سامي النشار واعتبر أن عدم القول بالعصمة أصل من أصول الإمام زيد في الإمامة ( ) .
وأما الزيدية كفرقة من فرق الشيعة ، فاختلف العلماء ، حيث ذهب بعضهم إلى أن الزيدية لا يعتقدون بالعصمة ، وهذا في رأيهم ما يميز الزيدية عن غيرها من الشيعة . وممن ذهب إلى هذا الرأي صاحب كتاب " مختصر التحفة الإثنى عشرية " ، إذ صرح بأن الزيدية لا يرون العصمة في الإمامة ، وهذا نص قوله : " والزيدية قاطبة لا يشترطون العصمة في الإمامة " ( ) . وكذا صرح الطوسي (تـ960هـ) بأن الزيدية : " لا يقطعون على عصمة زيد ، ولا يدّعون أن من شرط الإمام أن يكون مقطوعا على عصمتـه " ( ) . وقد أكد ذلك الدكتور عارف تامر الباطني المعاصر ، فقال إن الزيدية : " يرفضون العصمة ، والتقية ، وغيبة الإمام " ( ) .
ويتضح من هذه النصوص ، أن الزيدية لم يذهبوا إلى القول بعصمة الإمام ، مقتدين بذلك بإمامهم ومثلهم الأعلى زيد بن علي بن الحسين . إذن ، فإن عدم القول بالعصمة أصل من أصول الإمامة عند الزيدية ، فلم يدّع واحد منهم العصمة لنفسه .
ولما كانت الزيدية لا تعتقد بعصمة الأئمة ، فإن الشيخ علي عصفور قد استبعد أن تكون الزيدية ضمن فرق الشيعة ( ) . ومما يؤكد على نفي الزيدية العصمة للأئمة قول الإمام الهادي يحيى بن الحسين (تـ298هـ) عن خلع الإمامة:
" تزول إمامة الإمام أن يأتي بكبيرة من الكبائر والعصيان ، فيقيم عليها ولا ينتقل بالتوبة عنها ، فإذا كان كذلك وأقام على ذلك ، زالت إمامته ، وبطلت عدالته ، ولم تلزم الأمة بيعته ، وكان عند الله من المخذولين الملعونين المسخـوط عليهم الفاسقين الذين تجب عداوتهم وتحرم موالاتهم " ( ) .
ولكن الواقع ، أن الزيدية لم تتوحّد في الرأي تجاه العصمة ، فقد ذهب بعضهم – كمذهب الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية – إلى القول بعصمة الإمام ، إلا أنهم يشترطون أن تكون هذه العصمة ثابتة بعد الدعوة، وانتصاب الإمام ، وقيامه بمنابـذة الظالمين ، إذ لا طريق لإثبـاتها قبل ذلك ، وممن ذهب إلى هذا السيد أبو العباس الحسنى ( ) . وإليه يذهب الإمام أبو القاسم محمد بن القاسم الحوثي (تـ1319هـ) ، إذ يقول : "لم تقع العصمة بعد أهل الكساء إلا لجماعة العترة عليهم السلام ، إذ كانوا أهلا للإمامة بتأهيل الله لهم " ( ) .
ويتضح من هذا النص ، أن الأئمة الزيدية معصومون بلا فرق ، سواء كانوا من أهل الكساء أو غيرهم من الأئمة الزيدية .
وقد ذكر الإمام حميدان بن يحيى (تـ656هـ) عصمة الإمام عليّ بن أبي طالب ، وذلك حينما استوثق أحد من مذهب الزيدية عن عصمة عليّ  ، فقال : " أما قوله بعصمة عليّ  ، ففي معنى العصمة خلاف بين الزيدية المحقين وغيرهم ؛ فقول الزيدية المحقين إن الله سبحانه لما نص على أن عليا ولي المؤمنين وأمر نبيه أن ينص على أنه الخليفة من بعده ، علم لأجل ذلك أن الله سبحانه قد علم باعتصام عليّ  ، وتصديق الله واجب ، فلأجل ذلك وجب القطع على أن عليّا  معصوم باختياره . وغيرهم يزعم أن الله سبحانه يفعل للمعصوم ألطافا يعتصم لأجلها ، وفي ذلك إيجاب كون العصمة من الله سبحانه ، وإذا كانت منه لم يكن المعصوم فضل ، ولا أجر على اعتصامه " ( ) .
وذهب بعض الزيدية إلى حصر العصمة لأهل الكساء فقط ، يقول الإمام شرف الدين بن بدر الدين ( تـ 663هـ ) : " ولم تقع العصمة في من علمنا من ولد إبراهيم  إلا في محمد ، وعليّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين عليهم السلام " ( ) . ويظهر من هذا النص ثبوت العصمة لأهل الكساء فقط دون غيرهم من الأئمة الزيدية، إذن فالمعصوم عندهم هو النبي  ، وعليّ ، وفاطة ، والحسن ، والحسن .
وعلى الرغم من انتقاد الإمام محمد بن الحسن الديلمي (تـ711هـ) للإسماعيلية الباطنية في عصمة الأئمة، فإنه أثبت كذلك العصمة للأئمة الثلاثة – عليّ بن أبي طالب ، والحسن ، والحسين – . ويتضح ذلك من خلال مناقشته لنظرية (الظاهر والباطن) عند الإسماعيلية الباطنية ، وعلى وجه التحديد حينما يرد على قول الداعي إبراهيم بن الحسين الحامـدي (تـ557هـ) في (المبتدا والمنتهى) ( ) :
" إن التأويلات السبعة والسبعين والسبعمائة للفظ واحد ، يجوز أن يحمل على سبعة آلاف وأكثر " ، فيقول الإمام ردا علي هذا القول : " ومتى قالوا – أي الباطنيون – إنا نرجع إلى المعنى بقول الإمام المعصوم ، وما عداه من المعاني لا يجوز المصير إليه ، قلنا : إن هذا مبنيّ على عصمة الإمام ، ولا دليل على عصمة أحد من الأئمة بعد الثلاثة ، وإلا فلم الدلالة على ذلك " ( ) .
فيظهر من هذا النص ، ثبوت العصمة للأئمة الثلاثة : الإمام عليّ بن أبي طالب ، والحسن والحسين .
وفي موضع آخر يلاحظ الدكتور محمد حسن الكمالي اضطراب رأي الإمام أحمد بن يحيى المرتضى (تـ840هـ) عند سياقه الأدلة الزيدية القائلين بالعصمة ، فأثبت معهم العصمة لأهل الكساء دون غيرهم من الأئمـة ، مستدلا كما استدل غيره بقوله تعالى :  إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا  ( ) . والدلالة من الآية جاءت على النحو التالي :
1) إنها قاطعة ولا مناكرة بذلك .
2) إن المراد بالرجس الخطايا ، لأن الرجس في اللغة عبارة عن المستقذرات والمستقبحات في الأعيان ، والآية ليس لها معنى غير هذا ، فثبت عصمة هؤلاء من الخطايا .
3) إن المراد بأهل البيت علىّ والحسنان وفاطمة .
4) إن هذا يوجب عصمتهم ، ثم إن كل واحد منهم له أدلة منفردة تخصه ( ) .
ولكن تقرر رأى الإمام أحمد بن يحيى المرتضى(تـ840هـ) في النهاية بقطع العصمة للنبي  فقط دون غيره من أهل الكساء . وذلك بعد عرضه للأدلة ومناقشتها ، يقول في ذلك : " والحق عندي أن هذه الأدلة التي ساقها المثبتة للعصمة ظنية ، فالآية وإن كانت قطعية المتن ، لكن لا نعلم أن المراد بأهل البيت هم : عليّ ، والحسنان، وفاطمة إلا بأخبار أم سلمة وغيرها ، وكلها آحادية ، ولا تفيد القطع بأنهم المرادون بذلك ، وعليه فلا يفيد غير الظن ، وإذا لم نقطع بأنهم المرادون بذلك ،لم تقطع بأنهم المعصومون . وأما الأخبار التي وردت في عصمتهم فكلها أحادية ، إلا بخبر الموالاة فمقطوع بصحته ، لكن دلالته على العصمة مبنية على عموم الدعاء لأحواله وأوقاته ، وذلك غير قطعي ، إذ لا دليل قاطع على أن الرسول  أراد من الدعاء العصمة في كل أحواله ، وإنما نأخذ من ظاهر العموم والظواهر ، الدلالة الظنية لا القطعية ، ثم قال : فهذا الذي يترجح عندنا ( ) .
ونؤيد تلك الملاحظة ، إذ يقول الإمام أحمد بن يحيى المرتضى(تـ840هـ) في موضع آخر من كتابه ، وهو يقطع بعدم عصمة الإمام ، ذلك حين نقل كلام المؤيد بالله أحمـد بن الحسين بن هارون (تـ421هـ) : " ولا معصوم بعده  إلا عليّ ، والحسنان ، وفاطمة " فقال الإمام : "قلت : فيه نظر " ( ) . فيتبدى من قوله الأخير: " فيه نظر " أنه يقطع بعدم صحة القول بعصمة هؤلاء الأربعة . إذن ، فالإمامة في رأيه غير قائمة على العصمة .
ومما سبق يتضح أن بعض الزيدية يرون العصمة للأئمة ، فمنهم من قال بعصمة عليّ بن أبي طالب فقط ، ومنهم من قال بعصمة أهل الكساء ، ومنهم من قال بعصمة الأئمة كلهم . ولكن معظم الزيدية الذين يقولون بالعصمة ، يثبتونها لأهل الكساء فقط . وأن العصمة في رأيهم غير مطلق ، فلا تتعلق بالخطأ ، والسهو ، والنسيان –كما عليه الإمامية والإسماعيلية– . وأما في الفتيا أو المواقف السياسية والاجتماعية ، فالقول بعصمتهم لا يعني قطعا وجوب اتباع كل شيء عنهم ( ) .
وانطلاقا من وجود الاعتقـاد بالعصمة داخل المذهب الزيدي ، فيقوم الصاحب بن عبّاد الزيدي المعتزلي (تـ385هـ) بالرد عليهم . ويرى ملاحظا أن اعتقاد الزيدية في العصمة غير اعتقاد العصمة عند الإمامية ، إذ يقول : " إن الإمامية وبعض الزيدية ذهبوا إلى أن الإمام يجب أن يكون مأمون الباطن معصوما كالرسول  وآله ، وإن كانت طرائق من يقول بذلك من الزيدية مخالفة لطرائق الإمامية " ( ) .
ولعله يقصد بذلك أن العصمة عند الإمامية الإثنى عشرية مطلق ، فيتعلق بالذنوب والخطأ ، والسهو ، والنسيان . وأما عند الزيدية القائلين بالعصمة ، فالعصمة تقتصر على الذنوب فقط .
وأورد الصاحب بن عبّاد (تـ385هـ) الأدلة العقلية للزيديين الذين ذهبوا إلى القول بالعصمة :
الأول : إنهم يقولون : إن الإمام مؤتمن في أمور الدين من قبل الله تعالى ، والله تعالى لا يجوز أن يأتمن من ليس بأمين ، وإذا كان كذلك علمنا أنه متى عدل الأمانة كان الله تعالى يكشف حاله للناس .
والثاني : إنهم يقولون إن الإمام متى لم يكن معصوما لم يؤمن أن يكون معتقدا الإلحاد والكفر ، فيكيد الإسلام كيدا لا يمكن تلافيه . ثم ردّهم بأن هذا الزعم فاسد من وجهين :
- فالأول ، أن الإمام مؤتمن في هذه الأمور من جهة الظاهر ، فسبيله في هذا الباب سبيل الأمراء والحكام ، فكما لا يجب على الله  كشف حالهم للناس ، كذلك لا يجب كشف حال الأئمة .
- والثاني ، أنه لا فصل بين من يجعل هذا علة في عصمة الإمام ، وبين من يجعلها علة في وجوب عصمة أمير الجيش ، لذلك فإن أمير الجيش الذي ينصبه الإمام ، وينفذه لحفظ الثغور ومجاهدة الكفار ، متى لم يكن معصوما لم يؤمن أن يكيد الإسلام كيدا لا يمكن تلاقيـه ، فإذا لم يوجب ذلك عصمة الأمير ، لم يوجب عصمة الإمام أيضا ( ) .
والآن ننظر ، كيف أمكن للزيدية نقد مقالة الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية بأن الإمام معصوم من جميع الرذائل والفواحش ، ومن الخطأ والسهو والنسيان . وما إلى ذلك من صفات يخصها النبي  .
يحدثنا علماء الزيدية عن اعتقاد الإسماعيلية الباطنية في الإمام ، فقالوا : " إنهم اتفقوا على أنه لا بد في كل عصر من إمام معصوم ، قائم بالحق ، يرجع إليه في تأويلات الظواهر ، وحل الإشكالات في القرآن والأخبار ، ويكشف كل ملبس في المعقولات ، وأنه يساوي النبي في العصمة والاطلاع على حقيقة كل شيء ولا ينزل عليه وحي ، بل يتلقى ذلك من النبي  لأنه خليفته ، لذلك يجب نصب الإمام لإقامة الحدود ، وحفظ بيضة الإسلام ، والذب عن حوزته ، وتعرف وجوب الواجبـات ، وقبح المقبحـات ، وفيه صـلاح الدين والدنيا ، وزعموا أن الإمام يعلم الغيب " ( ) . وقد أحسن الصاحب بن عبّاد (تـ385هـ) في الرد على القائلين بالعصمة ، وذلك حين يرد استدلالهم في أن الإمام يحلّ محلّ الرسول  ، لذلك وجب أن يشارك الإمام الرسول في العصمة . فيقول ردّا عليهم : " إن هذه الشبهة مبنية على إيهامات ودعاوى غير مسلّمة ، لأنهم أرادوا بهذا القول ، أن الشريعة لا تعلم إلا من جهته، كما لا تعلم إلا من جهة النبي  وآله " ( ) .
وأورد الإمام يحيى بن حمزة الزيدي (تـ749هـ) شبههم في وجوب العصمة والرد عليها في كتابه (مشكاة الأنوار)، منها:
الأول : قولهم إن الإمام قائم مقام رسول الله  ، فيما يتعلق به من أمر الدين كله ، فإذا كان النبي معصوما ، فوجب أن يكون الإمام أيضا معصوما . ويرد هذا القول بأنهم بذلك يجمعون بين الأمور المتباعدة التي لا يجمعها جامع ، ويوافقون بين الأشياء المتباينة التي لا يطمع في موافقتها طامع ، فلم يجب إذاً كون النبي معصوما أن يكون الإمام معصوما مثله .
والثاني : قولهم لما كان الرجوع فيما يجب معرفتـه من علوم الدين و أحكام الشريعة إلى الإمام ، فلو لم نقض بوجوب عصمته ، لم يؤمن عليه الخطأ فيما يجيب عنه إذا سئل ، فيجب أن يكون معصوما . ويرد هذا القول بأنه لا حاجة إلى عصمة الإمام ، فإن العلوم يشترك في طريق تحصيلها الكل ، والإمام لا يولد عالما ، ولا يوحى إليه، ولكنه يتعلم ، وطريق غيره كطريقه من غير فرق .
والثالث : قولهم لما أوجب الله طاعة الإمام بقوله تعالى : أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ( ) . فوصل طاعة الإمام بطاعة رسوله ، وكان في الحكمة غير موجود ، وصل الدرة بالبعرة ، ولا يوصل الشريف بالدنس ، ولا الطاهر بالنجس ، وكان العطف من حقه المشاركة بين الجنسين ، فلما وصل طاعة الإمام بطاعة الرسول المعصوم ،لم يكن إلا لكونه مثله في العصمة ، فيجب اعتقاد عصمته . ويرد هذا القول بأنه بذلك يدل على جهلهم باللغة وعلم العربية ، وذلك أن العطف إنما يشارك المعطوف عليه فيما يتعلق بعوارض الألفاظ والمعـاني دون الصفات ، ثم أعطى مثالا : إذا قيل : جاء زيد وعمرو ، فتعطف عمرا على زيد مشاركة فيما يتعلق بحكم اللفظ والمعنى ، فاللفظ فيما يتعلق بحكم الإعراب والعامل ، والمعنى فيما يتعلق بثبوت المجيء لهما جميعا ، ولا يلزم إذا كان أحـدهما أبيض أن يكون الآخـر أبيض مثله ( ) .
وفي موضع آخر يذكر الفقيه الزيدي الإمام يوسف بن أحمـد عثمان (تـ832هـ) ( ) استدلال الرافضة من الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية على عصمة الأئمة بقوله  :  وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ  ( ) . فيحدثنا الإمام أن الرافضة احتجوا بهذه الآية على أن الإمامة لا يستحقها من ظلم مرّة، وراموا الطعن في إمامة أبي بكر وعمر ، ثم ينتقد استدلالهم على عصمة الأئمة بهذه الآية ، إذ يقول : " لا يصح ، لأن العهد إن حمل على النبوة فلا حجّة ، وإن حمل على الإمامة فمن تاب من الظلم لا يوصف بأنه ظالم ، ولم يمنعه –تعالى– من نيل العهد إلا حال كونه ظالما " ( ) .
ويفهم من هذا النص أنه لا يمكن التسليم بالقول بأن من ارتكب ظلما ، ثم تاب منه ، لحقه وصف الظلم ولازمه.
وعلى أية حال ، فليس في القرآن ولا في السنة ولا في الإجماع ولا في العقل دلالة على عصمة من يدّعونه إماما ، وفي ذلك يبين لنا الإمام محمد بن الحسن الديلمي (تـ711هـ) فساد زعمهم بعصمة الإمام – على الرغم من إثباته العصمة لعليّ والحسن والحسين – وذلك في حديثه عن إبطال قول الإسماعيلية بالباطن ، فيرى أنه ليس للعقل دلالة على عصمة من يدّعونه إماما ، ذلك لأنهم لا يعتمدون أساسا على حجية العقل ، وإنما الحجة في جميع الأمور والاستدلالية أرجعوهم إلى الإمام المعصوم ، وكذلك ليس في الكتاب وفي السنة وفي الإجماع دلالة على عصمة من يدّعونه إماما ، لأن شيئا من ذلك ليس بحجة عندهم ، لأنه متى كان المراد بكل ظاهر من ذلك معنى باطنا ، لا يفيده بحقيقته ولا بمجاز ولا تمكنهم معرفته إلا من جهة الإمام المعصوم ، وجب ألا يصحّ الرجوع في معرفة عصمة الإمام إلا إليه ، ولا يصح الرجوع إليه في ذلك ، ولا في غيره من العلوم إلا بعد العلم بعصمته فيقف كل واحد من العلمين على صاحبه وهو الدور المحال " ( ) . فهذا هو الجهل في البصيرة والزيغ والإعوجاج في السير( ) .
و يرد الإمام صالح المقبلي الزيدي (تـ1108هـ) لمن يعتقد بعصمة الإمام ، سواء كان من الإمامية أو الإسماعيلية أو الزيدية الذين قالوا بعصمة أهل الكساء ، فيقرر أنه لا سند لهم في الاعتقاد بتلك العصمة ، وفي ذلك يقول : " ولو ادّعى مدّع عصمة غير الأنبياء لم يقم له دليل ، كدعوى الرافضة عصمة أئمتهم ، ودعوى الزيدية عصمة عليّ وفاطمة والحسنين  " ( ) . والملاحظ من هذا النص ، أن الإمام صالح المقبلي الزيدي (تـ1108هـ) قد أطلق على الزيدية القول بعصمة أهل الكساء ، مع أن الصحيح –كما أوردناه سابقا– أن القائلين بذلك من الزيدية هم أقلية ، لأن جمهورهم لا يشترطون العصمة للإمام .
وفي موضع آخر يحاول الإمام الشوكاني الزيدي (تـ1250هـ) أن يردّ على قول الإسماعيلية الباطنية بعصمة الأئمة ، إذ يقرر أن المعصوم إنما هو رسول الله  على الخصوص ، والحجّة إنما هي ما جاء عن الله وعنه ، ويرى أنه إذا كانت قد وردت فيهم أحاديث بأنهم من أهل الجنة ، فإنه لا تلازم بين دخول الجنة والعصمة ، وإلا أثبتنا العصمة للعشرة المبشرين ، وكل أفراد الصحابة الذين وردت فيهم أحاديث تدل على أنهم من أهل الجنة ، كعبد الله بن سلام ، وحارثة بن سراقة ، وطلحة بن عبد الله ، وكأصحاب بدر ، وأهل بيعة الرضوان ، وغيرهم . فلو كان دخول الجنة مستلزما للعصمة كان أكثر أكابر الصحابة معصومين ، واللازم باطل ، فالملزوم مثله ( ) .
وللإمام يحيى بن حمزة الزيدي (تـ749هـ) ردّ جدير بالاعتبار ، فهو أنه يرى على الرغم من اتفاق جميع الفرق الشيعة على ولاية أئمة أهل البيت لقوله  :  وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ  ( ) . ولكنه لم يذكر لفظ (العصمة) أو أية إشارة تفيد ذلك ، وعلى هذا ، فيبطل قول الباطنيين بعصمة الإمام . وينص قوله :" إنا نقول لمن يشترط العصمة، إن الله أوجب طاعة الأئمة بقوله :  وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ  ( ) . ولم يشترط العصمة ، وهو في محلّ التعليم وموضعه ، فلو كانت مشترطة من جهـة الشرع لذكرها " ( ) . وعلى أية حال ، فإنه لا يجوز لأحد أن يقيس الإمام على النبي  ، ذلك لأن النبي  مهبط الوحي ، ومعلم الشريعة ، وأن الإمام ليس كذلك ، وعلى هذا فلا يجب عصمته ( ) . وفي موضع آخر يذكر الإمام يحيى بن حمزة الزيدي (تـ749هـ) أن هناك عددا من ظواهر الآيات القرآنية مشعرا ببطلان عصمة الأنبياء ، كقوله  : ] عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ [ ( ) . وقوله  : ] لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [ ( ) . وقوله  : ] وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ [ ( ) . فظواهر هذه الآيات يدل على عدم عصمة الأنبياء ، وذلك لأن الله  غقر ذنوب أنبيائه ( ) . ومن ثم ، يقرر الزيدية كما يقول الإمام أحمد ابن سليمان (تـ566هـ) : " اعلم أنه لا يقال : إن النبي معصوم عن جميع المذمومات والمعاصي ، لأنه لو كان كذلك ، لم يكن له ثواب في لزامه لنفسه عن المحرّمات ، ولما كان محمودا في ترك الشهوات ، ولما كان يوسف في لزْمه لنفسه عن امرأة العزيز محمودا ومُثابا ، وقد قال الله  :  وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ  ( ) . فصحّ أن يوسف  لزم نفسه عنها ، لا عن عصمة . ولا نقول إن الله عصمه منها ، بل نقول : إن الأنبياء مخيّرون ممكّنون كغيرهم من الآدميين ، بل إنهم أقوى على نفوسهم وعلى لزمها من المحرّمـات لما شهدوا من الدلائل والمعجزات والرسالة من الله لهم والآيات " ( ) .
هكذا موقف الزيدية من ادّعاءات الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية بعصمة الأئمة ، فأبطلوا بأنه ادّعاء باطل لا يستند إلى أدلة قاطعة ، لا من القرآن ، ولا من السنة ، ولا من العقل . وناقشهم بأن الأنبياء صلوات الله عليهم قد أخطأوا في بعض الأحيان كالناس ، ثم تابوا من أفعالهم . وهذا حال الأنبياء ، فما بال الأئمة الذين لم يستطيعوا أن يصلوا إلى درجة النبوة .
وبعد عرضنا لموقف الزيدية - المختلفة والمتباينة - من العصمة ومناقشتها لآراء الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية ، نأتي الآن ببيان موقف أهل السنة من العصمة الشيعية .
خامسا : موقف أهل السنة من عصمة الأئمة عند الشيعة
لعله قد اتضح مما سبق ذكره أن الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية أقروا بعصمة الإمام ، بينما الزيدية رفضوا هذه العقيدة ، إلا قليل منهم زعموا بأن العصمة ثابتة لأهل الكساء دون غيرهم من الأئمة ، فأثبتوا العصمة للنبي  ، وعليّ بن أبي طالب، والحسن ، والحسين ، وفاطمة . وقد استنـدوا إلى ذلك بقـول  :  إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيرًا  ( ) .
والحقيقة أن الإرادة مضافة إلى الله  بمعنين في القرآن : شرعية تتضمن محبة الله ورضاه ، وكونية قدرية، تتضمن خلقه وتقديره . فالإرادة الشرعية كما في قوله تعالى :  يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ  ( ) . وقوله تعالى :  وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ  ( ) . وقوله تعالى :  مَا يُرِيـدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْـكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ  ( ) . فإرادته تعالى في هذه الآيات متضمنة لذلك المراد ورضائه به ، وأنه شرعه ليس في ذلك أنه خلق هذا المراد ، ولا أنه قدره وأوجده . وأما الإرادة الكونية القدرية فكما في قوله تعالى :  فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ  ( ) . وقوله تعالى :  وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ  ( ) . وقوله تعالى :  وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ  ( ) . وهذه الإرادة مستلزمة لوقوع المراد ، بمعنى أنه لا بد من وقوع مرادها ( ) .
فالإرادة إذن في قوله تعالى :  إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا  ( ) . هي من النوع الأول المتضمنة محبة الله لذلك ، وليس كما يتوهمها الشيعة بأنها التي يقع عنـدها المراد . ذلك أن الرسول  بعد نزول الآية قال : » اللهم هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيرا « ( ) ، فطلب الرسـول  من الله ذلك ، فلو كانت الآيـة تتضمن الوقوع ، ولا بد لم يحتج إلى الدعاء ( ) . كما أن إرادة إذهاب الرجس بالتطهير ، لا يدلان على عصمة من تشملهم الآية ، إذ لا يقال في حق من هو طاهر : إني أريد أن أطهّره ، ضرورة امتناع تحصيل الحاصل ، ولو كانت إفادة معنى العصمة مقصودة لقيل هكذا : إن الله أذهب عنكم الرجس أهل البيت ( ) .
وبالإضافة إلى ذلك ، فإن لو كان ذلك التطهير وإذهاب الرجس يدلان على العصمة أو يستفاد منهما هذا، لكان ينبغي أن يكون الصحابة  ولا سيما الحاضرين في غزوة بدر قاطبة معصومين ، لأن الله  قال في حقهم :  وَلَكِنْ يُرِيـدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَـهُ عَلَيْـكُمْ  ( ) . وقال  :  لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْـزَ الشَّيْطَانِ  ( ) . وظاهر أن إتمام النعمة في الصحابة كرامة زائدة ، ووقوع هذا الإتمام أدل على عصمتهم ، لأن إتمام النعمة لا يتصور بدون الحفظ عن المعاصي وشر الشيطان ( ) .
إذن ، فالآية لا تفيد على عصمة من تناولته من أهل البيت ، وأن الاستدلال على عصمة الأئمة يبطله دخول الزوجات وفاطمة في أهل اليبت .
وعلى الرغم من ذهاب بعض الزيدية إلى القول بالعصمة كما أوردناه سابقا ، فإنه لا يقلل من جهودهم في الرد على الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية في هذه المسألة . لأن جمهورهم لا يعتقدون بالعصمة ، لذلك يقرر عدد من العلماء – منهم السيد محمود شكري الألوسي في كتابه ( مختصر التحفة الإثنى عشرية ) ، و محمد بن الحسن الطوسي في كتابه ( الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد ) بأن جميع الزيدية لا يشترطون العصمة في الإمامة . وقد أثبتنا ذهاب بعض الزيدية إلى القول بالعصمة ، لذلك أن التعميم في هذه المسألة باطل لا أساس له .
ومن هنا ، قد استبعد الشيخ علي عصفور أن يكون الزيدية ضمن فرق الشيعة لعدم اعترافهم بعصمة الأئمة ، كما ذهب إلى أن الذين اشتهروا بالقول بالعصمة هم الشيعة الإمامية خاصـة ، ويدل على ذلك قوله : " إن الشيعة الإمامية الإثنى عشرية خاصة، تعتقد أن تحصيل الأحكام الشرعية في جميع الوقائع من الكتاب العزيز والسنة الشريفة لا بد له من نفس قدسية ، لتكون العلوم الكسبية بالنسبة إليها كفطرية القياس معصومة من الخطأ ، ولا يقوم مقامها غيرها في ذلك " ( ) .
وعلى أية حال ، فإن إسباغ العصمة عليهم ، يهدف بذلك ليتمكنوا من توجيه الناس دونما أية معارضة أو مخالفة ، باعتبار أنهم كالنبي  ، فمخالفة الإمام مخالفة للنبي  الذي يستحق عليه الخروج عن الدين .
وقد تضمن نهج البلاغة بعض الخطب التي قد يستفاد منها عدم العصمة ، من ذلك قول الإمام علي  في دعائه : " اللهم اغفرلي ما أنت أعلم به مني ، فإن عدت فعد علىّ بالمغفرة ، اللهم اغفرلي ما رأيت من نفسي ولم تجد وفاء عندي ، اللهم اغفرلي ما تقربت به إليك بلساني ثم خالفه قلبي ، اللهم اغفرلي رمزات الألحاظ ، وسقطات الألفاظ ، وسهوات الجنان ، وهفوات اللسان " ( ) . ومنها أيضا قوله لأصحابه : " فلا تكفوا عن مقالة بحق ، أو مشُورة بعدل ، فإني لست في نفسي بفوق أن أُخطئ ، ولا آمَن ذلك من فعلي ، إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به منّي ، فإنما أنا وأنتم عبيد مملوكون لربّ لا ربّ غيره ، يملك منّا ما لا نملك من أنفسنا ، وأخرجنا ممّا كنّا فيه إلى ما صلحَنا عليه ، فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى ، وأعطانا البصيرة بعد العمي " ( ). فقد اعترف أمير المؤمنين في كلتا الخطبتين بالذنوب ، فيطلب المغفرة من الله عليها .
ويرى القاضي عبد الجبار – المتكلم المعتزلي – أن قولهم بعصمة الإمام من أول العمر إلى آخره ، وأنه لا يكون إمامان في وقت واحد يلزمهم أن يكون حال الحسن والحسين في الإمامة كحال أمير المؤمنين في عصره ، لأنهما معصومان مثله ، وهذا يوجب أئمة في الزمان ، كما أنه هذا يلزمهم أن يكون عليّا إماما أيضا في عهد الرسول  وأن يقوم بالحدود والأحكام دون مراجعة الرسول في شيء من ذلك ، وهذا يبين فساد ما عولوا عليه في العصمة ( ) .

نتائج البحث
كان الهدف الأساسي من هذا البحث هو محاولة استكشاف آراء الفرق الشيعية - الزيدية ، الإمامية الإثنى عشرية ، الإسماعيلية الباطنية – ، وقد توصلت من خلال هذا البحث إلى عدد من النتائج تتمثل فيما يلي :
- الأول : إن موضوع العصمة له صلة وثيقة بموضوع الإمامة عند الشيعة ، وهي من أهم الأمور الدينية عندهم ، لأن العصمة في رأيهم شرط أساسي في الإمامة ، حتى صارت وصفا ملازما لها ، هذا ما ذهب إليه الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية .
- الثاني : وأما الزيدية فلم يتفق قولهم في العصمة ، فمنهم من يقول بعصمة أهل الكساء فقط دون غيرهم من الأئمة . ومنهم من يقول بعصمة الإمام عليّ فحسب ، ومنهم من يقول بعصمة الأئمة كلهم – كما ذهب إليه الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية لقولهم إن الأئمة بشر ولكنهم معصومون – ، ومنهم من نفوا العصمة مطلقا .
- وعلى الرغم من هذا الاختلاف ، وقد توصلت من خلال اطلاعي على المصادر المتوفرة لدىّ إلى أن جمهور الزيدية لا يرون العصمة للأئمة . ومن هنا قام معظم علماء الزيدية بنقد آراء الإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية في هذه المسألة ، حتى تولى الصاحب بن عبّاد الزيدي المعتزلي الرد على إخوانهم الزيديين الذين يقولون بعصمة الأئمة . والجدير بالاعتبار هنا ، هو انتقاد الزيدية للإمامية الإثنى عشرية والإسماعيلية الباطنية في هذا المقام ، إذ قرروا أنه ليس في القرآن ، ولا في السنة ، ولا في الإجماع ، ولا في العقل دلالة على عصمة من يدّعونهم إماما . حتى الأنبياء قد أخطأوا في بعض الأحيان كالناس ، ثم تابوا من أفعالهم ، وهذا حال الأنبياء ، فما بال الأئمة الذين لم يستطيعوا أن يصلوا إلى درجة النبوة .
فهذا أهم ما توصلت إليه من نتائ ، ولعلّي بهذا البحث قد أعطيت كلّ ذي حقّ حقه، حيث حاولت بقدر الإمكان معالجة قضايا هذا البحث بموضوعية ، وخاصة عند عرض عقائد الفرق والمذاهب ، فاعتمدت على مصنفات أصحابها ، دون الرجوع إلى روايات المخالفين لها .
والله أعلم

مراجع البحث
1) الإرشاد ، الإمام الحرمين الجويني ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، 1369هـ - 1950م ، تحقيق : محمد يوسف موسى و علي عبد الحميد .
2) الإسلام والعقل ، محمـد جواد مغنية (إمامي) ، دار ومكتبة الهلال و دار الجواد ، بيروت – لبنان ، 1984م .
3) الإفحام لأفئدة الباطنيـة الطغام ، الإمام يحيى بن حمزة (زيدي) ، منشأة المعارف ، الإسكندريـة – مصر ، ط1/1971م ، تحقيق : د. فيصل بدير عون .
4) أمالي المرتضى ، علي بن الحسـين الموسوي المعـروف بـ "الشريف المرتضى" (تـ436هـ) (إمامي) ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، ط2/1387هـ - 1967م ، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم .
5) الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى و أثره في الفكر الإسلامي ، د. محمد حسن الكمالي ، دار الحكمة اليمانية ، صنعاء ، ط1/1992م .
6) الإمام زيد ، أبو زهرة ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، بدون تاريخ .
7) الإمامة في الإسلام ، د. عارف تامر (باطني معاصر) ، دار الأضـواء ، بيروت – لبنان ، ط1/1998م.
8) الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد ، محمد بن علي بن الحسين ابن بابويه القمي (تـ381هـ) (إمامي) ، مطبعة الآداب ، النجف الأشرف ، 1979م .
9) البحر الزخار ، (جـ2 ، 6) ، الإمام أحمد بن يحيى المرتضى (تـ840هـ) (زيدي) ، دار الكتب العلمية، بيروت ، ط1/2001م ، تحقيق : دكتور محمد محمد تامر .
10) تاج العقائد ومعدن الفوائد ، الداعي علي بن الوليد (تـ612هـ) (باطني) ، دار المشرق ، بيروت – لبنان ، بدون تاريخ، تحقيق : د. مصطفى غالب .
11) تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة ، د. عبد الله فياض ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ، ط3/1986م .
12) الثمرات اليانعة والأحكام الواضحة المقتطفة من آي القـرآن ، 1/الورقة 60 ، الإمام يوسف بن أحمد بن عثمان (تـ832هـ) (زيدي) ، مخطوط بمكتبة الأزهر ، رقم : 1085 ، ورقم : 32351 .
13) جامع الرسائل – المجموعة الأولى – ، ابن تيمية ، تحقيق : د. محمد رشاد سالم ، مطبعة المدني ، القاهرة ، ط1/1969م .
14) الجواب المختار ، الإمام القاسم بن محمد (زيدي) ، ضمن مجموع كتب ورسائل الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد .
15) جواب المسائل الشتوية والشبه الحشوية ، الإمام حميدان بن يحيى (تـ656هـ) (زيدي) ، مركز أهل البيت للدراسات الإسلامية ، اليمن – صعدة ، ط1/1424هـ - 2003م ، ضمن مجموع السيد حميدان ، تحقيق : أحمد أحسن علي الحمزي و هادي حسن هادي الحمزي.
16) الحركات الباطنية في الإسلام ، د. مصطفى غالب (باطني معاصر) ، دار الأندلس ، بيروت – لبنان ، ط2/1982م .
17) دامغ الباطل وحتف المناضل (جـ 1 ، 2) ، الداعي علي بن الوليد (تـ612هـ) (باطني) ، مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر ، بيروت – لبنان ، 1982م ، تحقيق : د. مصطفى غالب .
18) الدر الثمين ، السيد محسن الأمين الحسيني العاملي (إمامي) ، مطبعـة الآداب ، النجف – عراق ، بدون تاريخ .
19) الدرر الفرائد ، الإمام أحمد بن يحيى المرتضى (زيدي) ، ورقة 194 ، ب جـ 2 ، مخطوط بمكتبة الجامع الكبير بصنعا .
20) الزيدية ، عبد الله بن محمد حميد الدين ، مركز الرائد للدراسات والبحوث ، صنعا – اليمن ، ط1/1424هـ - 2004م.
21) الزيدية ، نشأتها ومعتقداتها ، القاضي الأكوع ، دار الفكر بدمشق ودار الفكر المعاصر ببيروت – لبنان ، ط3/1997م –.
22) شبهات حول التشيع ، ، الشيخ علي محمد محسن آل عصفور ، نشر : جمعية دنيا الإسلام ، ط2 ، بدون تاريخ .
23) شرح الأساس الكبير ، (جـ 1 ، 2) ، الإمام أحمد الشرفي (تـ1055هـ) (زيدي) ، دار الحكمة اليمانية ، صنعا ، ط1/1991م ، تحقيق : د. أحمد عطا الله عارف .
24) شرح الأصول الخمسة ، القاضي عبد الجبار (تـ415هـ) ، تعليق : أحمد بن الحسين بن أبي قاسم الزيدي ، مكتبة وهبـة ، القاهرة ، ط3/1996م ، تحقيق : د. عبد الكريم عثمان .
25) شرح عقائد الصدوق ، الشيخ المفيد (إمامي) ، ص 114 ، تبريز 1371هـ .
26) الصلة بين التصوف والتشيع ، د. كامل مصطفى الشيبي (إمامي) ، دار المعـارف ، القاهرة ، ط2/بدون تاريخ .
27) ضحى الإسلام ، أحمد أمين ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، ط10/1964م .
28) عقائد الإمامية ، الشيخ محمد رضا المظفر (إمامي) ، مطبوعات النجاح ، القاهرة ، بدون تاريخ .
29) عقود الزبرجد في جيد مسائل علامة ضمد ، الإمام محمد بن علي الشوكاني (تـ1250هـ) (زيدي) ، ضمن أمناء الشريعة ، دار النهضة العربيـة ، القاهرة ، بدون تاريخ ، تحقيق : د. إبراهيم إبراهيم هلال .
30) عقيـدة الشيعة ، دونالدسن ، مطبعة السعـادة ، مصر ، 1946م ، ترجمة : ع . م .
31) العلم الشامخ في تفضيل الحق على الآباء والمشايخ ، الإمام صالح بن المهدي المقبلي (تـ1108هـ) (زيدي) ، مكتبة دار البيان دمشق – سوريا ، بدو تاريخ .
32) الفرق بين الفرق ، عبد القاهر البغدادي (تـ429هـ) ، دار الآفاق الجديدة ، بيروت ، ط2/1977م .
33) الفلسفة والاعتزال في نهج البلاغة ، د. قاسم حبيب جابر ، المؤسسة الجامعية للدراسات النشر والتوزيع ، بيروت – لبنان، ط1/1407هـ - 1987م .
34) قواعد عقائد آل محمد ، الإمام محمد بن الحسن الديلمي (تـ711هـ) (زيدي) ، مكتبة اليمن الكبرى ، الصنعاء ، 1987م . تقديم : الشيخ زاهد الكوثري .
35) كتاب إثبات الإمامة ، الداعي أحمد النسيابوري (باطني) ، دار الأندلس ، بيروت – لبنان ، 1996م ، تحقيق : د. مصطفى غالب .
36) كتاب الأساس لعقائد الأكياس ، الإمام القاسم بن محمد بن علي (تـ1029هـ) (زيدي) ، دار الطليعـة ، بيروت – لبنان ، 1980م ، تحقيق : د . ألبير نصري نادر .
37) كتاب القلائد في تصحيح العقائد (جـ1) ، الإمام أحمـد بن يحيى المرتضى (تـ840هـ) (زيدي) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1/2001م ، ضمن مقدمة البحر الزخار ، تحقيق : دكتور محمد محمد تامر .
38) كتاب الملل والنحل جـ1، الإمام أحمد بن المرتضى (زيدي) ، ضمن مقدمة البحر الزخار ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1/2001م ، تعليق : دكتور محمد محمد تامر .
39) كتاب حقائق المعرفة في علم الكلام ، الإمام أحمد بن سليمان (تـ566هـ ) (زيدي) ، مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافيـة ، صنعا – اليمن ، ط1/1424هـ - 2003م ، تحقيق : حسن بن يحيى اليوسفي.
40) كتاب ينابيع النصيحة في العقائد الصحيحة ، الإمـام شرف الدين بن بدر الدين (تـ663هـ) (زيدي) ، دار الحكمة اليامنية ، صنعا – اليمن ، ط1/1418هـ - 1998م .
41) لسان العرب ، ابن منظور (تـ711هـ) ، دار صـادر ، بيروت ، ط1/ بدون تاريخ مجموع فتاوى له ، 4/435 .
42) محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين ، فخر الدين الرازي (تـ606هـ) ، مكتبة الكليات الأزهرية ، القاهرة ، بدون تاريخ .
43) مختار الصحاح ، الرازي ، مكتبة لبنان ، بيروت ، 1993م .
44) مختصر التحفة الإثنى عشرية ، السيد محمود شكري الألوسي ، المطبعة السلفية ، القاهرة ، 1373هـ ، تحقيق وتعليق : الأستاذ محب الدين الخطيب .
45) مشكاة الأنوار الهادمة لقواعد الباطنية الأشرار ، الإمام يحيى بن حمزة (تـ749هـ) (زيدي) ، دار الفكر الحديث ، القاهرة ، ط1/1973م ، تحقيق : د. محمد السيد الجليند .
46) المصابيح في إثبات الإمامة ، الداعي أحمد حميد الدين الكرماني (تـ411هـ) (باطني) ، دار المنتظر ، بيروت – لبنان ، ط1/1416هـ - 1996م ، تحقيق : د. مصطفى غالب .
47) المغني في أبواب التوحيد والعدل (جـ 1،2 )، القاضي عبد الجبار (تـ415هـ) ، الدار المصرية للتأليف والترجمـة ، 1960م ، تحقيق : د. عبد الحليم محمود و سليمان دنيا ، مراجعة : د. إبراهيم مدكور ، إشراف : د.طه حسين .
48) المنتقى من منهاج الاعتدال ، الذهبي ، المطبعة السلفية ، القاهـرة ، 1374 هـ . تحقيق : محب الدين الخطيب .
49) منهاج الكرامة في معرفة الإمامة ، ابن المطهر الحلي (تـ726هـ) (إمامي) ، مؤسسة عاشوراء ، إيران ، بدون تاريخ ، تحقيق : عبد الرحيم مبارك .
50) الموعظة الحسنة ، الإمام أبو القاسم بن محمد الحوثي (تـ1319هـ) (زيدي) ، مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية ، صنعا، اليمن ، ط2/1424هـ - 2003م ، تعليق : السيد إبرايهم بن محمد المؤيدي .
51) موقف الزيدية وأهل السنة من العقيدة الإسماعيلية وفلسفتها، د/ كمال الدين نور الدين مرجوني، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2009م.
52) النجاة ، الإمام أحمد بن يحيى بن الحسين ، (تـ325هـ) (زيدي) ، دار الآفاق العربية ، القاهرة ، ط1/2001م ، تحقيق : د. إمام حنفي عبد الله .
53) نشـأة الفكر الفلسفي في الإسلام (جـ2) ، دار المعارف ، القاهرة ، ط 8/ بدون تاريخ .
54) النظريات السياسية الإسلامية ، د. ضيـاء الدين الريس ، مكتبة دار التراث ، القاهرة ، ط6/1976م .
55) نظرية الإمامة وإشكالية الغيبة ، السيد علي عباس الموسوي (إمامي) ، مقالة بمجلة "المنهاج" ، تصدر عن مركز الغدير للدراسات الإسلامية ، بيروت – لبنان ، السنة الثامنة ، العدد 32 ، 1424هـ -2004م.
56) نهج البلاغة ، الإمام عليّ (تـ40هـ) ، دار الجيل ، بيروت – لبنان ، بدون تاريخ ، شرح : الشيخ محمد عبده .